عاشت الساكنة الأربعائية ما بين 8 إلى 12 فبراير 2017 الجاري فعاليات الدورة الأولى لمهرجان المدينة المنظم من لَدُن اتحاد جمعيات المجتمع المدني، الذي اختار " اتحاد جمعيات المجتمع المدني رافعة أساسية للتنمية " شعارَ هذه المناسبة. استُهلَّ البرنامج عبر كرنفال إشعاعي انطلق من وسط المدينة وصولا إلى المكتبة البلدية حيث قُصَّ شريط المهرجان وأُعطيت انطلاقة الفقرات مع استعراض في فنون الحرب تلاهُ تدشين المعرض التشكيلي الجماعي الذي ضَمّ تجارب فنية رائدة إلى جانب مشاتل إبداعية تمّت رعايتها خلال هذه الفعاليات.خلال الفترة المسائية انتقل الحضورُ إلى فضاء المقهى الثقافي آكني في لَمَّةٍ أدبية إبداعية لنُخبة من كُتّاب المدينة، وبحضور أسماء جمعوية من مختلف أجيال وأبناء الكلمة والإبداع، بُرمِجت الجلسة حول مسار الأدباء : المصطفى كليتي، عبد القادر الدحمني، محمد العياطي، وحميد الراتي، جلسة أراد لها المنظمون أن تفتح وعي الحضور ولا سيما الناشئة على تجارب هؤلاء الرموز الذين انفلتوا من قيد الهامش الجغرافي وكرّسوا أسماءهم في الوسط الأدبي والثقافي الوطني، وتفاعلوا مع الحضور بحميمية وروح صدوقة ارتقت باللقاء إلى حالةٍ وجدانية فريدة، لتُتوَّج بوصلةِ توقيع إصدارات الكتُّاب المحتفى بهم، في حين كان اختتام أنشطة اليوم الأول مع المباراة النهائية لدوري الكرة الحديدية الذي فاز به الاتحاد الرياضي الغرباوي على حساب نادي مشرع بلقصيري. أما برنامج اليوم الثاني الخميس فقد شهد أطوار السباق على الطريق في ثلاث فئات عمرية حَصَدَ جوائزَها على التوالي أبطال وبطلات جمعية فرسان الغرب لألعاب القوى بقيادة المدرب والبطل السابق عبد الرحيم العسري، وفي نفس الأثناء كان الملعب البلدي يشهد مباريات ومسابقات في كرة السلة، الكرة الطائرة، كرة القدم المصغرة، ومباراة تشريفية في التنس بين الرائدين محمد شنيف والنضيفي البودالي. في الحصة الزوالية، انتقلت الأضواء إلى بهو دار الشباب الذي احتضن إبداعات وإنتاجات الصنائع المحلية في فن التطريز، السيراميك، عناصر التزيين والديكور، الأواني الفخارية اليدوية، وهو المعرض الذي استقطب أفواجا من الزُّوار والمُتتبّعين، هذا بينما كانت أطوار مسابقة فن الطبخ المحلي تجري في ردهات دار الشباب، لتُتوَّج بأصناف الأكلات والوجبات التقليدية المتأصِّلة والمُشْبَعة بتاريخ وأفانين المنطقة وتُراثها الثّرّ، وهي الطقوس التي استضاف بها الإتحاد ضيوفَه الشرفيين في مهرجانه الأول المُجتَرَح بحس المغامرة والجرأة في ظل الصور النمطية المُرسَّخة والمُكرَّسة في الأفهام والأذهان حول منطقة الغرب، وفي ظل نُدرة موارد دعم وتشجيع هكذا مبادرات مدنية. صباحَ يوم الجمعة الموالي، تقاطر المتطوِّعون من شخصيات مدنية، جمعوية، سياسية، رجال سلطة وأعوانها، وفئات اجتماعية مختلفة من المواطنات والمواطنين والنشطاء، على القافلة الطبية بالمستشفى المحلي الزبير اسكيرج للتبرع بالدم صَوْنًا وحفظا لدماء المُحتاجين، وهي