يثور في الأذهان سؤال عند التأمّل في ظروف وأسباب نزول هذه النازلة الوبائية التي أقضّت مضجع العالم / هل فيروس كورونا قدر طبيعي مقدور ممّا تجري به المقادير ، أم هو قدر ” أرضي” مصنوع ومُدبّر بليل ؟. أي هو بعبارة صريحة ، صناعة اميريكية دُبّرت بليل في أقبية ومختبرات الجيش الاميريكي حسب تصريح سابق لمسؤول صيني ؟ ذلك أنه لأول مرة في تاريخ العالم والأوبئة الفتّاكة ، يسري هذا الفيروس الصامت في كل اوصال العالم . وقد قرأتُ مؤخرا شهادة عميقة ودالة للمفكروالعالم اللساني تشومسكي تشير بإصبع الاتهام إلى كل من المخابرات الأميريكية ومجموعة بيلدبيرغ وإسرائيل في إنتاج هذا الفيروس . وغير خافٍ أن السياق العالمي الراهن ملغوم ومشحون بالحروب المختلفة ما ظهر منها وما بطن ، وتضارب المصالح والاستراتيجيات الدولية . والغاية دائما عند الساسة وصُنّاع القرار تبرّر الوسيلة ، حسب الوصية الميكيافيلية . ولا أخلاق ولا عواطف في السياسة . وغير خافٍ أيضا أن الفترة الأميريكية الراهنة ، هي فترة ” الكُوبوي ” الأميريكي بامتياز . هل ترانا نستعيد هنا ” نظرية المؤامرة” ؟ كل شئ وارد في هذا الزمن العوْلمي العجيب . وقد أصبح فيروس كورونا الآن وباء – بلاء عالميا عابرا للقارات والحدود لا يستثني أحدا، لا يُبقي ولا يذر لوّاحا للبشربمَنْ فيهم عُتاة ودُهاة وطُغاة البشر. وعلى الباغي تدور الدوائر، والسحرقد يرتدّ على الساحر . صحيح إن بعض الظنّ إثم . لكن من الحزم أيضا سوء الظن . وعالمية هذا الفيروس ، تثيرأكثر من تساؤل وأكثر من ظنّ . وقد جعلنا الفيروس اللعين ، وعلى امتداد القرية العالمية المنكوبة الشقيّة ، مُعْتقلين ومأسورين في معتقلات الحجْر الصحي ، إلى إشعار آخر . مؤمّلين في انفراج قريب . ويا ليل الحجْر متى غده ؟ وأصبحنا عطْفا أمام ظاهرة المواطن الكوني المغلوب على أمره ، المتوجّس خيفة من المصير في منتهى ضعفه وهشاشته . ودخلنا ، أو بالأحرى أُدخلنا مُجْبرين ومُكْرهين في نمط سلوك اجتماعي جديد وفريد ، يفرض العزلة بديلا عن الاختلاط والتواصل . ونابَ فيه التواصل بالوسائط مَناب التواصل المباشر ، حيث أصبح الآخرون جحيما ، حسب مسرحية سارتر الشهيرة ( الجحيم هو الآخرون ) . والمسرحية بالمناسبة تدور بين ثلاثة أشخاص ، رجل وامرأتين ، محبوسين في غرفة كئيبة منعزلة ، كلّ ينظر شزْرا للآخر ، وكل يتوجّس من الآخر . وهذا بالتمام والكمال هو حال قريتنا العالمية البئيسة ، المحكومة باقتصاد السوق والليبرالية المتوحشة وطغيان المصالح الخاصة . وانْجُ سعْد فقد هلك سُعَيْد . هكذا يكسّرفيروس كورونا الجوّال على سجيّته في أقطار المعمور، من شوْكة الإنسان ويجرّده من كل قوته وغطرسته وعتوّه ، ويحشره حشرا في معتقله وعزلته . يحشر الإنسانية جمعاء في المعتقل الحربي الجديد . كما يغدوالعالم – المُعوْلم محشورا هذه المرة بكل حمولته البشرية في سفينة واحدة ” سكْرى ” ، بتعبيرالشاعر رامبو . وينْتفضُ السؤال الحضاري القاسي / لماذا تُنفق الدول الكبرى الأموال الطائلة على ابحاث ومصانع الأسلحة النووية والبيولوجية والبكتيريولوجية والدمارالشامل ، ولا تنفق سوى فُضْلة المتفضّل على المختبرات العلمية والمستشفيات ومصانع الادوية التي تشفي اوجاع الإنسانية ؟ لكن ، متى كانت الأوجاع الإنسانية تُرى جزءا من شواغل الليبراليات المتوحشة التي تنْهب أقطار المعمور؟ أليست هذه الأوجاع بالضبط ، هي كلأ ومرْعى الليبرالية – الرأسمالية، ومصائب قوم عند قوم فوائد؟ وفي غمرة هذا الرّهاب الوجودي والتراجيدي العالمي من هذا الإرهاب الوبائي الجائح ، وفي حُمّى وهستيريا هذا الإقبال الجامح على تكديس وتخزين المُؤن والأقوات تحسّبا للأيام العجاف ، وهيمنة ثقافة الاستهلاك ، وانفلات الغرائزالبدائية من عقالها ، وانتشارخطاب الجائحة .. يظهر المواطن الكوني على حقيقته ، عاريا من كل اقنعته ومُسُوحه ، ضعيفا هشّا ورعْديدا أمام فيروس صامت غير مرئي تسلّل فجأة من كُهوف العوْلمة .. وتحضرني هنا الآيات القرآنية البليغة / (إن الإنسان خُلق هلُوعا ، إذا مسّه الشرّجزوعا ، وإذامسّه الخير منوعا ) . لكن هذا الإنسان الهلوع الجزوع الهشّ ، هو الذي يواجه الموت دائما ، بإرادة الحياة . هو الذي يُنازع البقاء بإصرار المحبّ للحياة . واشتدّي أزمة تنْفرجي .