يا أيتها الطرقات الشقيقة العابرة بين النوافذ وصفير الأخبار العاجلة... يا أيها المساء البعيد القريب في تشكل الجغرافيا والقصيدة ... يا لون الحنطة ويا عرش الماء يا أيتها الشرفات الخارجة لتوها من ميلاد الشمس تتصفح المانشيت الرئيس مع فنجان قهوة ... نحن بخير ... نروِّضُ قطيع الوقت الوحشي العابر حقل ليلنا الأعزل بإشعال شمعة بين الجنين والجثة ... وندَّخِرُ مزيداً من الصبر في جرار الروح العتيقة ... لغد وراء الأفق نحشو به أكياس الوسائد والمفردات وجروح المكان الغائرة... *** نحن بخير ... نستخرج من حلقوم البرد حفنة أكسجين لصغار يجرحهم دمع آبائهم الحائر قرب الأسِرَّة البيضاء المتوقفة عن العمل... فيمضون نحو الأبدية كملائكة ولدت للتو ... في أروقة المستشفى الجالس فوق حجر يَمسحُ بقع الدم عن ثوبه الأبيض بطرف غيمة... ويسجل أسماء المواليد الغائبين... الذاهبين إلى غد السماء... بغصن زيتون يتقدّم الجنازة ... *** نحن بخير... نستخرج من كبرياء الموتى ووقوداً يصلح للتدفئة... ومن الذاكرة وقتاً إضافياً يطرد البرد كلما تجمّع في عين العاصفة وهبط إلى شقوق الجدران كطعنة... كأكثر من طعنة تبحث في لحمنا المرتجف عن ممر يصلح لمرور البرق... *** نحن بخير... نعرف كيف نستخلص عبق الهواء السِرِّي من ذرات الغبار ونمرِّن رئاتنا على بصق الدخان كلما أفلحت قذيفة في اقتناص وردة أو سقط جدار في منتصف الحلم... وصار الرمادي الخانق بساطاً يغطي ما تبقى منّا ككفن... *** نخرج من تحت الأنقاض دون أجنحة ومن ثيابنا المحترقة ومن نبوءة الأسطورة نرشد الشمس إلى ظلنا والقمر... ونهتف: مازلنا هنا يا قصبة الناي نُخضِعُ الدبابة والخوذة المُحاصِرة لذوقنا العفوي في الإنشاد وفي ترويض الوقت... *** لا كهرباء هنا تولد من أرق غير أننا نسكب العتمة في مصابيح الزيت فنرى وجوهنا أكثر وضوحاً لا ماء يهبط من ينبوع غيمة أو ينهض من شريان الأرض دون جندٍ يخرجون من دهاليز الموت مدججين بالسم ونثار الملح... غير أننا نبلل شفاهنا كل صباح بالندى فيغمرنا ارتواء مقدس ونمضي إلى أشغالنا دون ظمأ... نشق بحر الملح إلى نصفين لنعود بالخبز وألوان الطيف وننفخ في الرمل أرواحنا فنولد منَّا كقبيلة لا تموت... *** نحن بخير... نطعم صغارنا نصف شمس في الظهيرة بعد أن نستدرج الضوء بخيط خفي... فيصفقون للمعجزة ويشعرون أمام الصحن الفارغ بالشبع فنقنعهم بأن النصف المتبقي للغد... كي لا تعيقهم التخمة عن الركض أمام البارود... إذا ما تسلل الليل... *** نحن بخير... نرمم نوافذنا المحطمة بما تبقى من أجساد لم يبعثرها القصف... ونحافظ على جدارة النعناع باللون الأخضر فنسقي تربة الأصص ثلاث قطرات من رحيق الصبح وثلاث قطرات من جرح العتمة... *** نحن بخير... نبدع في الموت أشكالاً من صلصال لحمنا ونمعن في الحفاظ على روح الياسمين والزنبق ونكهة القهوة ورائحة الموج... هذه أخبارنا حتى اللحظة فماذا عنكم ؟؟؟...