البطولة: المغرب التطواني يواصل إهدار النقاط بعد تلقيه هزيمة من الدفاع الجديدي    رئيس الفيفا يشكر المغرب على استضافة النسخ الخمس المقبلة من كأس العالم للسيدات لأقل من 17 عاما    الداخلة: البحرية الملكية تعترض مركبا على متنه 38 مرشحا للهجرة غير النظامية        من أوحى له بمقترح التقسيم؟    خلال 3 سنوات ونصف رفعت مديونية الخزينة من 885 إلى 1053 مليار دهم    توقيف 3 مشجعين بالناضور على خلفية أعمال شغب    ‬المؤتمر العالمي حول الذكاء الاصطناعي ودور المغرب في تنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية    "النقد" يتوقع نموا بنسبة 2.8 % بالمغرب    توقعات احوال الطقس : انخفاض درجة الحرارة بمنطقة الريف    حادث يلقي بزوجة شيبو في الحراسة النظرية    طلبة كليات الطب يكذبون ميراوي: نسبة المقاطعة تفوق 90 في المائة        دعوات للاحتجاج أمام البرلمان رفضا لمشروع قانون الإضراب    المحكمة الإدارية بمراكش تعزل رئيسة جماعة ابن جرير ونائبها الثاني    منتخب الشاطئية ينهزم أمام مصر (2-3)    صندوق النقد يبقى حذرا بشأن آفاق الاقتصاد العالمي بسبب استمرار المخاطر    التكوين بالتدرج المهني.. الحكومة تعتزم رفع عدد المستفيدين إلى 100 ألف سنويا    لمجرد يروج لأغنيته الجديدة "صفقة"    إسرائيل مستمرة في "خطة الجنرالات" التهجيرية    حزب الاستقلال يقرر إحداث لجنة الأخلاقيات والسلوك        زيارة وفد جائزة خليفة التربوية للمغرب    المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب .. توقيع عقد لنقل الغاز الطبيعي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي    وفاة الداعية فتح الله غولن "عدو أردوغان اللدود"    أخبار الساحة    رحيمي الأعلى تنقيطا في قمة الهلال والعين        فيروس جدري القردة يثير القلق في ألمانيا بعد تسجيل إصابة جديدة    المحفظة العمومية تضم 271 مؤسسة ومقاولة عمومية    مناهضو التطبيع يحتجون أمام مقر القناة الثانية تنديدا ببث مسلسل تشارك فيه مجندة إسرائيلية    شبهات حول برنامج "صباحيات 2M" وإدارة القناة مطالبة بفتح تحقيق    أحمد التوفيق: فتح 1154 مسجداً متضرراً من زلزال الحوز قبل رمضان المقبل    جيش إسرائيل يرفع حصيلة قتلى غزة    بلينكن يصل إلى "إسرائيل" لإحياء محادثات وقف إطلاق النار    البرازيل تحبط تهريب شحنة كوكايين    إعادة تأهيل مرضى القلب: استعادة السيطرة على الصحة بعد حادث قلبي    المكسرات صديقة المصابين بداء السكري من النوع الثاني    الرجاء البيضاوي يصطدم بالجيش الملكي في قمة الجولة السابعة..    إبراهيم دياز يعود للتدريبات الجماعية لريال مدريد    جامعة حماية المستهلك تطالب بفرض عقوبات على المخالفين في استيراد اللحوم    بعد خضوعه لعملية جراحية.. عميد سان داونز زواني يغيب عن مواجهتي الجيش والرجاء في دوري الأبطال    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    الصحراء المغربية.. غوتيريش يعرب عن قلقه إزاء عرقلة الجزائر للعملية السياسية    الصادرات المغربية.. تحسن تدريجي في المحتوى التكنولوجي    أسعار الذهب تواصل الارتفاع وسط حالة من عدم اليقين    كوريا الشمالية تنفي دعم روسيا بجنود    رحيل الفنان حميد بنوح    النموذج المغربي في "إدماج الإسلاميين" يحصد إشادة واسعة في منتدى أصيلة    على مرأى الشجر والحجر والبشر والبحر    وهي جنازة رجل ...    نقل الفنان محمد الشوبي إلى العناية المركزة بعد تدهور حالته الصحية    دوليبران.. لم تعد فرنسية وأصبحت في ملكية عملاق أمريكي    طنجة .. لقاء أدبي يحتفي برواية "الكتاب يخونون أيضا" لعبد الواحد استيتو وخلود الراشدي    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب بين البيروقراطية والتقنوقراطية.. والحاجة للتقنوسياسة
نشر في العمق المغربي يوم 09 - 07 - 2024

في بداية مقالتنا البحثية هاته، لابد أن نتوجه لهذا الموضوع الشائك لراهنيته ، وبعده الاستراتجي ، ونضعه بين منطقي الشرع والوضع.
