حين ازدحمنا عند باب المسيد ، تدافعنا الى الداخل بصراخنا و ضجيجنا. مددت عنفي عبر الباب الخشبي الضيق الذي كان نصف مفتوح. لم يكن الفقيه هناك في مكانه المعهود. حيث يجلس متكوما داخل جلبابه الصوفي الشديد البياض و قضيب عود الرمان في يده اليمنى. فقط الحصير المتاكل الاطراف ممتد كعادته والواحنا الخشبية معلقة من حلقاتها الخيطية على الجدران الترابي المطلي بالجبص. ما كدنا نملا الحصير ونتسابق للجلوس في الصفوف الخلفية هروبا من لسعات قطيب الرمان التي غالبا ما تكون من نصيب الصفوف الامامية ، حتى جاء عمي المختار هكذا يناديه اطفال القرية . وقال بصوت مبحوح وعلامات الحزن على ملامحه . اذهبوا يا صغار . الا تعلمون بان الفقيه قد مات هذا المساء ؟ لم يكن الخبر ليصدمنا،بل تدافعنا عند الخروج عبر الباب الضيق ونحن نحمل صناديلنا البلاستيكية . جرينا عبر الطريق الترابي ، حتى كوننا غمامة من التراب. نسيت موت الفقيه. وفرحت لانني ساظل العب اليوم كله. وربما ثلاثة ايام . الى ان يجد اهل القرية فقيها جديدا. او قد اذهب انا و صديقي علي الى الجبل الاخضر الشاهق لرؤية ضوء المدينة البعيد الذي يبدو كنار كبيرة. عبر الطريق الترابي الممتد بين الحقول توجهت الى دارنا الملتصقة بدار صديقي علي. ركلت الباب الخشبي حتى احدث ازيزا قويا واصطدم بالحائط الترابي. لم اكن لافعل ذلك لولا انني متاكد من عدم وجود ابي.فربما قد ذهب لتفقد حقولنا الصغيرة. او يساعد اهل القرية في تهيء جنازة الفقيه. في المطبخ الاسود السقف و الجدران من كثرة الدخان . كانت امي تهيء كسكس الشعير وقد مدت رجليها حول القصعة الطينية. قلت وانا اصطنع الحزن. -لقد مات الفقيه يا امي . فردت دون ان تنظر الي. - فال الله ولا فالك اولدي. ما كدت اؤكد لها الخبر، حتى سمعنا الصراخ و الغوات. عندها تاكد لها بانه الخبر اليقين. فقالت و كانها تكلم نفسها. انه الان في باب الجنة. رددت في نفسي : باب الجنة ! انقل نظراتي بين امي المنشغلة بقصعة الكسس وموقد النار الذي يلتهم اعواد القصب الجافة. ودون ان تتكلم ملات امي كفي الصغيرة بكسكس الشعير. فسكتت وان ابتلعه . يجرحني في حلقي. لكنني اظل صامتا ، صامتا،....