لا زالت المرأة العجوز ،صاحبة الدار المكتراة تقول لنا : احذروا واعقلوا فإن في الدار امرأة عجوز وثلاث فتيات عانسات ، يخرجن في كل صباح للعمل ويعدن في المساء منهمكات كل متنهن .فلا تكلمهن إلا بوجودي بينهمن أما إن تغيبت فبينكم وبينهن بعد المتخاصمين ثم والله إنكم على خير حال ستكترون غرفة قل نظيرها في هذا الدرب ؛مزينة بالفسيفساء ،وملطخة بالصباغ على اختلاف ألوانها . وإياكم أن تزيغ أبصاركم وتتطاول شهواتكم فتأتون بالبغايا إلى البيت لقضاء حوائجكم لأن في ذلك كره وإخلال بحياء فتيات الدار . أما والله عندي لكم كعادتي مع من سبقكم من المكترين جملة شروط: ثمن الإنارة يكلفني الكثير وأنا امرأة عجوز أرملة ، فالواجب عليكم أن تطفئوا الإنارة في العاشرة ليلا . قال صاحبنا على اندهاش : لا والله فنحن طلبة علم ،وقت النهار نقضيه في الكلية أما الليل فهو مأوانا للتأمل والمراجعة . أما إذا كان كذلك فكلفته عليكم، فالبيت يكترى بتسع مائة درهم ،والإنارة كلفتها بخمسين درهم . قال صاحبنا مستغربا: لا والله ليس في الغرفة إلا مصباح واحد ، وليس لدينا مذياع ولا تلفاز ولا مكواة . وإن يكن كذلك فعددكم أربعة ،ولكل هاتف ،ولكل هاتف بطرية ينبغي شحنها كل يوم، فلا تنكروا عليكم هذا . أما الماء فإن اكتفيتم بالشرب والوضوء فتكلفته داخلة في ثمن الغرفة، أما إن تعدت حاجتكم إلى الاستحمام وغسل الأسمال البالية ،فذلك يضرني، فأجعل كلفته خارج ثمن الغرفة وهي مثل كلفة الإنارة أما الزيارة فلا حاجة لكم بها فهي ضدكم لا معكم ! قال صاحبنا وكيف ذلك ؟ الزائر يأتي بثقله وينزل بهمه ؛فإذا حل بكم يوما احتاج إلى الماء لكي يشرب أو يتوضأ ،فإن أقام عندكم بضعة أيام احتاج إلى الاستحمام وانضم صوته إلى أصواتكم وكثر الضجيج وقض مضجع الفتيات وفقدن راحتهن وربا همهن ، أما إن مكث عندكم ما يربو عن نصف شهر فهو مثلكم في الكراء على السواء . أما أجل الكراء فإن دفعتم الأجرة في وقتها فهو الأفضل على أي حال ،وأما إذا تثاقلتم أو تأخرتم في أدائها فهو عليكم . قال صاحبنا :كيف؟ كلما تأخرتم في دفع الأجرة حسباها عشرة دراهما لكل يوم زيادة ؛لا أقول رشوة وإنما مقابلا للتأخير . ضحكنا من سخافة المرأة العجوز و قبلنا الشروط على مضض.