النظام الجزائري يروج لتحييد العسكر وطوي صفحة نفوذ تاريخي للجيش في السلطة * العلم: وكالات يروج محيط الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، لقطعه الطريق أمام المنادين بإقرار مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات رئاسية مبكرة، والداعين لتدخل العسكر لتنحيته على خلفية شغور غير معلن في منصب رئاسة الجمهورية، بسبب وضعه الصحي الذي يحول دون أداء مهامه الدستورية. وقال بوتفليقة الذي لم يخاطب شعبه منذ نحو 5 سنوات مباشرة، في رسالة وجهها للشعب بمناسبة ذكرى اندلاع ثورة تحرير الجزائرية، "إن عهد المراحل الانتقالية في الجزائر ولى وبات الوصول إلى السلطة يتم عبر المواعيد المنصوص عليها في الدستور". وهو أول رد على دعوات أطلقتها أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة خلال الأشهر الماضية، من أجل تدخل الجيش لتنحية الرئيس، لإنهاء حالة شغور غير معلنة نجمت عن عجز الرجل عن أداء مهامه الدستورية، بعد الوعكة الصحية التي ألمت به منذ العام 2013. وترك البيان الذي أطلقته ثلاث شخصيات مستقلة، وهي اللواء المتقاعد رشيد بن يلس، والوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي، والمحامي والحقوقي علي يحيى عبدالنور، حول ضرورة تدخل العسكر لتنحية بوتفليقة وإعادة الشرعية للشعب عبر انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، أصداء قوية انضافت إلى دعوات مماثلة أطلقتها أحزاب سياسية وشخصيات محسوبة على النظام. وأضاف بوتفليقة "إن الجيش الوطني الشعبي يقوم بمهمته الدستورية في حماية حدودنا ولا بد من الإبقاء على هذه المؤسسة الجمهورية، في منأى عن المزايدات والطموحات السياسوية". وهو موقف صريح يقطع الطريق أمام مناورات المعارضة السياسية المستنجدة بنفوذ العسكر، بعدما باءت محاولاتها الميدانية في فرض مقترحاتها والضغط على السلطة، بالفشل. وشدد بوتفليقة على أن المؤسسة العسكرية باتت مضطلعة بمهمة حماية سيادة ووحدة البلاد من مخاطر الإرهاب الدولي والجريمة العابرة للحدود. وأكد أن مؤسسات الدولة ملزمة باحترام المواعيد الدستورية وفق إرادة الجزائريين، ما يعزز التصريحات السابقة التي أدلى بها الأمين العام لجبهة التحرير جمال ولد عباس حول عدم تدخل العسكر في مسائل مؤسسة الرئاسة، ورفض ممارسات الوصول إلى مناصب المسؤولية على ظهور الدبابات. وتناول الرئيس الجزائري بإسهاب، في رسالته للأمة بمناسبة الذكرى ال63 لاندلاع ثورة التحرير، بقوله "يليق بالطبقة السياسية أن ترقي بداخلها التوافقات حول المسائل الاقتصادية والاجتماعية من حيث هي المجال الأنسب للإجماع الوطني". ودعا إلى "ضرورة مواصلة التنمية من خلال مداخيل الدولة رغم تراجع أسعار المحروقات، وإلى تضافر الجهود بين الطبقة العاملة وبين الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الخواص، وهو ما تجلى من خلال التعاون بين الإتحاد العام للعمال الجزائريين ورجال الأعمال للمشاركة في هذه المعركة الاقتصادية التي سيسيرها بلا شك حوار الثلاثية". ولم يخاطب بوتفليقة شعبه منذ خمس سنوات، حيث يعود ظهوره الأخير إلى خطابه الشهير في ماي 2012 بمدينة سطيف. وقال حينئذ "عاش من عرف قدر نفسه"، و"جيلي طاب جنانو (جيلي نضجت ثماره وانتهت)"، لما دعي إلى ترشيح نفسه لولاية رابعة، قبل أن ينقلب على موقفه ويصاب بوعكة صحية غيبته عن المشهد إلى غاية الآن. في هذا الصدد، يرى مراقبون أن تحييد الجيش عن تسمية رئيس الجمهورية يعد حلما قديما للرئيس بوتفليقة، عبر عنه في سنواته الأولى من الحكم بالقول "لا أريد أن أكون ربع رئيس"، في إشارة إلى نفوذ قادة العسكر وصلاحيات المؤسسات الأخرى. وهو الطموح الذي كرسه بإصلاحات جذرية وعميقة في مؤسسة الجيش والاستخبارات منذ العام 2013، انتهت بحل الجهاز المذكور وإحالة كبار ضباطه على التقاعد، والإقرار بإنهاء نفوذ المؤسسة في الاستحقاقات السياسية. وبات الرجل قليل الظهور للرأي العام منذ أدائه يمينا دستورية مقتضبة بعد انتخابه رئيسا للمرة الرابعة على التوالي في 2014، وتلاحقه شائعات الموت مع كل غياب معتبر عن كاميرات التلفزيون الحكومي، حيث يكتفي بتسجيل نشاطات بروتوكولية نادرة خلال استقبال بعض الضيوف الأجانب، أو اجتماعات غير منتظمة لمجلس الوزراء. وصارت مخاطبة الرئيس لشعبه برسائل تنسب اليه، على مدار الخمس سنوات الأخيرة، مثار شكوك وقلق لدى الرأي العام والمعارضة السياسية، التي تتهم محيط مؤسسة الرئاسة، ب"رهن الرجل واختطاف السلطة، وإدارة شؤون البلاد في الخفاء باسمه". وتزداد حدة هذه الشكوك خاصة مع تضمن بعض الرسائل المنسوبة لبوتفليقة لمفردات سياسية غريبة عن خطابه وشخصيته، واندراج بعضها الآخر في تصفية حسابات سياسية بين السرايا النافذة والمتصارعة على خلافته في انتخابات 2019. وكانت أحزاب السلطة قد استبقت في تصريحات لقادتها في حملتهم الدعائية للانتخابات المحلية التي انطلقت بداية هذا الأسبوع، مضمون رسالة بوتفليقة حول إنهاء دور الجيش في تعيين رئيس الجمهورية، ورفض "الانقلابات العسكرية والمراحل الانتقالية".