تعيش العلاقات الديبلوماسية بين الرباطوباريس، خلال السنوات الأخيرة على وقع "برود حاد" بسبب المواقف التي أعلنتها فرنسا، تجاه المغرب في عدد من القضايا، أبرزها قضية تخفيض التأشيرات، واستقبال موالين للجبهة الانفصالية في البرلمان، في سياق ينتظر فيه المغرب موقفا رسميا حول الصحراء المغربية. وأمام هذا الوضع "الجمود الديبلوماسي" بين البلدين، توجه الرئيس الفرنسي نهاية شهر غشت المنصرم، إلى العدو الأول للمغرب "الجزائر" في زيارة رسمية امتدت ثلاثة أيام، أعلن فيها رئيسا البلدين على تعميق التعاون بين باريسوالجزائر. ومباشرة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي للجزائر، تم رفع عقوبة التأشيرات المفروضة على الجزائر، تلاها الاستقبال التونسي لزعيم مرتزقة "البوليساريو" إبراهيم غالي، في قمة "تيكاد"، ليتم بعدها رفع العقوبات عن تونس بخصوص التأشيرات الفرنسية، لتبدأ الشكوك بتدخل فرنسي لضرب المصالح المغربية، بالوكالة. وفي ظل شكوك متابعين، حول وقوف فرنسا ضد المصالح المغربية، وتبني مواقف معادية، جاءت الزيارة التي قام بها ماكرون، للجزائر أيام فقط بعد الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب، الذي طالب من خلاله الملك بضرورة تبني موقف صريح، من قبل الشركاء التقليديين "فرنسا" حول مغربية الصحراء. المغرب مستغرب من مواقف فرنسا وفي سياق الأزمة الصامتة بين البلدين، قال إدريس قسيم، الباحث في العلاقات الدولية، إن "هناك حالة من الاستغراب وعدم الرضا لدى المغرب من المواقف الفرنسية الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. المغرب كان ينتظر من الفرنسيين مواقف واضحة وحاسمة تتجاوز دعم مبادرة الحكم الذاتي إلى الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء بشكل لا يقبل التأويل". وأضاف قسيم في تصريحه ل"القناة" أنه "في الوقت الذي تتخذ فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا وألمانيا مواقف إيجابية ومتقدمة يمكن اعتبارها بمثابة اختراقات استراتيجية في المواقف الدولية من القضية، تتلكأ فرنسا وتتقاعس وتعوزها الجرأة لتنحاز لحليف تاريخي واستراتيجي مثل المغرب". مبرزا في ذات السياق، أن "المملكة المغربية لطالما رتبت علاقتها مع فرنسا ضمن الخيارات والأولويات الكبرى لسياستها الخارجية، وقدمت خدمات وتبنت مواقف غير مسبوقة لصالح فرنسا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، لكن يبدو أن سوء التقدير الفرنسي ناتج عن الأزمات الداخلية والإخفاقات الخارجية: استبعاد فرنسا من تحالف "اوكوس" بين الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا، عدم سماح السلطات البريطانية للسفن والقوارب الفرنسية بالوصول إلى المياه الغنية بالأسماك في محيط جزيرة جيرسي، الانسحاب من مالي، الغضب الصيني من قيام نواب فرنسيين بقيادة وزير دفاع فرنسي سابق بزيارة "تضامنية" لتايوان…". سفيرة فرنسا تغادر المغرب وفي ظل الجمود الصامت بين البلدين، أعلنت هيلين لوغال، سفيرة فرنسا في الرباط، عن انتهاء مهمتها بشكل رسمي في المملكة المغربية، بعد ثلاث سنوات من شغلها المنصب. وذكرت السفيرة، على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن مهمتها في المغرب انتهت بعد مرور ثلاث سنوات على تعيينها. وعلاقة بالموضوع، أكد قسيم في حديثه للقناة أن "فرنسا مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعادة تصحيح مواقفها من المغرب وقضاياه الاستراتيجية ومصالحه الحيوية، ووقف نزيف حلفائها، وإلا فإن المغرب سوف ينظر إلى مكان آخر". مضيفا "أعتقد أن مغادرة السفيرة الفرنسية هيلين لوغال المغرب يمكن أن يشكل خطوة من أجل تعيين شخصية أكثر خبرة ودراية بالمغرب وبالعلاقات المغربية الفرنسية، وقادرة على إقناع حكام الإيليزيه بضرورة إعادة التفكير في المواقف الفرنسية الأخيرة". حقوق الانسان: فرنسا انتهكت مضامين الإعلان العالمي لحقوق الانسان وصفت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، ما أقدمت عليه فرنسا، بالممارسات المهينة، والانتهاك الحقوقي الذي ضرب بعرض الحائط مضامين المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". وأكدت أنه "بعد التأكد من رفض السفارة الفرنسية بالمغرب لآلاف طلبات الحصول على التأشيرة بدون مبرر، وتحججها بمبررات سياسية لا علاقة للمواطنين المغاربة بها، راسلت اللجنة الأممية المعنية بالحقوق المدنية والسياسية وطالبتها بتنبه الرئاسة الفرنسية إلى جسامة هذا الخرق الحقوقي، ومطالبتها بالعدول عنه وتمكين المواطنين المغاربة من حقهم في الحصول على التأشيرة وفق ما ينص عليه القانون والمواثيق الدولية". فرنسا تطرح قضية "الصحراء" في قمة الاتحاد المتوسطي وفي ذات السياق، قررت فرنسا عرض النزاع في الصحراء، على القمة الأورومتوسطية التي كانت مقررة الجمعة بمدينة أليكانت الاسبانية (قبل تأجيلها بسبب كورونا)، بشكل أثار حفيظة المغرب. ونقلت وكالة الأنباء الاسبانية الرسمية (إيفي) عن مصادر فرنسية أن نزاع الصحراء سيدخل "بالتأكيد" مناقشات القمة الأورومتوسطية على الرغم من عدم ظهوره على جدول الأعمال الرسمي. وأشارت مصادر الإليزيه إلى أن تداعيات هذا الصراع في سياق أزمة الطاقة وإمدادات الغاز في أوروبا قد تشمل القضية في المحادثات بين رؤساء دول أو حكومات الدول التسع في جنوب الاتحاد الأوروبي (الاتحاد الأوروبي). بالإضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشال.وقالت المصادر الفرنسية بأنها ستتعامل مع العلاقات مع دول الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط رغم أنه لم يتم التخطيط بشكل خاص للحديث عن النزاع في الصحراء. وتأجلت القمة الأورومتوسطية بسبب إعلان إصابة رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز بكورونا. وأثارت الخطوة غضب المغرب، وهو ما انعكس في مقالات نشرها الإعلام المحلي، الذي اعتبر الخطوة إستفزازا فرنسيا جديدا للمغرب، وأن فرنسا أصبحت تتحدث بلسان البوليساريو.