يمتاز الحقل الفكري المغربي بتعدديته المعرفية، وتنوع مشاريعه الثقافية، إلى درجة تجعله حقلا مستقلا، بل وذو خصوصية تختلف عما ينتجه الحقل الفكري المشرقي من أفكار ومفردات ومقترحات وبدائل حضارية. إن الاختلاف الفكري بين هذين الحقلين لا يتمثل في الهوية، بقدر ما يتجسد في اختلاف زوايا المعالجة للقضايا الثقافية التي يتصدى لها كل حقل بالدراسة والتحليل والنقد.. من هنا كان الحقل الفكري المغربي متميزا في الكشف عن مشاريع فكرية ذات صلة وثيقة بمجال الإنسانيات؛ جادة ومؤثرة في بناء النسق الحضاري العربي، مثل مشروع محمد عابد الجابري رحمه الله، ومشروع عبد الله العروي، ومشروع طه عبد الرحمن، ومشروح محمد مفتاح، وغيرها من المشاريع التي لمست عمق التفكير البياني والكلامي والفلسفي والأدبي للثقافة العربية. ويعد مشروع الدكتور أبي بكر العزاوي في الحجاج واللغة، بالغ الأهمية، ولمسة ملحوظة في سياق الإبداع العربي المغربي بما يتميز به من كفاية منهجية، وتناول تفاعلي لكل القضايا والمواضيع والأنماط التي راكمها المتن الحجاجي خلال مسيرة تطوره واستحضاراته المتتالية الواعية للنصوص المختلفة الشعرية والدينية والفلسفية والإعلامية في شقها الإشهاري. صحيح أن الدكتور أبا بكر العزاوي تتلمذ على يد أزفالد ديكرو صاحب نظرية الحجاج اللغوي، لكن ذلك لا يعني مطلقا، أن مشروعه قد نسج خطوطه العريضة وتحولاته المطردة متكئا على ما انتهى إليه ديكرو، بل يمكن القول أن الدكتور العزاوي قد بنى مشروعه على نماذج إضافية من المسلمات، وصور حجاجية مغايرة للبنية الفكرية الحضارية الغربية، ساهمت بشكل كبير في تحديد هوية عربية لموضوع الحجاج.. خاصة بعد أن توفق – بداية – في استحضار جماع الإنتاج العربي في البلاغة والمنطق واللاهوت، وخلص – في النهاية – إلى صياغة رؤيته المنهجية المتماسكة، ومتنه الحجاجي باعتباره كائنا حيا يستثر الذهن، ويحفز العقل، ويسعى إلى توطين نفسه كمشروع فكري مغاير. وعليه؛ فإن مجلة "طنجة الأدبية" قد أنجزت هذا الملف طمعا في الوقوف على أهم ثوابت هذا المشروع الفكري وآلياته، وذلك من خلال حوار طويل مع الدكتور العزاوي، ومن خلال دراسات – نعتقد أنها – توفقت في سبر أغوار مشروعه، وفي تقريبه إلى كل مهتم أو مختص.