ذهبت لزيارة الولي الصالح أبو الحسن علي بن عمر الدرعي، لا لأطلب منه العون على مصائب الحياة،ولا ليزوج ابنتي أو يزيل عني عاهة. ولكن ذهبت إليه أسأله عن تاريخ منطقة إغرغر، هذه البلدة الجوهرة في سماء البلدان، الواحة الفيحاء الغنية بأشجارها وأثمارها وأناسها الطيبين، البلدة التي ولدت فيها وترعرعت ولا أعلم شيئا عن تاريخها. قلت أسأل جدي بحكم كونه أكبر مني سنا وعلما وتجربة، فلما سألته اقترح علي الذهاب إلى الولي الصالح وطلب المعونة منه، لم يكن الولي الصالح أكثر مني علما، واعتذر بأنه لم يدرس التاريخ يوما ولا عمر أكثر مما عمر الرجال. استغربت الأمر وقلت له: يا سيدي وهل يقتصر على منح البركات فقط؟ فقال لي: وعن أي بركات تتحدث يا هذا؟ قلت له: لا تكن مراوغا يا سيدي، لقد سمعت قصصا كثيرة تدل على أنك صاحب الأمر والنهي في هذه القرية حتى بعد موتك بمئات السنين. إن رجلا مثلك يا سيدي لم يستطع الموت أن ينزع عنه تلك الهيبة التي كان يتمتع بها في حياته، لابد وأن يكون علمه واسعا ومحيطا بكل الأشياء، فأنت تطرد من البلدة من تراه سيفسدها، وتعمل على إبقاء من تراه سيصلحها، أنت تتحدث إلى جدتي في المنام، وتخبرها بأن ابنها الذي غادر البلدة من سنين عديدة سيعود وذلك بفضل بركتك، إن رجلا مثلك لابد وأن يكون عالما بالمنطقة وقد يكون عالما بأناسها الأوائل. أجابني الولي الصالح مقهقها: لم أكن أعلم يا بني ببركتي إلا الآن، وأظنني وجدت المادة الأولى التي سأبدأ بها حكايتي لأصدقائي سيدي أحمد بناصر وسيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي يعزى وغيرهم ممن يطارحوننا جلستنا المسائية. قلت له: قلت له هل تريد يا سيدي أن تقول بأن كل ما نتداوله فيما بيننا خرافات لا منطق لها؟ أم فقط تريد أن تردني خائبا؟ لكن لا يمكن أن تكون كل هذه القصص خرافات، فأنا سمعت امرأة تحكي بأنها قد نذرت لك بخروف إن هي شفيت ابنتها من مرض لازمها منذ الصغر، وبعد أيام شفيت ابنتها، والمرأة نسيت نذرها، فوقفت عليها في منامها وطلبت منها النذر الذي وعدتك به. قال الولي الصالح: لكنني يا بني لا أعرف هذه المرأة، ولا أذكر أن امرأة جاءت إلي وأنا على قيد الحياة تطلب مني ما ذكرت، فكيف وأنت تحدثني عن جيلكم أي بعد وفاتي بمئات السنين، إنك تتحدث بالمستحيل، كيف لرجل مات واندرس وانتقل إلى العالم الأخر يطلب من امرأة ما لا ينفعه ولا يضره.فأجبته: ولكنها القصص كما رويت لنا. فقال:أليست لديكم عقول تميزون بها بين الممكن وغير الممكن؟ . قلت: ولكننا تعلمنا منذ كنا صغارا في المسجد والمدرسة بأن العقل أحيانا يصعب عليه إدراك عدة أشياء لأنها فوق مستواه ولأنها تدخل ضمن الغيبيات فليس أمامه إلا أن يصدق. فأجابني الولي الصالح قائلا: إذن اذهب إلى الناس وقل لهم بأن الولي الصالح حاورني وأخبرني بأن كل ما نسجتم حوله باطل وأن كل القصص التي تروونها لنا كاذبة.قلت: ولكنهم لن يصدقونني. - وكيف وهم يصدقون قصصا ساذجة؟ - إن الناس يا سيدي لا يصدقون إلا ما يريدون أو بالأحرى لا يقصون إلا ما يدركون بأن الناس سيصدقونه. - إذن فاتركهم لخرافاتهم واذهب إلى كتب التاريخ للبحث عن تاريخ منطقتك . فذهبت وأنا أردد: يا سيدي أبو الحسن، يا عالما بأسرار المنطقة، يا زعيم"رجال البلاد" ،أعني في البحث عن تاريخ منطقتي. فسمعت صوتا من البعيد يقول: إن تاريخ بلدة إغرغر يبدأ ببداية زمن الخرافة،فابحث عن زمن بداية الخرافة.