فبعد مرور شهر على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، توجه الخليفة أبا بكر الصديق لاستئناف عمله التجاري ، على اعتبار أنه من كبار تجار المدينة ، لكن عمر ابن الخطاب منعه من ذلك ، حتى لايكون للخليفة اي امتيازات عن باقي التجار في الأسواق وخاطبه قائلا " اسمع يا أبا بكر لقد أصبحت خليفة لرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك يجب أن تمتنع عن التجارة ، حتى لاتتطاول العامة على هيبة الخلافة والخليفة، وسنجعل لك مقدار من المال من بيت المسلمين حتى تعيش به كريما عفيفا " أما أبا بكر فقد اقتنع بالطرح والتزم بمضمونه جميع من جاء بعده من الخلفاء الراشدين ...
يقال الشيء بالشيء يذكر ، والمناسبة شرط ، ومناسبة هاته المقالة ، إهالة التراب ، على ما أصبح يسمى، تغول "التقنوقراط" على الحكومات، واعلان موت السياسة في حضرة هؤلاء ... فإذا كانت الأحزاب عمود الديموقراطية، فإن المغرب على سبيل المثال لا الحصر ، ينظم انتخابات سياسية، ثم يفاجىء هاته الأحزاب بوجوه تنتمي لعالم التقنوقراط في الوزرات الاستراتجية المكونة الحكومة ، لتكون لهم الكلمة الفصل في الاختيارات الكبرى للبلد ، ليتم طرح السؤال المنطقي التالي ... ما فائدة الأحزاب بل مافائدة الانتخابات أصلا ؟؟؟
الدستور يتكلم عن حكومة سياسية ، تقودها شخصية تنتمي للحزب الذي يأتي في ريادة نتائج الانتخابات ، لكن الواقع يخاصم منطوق الدستور ، وهي منقصة تشوش على المسار الديموقراطي للبلد ، لأن الدستور وثيقة سياسة لايمكن تجاوزها ، مما ينقص من منسوب الثقة في العمل السياسي عند النخبة والقاعدة ، ولذلك يبقى الحل هو تكوين حكومة " تنقنوسياسية " تجمع شخصيات ذات تكوين تقني ، لكن بالموازاة مع ذلك لها مسار سياسي يعطي للدولة مصداقية وهبة ...
وعن رأيه في حكم التكنوقراط، قال أوريد: "الخطورة لا تكمن في التكنوقراط بل في حُكْمهم؛ لأنه قد يقع نوع من التطاول من طرفهم على السيادة الشعبية، لأن البنية الذهنية للتكنوقراط منصرفة تماما عن الواقع"، غير أنه استدرك أنه "لا يمكن الاستغناء عنهم، بل ينبغي الدفاع عنهم، وأن يوفر لهم إطار يضمن لهم العمل بنوع من الطمأنينة".
فماهو مفهوم التقنوقراطية ؟ ثم هل التقنوقراطية تتماهى مع الدواوينية البيروقراطية ؟ وما علاقة كل هذا بمستجد التقنوقراطية الشعبوية ؟ ثم هل سينجح المغرب في ورش الحكومة التقنوسياسية ؟
—- ماهو مفهوم التقنوقراطية ؟
مصطلح التكنوقراطية مشتق في الأصل من الكلمتين اليونانيتين: (tekhne) وتعني "المهارة" و(kratos) التي تعني القوة.
ويُنسب استخدام هذا المصطلح للمرة الأولى إلى المهندس الأميركي وليام هنري سميث، الذي استخدم كلمة "تكنوقراطية" في مقال كتبه عام 1919، للإشارة إلى الديمقراطية الصناعية، إذ يُدمج ذوو الخبرة مثل المهندسين والعلماء في عملية صنع القرار داخل الشركات ...
قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، على سبيل المثال لا الحصر، إنه لا يؤمن بإمكانية ممارسة التقنوقراط للسياسة، لعدم إلمامه بها، مما يشكل أكبر خطر على العملية السياسية في المغرب.
واتهم وهبي، في لقاء حواري، مساء الاثنين، الإعلام العمومي الرسمي بشن حرب على الأحزاب منذ خمس سنوات، على الرغم من دورها في النظام الديمقراطي والحياة السياسية وحاجة المجتمع لها في النقاشات العمومية، كجزء لا يتجزأ من الدولة.
وأشار وهبي إلى تناول النموذج التنموي الجديد لعدد من القضايا الكبرى بطريقة جريئة، مما يشكل خطوة للأمام، وحافزا بالنسبة للأحزاب للمضي قدما في مشاركتها في المسار التنموي.
