أصدرت دار خطوط وظلال الأردنية،عملا جديدا للباحث سعيد بوخليط،وهو ترجمة لأربح حوارات طويلة ومهمة،أجراها الناقد الأدبي والمختص النفساني صامويل دوك،مع الباحثة الشهيرة جوليا كريستيفا.تناولت،بالتفصيل الدقيق والمستفيض جوانب خفية كثيرة من حياة كريستيفا،منذ بواكير طفولتها ومراهقتها في بلغاريا الشيوعية،ثم رحيلها سنوات الستينات إلى فرنسا للدراسة،وعلاقاتها بجماعة "تيل كيل" النقدية،وكذا جل رموز الفكر الفرنسي،خلال تلك الحقبة،انتهاء بزواجها من الناقد والروائي فيليب سوليرز؛حيث ابتهاج الفكر والجسد ضمن سياق،أقصى تجلياتهما التأسيسية،السوية والواعية. طبعا،بين طيات مسار شخصي؛لم يكن عاديا قط أو مألوفا بالمرة،أو متاحا كل يوم، مثلما تطلعنا لساعات طويلة،مضامين بوح كريستيفا،تشكَّل بالموازاة مشروع علمي رصين،في غاية الجدة والنباهة والعمق،شمل حقولا معرفية عدة،تنوعت بين الفلسفة والتحليل النفسي والنقد الأدبي واللسانيات والكتابة الروائية والانخراط في أنشطة الحركة النسائية...، بوَّأ هذه المرأة المميَّزة جدا،مكان الصدارة ضمن قائمة قادة الفكر وملهمي الإنسانية،ليس فقط خلال الفترة الحديثة والمعاصرة؛بل قياسا لمختلف امتدادات التاريخ البشري. جوليا كريستيفا،المرأة الجذابة،صاحبة العقل الكبير،المحبوبة بل"المعشوقة"بكيفية أو أخرى،من طرف محيطها الثقافي الذكوري،كما سنكتشف ضمن فقرات عديدة في الكتاب. رولان بارت نفسه، المعروف بمثليته الجنسية، وبأن المرأة الأولى والأخيرة،التي حظيت بمعنى ما،في حياته، ظلت أمه، اعترف بأن كريستيفا تمثل لديه المرأة الوحيدة التي أمكنه التطلع إلى الزواج بها، لو كانت غير متزوجة. يمثل هذا الكتاب،جلسة حوارية استثنائية،بالمفهوم الدقيق للكلمة.فالطرف المحاوِر،أي صامويل دوك،يعتبر طبيبا نفسانيا سريريا، وكاتبا، يستوعب لامحالة آليات اشتغال النَّفْس البشرية، وكذا مختلف جدليات الوعي واللاوعي،ثم ذكاءات كيفيات تجليات ذلك.بينما الطرف المحاوَر،أقصد طبعا كريستيفا،فهي مثقفة كونية موسوعية، خبيرة جدا،بفلسفات اللغة والرمز والمعنى والدلالة والهمس والصمت والجهر.إنه ملعبها الرحب،منقطعة باستمرار في إطاره وبين طياته،إلى الكتابة والتأمل،وتفكيك شفرات المنظومات الرمزية،عبر تشكلاتها التاريخية والابستمولوجية.