أمة العرب من الأمم التي اعتنت واهتمت بأنسابها وتدوينها وكان لها كتابها ومؤرخوها الذين اهتموا بهذا الجانب فوضعوا له المؤلفات والمصنفات وفق مناهج مختلفة منذ البدءٍ في حركة التدوين. ومن أهم الدوافع التي دفعت العرب للعناية والاهتمام بهذه الأنساب هو النظام القبلي الذي كان سائداً قبل الإسلام. أضف إلى ذلك العصبية القبلية التي كانت لها اليد الطولى والكلمة النهائية في هذه المرحلة وما بعدها، حيث ظلت الحياة في المجتمع العربي حقبة طويلة قبل الإسلام وبعده مرتبطة بالأوضاع القبلية. ولم يستطع ظهور الإسلام وقيام الدولة الإسلامية أن يلغي هذه الوضعية وهذا النظام فكان توزيع العطاء قائما عليها. كذلك كان تخطيط الأمصار المحدثة مرتبطا بالأساس القبلي في عصر الدولة الأموية – كذلك كان تجنيد الجند قائما على استدعاء كل قبيلة لرجالها. أضف إلى ذلك قضية التباهي والتفاخر بأعمال الآباء والأجداد. ورغم أن الإسلام حارب التعصب لأنه يهدد كيان الدولة الإسلامية الناشئة ووحدة الأمة، فإن الرسول والصحابة حثوا على العناية بالأنساب وحفظها. وقد روي عن رسول الله قوله (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) كما روي عنه قوله(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم). وقبل أن نتطرق إلى بداية تدوين الأنساب والمنهجية المتبعة في ذلك لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا الموضوع، وهو النسب، يرتبط إلى حد كبير بمفهوم الهوية التي تنطبق من الناحية اللغوية على العناصر التي تجعل الشيء مطابقاً لذاته وتميزه عن غيره. فهوية شخص ما أو مجتمع ما تشير إلى المميزات الثابتة لهذا الشخص أو هذا المجتمع، بغض النظر عن التغيرات والتطورات التي يكون عرضة لها. ولا يعني التركيز على الثابت في مقارنة الهوية إغفال التحولات المستمرة التي يتعرض لها كيان له هوية ما. إذا لا توجد الهوية الخاصة إلا في إطار بعض المجتمعات القبلية القديمة المعزولة كلية عن أي اتصال خارجي. أما ما عداها، وخاصة المجتمعات الحديثة، فإن تميزها في هذا الجانب يبقى قائماً رغم تأثرها اللغوي أو الحضاري أو الديني أو السياسي بغيرها من المجتمعات التي تفاعلت معها نتيجة عوامل تاريخية وجغرافية. يمكننا أن نحدد بدء تدوين الأنساب بمنتصف القرن الثاني الهجري على وجه التقريب ، ويمكن تقسيم مراحل هذا التدوين إلى مرحلتين أساسيتين ، الأولى تم ّ خلالها تدوين أنساب القبائل مفردة والثانية أخذ خلالها هذا التدوين شكلاً أوسع فظهرت كتب الأنساب الجامعة أي بشكل جماعي وليس فردي . أما المصادر التي استقى النسابون منها مادة مصنفاتهم النسبية فهي متعددة حيث أخِذَتْ أنساب القبائل العربية عن قدامى نسابي القبائل. ورجع مصنفو كتب الأنساب إلى هؤلاء النسابين فاستقوا منهم مادة كتبهم. وكانت هناك الطبقة الأولى من علماء النسب الذين عاصر بعضهم الرسول (ص) ، كما استقى مدونو الأنساب جل انساب الأمم من التوراة ومن أفواه أهل الكتاب كما استقى البعض منهم معارفهم النسبية من نسابي القبائل . كذلك استقى النسابون الذين كتبوا عن نسب قريش وغيرها مادتهم عن الخلفاء أبي بكر وعمر وغيرهم كثيرون. وهؤلاء جميعاً يمثلون الطبقة الأولى من علماء النسب وعنهم كما ذكرنا اخذ مدونو الأنساب معارفهم النسبية ثم بدأ تدوين الأنساب في المرحلة الثانية حيث اتجه بعض علماء النسب إلى تدوين أنساب قبيلة وفي أواخر القرن الثاني الهجري ظهر أعظم مؤلف في الأنساب وهو كتاب جمهرة النسب لهشام بن محمد بن السائب الكلبي. ومند القرن الثالث الهجري ازداد الاهتمام بتصنيف الكتب في هذا المجال وتعددت أسماء المؤلفين والمهتمين . هذه الورقة هي محاولة لتسليط الضوء على هذا الموضوع الهام وليس الهدف هو سرد وذكر جميع من ألفوا في الأنساب. ولكن تتبع أهم الكتب الشاملة في هذا الجانب ومعرفة من ألفوا في أنساب قبيلة أو طائفة من القبائل. وكذلك من ألفوا في تحقيق أسماء القبائل واختلافاتها. كما سنحاول معرفة المنهج الذي اتبعه هؤلاء واتجاهاتهم المختلفة .