الحملة التي تَضوّعتْ بروح وقيم المواطنة والمبادرة المشتركة. مساء نفس اليوم في قاعة الندوات بفضاء الخيرية الإسلامية كان المتتبعون والسكان لأول مرة يستمعون إلى تاريخهم وأمجادهم المخبوءة والمقبورة في طَيّات التاريخ، صفحات مجيدة فتحها وبَسَطها الباحث المتخصص في التراث والثقافة الغرباوية بانفتاحها على الحضارات والمشترك الإنساني، الأستاذ بوسلهام الكط من خلال ندوة " المقاومة الغرباوية "، التي أرَّخ لها وتتبّع مساراتها منذ انبثاق الحركات الجهادية لدى الأولياء في صَدِّ الهجومات الإيبيرية وكيف أبلى فيها أولياءُ الغرب البلاءَ الحسن واستشهدوا خلالها من قبيل : سيدي عيسى بن الحسن المصباحي دفين الدعادع، العلامة والمجاهد سيدي أحمد بن منصور الذي تحدثت عنه كُتُب كبار الشخصيات العسكرية في الجيش البرتغالي، وأبو سعيد المصري المشهور بمولاي بوسلهام وغيرهم من علامات المقاومة الغرباوية، وصولا إلى حركة المقاومة إبّان الحماية الفرنسية والإسبانية، والدور الريادي والاستراتيجي الذي لعبته منطقة الغرب في رفد المقاومين بالأسلحة والذخيرة وتوفير الحماية لشخصيات المقاومة الوطنية، وهو الأرشيف المنسي والمجهول ضمن تاريخ وسِجل المقاومة الوطنية. اليومُ ما قبل الأخير من فعاليات المهرجان خُصص، دائما بفضاء الخيرية الإسلامية، لورشة مستمرة مفتوحة في وجه جمعيات المجتمع المدني على مستوى دائرة الغرب، والذين بلغ عددهم 61 مشارِكة ومشارِكًا، استفادوا من التأطير حول كيفية إعداد ودراسة المشاريع التنموية وبحث مصادر التمويل والدعم على المستوى الداخلي والخارجي، فبعد الورشة الصباحية النظرية، انتقل المشاركون ما بعد الزوال إلى الجانب التطبيقي والنموذجي للاشتغال تحت إشراف وتأطير المدرب المعتمد، السيد عبد العالي القرقري المنسق الجهوي لشبكات التنمية بجهة طنجة، تطوان، الحسيمة، وفي نهاية الورشة التكوينية تَسلّم المستفيدون شواهد المشاركة في مناخ جمعوي ودي. بدورهم أطفالُ وصغار المدينة كان لهم نصيبٌ من فعاليات المهرجان، حيث ضُرب لهم موعدٌ بدار الشباب صباح يوم الأحد 12 فبراير، وغصّت بهم قاعة العروض، حيث تنوّعَ برنامج الصبيحة بين فقرات مسرحية فَتحت وعيهم المبكّر على " القضية الفلسطينية " و"حكمة العمل" من تأطير المُربية البويدر راضية، وأنشطة ترفيهية بهلوانية ومسابقات ثقافية من إبداع المنشطة أميمة الصافي وفواصل مسرحية "كلنا مع البيئة "، علاوة على أناشيد تربوية ورقصات تعبيرية من تأطير المُربية الجعبة خديجة، وكانت أغنية الطفل حاضرة بمتعة من خلال قطعة " النظافة " كلمات وألحان وأداء الفنان المقتدر عبد العزيز البدوي والطفلة الواعدة فاطمة الخالدي. أما وقد حان موعدُ حفل اختتام فعاليات الدورة الأولى لمهرجان المدينة، فقد تجمهر الحضور زُرافات وَوُحدانًا على مكان السهرة الختامية التتويجية الكبرى، وتجنّدت السلطات المحلية واللجان التنظيمية المتطوعة بروح التفاني للإشراف على الحدث والسهر على السير العادي