أرقام... إحصائيات، صور، شهادات تنضح كراهية وعنفا حد التقزز، الفاعل رجلا والمفعول به امرأة - زوجة- أو ما يصطلح عليه في عرف ا لرومانسيين وبهلوانات التعابير والمصطلحات المنمقة - النصف الحلو أو النصف الثاني...! هي مفارقة غريبة وغير مستساغة حتى لو تحايلنا على الواقع بكل التبريرات، إذ كيف يمكن لإنسان أن يعبث - بنصفه الآخر -.. كل هذا العبث وبكل هذه السادية التي لا يمكن أن يكون من يقوم بها إلا إنسانا مريضا.. مشوها نفسيا.. بل لا يستحق حتى أن نضفي عليه صفة الإنسان ولو تجاوزا... أسماء النساء ضحايا العنف اللواتي كن موضوع التقرير السنوي الذي تقدمه كل سنة مراكز الاستماع لمناهضة العنف ضد النساء، تعددت واختلفت مستوياتهن الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكأنه قدر لا يميز بين هذه وتلك... ولا واحدة يشفع لها وضعها الاجتماعي، أو شهادتها أو كفاءتها... بل حتى صبرها ومثابرتها وتفانيها في تكوين أسرة، لتفلت من سادية «بعلها».. والعنف يضع كل النساء في سلة واحدة، ويكون حظ التابعة اقتصاديا لزوجها وولي نعمتها.. أوفر قهرا..! وهذا يفسر بشكل صارخ أن جل أشكال العنف الممارس على النساء ترتبط باللامساواة بين الجنسين في السلطة والتفاوتات السوسيو - اقتصادية التي تطبع أوضاعهما، ولهذا يصعب بالموازاة قياس حجم وكثافة ظاهرة العنف ضد النساء في المجتمع المغربي. فلا شك أن هناك أسبابا كثيرة وراء الجهل بالحجم الحقيقي للظاهرة، ولعل أولاها هو أن هذا الصنف من العنف تتداخل فيه جوانب حساسة وحميمية في حياة النساء، بحيث لا تبحن بها إلا على مضض، خصوصا التعود منذ زمن طويل على وضع هذه الاعتداءات في خانة العنف الذي يحصل بين الأفراد، فيتم تصنيفها ظاهرة عادية تدخل في صلب الحياة اليومية وتنحصر في دائرة المجال الخاص. لكن لابد من التأكيد على أنه كيفما كانت طبيعة الأفعال العنيفة وشخصية الأطراف ا لمعنية بها، فإنها تشكل دائما مسا بحرمة الشخصية الإنسانية، فمهما كان تعريف العنف ضمن هذا المفهوم الأخلاقياتي الكوني الحديث الذي هو المس بحرمة الشخصية الإنسانية، فإنه لابد آنئذ من الإحالة على المقولات المعاصرة المختزلة في عبارة «احترام حقوق الشخصية الإنسانية» حتى يصبح مفهوم العنف إجرائيا على المستويين القانوني والسياسي، أما فيما يخص الفهو السوسيولوجي للظاهرة والإحاطة الكمية والإحصائية بكل جوانبها، فذلك أمر أكثر تعقيدا نظرا لكون ظاهرة العنف الممارس ضد النساء مركبة، وتشمل جوانب متنوعة ومتداخلة، ولذا فهي تتطلب وصفا دقيقا وفق مقاربات متعددة بما فيها المقاربة الكيفية المبنية على تحليل محتوى حالات أوضاع النساء المتضررات. وبغض النظر عن الاعتداءات في حد ذاتها، فالعنف يتأسس على علاقات قوة بين شخصين على الأقل، حيث يحاول أحد الطرفين بسط نفوذه على الآخر بوسائل العنف والإكراه البدني والعقلي، إن العنف بمعنى آخر، يعبر عن رغبة شخص في فرض إرادته على الآخر وإهانته إذا اقتضى الأمر ذلك، من خلال الانتقاص من قيمته والتحرش به إلى أن يخضع ويستسلم. ولذلك فإن اللجوء إلى العنف في العلاقات الشخصية يدل في غالب الأحيان على أزمة في العلاقة أو على إخفاق في التواصل، فعلى العكس من النزاع الذي يتبلور وفق منوال علائقي تفاعلي كفيل بأن يؤدي إلى التغيير، فإن العنف في هذا المقام يتم بشكل تدميري وأحادي الجانب، وتتفاعل ميكانيزمات العنف ضد النساء عادة تبعا لنمطين متمايزين: - نمط الفعل المتكرر: وهو الفعل الذي يكون فيه الطرف المنتصر في علاقة القوة هو نفسه دائما، كما هو الحال في العنف الأسري والزوجي، الصادر عن أشخاص لا تربطهم علاقة بالضحية، كما يحدث عادة في حالات العنف المسجلة في الفضاءات العامة. ... والسؤال العريض الذي يطرح مع كل تقرير يقدم وفورة غضب حقوقي إنساني كلما تعالى أنين الضحية... هو، أي رادع قانوني أو أخلاقي يضبط علاقات السيطرة التي تطبع عموما الروابط بين الجنسين!؟ أي رادع يمكنه احتواء العنف الذكو ري كإحدى آليات اشتغال ميكانيزمات الضبط والتحكم الاجتماعي في النساء!؟ زهرة لعميرات