قريبا ستدخل بلادنا مرحلة جديدة فيما يخص سعر صرف الدرهم المغربي، و هو قرار حسم بعد تردد دام سنوات، فصندوق النقد الدولي كان يلح دائما على ضرورة تحرير سعر صرف العملة المغربية، لكن الوضعية العامة للاقتصاد المغربي لم تكن مساعدة بما يكفي لتحمل تبعات هذا القرار الهام فيما يخص السياسة النقدية للبلاد، و قد أوضح الملك في رسالة بهذا الخصوص لوالي بنك المغرب أن "الانتقال التدريجي نحو نظام صرف أكثر مرونة من أجل تعزيز تنافسية اقتصاد المغربي وقدرته على مواجهة الصدمات الخارجية". الانتقال التدريجي هو إختيار مرحلي إذ أن موضوع تحرير أو تعويم العملة لا يقبل هذا الانتقال سوى بصورة مرحلية، لتواجه العملة الوطنية فيما بعد قواعد السوق وقانون العرض و الطلب، فالدول التي يتميز إقتصادها بقوة تصديرية تكون مطمئنة على الاقبال الذي ستعرفه عملتها في حالة التحرير، و على العكس من ذلك فإن الدول التي تعرف خلال بنيويا في الميزان التجاري، بحيث تشكل الواردات نسبة أكبر من الصادرات، فإنها بهذا الاختيار تكون عرضة لتضخم كبير نتيجة إرتفاع الأسعار. القرار المغربي وفق عدد من المختصين يحمل إيحابيات كبيرة للقطاعات المصدرة، والتي تشتكي من المنافسة بالنظر إلى وضعية سعر صرف الدرهم الثابتة و المرتبطة بسلة عملات يشكل فيها الأورو 60 في المائة بينما يشكل الدولار 40 في المائة، و هذا يتوافق مع نظريات الاقتصاد الكلي التي تفترض أن سلوك المستهلك سيتجه لإستهلاك المواد المصنعة محليا بالنظر إلى إرتفاع أسعار تلك المستوردة نتيجة تحرير سعر الصرف. الوضعية في بلادنا ليست كلها مطمئنة بخصوص تبعات قرار التحرير، فإذا كانت الإحتياطات من العملة الصعبة تشكل عاملا محفزا لإتخاذ القرار، و تزامن ذلك مع نسبة تضخم متحكم فيها لا تتجاوز 1.8 في المائة، فإن ذات المعطيات الاقتصادية و المالية إذا ما تمت قرائتها بصورة مختلفة، فإنها تبعث على الكثير من عدم الإطمئنان خاصة على المستوى الاجتماعي و السياسي، حيث أن إرتفاع احتياطي العملة الصعبة يعود بدرجة أساسية لتراجع أسعار النفط في السوق الدولية، و هذا المعطى غير ثابت و لا يرتبط فقط بالاعتبارات الاقتصادية و أمام غياب الاستقلالية الطاقية لبلادنا، فإن هذا الاحتياطي لا يمكن الرهان عليه بشكل كلي. في موضوع التضخم، و الذي شكل التحكم فيه عقيدة اقتصادية و مالية ثابتة بالنسبة لمختلف الحكومات المغربية على مدى العقد الأخير، فإنه سيواجه صعوبات حقيقية عند تحرير سعر صرف الدرهم، فمن النتائج المباشرة للتحرير هي التضخم، و هو ما يشكل تهديدا حقيقيا للوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و بالنتيجة السياسية لبلادنا. مثل هذه القرارات المصيرية و الجوهرية، مع الأسف لا تأخذ حيزا مهما في النقاش العمومي، هكذا يتم إتخاذ قرارات مصيرية، على أهميتها فإنها تحتاج أن تكون موضوع نقاش وطني، لا يقيس وجوه الربح و الخسارة الاقتصادية و المالية، بل أيضا أثرها على المجتمع في لحظة نشهد فيها "فرارا" للدولة من أبرز القطاعات بشكل لا يطمئن على المستقبل…