شكلت السهرة الفنية الكبرى التي نظمتها فرقة مسرح فنون، في الآونة الأخيرة بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، احتفاء بأربعينية المرحومة الراحلة الفنانة الكبيرة حبيبة المذكوري، إحدى المحطات المضيئة والاحتفالية في مسيرة الأنشطة الفنية التي تقدم عليها الفرقة سواء داخل أو خارج المغرب. وشهدت السهرة التأبينية حضورا مكثفا للعديد من الشخصيات الفنية والثقافية، فضلا عن أصدقاء وصديقات رائدة المسرح المغربي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وتميز اللقاء الفني الذي عرف تقديم مقتطفات من مسيرة الراحلة السينمائية والمسرحية، بشهادات حية قيلت في حق الراحلة التي حملت مشعل المسرحي المغربي منذ فجر الاستقلال، حيث موهبتها الفنية المتقدة جعلت منها إحدى مؤسسات المسرح المغربي، والأسماء النسائية المغربية التي أثرت الساحة الثقافية والفنية والإذاعية آنذاك. وتلا الفنان أنور الجندي بالمناسبة رسالة العزاء الملكية السامية، التي بعث بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى أسرة الفقيدة، حيث أكد أنور الجندي أنها كانت رسالة مؤثرة للغاية، لما تضمنته من تعداد لخصال الراحلة، ودورها الكبير في إخصاب الساحة الفنية المغربية. وأشار الفنان الجندي إلى أن الرسالة الملكية السامية اكدت على أن الراحلة المقتدرة كانت فنانة رائدة أصيلة من الرائدات الماهرات في مجالات فنون التمثيل، في أروع المسلسلات الإذاعية التي اكتشفت أجيالا على أمواج الأثير، فضلا عن مشاركتها المتألقة في عدة أعمال مرموقة مسرحية وسينمائية وتلفزيونية وقال مؤسس ومدير فرقة مسرح فنون أن الرسالة الملكية السامية التي تشرفت بتلاوتها، أوضحت أن الفنانة الراحلة ساهمت في تمهيد الطريق أمام المرأة المغربية لولوج ميدان الفن والثقافة. وقد قدم الفنان أنور الجندي رفقة الفنانة المقتدرة مجيدة بنكيران، بالمناسبة شهادة في حق الراحلة، وهي عبارة عن قصيدة شعرية زجلية من تأليفه الشخصي بعنوان" لمسة وفاء"، حيث انشدها رفقة مجيدة بنكيران. ومجدت القصيدة الشعرية خصال وأخلاق الفنانة الرائدة، فضلا عن مسيرتها المتألقة، وتجربتها الفنية سواء في المسرح أو في السينما والتلفزيون، سواء على الصعيدين الوطني أو العربي والدولي، والتي قدمت العشرات من الأعمال، منها ثلاثة آلاف مسرحية إذاعية. كما اعتبر الجندي في السهرة الفنية التي حضرتها اصدقاء صديقات الراحلة كالحاجة فاطمة بنمزيان، وهاجر الجندي، وصفية الزياني ومحمد الناجي وغيرهم، مدرسة حقيقية للأجيال الفنية و"أمه الثانية"، أثرت الساحة الفنية بروائع فينة لا تنسى ولا تموت. كما كرمت القصيدة، قيم ومثالب الفنانة الراحلة، التي كانت ممثلة وراء المذياع بالنقاب، فضلا عن بروزها كممثلة بارعة في المسرح في بادية مشوارها الفني، وتألقها المستمر وقد تناوب في اللقاء الذي قدم فيه أيضا عبد الكريم بناني رئيس جمعية رباط شهادة في حق الراحلة، تناوب الفنان أنور الجندي ومجيدة بنكيران على إنشاد القصيدة الزجلية التي راقت الحضور كثيرا، فكان المشهد على خشبة المسرح بمثابة نوع من الأوبرا الإبداعية التي جمعت بين الشعر والمسرح، قصيدة كرمت الراحلة بالكلمة الموحية، والقصيدة الزجلية التي عبرت بصدق عن حب عميق للفنانة التي تعد من ابرز رواد الفن المغربي الأصيل. وتوج الحفل التأبيني الذي ساهمت في إنجاحه بشكل كبير فرقة مسرح فنون، بسهرة فنية كبرى، وذلك بمشاركة جوق الإذاعة والتلفزة المغربية برئاسة عز الدين منتصر، فضلا عن المطربين فاطمة الزهراء الروسي، ومحمد الغاوي وعبد السلام السفياني وفؤاد الزيادي وعدان السفياني، إضافة والمنشدين عبد الله المخطوفي رفقة طلبة مكناس، الذين ادوا نبرات دينية رقيقة، وكذا مجموعة شذى البلابل برئاسة عبد العالي الواشيري والطائفة العيساوية برئاسة النجم الحاج سعيد برادة وكانت الفنانة القديرة حبيبة المذكوري قد أسلمت الروح إلى باريها مؤخرا إثر مرض ألم بها لشهور بعد رحلة فنية حافلة بالأعمال الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية وعلى خشبة المسرح امتدت لأزيد من 57 سنة. ويشهد لها المجال الفني لأزيد من ستة عقود من الأداء بالشهرة والتميز، في أعمالها الفنية التي تجاوزت مئات الأعمال المسرحية والروائية التي جمعت فيها بين المسرح والتلفزيون والسينما وتعد الفنانة حبيبة المذكوري من الرعيل الأول من الممثلات اللواتي مهدن الطريق للمرأة المغربية لولوج الميدان الفني في وقت كانت تسود فيه آنذاك العقلية "الذكورية". ويذكر أن الفنانة حبيبة المذكوري اندمجت في الإذاعة عام 1952 وكانت دائما تعتبر التمثيل رسالة قومية قبل أن يكون شغفا ذاتيا، وكانت آخر إطلالة فنية للفنانة حبيبة المذكوري ضمن فرقة (مسرح فنون) للفنان أنور الجندي قبل أن يبعدها المرض في الشهور الأخيرة عن الظهور بانتظام على خشبة المسرح. وعرفت الراحلة منذ خمسينيات من القرن الماضي من بصم تجربتها الفنية وبخاصة في الإذاعة، التي قدمت لها العديد من الأعمال الاجتماعية والتاريخية، فكانت من الفنانات الرائدات، ومن مؤسسي المسرح المغربي بعد الاستقلال. وقد قدمت الفنانة الراحلة التي أبدعت رفقة المخرج والمؤلف عبد الله شقرون، رفقة فنانين مغاربة وعرب ودوليين كيحى شاهين، وكأمينة رشيد، ووفاء الهراوي والعربي الدغمي وحمادي عمور ومحمد حسن الجندي وحمادي التونسي وعبد الرزاق أعمال تاريخية لن تنسى، نالت عنها الكثير من الجوائز والت كريمات في مناسبة عدة. كما ظلت الراحلة تشتغل وتبدع حتى آخر لحظات حياتها. وقد شاركت الراحلة إلى جانب فنانين أجانب وعرب كيحيى شاهين في العديد من الأعمال وحظيت بالتكريم في العديد من المناسبات وبجوائز تقديرية تر طلة لها في شاركت في مسلسل "الشفا" للعلامة القاضي عياض، بمشاركة فنانين عرب بارزين، ومن إخراج هاجر الجندي.