في سن السادسة والعشرين، يبرز المخرج المغربي الشاب عماد بنعمر كأحد الأسماء الواعدة في الساحة السينمائية المغربية المعاصرة، وذلك من خلال فيلمه القصير "أرض الله / Terre de Dieu"، الذي نجح في لفت الأنظار عالمياً. "أرض الله" عمل سينمائي جريء بالأبيض والأسود، من بطولة أمال الأطرش، ويونس شعرة. ينتمي إلى فئة الكوميديا الساخرة، ويعالج تيمة الموت بطريقة غير تقليدية، مما فتح له أبواب المشاركة في مهرجانات سينمائية مرموقة مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومهرجان الفيلم الفرانكفوني الدولي في نامور، والمهرجان الوطني للفيلم بطنجة. تناقضات الموت بعيون ساخرة يتناول الفيلم بذكاء وفي قالب كوميدي ساخر الطقوس والأعراف المحيطة بالموت في المجتمع المغربي، ويعرض الفيلم المفارقات والتناقضات بين التقاليد المجتمعية والواقع المعاصر، حيث يصبح الموت وهو الموضوع الذي طالما أثار الرهبة والخوف مدخلا لاستكشاف السخرية والعبثية التي تحيط بالطقوس الجنائزية. تتمحور قصة "أرض الله" حول ثلاثة زملاء: حسن، موظف حكومي، مليكة، دركية، ومتدرب، مكلفون بتوصيل توابيت إلى عائلتين مختلفتين. في الطريق، يكتشف حسن أنه قد أخطأ في تبديل الجثتين. في حالة من الذعر، يخفي هذا الخطأ عن زملائه. متأرجحين بين تصحيح الخطأ واحترام قدسية الأموات، ينطلق الثلاثة في مهمة تأخذ منحى غير متوقع. يحاول الفيلم تناول رسالة فنية تركز على كيفية تعامل المجتمعات مع تيمة الموت، ليس من خلال الإشادة بقدسيته فقط، بل من خلال إظهار الجوانب الغريبة والمربكة التي تصاحب طقوس الجنائز، عبر تصوير الموت في إطار كوميدي وساخر، كما يعيد الفيلم النظر في التصورات السائدة والجاهزة عن ثنائية الحياة والموت، ويكشف مدى التناقض الذي نعيشه في التعامل مع هذه اللحظة الإنسانية الحساسة. هذا الفيلم القصير يعد دليلاً آخر على المنحى التطوري الذي سلكته السينما المغربية، إذ يبرز من خلاله جيل جديد من المخرجين الذين تخرجوا من مدارس سينمائية متخصصة مثل مدرسة الفنون البصرية العليا بمراكش (ESAV). وتميز الفيلم بتصويره بالأبيض والأسود، ما يعزز الطابع الدرامي الهزلي للقصة. وقد أثار الفيلم إعجاب الجماهير والنقاد على حد سواء، ما فتح الأبواب أمام عماد بنعمر للمشاركة في عدة مهرجانات سينمائية عالمية، حيث تم الاحتفاء به كواحد من المخرجين الصاعدين في الحقل السينمائي المغربي. عماد بنعمر: من عالم التسويق إلى عوالم الإبداع والسينما ولد بنعمر في مدينة فاس، هذه المدينة المغربية التاريخية التي كانت مصدر إلهام له بفنونها وتقاليدها العريقة. بعد مسار دراسي في تخصص التسويق والتسيير، عثر على شغفه في عالم السينما الذي دفعه إلى ولوج المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، ويعد فيلم "أرض الله" نتاج رحلته الأكاديمية والفنية، حيث تمكن من مزج خبراته وتجاربه الشخصية في إطار بصري مؤثر يعكس رؤيته الفنية. إن "أرض الله" مثال حي على تقاطع الرسالة الفنية مع التجارب الشخصية للمخرجين، إذ تأتي فكرة الفيلم من تجربة شخصية عاشها المخرج عماد بنعمر، الذي دفعته إلى إعادة التفكير في تيمة الموت بعد فقدانه لشخص مقرب، ومن خلالها بدأ في طرح أسئلة حول الطقوس الاجتماعية التي تحيط بالجنائز والموت، ليقوم بتوظيف هذه الأفكار في إطار كوميدي ساخر. كما أن اختياره لأسلوب بصري فريد بالأبيض والأسود يعكس الطابع المزدوج لفلسفة الموت بين القداسة والعبثية. أثبت عماد بنعمر مع فيلم "أرض الله" أن السينما المغربية قادرة على معالجة مواضيع حساسة التي طالما صنفت في خانة "الطابوهات" بأسلوب جديد وخارج عن المألوف، مستعينا بالكوميديا السوداء كوسيلة لتسليط الضوء على التناقضات المجتمعية والإنسانية. وبحسب النقاد والمتمرسين فإن هذا الفيلم لا يعكس فقط رؤية إخراجية لمخرج شاب موهوب، بل هو أيضا دليل على حيوية السينما المغربية وقدرتها على التفاعل مع القضايا الإنسانية العالمية من منظور محلي صرف.