حلت اليوم 27 ماي 2018الذكرى 48 لوفاة زعيم الوحدة المرحوم عبد الخالق الطريس طيب الله ثراه أحد زعماء حزب الاستقلال إلى جانب الزعيم الراحل سيدي علال الفاسي والفقيد امحمد بوستة، بعثهم الله لخدمة وطننا العزيز في فترة تاريخية عصيبة ليبسطوا للأجيال اللاحقة معالم طريق الحرية والاستقلال والانعتاق من الاحتلال الغاشم، ويبثوا روح المواطنة والعزة والكرامة لدى أفراد الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة. سيظل الأستاذ عبد الخالق الطريس مثالاً رفيعاً عزيز النظير للمناضل الوحدوي الصلب الذي يؤمن بمبدأ الوحدة الترابية لبلاده، ويتشبث بها، ويدافع عنها، ويضحي من أجلها. فعلى تعدد مناحي النضال الوطني في سبيل الوحدة، وعلى الرغم من التنوع في أشكال الكفاح السياسي من أجل الوحدة الوطنية وكثرة المناضلين الذين ارتبطت حياتهم الوطنية بالوحدة، فإن الطريس نسيج وحده في النضال المستميت من أجل توحيد المغرب وإبطال المؤامرة الاستعمارية التي مزقت أوصال بلادنا كما لم تمزّق بلاد عربية إسلامية إفريقية عرفت الاستعمار في القرنين التاسع عشر والعشرين. لما أسس الأستاذ عبد الخالق الطريس حزب الإصلاح الوطني في ديسمبر عام 1936، لم يكن يؤسس حزباً شمالياً يناضل من أجل تحرير المنطقة الخليفية، وإنما كان الهدف الأكبر الذي رسمه لحزبه، هو الكفاح السياسي على المبادئ الوطنية من أجل استقلال المغرب وتحريره استقلالاً تاماَ وتحريراَ شاملاَ. كان المنطق الأول لحزب الإصلاح الوطني هو الخروج من الوضعية المؤقتة التي فرضتها معاهدة الحماية والاتفاقية الفرنسية الإسبانية الموقعة في نوفمبر 1912، إلى الوضعية الدائمة في ظل الاستقلال والحرية. ولذلك ظل الطريس على اتصال دائم بالقيادات الوطنية في فاسوالرباط وسلا، ولم يكن يتصرف بمنأى عنهم، أو يتخذ من القرارات ما يتعارض مع ما يتخذونه هم من قرارات، وذلك في إطار من التنسيق والتكامل والتشاور. وإذا كان حزب الإصلاح الوطني قد سبق في الظهور الحزب الوطني، لتحقيق مطالب الشعب المغربي بشهور قليلة، فإن ذلك يرجع إلى الظروف التي كانت سائدة في الشمال. ولم يكن الحزبان يختلفان في المبادئ والأهداف، وإن اختلفت الوسائل وآليات تنفيذ هذه المبادئ وتلك الأهداف. وعندما سُلطت آلة القمع الاستعماري على الحزب الوطني في أكتوبر من عام 1937، ظل حزب الإصلاح الوطني في الشمال هو الملاذ والمنفذ والصوت المعبر عن الحركة الوطنية المغربية، وكان الطريس هو المناضل الوحدوي القدوة الذي يمثل جماع الأسرة الوطنية المغربية في تلك المرحلة الصعبة من مراحل الكفاح الوطني المغربي. بعد عشرين عاماً من تأسيس حزب الإصلاح الوطني، استقل المغرب، فكان من طبيعة الأشياء أن يبادر الطريس إلى اتخاذ القرار الوطني الشجاع المناسب في الوقت المناسب. فكان القرار التاريخي بإعلان اندماج حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال أسابيع قبل زيارة جلالة الملك محمد الخامس إلى تطوان في 9 أبريل عام 1956. وإذا كان القرار الذي اتخذه الطريس لم يُفهم على حقيقته من لدن طائفة من المؤرخين والمهتمين بالشأن العام، فإن ذلك لا أهمية له، لأن المواقف البطولية والقرارات السياسية التاريخية، لا يدرك كنهها إلا من أوتي حظاً وافراً من الفهم المبرأ من الهوى، وتلك نعمة من الله يؤتيها من يشاء. لم يكن عبد الخالق الطريس مناضلاً سياسياً يحترف العمل السياسي، ولكنه كان مناضلاً وطنياً مؤمناً بالمبادئ الوطنية، وواعياً بالدور الذي كان ينهض به، ومدركاً للمرحلة التي يجتازها المغرب. كان الطريس مؤمناً أشد ما يكون الإيمان – وأنقاه وأصفاه- بأن المغرب وحدة متكاملة متجانسة، وبأن الحفاظ على هذه الوحدة هي مسؤولية كل المناضلين الوطنيين، وهي رسالة الحركة الوطنية، وهي الأمانة العظمى للعرش المغربي. ولذلك قام الطريس بدور بالغ التأثير والنفوذ، حينما امتدت أيدي الاستعمار إلى رمز الوحدة المغربية جلالة الملك محمد الخامس، فنفته خارج الوطن. هنا تحرك الطريس المناضل الوطني الوحدوي، إذ رفض الأمر الواقع، ووقف في وجه المؤامرة الثانية التي كانت هذه المرة من تدبير إسبانيا، وأعلن في شجاعة نادرة وقوة نفس وشدة بأس، أن ملك المغرب هو جلالة الملك محمد الخامس، وأن الخليفة مولاي الحسن بن المهدي، إنما هو خليفة ملك المغرب، وأن الشمال جزء لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي، وأن المغاربة في الشمال متمسكون بالشرعية تمسكاً قوياً، وأنه لا بديل عن الملك الشرعي للبلاد. وكان هذا الموقف البطولي الرائع الشجاع الذي اتخذه الطريس، ضربة قوية للاستعمار الإسباني وللاستعمار الفرنسي أيضاً. من أجل ذلك، نقول في ثقة واطمئنان، إنه لولا الأستاذ عبد الخالق الطريس بنضاله الوحدوي المستميت، لكان المغرب اليوم مغربين ووطنيْن وكيانيْن. وتلك هي عظمة الطريس التي ينبغي أن نستمد منها الدروس في يومنا وغدنا.