للحفل الباذخ . عرف الحفل حضورَ خيرة رواد الحركة الجمعوية والثقافية والأدبية بالمدينة مع الضيوف الوافدين إلى المهرجان من خارج المدينة، ومختلف الشخصيات السياسية وممثلي المصالح العمومية، والأفراد الداعمين لهذه المبادرة الثقافية التي راهنت على تقديم وطرح أنموذجٍ حضاري إشعاعي ُيثَمِّن المُقدّرات والمُدَّخَرات الإنسانية والإبداعية للتراث المحلي المادي واللامادي. الحفل الختامي الذي مرَّ في جو ثقافي احترافي، وبدقة في التنظيم والإخراج، بدأ مع النشيد الوطني الذي به ومعه افتُتِح المهرجان، ثم كلمة الختام باسم الجهة المنظمة، تلاها المنسق السيد محمد أوزايد، عارضا فيها روح وفلسفة المبادرة، شاكرا للداعمين حُسنَ استجابتهم وللضيوفِ جميل وفائهم للمهرجان، ثم تَلَتْه لوحةُ تعبيرية من أداء الطفولة حول وحدة وحِمى التراب الوطني، بعدها كانت الفرصة مؤاتية لتتويج الفائزات والفائزين في مختلف أطوار المنافسات والمسابقات التي واكبَتْها المدينة خلال الأيام الخمسة من مهرجان المدينة، وبين فقرة وأخرى، كانت الفُرق الموسيقية تتوالى على منصة الحفل الختامي لتنقُل الحضورَ إلى فُسحات النغم والغناء، فرقة الهيّاتة بأَلوِيَة وأعلام تراث منطقة أولاد خليفة حرّكتْ لواعِج هُواتِها في رقصاتهم الجماعية المُعبِّرة عن الَمسّرات الغرباوية بعد مواسم الحصاد الجماعي وتَرَاصِّ صفوف المقاومة، كتفا على كتف، زِنْدًا على زِنْدٍ، ومَا الدُّفوفُ الطينيّةُ الطويلةُ سوى تعاريجٍ فنية تتسامى بالمُسْتمِع النَّبِيهِ إلى تلك المعاوِل والبنادق وسُرْبات الخيل في إقدامها وكِبريائها الذي تؤرِّخ له أحداث الأرض، بدورها فرقة المدينة للأغنية المعاصرة عرَضَتْ مقطوعاتها بأداءٍ شبابي لافت، ثم فرقة كناوة وهم يحملون صُنوجَهُم الحديدية ويَنْقُرون طبولهم الجريحة يتبعُها صدى التاريخ البعيد، القادم من وحي القارة السمراء وصَرَخاتها المُلْتاعة، موسيقى صافية من روح الطبيعة وعفويتها إلى روح الإنسان عبر حوامل موسيقية لم تعبث بها الآلة بعدُ. ولأنه مهرجان برؤى قيمية وإبدالات ثقافية وإنسانية حالمة، فإن اتحاد جمعيات المجتمع المدني، قد اختار كتقليد لهذا المهرجان تكريمَ شخصيات أسْدَت خدمات وتضحيات للمجال العام، إذ وقع الاختيار هذه الدورة على شخصيات ستة غطاّها النسيانُ وحيفُ التقصير من الذات الجماعية : المُربية فاطمة أحنزال، المعلم القيدوم محمد الزياني، الجمعوي حامل لواء دار الشباب عزيز جبيرات، الفنان المُقتدر مصطفى البقالي، العدّاء والمدرب الرائد عبد الرحيم العسري، الرياضي والمدرب الكروي المخضرم محمد إبيكال، كان هؤلاء عرسانَ الدورة الأولى في أفق الالتفات خلال الدورات القادمة من المهرجان إلى إشراقات وعلاَمات أخرى بَصَمتِ المشهدَ الجمعوي والإنساني في المنطقة. في هذا الجو الاحتفالي البديع أُسدل الستارُ على التجربة الأولى لمهرجان المدينة بإمكانات وموارد متواضعة وإرادة عالية قِوامُها لَمُّ الشمل وإعادة الاعتبار للناس وللمدينة.