صدر في الآونة الأخير قرار عن المجلس الأعلى للحسابات في إطار اختصاصاته الدستورية في مجال تقييم المشاريع العمومية يتضمن نتائج وخلاصات حول برنامج الحسيمة منارة المتوسط ، وقد جاء هذا القرار بعد دراسة التقريرين المعدين من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والذي تسلمه المجلس من الحكومة بتاريخ 3 أكتوبر 2017 طبقا لمقتضيات المادة 109 من مدونة المحاكم المالية. وذلك بعد دراسة الوثائق والبيانات المقدمة إليه بناء على طلبه، من لدن الوزارات والأجهزة العمومية المشاركة في هذا البرنامج. بالإضافة الى استماعه إلى عدد من مسؤولي الأجهزة العمومية المعنية. والطلب الذي تقدم به المجلس من جميع الأطراف تقديم وثائق ومعلومات إضافية تتعلق بمدى تقدم الإنجازات إلى غاية متم شهر شتنبر 2017 . والذي خلص الى أن المراجعة التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات لم تسفر عن حالات غش أو اختلاس، الهم بعض اختلالات شابت ثلاث مراحل من تنفيذ هذا البرنامج: – مرحلة الاعداد – حكامة البرنامج – انجاز البرنامج بحيث أشار هذا تقرير الى مجموعة من التوصيات لبعض القطاعات الوزارية وتوصيات أخرى لبعض القطاعات التي لاحظ المجلس تسريعا في وتيرة الإنجاز لديها وذلك بغية تجاوز الاختلالات التي توصل اليها او التي تعزى حسب رأيه أساسا الى نقائص في منظومة العدالة ، وهنا نجد أنفسنا أمام مجموعة من الإشكاليات والتي ترتبط أساسا بمدى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ومدى الالتزام بالتدرج و تنزيل أحكام الدستور على أرض الواقع بالإضافة الى طرح اشكال اخر لا يقل أهمية عن سابقه و الذي يتعلق أساسا بتفعيل الركائز الجديدة التي تحكم مالية الدولة والتي تتمثل في تعزيز نجاعة أداء التدبير العمومي عبر إعتماد مقاربة شمولية و مندمجة لتدبير المالية العمومية ترتكز على النتائج بدل الوسائل . ان الارهاصات الأولى لاعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بدأت أولا في دستور 2011 بالتنصيص عليه في الفصل الأول منه وثانيا بالتدرج في تكريسه اعمالا لمقتضيات الدستور و القانون، هذه الحلقة انطلقت مع خطاب العرش الذي أعلن فيه الملك عن غضبه القوي حول تعثر مشاريع الحسيمة، والذي طالب فيه الجميع من وزراء و أحزاب و مسؤولين، بالاشتغال باستقامة أو تقديم الاستقالة، ثم توجت بعد ذلك بخطاب إفتتاح البرلمان الذي توعد جميع المسؤولين العمومين بالمحاسبة عن كل تقصير، ومتعهدا بمعالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء و تقويم الاختلالات لتصل هذه الحلقة الى قرارات الاعفاء، وهنا تجدر الإشارة الى ان منطق التدرج وفق القانون شملت حتى الخطوات الإجرائية و المسطرية عبر تكليف المفتشيتين العامتين لوزارتي الداخلية والمالية، وصولا الى منح الملف للمجلس الأعلى للحسابات . ومن جهة أخرى فبالرجوع الى منطوق الدستور وخاصة في الفصل 47 فإن ما حدث من إعفاءات التي باشرها الملك في حق مجموعة من الوزراء و مسؤولي المؤسسات العمومية لم يكن زلزالا (سياسيا) بالمعنى الثوري للكلمة وانما ما هو الا اختصاص وصلاحيات دستورية منحها الدستور للملك فيما يتعلق بإعفاء الوزراء. أما فيما يتعلق بمدى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فقد وقع تنزيله بكامل محتواه الدستوري الا أن هذا التنزيل لن تتكتمل أركانه الا بتمكين العدالة من القيام بواجباتها في محاسبة كل من يثبت تورطه في هدر المال العام والتقصير في كل ماله علاقة بالشأن العام، وذلك حتى نقوم بالقطيعة مع عادة الافلات من العقاب، هذا من جانب ومن جانب اخر لم يعد الامر يقتصر فقط على المساءلة المالية من قبيل سوء التسيير والتدبير لمجموعة من القطاعات الحيوية بل أصبح الامر يشمل كذلك حتى الأداء من خلال تقييم مدى نجاعته وفعاليته. *باحث بجامعة محمد الخامس الرباط-كلية الحقوق سلا