قد تكون بقالا أو بائع حذاء، و لا شيء قد يمنعك من مزاولة مهمات هندسية ذات بعد تقني شديد التعقيد. ذات يوم أخبريني صديقي صاحب شركة تأمين في الأقاليم الجنوبية برغبته في تأسيس مكتب دراسات تقني، و قد سال لعابه من أجل بعض مئات الدراهم نظير المصادقة على تصاميم البناء الخاصة بالجماعة، اقترح علي الأمر، لكن أرعبتني الفكرة.. فكيف لمن صنعته مختبرات الأقسام التحضيرية أن تكون له جرأة جني المال، اللهم إذا تخلص من كثرة التفكير و تشكيل جدران الخوف لكل خطوة في سبيل المغامرة، فالمغامرات في قاموسنا مقامرات وخيمة العواقب و لا تحصد إلا الويلات على أصحابها. لكن، ما كان من صاحبنا إلا الشروع في إطلاق مسطرة التأسيس، و نيل رقم السجل التجاري لشركة موضوع إنشاءها الدراسات التقنية و أهلا حينها بالتساقطات الدرهمية، فكل تصميم يساوي 800 درهم و رقم الرخص السنوية يتجاوز الألف مبنى في السنة. هذا للأسف واقع أليم، لكنه ظاهرة تأبى مغادرة مشهدنا الاجتماعي، فليس من باب الصدفة أن نشهد كوارث صنعناها بأيدينا لمباني تسقط على أصحابها، أو طرقات تترهل و تتهاوى بعد مرور أول شاحنة أو هطول أول قطرة مطر. لسنا بدعا من الأمم حتى نستمر في قبول هذه المهازل التي باتت تدفعنا إلى التنمر داخل أوطاننا و اغتنام أول فرصة مغادرة، فالحال أننا منفيون داخل الوطن و غرباء حين محاولة مزاولة المهن. إن الحاجة ملحة يوما بعد يوم في أن نتعالى نحن معشر المهندسين إلى كلمة سواء، و أن نحذو حذو العديد من الشعوب و الأمم و أيضا زملاء القطاع، و أن نقف من أجل تنظيم قطاع البناء و الأشغال العمومية، تنظيم يتغيى في البدء حماية المواطنين من سماسرة يتطفلون على المهنة و يقتلون إمكانيات الإبداع، ثم غايته الأخرى إعادة الاعتبار لمهنة المهندس و لقيمة الهندسة كونها رافعة من روافع التنمية و إبراز الطاقات و تشجيع المبادرات الخلاقة في اتجاه الإتقان و الإحسان و صناعة الإنسان القادر على التغلب على ظروفه داخل وطنه. إننا اليوم، و أكثر من أي وقت مضى، مدعوون جميعا إلى التفكير و التنزيل من أجل تشكيل هيئة مغربية للمهنسين و معها هيئات قطاعية في مختلف المجالات حتى نستطيع تحصين مهنتنا و إكسابها مناعة تمكنها من البقاء شامخة مرفوعة الهامة بين باقي المهن.. و جوابا على العنوان، فقد آن أوان تأسيس الهيئة المغربية للمهندسين. * مهندس مدنية