1 – غيرة كأية امرأة سرقها الحبُّ من نفسها، في غفوة من ذاتها، اكتشفت في داخلها الأكثر التباسا صورةَ المرأة الأخري، أو بالأحري أيقظتها من سباتها، ثم شرعت في البحث عنها خلسة في عيني حبيبها كل نهار، أو في جيوب ذهنه الغائرة، ولما لم تعثر عليها، أو يئست من وجودها بدأت تبحث عنها في عينيها في المرآة كل صباح، قبل أن تتذكر أنها هي هي، وأن الفرق بينهما لا يتعدي ميزة التفاتة عابرة في زمان عابر ومكان عابر. 2 - خوف كنا نخشاه في غيبته، وحين يمر بنا، حيث لا نتوقع حضوره، ندرك أننا نخشي خشيتنا منه، وحتي نثأر لأنفسنا منه كنا نتسابق إلي رضاه. ولما مات، أو غادر الحي بعيدا إلي مكان آخر، الناس فيه أكثر أخلاقا، ولما لم نجد من نظهر أمامه نبلَ شجاعتنا الفائقة جدا، صرنا نشهر الوسطي من خلف في ظهور بعضنا البعض، ونتباهي بأننا نحب أن نخلص الوفاءَ لذكري قديمة. 3 - سفر يجلس علي ظهر المركب السريع يتأمل رذاذ الموج من النوافذ، حوله مسافرون كثر من جنسيات مختلفة، ووجهاتهم مختلفة.. الماء علي مد البصر أزرق، أو هكذا تخيله.. أجنحة النوارس تلاعب الريح في الأفق.. الضفة الأخري تتراءي أقرب فأقرب، والحلم لم يكن سوي مسافة خطوة صغيرة منه، والزمن يبدو، كما لم يكن أبدا، رحبا.. رسا الكائن العائم في مستقره جنب الرصيف.. حمل نفسه قبل أن يحمل حقيبته، وغادر إلي خارج الميناء، فبدا له المكان كما لم يتخيله، أو خان صورته التي حملها معه. وقبل أن يبحث عن ظل يأوي ظله تذكر يائسا أن سفينته الورقية مازالت في جيبه، ولم يخرجها بعد ليضعها في بركة الماء التي تجمعت أمام بيتهم لعل ريحا خفيفة تحركها عابثة بها قبل أن تبتل وتنزل إلي القعر. 4 - هجرة عبر البحر، كما يعبره يائس أكثر أملا، وهو في سن متقدمة جدا، شأنه في ذلك شأنُ من تفور القوة في عروقه. وقال في نفسه خطوة أولي هادئة نحو ما لا بد منه. كان يتملي الموت في جدران طليطلة قبل أن يوقفه الحرس المدني، وهو يتفرس حجارة الكاسار مأخوذا بسر البقاء، وقبل أن يسألوه عما ساقه إلي بلدهم، قال لهم، في ما يشبه عدم المبالاة: هربت إلي هنا بأيامي المعدودات كي أموت بسلام. 5 - هيام انزوي إلي نفسه خلسة من نفسه، وقد أعوزته الوسيلة إليها، فأخذ قلما به ثمالة حبر قد تكفي أو لا تكفي، وورقة رأي أنها جميلة تشبهها في رقتها، لكنها أكثر بوحا منها، خط بتؤدة يد ليست له كلماتٍ ظن أنها أكثر لهيبا، أقل ترددا.. أعاد قراءة السطور التي استوي قوامها كما أراد، أو قرأت ما لم يقله أبدا.. طوي الورقة بعناية من يلامس نظرة امرأة شريدة، ثم أقفل الظرف علي ظل قلبه، وكعادته قبل أن يرسل إليها ما كتب، تذكر أنه يجهل عنوانها، ففتح جارور خزانته ووضع رسالته الجديدة إليها فوق القديمة، آملا أن يبعثها يوما ما إليها حين يصير لها اسم ما، وعنوان ما، وآملا أن تجد لحظتئذ وقتا، ولو وجيزا، لقراءة رسائل كتبها شخص آخر إليها قبل أن تتفرغ لقراءة رسائله. 6- تذكر أعاد المدير التجاري علي رئيس قسم المبيعات التعليمات للمرة الخامسة، وهو يؤكد عليه ألا ينسي أبدا ما قيل له، وقبل انصرافه أكد عليه، وهو عند الباب، ألا ينسي مثنيا علي قوة ذاكرته. ولم تكد تمر هنيهة حتي عاد رئيس قسم المبيعات إلي مكتب المدير ليسأله ما إذا كان من الممكن أن يذكره بما حدثه فيه قبل قليل، فأجابه المدير: هل سبق أن رأيتك اليوم، وهل تحدثت إليك في موضوع ما؟