وأضاف وهبي:"نحن لسنا ملزمين بالمشروع التنموي فلدينا أفكارنا وبإمكاننا أن نبدي آراءنا، المشكل أننا إذا قبلنا به كما هو سيصبح ملزما لنا داخل الحكومة، ليبقى السؤال مطروحا:هل لدينا القدرة لإقراره فعليا على أرض الواقع حينها؟".
– هل التقنوقراط هم سبب فشل بنموسى في ملف التعليم ؟؟؟
يتميز قطاع التربية الوطنية بوجود أطر وكفاءات تربوية راكمت تجارب مهمة داخله. إلا أن الوضع تغيّر بقدوم وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، الذي جاء مصحوبًا بفريق تقنوقراطي لا علاقة لهم بالمجال التعليمي سوى ارتباطهم السابق بالوزير عبر محطات مهنية أخرى.
– الفريق التقنوقراطي ....
قام بنموسى بالاستعانة بأشخاص لتنفيذ رؤيته الإصلاحية داخل القطاع. ومعظم هؤلاء لا صلة لهم مباشرة بقطاع التربية الوطنية ويفتقرون للخبرة الكافية فيه. قد عملوا بجانب الوزير في لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد التي كان يرأسها. يتمتع هؤلاء بصلاحيات واسعة داخل الوزارة، مما جعلهم يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة منذ تولي بنموسى الوزارة، فيما تراجع دور العديد من المسؤولين البارزين الذين لديهم خبرة طويلة في التعليم، بدأت من التدريس ووصلت إلى مناصب مسؤولية كبيرة.
—- الأزمة في قطاع التعليم ...
يرى متابعون أن جزءًا كبيرًا من الأزمة التي يمر بها قطاع التعليم، خاصة مع تنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة وما تبعه من إضرابات واحتجاجات، يعود إلى الرؤية التقنوقراطية للوزير بنموسى وفريقه. فالتعليم قطاع اجتماعي معقد يتطلب معالجة مشاكله بأبعاد متعددة، لا سيما تلك المتعلقة بالموارد البشرية. ورغم المشاكل المتراكمة وفشل الإصلاحات السابقة، قرّب بنموسى من دائرته أشخاصًا يفتقرون إلى الخبرة السياسية أو النقابية.
– الشخصيات المؤثرة ...
يونس سحيمي: الكاتب العام للوزارة، جاء خلفًا ليوسف بلقاسمي، وهو من اتخذ قرار تنفيذ الاقتطاعات من أجور الأساتذة المضربين، مما زاد من حدة الاحتجاجات. شغل سحيمي عدة مناصب سابقة في دواوين وزراء من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وهو الآن من بين الشخصيات المؤثرة في قرارات الوزارة.
يوسف السعداني حساني: مستشار الوزير المكلف بإعداد وتنزيل خارطة الطريق. اشتغل سابقًا مع بنموسى في لجنة النموذج التنموي الجديد، وقوته داخل الوزارة تجعله مرجعًا في الاجتماعات.
عائشة أقلعي: مسؤولة التواصل بالوزارة، جاءت من لجنة النموذج التنموي حيث كانت مشرفة على التواصل. بات لها كلمة قوية داخل الوزارة، رغم شكاوى نساء ورجال التعليم من ضعف التواصل.
سناء الريسوني: مكلفة بمهمة بديوان الوزارة، تتمتع بمكانة قوية، مكلفة بتوضيح خارطة الطريق لإصلاح المدرسة العمومية. تحظى بمكانة بارزة داخل الوزارة رغم افتقارها للخبرة الطويلة في قطاع التربية الوطنية.
أحمد الجماني: مدير ديوان الوزير، جاء من خلفية أكاديمية وبحثية في علم الاجتماع، وتم ضمه للوزارة من لجنة النموذج التنموي. هو الحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة "باريس 1 السوربون" بفرنسا، واشتغل سابقًا مكلفًا بمهمة لدى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأدار التعاون الدولي ودعم المجتمع المدني بوكالة الجنوب بين 2013 و2015.
تظهر المعطيات أن الاعتماد على فريق تقنوقراطي قد أدى إلى تهميش الكفاءات التربوية ذات الخبرة الطويلة، مما ساهم في تفاقم الأزمة داخل قطاع التعليم. إن نجاح أي إصلاح يتطلب إشراك الخبرات المتنوعة والتواصل الفعال مع جميع مكونات القطاع.
— التكنوقراطية نقيض الديمقراطية:
مصطلح التكنوقراطية مشتق في الأصل من الكلمتين اليونانيتين: (tekhne) وتعني "المهارة" و(kratos) التي تعني القوة.
قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إنه لا يؤمن بإمكانية ممارسة التقنوقراط للسياسة، لعدم إلمامه بها، مما يشكل أكبر خطر على العملية السياسية في المغرب.
