" غوستافو دوداميل " ، يطالعك هذا الشاب الوسيم بابتسامة متميزة و عذبة كلما تمت استضافته في مقابلة تلفزيونية ما ، فوق الخشبة الأمر مختلف تماما ، يبدو دائما بملامح صارمة و ثابتة ، إنه العازف الماهر على الكمان و مايسترو " أوركسترا الفيلهارمونيك " بلوس أنجلوس بالولايات المتحدةالأمريكية ، حداثة سنه لم تمنعه من أن يصبح أحد أشهر و أبرز رؤساء الفرق الموسيقية الكلاسيكية في عالم اليوم ، و هو الذي يعتبر الموسيقى كالماء لا يمكن الاستغناء عنها ، إنها جزء هام من حياتنا ، بلهى هي الحياة بأكملها . كان ميلاده يوم 26 يناير 1981 بمدينة " باركيسيميتو " بفينزويلا ، دولة التمرد بأميركا اللاتينية و المشاكس الأكبر لبلاد العام سام ، بدأ العزف على الكمان في سن السادسة ، و ساعده والده على الالتحاق بفرقة موسيقية للعزف الكلاسيكي و عمره عشر سنوات ، فكانت الانطلاقة مع عزف خالدات بيتهوفن التي افتتن بها الفتى الفينزويلي الصغير ، نال دروس في الموسيقى و العزف على الكمان من أساتذته المتميزين ، لعل أبرزهم " رودولفو ساغليمبني " ، و " خوسي أنطونيو أبرو " مؤسس أوركسترا " سيمون دو بوليفار " الشهيرة للشباب بفينزويلا ، غير أن الفضل الكبير في اقتحامه عالم الموسيقى بإعجاب و اقتدار يعود لبرنامج موسيقي انطلق بفينزويلا عام 1975 تحت اسم "ال سيستما " ، يهدف البرنامج إلى إخراج الأطفال الفقراء من عزلتهم الخاصة التي فرضت عليهم بسبب ظروف الفاقة و الاحتياج و كذا التهميش ، يتذكر دوداميل هذه المحطة الهامة من حياته و هو يشارك في برنامج مجاني لتعليم الموسيقى في حي " رامبارت " بلوس أنجلس بالولايات المتحدةالأمريكية السنة الماضية ، يعبر عن سعادته بهذا العمل النبيل الذي يمكنه من سماع مشاكل الأطفال القادمين من الأحياء الهامشية و الإنصات إلى معانتهم ، كما منحهم فرصة أمل تبدوا جالية على ملامحهم و في أعيونهم الجميلة . الموسيقى بالنسبة لدوداميل ، لا تنفصل عن عمل الخير ، إنها جسر لبناء قواعد الحب المشتركة بين سكان الأرض قاطبة ، الموسيقى لدى دوداميل تلغي الحدود و الخصوصيات و تنبذ التعصب ، فالرجل في جولاته الموسيقية العديدة التي يجوب فيها أميركا و أرويا و أفريقيا و أسيا ، يؤكد على سمو الموسيقى و دورها في تآخي الشعوب ، إنها سوناتات للتواصل بين الأنا و الأخر بشكل يقبل الوجود المشترك ، الوجود معا . دوداميل يزاول إلى جانب ترأسه لأوركسترا " الفيلهارمونيك " بلوس أنجلس ، مهام قائد أوركسترا " بوليفار" الشبابية بفينزويلا ، و الأوركسترا الوطنية في السويد ، إضافة إلى عمله الخيري و الجمعوي الدائم . لا يمكن الفصل بين شخصية دوداميل المرحة و الخيرة و الحسبة للناس و السعيدة أيضا و بين أعماله الموسيقية ، فكلها تأتي محتفلة بالإنسان بكرامته و قيمه النبيلة ، حينما عزف سيمفونية " تورانغاليلا " للموسيقي " أولييفه ماسسيان " رفقة فرقته الموسيقية بفضاء " والت ديزني كونسرت هال " ، صرح في نشوة و سعادة تامة أن هذه السيمفونية عبارة عن مرآة للجمال و الحب ، إنها مشاعرنا النبيلة ، و حبنا للحياة ، كل تلك المشاعر حين تتناغم في ما بينها . عزف دوداميل الكثير من السيمفونيات المتميزة و الشهيرة ، إلى حد استحق معه التربع على عرش بعضها ، فلا أحد يستطيع محاكاته في ذلك ، قام بعزف السيمفونية الخامسة و السيمفونية السابعة لبيتهوفن ، و قدم أيضا السيمفونية الخامسة للموسيقار النمساوي "غوستاف ماهلر" ، كما اشتغل على أعمال " سلفيستر ريفولطاس " و " ألبرتو غيناستيرا " و " ليونارد بيرنستين " . هذا كله ، و الشاب الوسيم يعيش حياة أسرية جيدة مفعمة بالحيوية و الجدة و التوافق و الحب، زوجته " ايلوسا ماتورين" تراه نموذج الزوج المثالي ، الذي يستطيع التوفيق بين شؤونه العملية في الخارج ، و دوره بالبيت الأسري ، و علاقته الزوجية ، لذلك فهي تحبه و تتعلق به ، تساعده و تشاركه أعماله و نجاحه و كذا إخفاقاته التي يمكن القول أنها شبه منعدمة ، فكلاهما يرى الحياة الأسرية امتداد للحياة الفنية التي يتقسمانها .