رفض وزير التعليم المغربي مؤخرا، اعتماد اللغة الإنجليزية في تلقين المواد العلمية بالمدارس المغربية بدعوى أن ” كلفتها مرتفعة” !!! وأنها تحتاج إلى سنوات طوال لكي يشتد عودها في المغرب. لكن لا أحد من السياسيين جادل الوزير حول المقصود من عبارته الغامضة، أو طالبه بتبريرها علميا أو لغويا أو اقتصاديا. والوزير الذي لا يحسن الحديث باللغة العربية ولا كتابتها، لا يتقن، أيضا، الكلام باللغة الإنجليزية ولا كتابتها، ولا يفهم في الاقتصاد ولا في علم اللغة ! لذلك كان الجدل معه سياسيا مطلبا واقعيا للكشف عمن وراءه للجري نحو الانتصار للغة الفرنسية بمدارسنا التربوية والتعليمية؟ لأن الكشف عن هوية المُحَرِّض على تكبيد بلادنا مزيدا من الخسائر الاقتصادية والثقافية والحضارية باللغة الفرنسية، سَيعينُنا ولا شك على فهم “المؤامرة” وأبعادها الكارثية. إن القول بأن تعليم موادنا العلمية المدرسية باللغة الإنجليزية سيكلف البلاد كثيراً، فيه كثيرٌ من غبار البلادة التي يثيرها البغل بحوافره، ومن منطق الاستحمار الذي يفرزه النهيق، وجرأة ممقوتة على خيانة تاريخنا وحضارتنا. كما أنه قولٌ يَضْمُر شرّاً لهذا البلد الذي لم يتمكن؛ لحد الساعة، من الانفلات من قبضة الاستعمار الفكري والتدبيري المتخلف الفرنسي. ونسأل الوزير – الذي تُوِّج مؤخرا ب”جائزة” أكبر تغطية إعلامية عالمية لأحد أنشطته الموسومة ب”البروباغندا” السياسية -: كم كانت تكلفة إخضاع تعليمنا للغة الفرنسية منذ خمسين سنة؟ وما هي نتائجها علميا وتربويا وحضاريا؟ وكم عدد الدراسات العلمية التي أنجزت وطنيا لمعرفة التكلفة المحتملة في حالة تكريس اللغة الإنجليزية أداةً لتلقين مواد العلوم بمنظومتنا التربوية والتعليمية؟ وماذا تعني ب: “التكلفة المرتفعة”؟ هل المقصود بها الغلاف المالي الذي يجب رصده لتكوين أطر التدريس؟ وإيجاد المناهج وإقرارها؟ وتوفير البنية التحتية للمدرسة العمومية؟ أو تعني بها الخسائر الهوياتية والاقتصادية والتجارية والدبلوماسية التي قد تتمخض من جراء اعتماد اللغة الإنجليزية بيداغوجيا وديداكتيكيا؟. لقد تجاهل الوزير أمزازي، في أكثر من المناسبات، الدعوات الجادة والصادقة التي كانت تحثه على الالتفات؛ بجدية وموضوعية، إلى بعض الدول الإفريقية والأسيوية التي تحولت إلى نمور وأسود اقتصادية وتنموية بفعل اعتمادها على اللغة الإنجليزية بمدارسها العمومية، واعتنائها، في الوقت ذاته، وبشكل متواز ومتوازن بلغاتها الوطنية والتاريخية !!!.إلا أنه أبى إلا أن يمضي في اتجاه فرنسة العقول المغربية وأفهامهم. غير أن تجاهل الوزير، لا ينبغي أن يفهم منه أنه مقصودٌ ! أو أن الوزير كان واعيا بهذا التجاهل ! وإنما نرى والله أعلم، أن الوزير كان مبرمجا على التعصب للغة الفرنسية، وأن مُوجِّهه – الذي مازلنا نبحث عن هويته – وضع على قلبه أَكِنَّة، وفي أذنه وقراً، وحذره من أن يؤمن بأية آية ولو أظهرت له سلامة التعليم باللغة الإنجليزية المُصاحَبة باللغة الوطنية للبلاد. وقد “كفر” الوزير بآية روندا رغم أنها استبدلت لغة المستعمر الفرنسي المتخلفة بلغة شكسبير في ضربة لازب، وارتفعت قيمة منظومتها التربوية وإنتاجيتها علميا وأخلاقيا وتربويا بعد أن أصبحت ميزانيتها تفوق الميزانيات الأوروبية من حيث الاعتمادات المالية. بل الأكثر من هذا؛ فإن آية روندا تجلت على أصعدة أخرى: حيث استقرت اجتماعيا بعد حروب دامية بين قبيلتيها الهوتو والتوتسي، وتسلقت سلم التنمية الشاملة بشكل إعجازي؛ وبات اقتصادها قويا، وحكامتها جيدة سياسيا، ومحاربتها للفساد مُقَنَّنة بطريقة عمياء؛ أي: بطريقة لم يعد فيها لشعار “باك صاحبي” أثر يذكر في حالة ثبوت الفساد.. فمن تلبَّس الفساد وجبت عقوبته إلى درجة إعدامه وإقباره. إننا لا ندري بحق؛ إذا ما كان مسؤولو البلاد لا يعلمون بحق؛ بأن التعليم الفرنسي لن يحمل إلينا حاضرا ولا مستقبلا، أيَّ صورةِ تتويجٍ، وفي أي مجال مجتمعي. بل ستكون له، لا محالة، تكلفة مرتفعة وكارثية: مسخٌ هوياتي، وغُربة حضارية، وانحراف أخلاقي، وارتجاج فكري، واستنزاف مالي، وتخلف اقتصادي، وفوضى اجتماعية. لذلك فإن آية روندا دَرسٌ لمن ينبغي أن يعتبر، ولكن مع ضرورة الاعتناء بلغتنا العربية والعمل على تطويرها لتأهيل انخراطها في معارك الحضارة الإنسانية تأثيرا وتفاعلا وتجاوبا.