أشرت البارحة في منشور لي إلى مجموعة من الشباب الذين شاركوا في مسلسل "كاينة ظروف" تشجيعا لهم على ماقدموه لنا من متعة في فن التشخيص وهذه حقيقة، أدرجت معهم فنان شاب أول مرة أصادف عملا له، اسمه مهدي تكيطو الذي أدى دور بيضة، أعجبني باحترافيته وتلقائيته وجرأته في مواجهة الكاميرا وليس بالشخصية التي أداها في العمل، والتي اقتُحمت عنوة دون مبرر يذكر من أجل السخرية واقتناص بعض الضحكات من الجمهور وهذا واضح وبيّن، أصدقاء لي أخبروني في الخاص أنه اعتاد على أداء نفس الدور تقريبا واقترح علي صديق منهم بعض الأعمال التي شارك فيها من قبل على أساس أنه يكرر نفسه فقط، شاهدت بعضا منها وكانت كافية لجعلي أشعر بالأسف والتقزز مما وصلنا إليه من تدني أخلاقي في أعمالنا الفنية، العالم المتحضر يتطور ويحاول جاهدا تجاوز أخطاء الماضي، ونحن نتلقفها بدون ضمير ونبني عليها فننا دون خجل ولامراعاة لشعور الممثل والمشاهد أيضا، زمن استخدام الممثل الزائد الوزن في الأعمال الدرامية والسينمائية قصد السخرية منه انتهى من مدة، وأصبح هذا الممثل مثله مثل أي ممثل آخر يحصل على الأدوار الدرامية والكوميدية الطبيعية دون النظر الى جسده واستغلاله كسلعة قابلة للإستهلاك الآدمي. مهدي تكيطو للأسف هو نموذج لهذا التدني الذي نشهده في المغرب، ففي هذا العمل وغيره هو ليس ممثلا بقدرما هو مجرد كائن جُلب للتنمر عليه والسخرية من تصرفاته، كان من الممكن أن يكون شخصية طبيعية غير مصبوغة بالبلادة والسذاجة والشراهة كما تابعنا، هذا إذا كنا فعلا نحترم أنفسنا أولا قبل الفن الذي نقدمه، ولم لا يكون هو الفتى الذي يحب زهور أو جميلة بشكل رومانسي ودرامي فيه عمق كأي شاب طبيعي وكأي ممثل عادي؟ بالمناسبة فأصحاب الوزن الزائد يحبون أيضا، ويتزوجون، ومنهم الأذكياء، والعباقرة، والقادة، والمبدعون… ونستون تشرشل كان بدينا وخاض أهم وأخطر حرب في التاريخ وانتصر، ليس لأنه أضحك العدو بسذاجته بل لأنه كان قائدا مسؤولا ذكيا جادا في مهمته ومسؤولياته. أنا لا أتكلم عن مهدي فقط فهناك أسماء أخرى منها ممثلة فقدت وزنها ففقدت عملها معه، لأنها كانت تشتغل بالوزن لا بالموهبة، لماذا نقدم دائما أصحاب الوزن الزائد بهذه السلبية وهذه الدونية؟ وهذا ما يجعل أمثالهم في الحياة الواقعية ضحية، ومحلا للسخرية في المدارس والعمل من طرف زملائهم، لأنها عادة اكتسبوها من مثل هذه الأعمال، لا أتصور كيف سينظر الأطفال الى مهدي تكيطو إذا ماالتقوا به، هل سيكون تعاملهم معه كتعاملهم مع باقي زملائه في المسلسل؟ هل سينادونه بسي مهدي أم ببيضة؟ هذا اللقب الذي أطلقوه عليه في هذا العمل والذي لا دلالة لديه سوى التهكم والتندر، لماذا لم يسموه رشيد مثلا أو عماد أو جلال كباقي الرجال العاديين، لماذا بيضة بالضبط؟ بالإضافة الى الكثير من الألفاظ والعبارات التي وجهت له باستمرار من طرف صديقه وزميله، وهي كلها عبارات تستهزئ به، ومن خلاله بأصحاب الوزن الزائد. ربما قد تعجبه مثل هذه الأدوار ويجد راحته فيها، أو يقبلها صاغرا من أجل لقمة العيش، وهذا شأنه، لكن هذا لايستدعي منا تقبله بهذا الشكل فنحن لسنا ساديين، ولا تدعونا سعادته بالمشاركة بمثل هذه الشخصيات الى مساندته وتشجيعه فهذا مناف لأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية، فكما لا نتقبل الممثل صاحب البشرة السمراء أو الداكنة أن يكون مجرد خادم أو عبد في أعمالنا الفنية فلن نتقبل بنفس المبدأ أن يكون أصحاب الوزن الزائد مجرد مادة للتهكم والسخرية. الغرب تجاوز مثل هذا السلوك المستهجن في مجاله الفني وأتكلم هنا عن السينما والتلفزيون، فأصبح لأصحاب الوزن الزائد من الممثلين أدوارا طبيعية مهمة سواء في الدراما أو الكوميديا، بل منهم من حصل على جوائز مهمة كأوكتافيا سبنسر الفائزة بجائزة أوسكار وجائزة الغولدن غلوب وعملت في العشرات من الأعمال المختلفة، أو كريسى ميتز، ومن منا لا يعرف ريبيل ويلسون أو ميليسا مكارثي صحيح أنهما يقومان بأدوار كوميدية لكنها أدوار بطولة محترمة. فمتى سنرى لدينا صاحب بشرة داكنة أو وزن زائد كممثل لا كأكسسوار وأداة للسخرية فقط؟. *ناقد فني