خص الأستاذ عباس الفاسي الوزير الأول والأمين العام لحزب الاستقلال جريدة «ليكونوميست» بحوار مطول أجراه الزميلان نادية صلاح ومحمد الشاوي من نفس الجريدة. وتحدث الأستاذ عباس الفاسي في هذا الحوار عن قضايا التنمية والاقلاع الاقتصادي واجراءات مواجهة الأزمة المالية الدولية، وعن التعددية السياسية والانتخابات المنتظرة وقضية الاصلاح الدستوري. فيما يلي نص الحوار: > سؤال: ألا تشعرون بأنكم وصلتم متأخرين قليلا مع مخططكم للاقلاع المضاد للأزمة؟ جواب: أولا، من الخطأ الحديث عن إقلاع طالما أننا لسنا في حالة ركود ، بل بالعكس تبقى نسبة النمو لدينا قوية. ولدينا مخطط لمساندة الفروع التي تضررت بفعل تداعيات الأزمة العالمية. ومنذ شهر شتمبر 2008 كان هناك اتفاق مع وزير المالية لمراقبة الوضعية عن كثب عبر لجنة أحدثت لهذا الغرض. وهكذا كان المغرب إذن يقظا وحذراً خلافاً لما قيل وكُتب . وفي شهر فبراير عندما ظهرت أول التأثيرات على قطاعات النسيج والجلد وصناعة السيارات قمنا بتوسيع هذه اللجنة وتحويلها إلى لجنة للسهر ولليقظة برئاسة وزير المالية، وأمكننا بعد ذلك تأسيس حوار مع النقابات كما فعلنا مع الباطرونا ومختلف الجمعيات المهنية. إننا نشجع التصدير والمهم بالنسبة لنا هو الحفاظ على الشغل والكفاءات. > سؤال: إلى أي حد تقيمون تأثير الأزمة؟ جواب: من الصعب الجواب على ذلك. لأنه لا يمكن اليوم أن نقدّر حقيقة هذا التأثير، لأن توقعات النمو العالمية، وخصوصا لدى شركائنا قد تمت مراجعتها. لقد خصصنا حتى الآن 1,3 مليار درهم لمخطط المساندة تحت أشكال متنوعة وملائمة لحاجيات المؤسسات. > سؤال: ألا تخشون أن يذهب هذا الدّعم إلى غير وجهته؟ جواب: لا، لأن المعايير دقيقة جداً ومدروسة جيداً، ومع لجنة اليقظة التي أحدثناها سنكون قادرين في أي وقت على تغيير التوجهات طبقاً للحاجيات.. وأريد أن أشير إلى أنه بفضل تنوع ودعم ميزانياتنا العمومية، وبفضل متانة قطاعنا المالي فإن المغرب أبان عن قدرة كبيرة على مقاومة العثرات والاختلالات الدولية التي لم تنعدم طيلة سنة 2008.. بل استطاع المغرب أن يحافظ على إ يقاع قوي لنسبة النمو ب 5,8%، وأن يتحكم في التضخم في حدود 3,9%، ونسبة البطالة تقلصت من 9,8% خلال سنة 2007 إلى 9,6% خلال السنة الماضية. وفي سنة 2009 استبقنا نسبة نمو مماثلة. وإن كنتم مصرين على تقديم تقدير للأزمة فيمكن القول إنها تتمحور بين 1,5 الى 2 نقطة من الناتج الداخلي العام.. وإذن فالأمر هنا يتعلق ببطء وتيرة النمو وليس قطعا بركود. > سؤال: كيف يتقاطع مخطط الاقلاع هذا مع مخطط اقلاع آخر سميتموه «اميرجونس» الموقع منذ أسبوعين؟ جواب: «ايمرجونس» هو جواب هيكلي للأزمة على أساس الإعداد لما بعد الأزمة مادام يهدف الى تطوير المهن العالمية للمغرب وتحسين نوعية عرض/ المغرب. انه مخطط استراتيجي للتنمية مدمج في القطاع الصناعي من شأنه أن يرافق وينعش القطاعات التي يمكن أن يبرع فيها المغرب سريعا، وتتموقع هذه القطاعات بشكل جيد في سلسلة القيمة الدولية.. مخطط «إيمرجونس» يقدم رؤية أكثر وضوحا للفاعلين الاقتصاديين ويتوخى أيضا تطوير وتنمية خلايانا الاقتصادية الرئيسية عن طريق ملاءمة التكوين لمتطلبات الصناعة وتعزيز أهلية وكفاءة المقاولات الصغرى والمتوسطة وكذا تحسين جو الأعمال. > سؤال: هل يتعلق الأمر بمشروع ملكي أكثر من كونه مشروعا لحكومتكم؟ جواب: لاتذهب الى حد اختلاق القصص، فعندما تكون لبعض المخططات الاستراتيجية رهانات تتعدى مدة انتداب السلطة التشريعية فإن مساندة وتأثير جلالة الملك يشكلان دعما رئيسا لضمان استمرارها. وهذه حالة مخطط «آزرو» للسياحة، ورؤية 2015 للصناعة التقليدية، ومخطط المغرب الأخضر للفلاحة.. ونفس الشيء إذن بالنسبة لمخطط «إيمرجونس» > سؤال: نرى لدى شركائنا الاقتصاديين توجها يقترب من أسلوب الحماية وخطابات تبدو عنصرية أحيانا وخاصة في مجال الاستثمارات بالخارج... فماذا لديكم لتطويق نتائج هذه المظاهر؟ جواب: توجد بعض ردود الفعل هنا وهناك تكون أحيانا حمائية. لكن نسجل بارتياح أن المغرب يواصل الاستفادة من ثقة المستثمرين الأجانب وتقديم مايتوفر عليه من عوامل الكفاءة والجذب .. فهل رأيتم مشاريع الاستثمار الرائدة التي وافقنا عليها خلال الاجتماع الأخير للجنة الاستثمارات في يناير، فقد وصلت الى مايقرب من 20 مليار درهم وستوفر أزيد من 5600 منصب شغل.. وهل رأيتم «رسالة العزم» من أجل استثمار في قطاع سياحة الصحة بقيمة 1.8 مليار دولار والموقع في دافوس. إننا نتطلع الى تعزيز هذه الثقة التي تحظى بها بلادنا، ونريد أيضا التنويع. وهكذا لدينا إذن استراتيجيات واضحة لتفعيل العرض المغربي. وسنقوم، على وجه الخصوص، بتمكين الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات من وسائل تتيح لها اتخاذ اجراءات سابقة التأثير تجاه المستثمرين المحتملين. > سؤال: خلال الحملة الانتخابية، أثار حزبكم فكرة تعديل نسب الضريبة على الشركات حسب وزن المؤسسة، وقد صودق بعد ذلك على قانونين للمالية دون أن يتم شيء في هذا الإتجاه... جواب: تعرفون جيدا أن حكومتنا هي حكومة تحالف.. وقد التزمنا في التصريح الحكومي بتخفيض نسبة الضريبة على الشركات من 35 الى 25%، وقد انتقلنا إلى نسبة 30% خلال سنة 2008، وهذه السنة نريد تحسين مستوى رسملة المقاولات عن طريق اعتماد نسبة 20% كضريبة على الشركات لفائدة كل مؤسسة تنجح في رفع رساميلها الخاصة.. دون أن يمنعنا هذا من التفكير في وضعية المقاولات الصغرى. > سؤال: كل الأحزاب عقدت مؤتمراتها ومن ضمنها طبعا حزب الأصالة والمعاصرة. فكيف يتم الاستعداد للانتخابات الجماعية وماذا يمكن أن تقدمه للأغلبية؟ جواب: أولا حزب الاستقلال لم ولن يقلقه وجود أحزاب سياسية كثيرة لأنه ظل دائما مع التعددية. وقبل الاستقلال كتب زعيمنا علال الفاسي في مؤلفه «النقد الذاتي» بأن المغرب المستقل عليه أن يختار التعددية الحزبية.. وفي 15 نوفمبر 1958 صدر ظهير الحريات العامة في وقت كان فيه رئيس المجلس الحكومي هو أحمد بلافريج الأمين العام لحزب الاستقلال آنذاك.. وبعد ذلك وقعت تراجعات في هذا المجال. ويمكن أن نفسر ضعف نسبة المشاركة في ذلك الوقت من خلال عدد اللوائح والاحزاب السياسية. وأخيرا أصبحنا أمام ما يشبه التخمة فيما يتعلق بالبرامج نظرا لوجود 33 حزبا أي 33 برنامجا تتشابه فيما بينها، وهنا تكمن المخاوف بخصوص نسبة المشاركة. > سؤال: هل تعتقدون أنه خلال الانتخابات الجماعية سترتفع هذه النسبة؟ جواب: نعم، طالما أن الأمر يتعلق بانتخابات تتسم بالقرب. لكن هناك واجب على الأغلبية أن تضطلع به وهو أن تكون ملتحمة وأن تذهب مجتمعة الى الانتخابات وأن تدافع بدون مركب نقص على حصيلة الحكومة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجماعات الحضرية أو في العالم القروي. > سؤال: وهل من ضمنها حزب الأصالة والمعاصرة؟ جواب: طبعا، لقد عقدت اجتماعات مع الأغلبية وحضرها كلها حسن بنعدي باسم حزب الأصالة والمعاصرة. المشكل موجود داخل الاحزاب مع توجهاتها وقنواتها، أما داخل الحكومة فلم يكن هناك خلاف بل بالعكس هناك تفاهم جيد. > سؤال: لكنكم تتخذون قرارات داخل المجلس الحكومي يصادق عليها وزراء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كحالة الاقتطاع من رواتب المضربين. ثم نجد نفس الحزب ينتقدكم من أجل هذا القرار، كيف تفسرون هذا الموقف المزدوج؟ جواب: هناك انتقادات غير موضوعية.. ونذكر ان حزب الاتحاد الاشتراكي ترأس الحكومة طيلة 5 سنوات وهو في الأغلبية منذ 11 سنة. وإذن فهي حصيلة أيضا. > سؤال: قررت الدولة تطهير التدبير الجماعي والمؤسساتي من مال المخدرات.. الخ. هي إذن إرادة للذهاب بعيدا أو على الأصح لابعاد المنافسين؟ جواب: لا. إنها إرادة سياسية. وهذا لايعني فقط تسيير الجماعات. فهناك أولا عدد متصاعد من المحاكمات التي تتابع فيها قضائيا شخصيات مدنية وعسكرية. ثم هناك الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة وهي هيأة مستقلة عن السلطة التنفيذية وتتضمن 44 ممثلا خاصة من الحكومة والمجتمع المدني والمركزيات النقابية وجمعيات حقوق الانسان.. ونحن نعول كثيرا على هذه الهيأة ونفس الشيء بالنسبة لقوانين التصريح بالممتلكات والتي نشرت بالجريدة الرسمية. > سؤال: هذا قليل من أجل تخليق الحياة العامة؟ جواب: الجميع يتفق على وجود الرشوة بالمغرب.. لكننا نحاول تخليق الحياة العامة. فتبعا لخطاب جلالة الملك أحدثنا لجنة لدراسة نظام الامتيازات، وطلبنا من الوزراء موافاتنا بلائحة عن الامتيازات المقدمة بفضل سلطتهم التقديرية. > سؤال: حتى امتيازات رخص النقل؟ > جواب: كل شيء، وحتى الجماعات تعطي الاكشاك وشرفات المقاهي.. وسنجتمع هذا الأسبوع لنرى كيف سنضع حدا لكل هذه الممارسات. > سؤال: هل تعتقدون بأن الخريطة السياسية ستتطور بعد انتخابات يونيو القادم.. وإذا حدث أن تطورت كثيرا فهل ستحدثون تغييراً في حكومتكم؟ جواب: المبدأ في كل الديمقراطيات هو ان أي حكومة لابد وأن تعكس نتائج الانتخابات التشريعية. طيب فإذا تعرض حزب سياسي لزوبعة أو فشل ذريع لحزب آخر في الانتخابات الجماعية فإنه يعود لجلالة الملك أمر التنبيه. > سؤال: أنتم لاتتحركون؟ جواب: هذا يعود للملك أو لتصويت حجب الثقة. وأعتقد انني أقوم بعملي جيداً في شموليته..وأيامي مشحونة. ثم هناك ما أقوم به على المستوى الدولي.. وحتى اليوم مثلت جلالة الملك في عدة قمم ولقاءات دولية أو جهوية.. وهذا الأسبوع سأتوجه إلى أندونيسيا من أجل القمة الاقتصادية لمنظمة المؤتمر الاسلامي. > سؤال: لقد اتخذتم عدة اجراءات لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.. ومن شأن هذا أن يحسن موقفكم خلال الانتخابات الجماعية؟ جواب: بعض الناس يؤاخذوني على مروءتي.. وأنا لم أفعل ذلك من أجل الحزب بل من أجل استقرار البلاد، وعلى النقابات أن تغير أسلوب عملها. ففي كل بلدان العالم وبعد أي حوار اجتماعي يتم توقيع محضر. أما عندنا فالنقابات ترفض نتائج الحوار الاجتماعي. وأذكر أن الحكومة تحترم النقابات، وهي على استعداد للحوار.. فمع الحكومة قررت أن تكون هناك جولتان للحوار الأولى في أبريل نناقش خلالها كل مايتعلق بمعالجة قضية الأجور. والثانية في شتنبر وهي مخصصة للملفات الدستورية وخاصة حق الإضراب والحريات النقابية. المركزيات النقابية وضعت هذه الملفات جانباً لكي تطلب الزيادات في الأجور. ولاحظوا أنها لاتدعو إلى الاضراب في القطاع الخاص بسبب الخصم من الأجور. واليوم تبدو الحاجة ملحة لتنظيم حق الإضراب، ومن أجل ذلك يجب صياغة قانون عضوي. النقابات تعارض ذلك لكن أعتقد أنه علينا مناقشة الأمر لإخراج هذا القانون. في فرنسا تظاهر حوالي 1.5 مليون شخص في الشارع، لكن الحافلات والميترو والقطار لم ينقطع عملها والمستشفيات ظلت مفتوحة.. أما عندنا فبعض الناس يفتخرون بالإعلان في الصحف عن إغلاق مستشفى ابن سينا بالرباط يوم الإضراب. وهذا أمر غير طبيعي إذ يجب ضمان حد أدنى من الخدمة.. > سؤال: على مستوى مراجعة الدستور نلاحظ أن حليفكم الاتحاد الاشتراكي قد برز في هذا الشأن.. وأنتم؟ جواب: ليس من البطولة في شيء طلب مراجعة الدستور..وقد كان الأمر صحيحاً في الماضي خلال سنوات الرصاص. ثم لا شيء يمنع من المبادرة الى الإصلاح متى اتضح انه ضروري.. اننا نتحدث خصوصا عن الصلاحيات المخولة لمجلس المستشارين، وعن استقلال القضاء، وعن توسيع حقل القانون.. لكن هذا يجب أن يتم بتجاوب مع الملك. ولا بأس هنا أن نستخلص الدرس من سنة 1962 حيث قاطع البعض وكلفنا ذلك 40 سنة من الضياع. ثم يبدو انه من غير اللائق طلب الإصلاح الدستوري قبيل الانتخابات الجماعية لأن ذلك يمكن أن يؤثر على نفسية المشاركة.. لأنه بالنسبة للانتخابات الجماعية يهتم الناخبون أكثر بالبرامج وبامكانيات تحقق حاجياتهم الملحة كالماء مثلا في العالم القروي. إن علينا أن نثير القضية الدستورية بدون مواجهات.. وعلى كل وبالنسبة للجهوية فإن العاهل المغربي سيعين خبراء لإعداد رؤية ملائمة تعرض بعد ذلك على الاحزاب للمشاورة.. وسيكون هناك فعلا تغيير دستوري وبالمناسبة سنتقدم باقتراحاتنا.