أخيرا، التحقت فرنسا بركب الدول الداعمة للوحدة الترابية للمغرب وسيادته على الصحراء، وإن كنا نأمل أن تكون فرنسا في طليعة هذا الركب، وتتصدر الدينامية الدولية الداعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، نظرا لكون فرنسا الأقرب الى المغرب تاريخيا واستراتيجيا، والأدرى بحيثيات النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء، بالإضافة إلى كونها عضوا دائما بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلا عن عضويتها التأسيسية والمؤثرة داخل الاتحاد الأوربي، ما يجعلها أكثر تأهيلا من غيرها للأخذ بزمام القضية الى الحل السياسي. لكن الوقت لم يمر بعد، ومازال امام فرنسا الفرصة لتصدر الجهود الدولية حول الصحراء، والدفع بها نحو الحل السياسي الدائم، والعادل على أرضية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، لاسيما وأن فرنسا تعتبر – كما قلنا- عضوا دائما بمجلس الأمن، وتتمتع بحق ( الفيتو) داخله، فضلا عن كونها عضوا بمجموعة أصدقاء الصحراء، وبإمكانها- تبعا لذلك- قيادة جهد دولي من داخل مجلس الأمن إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد تلتحق بهما بريطانيا، وربما روسيا أيضا، بما يسهم في تخليص مجلس الأمن من "التردد" واعتماد لغة " المنزلة بين المنزلتين" في تعاطيها مع قضية الصحراء، نحو توضيح الموقف من المبادرة المغربية للحكم الذاتي، من خلال تبنيها كإطار حصري للتفاوض. وبإمكان فرنسا بمعية الشركاء الدوليين تحرير قضية الصحراء من الأوهام التي علقتها طيلة العقود الماضية، ونزع الالتباس الذي غشيها جراء اقحامها عنوة ودونما وجه حق ضمن " قوالب دولية"، ليست الصحراء معنية بمعاييرها، وإنما استدرجت إليها ظلما وعدوانا، قبل أن تعلق داخلها، وتظل ثمة خاضعة لحسابات القوى الكبرى ومصالحها المتنافرة. وبوسع فرنسا إذا خلصت الإرادة لديها ،قيادة جهد دولي نوعي لتخليص قضية الصحراء من الانتظارية القاتلة التي آلت إليها داخل أروقة الأممالمتحدة، وذلك بتصريف قناعتها وموقفها المعبر عنه في الرسالة التي وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون الى الملك محمد السادس، والتي أعتبر فيها " أن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في اطار السيادة المغربية "،وهو نفسه الموقف -تقريبا-الذي عبرت عنه الولاياتالمتحدة وإسبانيا وألمانيا وعدد كبير من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، ولما كانت الأممالمتحدة ومجلس الأمن انعكاس للإرادة الدولية كما يفترض، فالأولى بهذه الهيئات أن تعكس الإرادة الدولية في قضية الصحراء المغربية من خلال تبني واعتماد الحكم الذاتي كاطار للتفاوض، ودعوة الأطراف بما فيها الجزائر باعتبارها طرفا، بل الطرف الأساس للانخراط بشكل جدي في التسوية السياسية في اطار المبادرة إياها ، وهذا ما يفترض أن تدفع في اتجاهه فرنسا، انسجاما مع موقفها المعبر عنه في الرسالة المشار اليها، وستكون فرنسا مدعومة بمواقف دول لا تقل عنها تأثيرا في القرار الدولي، مثل الولاياتالمتحدة وإسبانيا وألمانيا. وقمين بهذا الجهد لو بذل أن يعجل بإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، وخاصة إذا استصحب هذا الجهد جهدا مماثلا في اتجاه الجزائر، سواء باعتماد الوسائل الدبلوماسية أو أدوات الضغط الدولية من أجل إقناعها أو إرغامها إذا اقتضى الحال، برفع يدها عن المحتجزين في منطقة تندوف بقصد احصائهم ومعرفة أوضاعهم، وإتاحة الاختيار أمامهم للعودة إلى وطنهم الأم في ظل ضمانات بتوفير مقومات الاندماج الاجتماعي والاقتصادي داخل اقاليمهم وبين أهاليهم وذويهم، وبذل مساعي -بموازاة مع هذا الجهد – للوساطة بين المغرب والجزائر لاستعادة علاقاتهما، وتسهيل التفاوض على تنزيل مقتضيات الحكم الذاتي في الصحراء المغربية بإشراف من الأممالمتحدة ومجلس الأمن وصولا إلى انهاء هذا النزاع المفتعل .فهل ستبادر فرنسا الى قيادة هذه الجهود؟