النهر الرابض خلف أحلام المساء يعرف أن وحدته لن تطول فثمة أسرار مكشوفة على ضفافه أسرار ترتدي وشاحا من شفيف الكلام وتمتص رحيق الموج وحده الماء يوقظ عصافير تشبه الغيم عصافير تتسكع في عيون السحاب وفي الطريق إلى الجبل ثمة فزاعات الحقل تشبه لوحات سالفادور دالي دون ملامح واضحة تتواطأ مع فخاخ الحقل قبل ضوء الصباح تترك الطيور دموعا على الأرض وتطير ربما تزهر في الربيع القادم أو ترتوي الفزاعات و تتحول إلى شجيرات تحلم بليال مثقلة بالنشيد وفيوض الشعر وأدوات الزينة الراعي الوحيد يحمل محفظة من هباء يوزع كلماته على العابرين ويروض جسمه على الخيانة في الجهة الأخرى من النهر تتعرى القصيدة، تكشف عن مفاتنها لشاعر محموم أنهكه السفر ويتوق لعيد الميلاد ولمفتاح البيت المدسوس تحت عتبة الباب أو تحت المزهرية المكسرة الشاعر لا يحب الاستعارات البليدة حين يقف أمام المرآة يرى حقولا من التيه و الغربة تبوح له المرآة بأسرارها الصباحية وبالمرأة التي عشقها ذات شفق حزين حين كان البحارة يغزلون الأمل ويصادقون الموج بخجل مضاعف لم يكن الشاعر بحارا ماهرا حين منحته النوارس قصبة أقصر من قامته كان يدرك أن النهر ليس بهذا العمق يكفيه آن يغني قصائد جال بريل لتتقافز الأسماك إلى حضنه حتى لا يترك النهر الغارق في حزنه الأسماك كانت تعرف أن الشاعر يحب النهر لكنه لا يحسن السباحة يقتفي آثار الفراشات العاشقة، لكنه يكره الألوان على التل وقريبا من النهر هناك من يراقب الشاعر بعين واحدة ويدون حركاته على تجاعيد الرمل هو يعرف أن الشاعر لا يعبأ بالفراغ فالنهر صديقه الأبدي وأن الأسماك تحوك له من أحلامها سلما نحو سماء عليلة والقصبة لا تخونه في اللحظة الأخيرة فقط ينتظر أن ينام الفجر ليدثره بأشرعة الحنين ويرسم على ابتساماته وجه البراءة ويتعلم منه لغة الممكن التي يتقنها الشعراء. الشاعر يحب الميناء دوما لأن الزوارق تذكره بأحلام الصيادين تذكره بالقطارات والقبرات بالنوارس التي نهشتها الريح ذات خريف رمادي حين كانت الظلال تغني لامرأة تصرخ في وجه الليل وتنثر آهاتها على القمر الرابض فوق السحاب تتوقف على الرصيف الحنين تطعم السماء السابعة في الهزيع الأخير حين يمر العابرون بعيون حزينة يتسلقون ذكرياتهم كما شجرة اللبلاب. ويقرؤون نعيهم على صحف الرصيف.