افتتح المفكر المغربي محمد سبيلا محاضرته، التي احتضنها الفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء عصر يوم الجمعة 30 مارس 2018 في إطار لقاءاته الفكرية الشهرية، بالتساؤل عن مشروعية الحديث عن وجود مدرسة فلسفية مغربية قائمة الذات، قبل أن يعود للتأكيد على أن الأمر لا يتعلق بادعاء وإنما بحقيقة ساطعة. واعتبر محمد سبيلا أن هذه المدرسة نشأت من قلب الصراع السياسي بين التيار التقدمي والتيار التقليدي الذي مثله المخزن وكذا القوى المحافظة في الحركة الوطنية، كما أن تقاسيم هذه المدرسة تبلورت انطلاقا من الجامعة المغربية، التي عرفت روادا في الفكر من أمثال عبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد عابد الجابري. وقال محمد سبيلا إن المدرسة الفلسفية المغربية استطاعت أن تستقل عن التيارات الفلسفية المشرقية، وأن تكون لنفسها إطارا خاصا بها، حيث اتصفت بالنزعة النقدية، وتميزت حتى عن المدرسة الفلسفية التونسية، التي نشأت تحت رعاية الدولة واستفادت من الدفعة العلمانية البورقيبية، فيما المدرسة المغربية قامت في مواجهة الدولة وفي صراع حاد معها واعتمدت على نفسها. وأكد محمد سبيلا أن النظام المخزني فطن إلى أن هذه المدرسة، التي جاءت في سياق عالمي يتسم بصعود الحركات التحررية والتيارات الاشتراكية، تشكل خطرا عليه، لأنها هي التي تغذي اليسار المغربي والقوى السياسية التقدمية، فقام بخنق الفلسفة في الجامعة بأن ألغاها بقرار سياسي، وفي مقابل هذا الإجراء قام النظام بتشجيع الأصولية من خلال اعتماد تدريس الدراسات الإسلامية وذلك حتى يقضي على منابع التفكير الفلسفي العقلاني. واعتبر محمد سبيلا أن عبد الله العروي يمثل رائد الحداثة في المغرب من دون منازع. فهو الذي فكر في الحداثة من مختلف جوانبها، وقام بالتنظير لها، وجعلها جوهر كل أعماله الفكرية. بل إنه أبدع في التنظير للحداثة عندما قام بالكشف عن عوائق الحداثة في بلده المغرب، معطيا المثال على أنه كان مهموما بالتحديث وبإخراج المغرب من التخلف والتأخر التاريخي. واعتبر محمد سبيلا أن عبد الله العروي لا يعتبر نفسه فيلسوفا وله أحكام قاسية بخصوص الفلاسفة حيث هاجمهم في مجموعة من أعماله، والسبب في ذلك حسب سبيلا هو أن العروي يعتبر الفلسفة فكرا مجردا، في حين يهتم هو بالوقع الحي وهو ما جعله يتشبث بالتاريخانية التي يرى أنها هي المنهج الصحيح لإدراك الواقع وإدراك تأخرنا التاريخي. وأكد محمد سبيلا أن هذه النظرة التي حكمت فكر عبد الله العروي تقوم على أن البشر هم الذين يصنعون تاريخهم وليست أية قوة أخرى، وأن التاريخ قائم على الصراع بين البشر، ولذلك فهو يرى أن الحداثة من هذه الوجهة هي قدر لا يستشير الشعوب، وأنها اكتسحت جميع الشعوب والدول بدون استثناء، وكل من حاول تحاشيها فهو يفعل كمن يغرس رأسه في الرمال. واعتبر محمد سبيلا أن ما بعد الحداثة، حسبما بين ذلك عبد الله العروي في كتاباته الفكرية، ليست رجوعا إلى ما قبل الحداثة أو هي تعويض عن الحداثة، ولكنها تعتبر نقدا للحداثة نفسها، إن لم تكن موجة من موجاتها. ووضح محمد سبيلا كيف قام عبد الله العروي بانتقاد المفكرين العرب الذين اعتنقوا تيار ما بعد الحداثة وهم لم يستفيدوا بعد من الحداثة ولم يعرفوا مكتسباتها الكثيرة حتى يمكنهم انتقادها كما يفعل المفكرون الغربيون الذين تلذذوا على مدى ثلاثة قرون بثمار الحداثة وتعرفوا على إيجابياتها وسلبياتها. وبين محمد سبيلا مجهودات عبد الله العروي في كشف تحايلات التقليد في إعاقة الحداثة في بلادنا، حيث اعتبر أنه أكبر العوائق، خصوصا حين يكون هذا التقليد واعيا بنفسه ويمثل اختيارا، وقال سبيلا إن أحزاب الإسلام السياسي تجسد أبرز مثال لهذا النوع من التقليد، لأنها تعتبر الحداثة مروقا وجهالة تستوجب التوبة والرجوع إلى جادة الصواب. واعتبر محمد سبيلا أن مقاومة الحداثة تتخذ أيضا أشكالا لاواعية تتجسد في الكلام والسلوك وتنتعش داخل مؤسسات عصرية مثل الحزب والمدرسة والمقاولة والإدارة كما تنتعش داخل مؤسسات أخرى مثل الأسرة والقبيلة والعشيرة وفي العادات وسوى هذا كثير. واعتبر محمد سبيلا في آخر هذا اللقاء، الذي سيره الباحث في مجال الفلسفة محمد الشيخ، أن كتاب عبد الله العروي “السنة والإصلاح” هو بمثابة انتقاد للفكر السني وكان من الأولى أن يعنونه ب”نقد العقل السني”.