واتهم وهبي، في لقاء حواري، مساء الاثنين، الإعلام العمومي الرسمي بشن حرب على الأحزاب منذ خمس سنوات، على الرغم من دورها في النظام الديمقراطي والحياة السياسية وحاجة المجتمع لها في النقاشات العمومية، كجزء لا يتجزأ من الدولة.
وأشار وهبي إلى تناول النموذج التنموي الجديد لعدد من القضايا الكبرى بطريقة جريئة، مما يشكل خطوة للأمام، وحافزا بالنسبة للأحزاب للمضي قدما في مشاركتها في المسار التنموي.
وأضاف وهبي:"نحن لسنا ملزمين بالمشروع التنموي فلدينا أفكارنا وبإمكاننا أن نبدي آراءنا، المشكل أننا إذا قبلنا به كما هو سيصبح ملزما لنا داخل الحكومة، ليبقى السؤال مطروحا:هل لدينا القدرة لإقراره فعليا على أرض الواقع حينها؟".
ويُنسب استخدام هذا المصطلح للمرة الأولى إلى المهندس الأميركي وليام هنري سميث، الذي استخدم كلمة "تكنوقراطية" في مقال كتبه عام 1919، للإشارة إلى الديمقراطية الصناعية، إذ يُدمج ذوو الخبرة مثل المهندسين والعلماء في عملية صنع القرار داخل الشركات
فمبدأ التكنوقراطية يناقض الديمقراطية في واقع الأمر. وتفضل الحكومات التكنوقراطية اختيار الأشخاص ذوي الخبرات التقنية على اختيار الأشخاص الذين تنتخبهم الأغلبية من السكان.
تهميش شريحة واسعة من السكان: فتقدر التكنوقراطية آراء التكنوقراط ووجهات نظرهم وترفعهم إلى نوع من "الأرستقراطية" بينما تُهمش آراء ووجهات نظر عامة الناس. وفي مقال نُشر عام 2022 في مجلة "بوسطن ريفيو" (Boston Review)، يسلط عالم السياسة ماثيو كول الضوء على مشكلتين مع التكنوقراطية؛ أنها تخلق "تركزات غير عادلة للسلطة" وتعتمد على "نظرية معيبة للمعرفة". وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، يجادل كول بأن التكنوقراطية تستثني المواطنين من عمليات صنع القرار بينما تمنح النخب الامتيازات، وفيما يتعلق بالنقطة الثانية، يجادل بأن قيمة الخبرة مبالغ فيها في الأنظمة التكنوقراطية.
صناعة القرار بمعزل عن احتياجات المجتمع: يتخذ التكنوقراط قراراتهم بناء على البيانات والمناهج العلمية، سواء كانت متسقة مع المجتمع أم لا، بينما يميل الناخبون إلى انتخاب سياسيين يتخذون قراراتهم بناء على رغبات واحتياجات أبناء المجتمع.
– هل البيروقراطية وجه آخر للتقنوقراطية ...
بعض الدول تنهج نظام لوبياتي يعتمد على مجموعات تنتهج العمل اللوبي بحيث تكون السلطة والمنافع العمومية بيد لوبيات معينة تتقاسم المنافع والوظائف وتحرم كل من لم يدخل فى إحدى تلك المجموعات اللوبية وهذا النظام يجعل قلة من الناس تستفيد من كل شيء على حساب غالبية محرومة إلى الأبد ، لقد أنشأ النظام على هذا الأساس فى مطلع ستينات القرن الماضي ظل يسير على هذا الحال إلى يومنا هذا وهو جعل الأوضاع المعيشية لغالبية السكان هي الأسوء فى العالم رغم ثروات البلد الهائلة وإمكاناته الكبيرة ، ومع ذلك فلم يتقدم ولم تنجح فيه خطة لذا فهو بحاجة إلى إعادة تأسيس وبناء جديد وتغيير كل السياسات والسياسيين من أجل إصلاح يشمل الجميع ويستفيد من ريعه الجميع ولا يظل حكرا على مجموعات لوبية معينة تشكل حكومة من حزب واحد يوجد فيه جميع اللوبيات التى كانت تحكم البلد منذ الأستقلال ثم يطلقون عليها حكومة تكنوقراط زورا وبهتانا ، إن هذه المغالطات تستوجب التوضيح والكشف عن الحقيقة الغائبة عن غالبية الشعب وهذا سوف نشرح العمل البيروقراطي ومصطلحه والعمل التكنوقراطي ومصطلحه ليكون الجميع على بينة ولكشف الملابسات وتعرية الأمور بعيدا عن الدعاية الكاذبة ، ففى الحديث الشريف ، المتلبس بما ليس فيه كلابس ثوبي زور ،
البيرُقراطية أو الدواوينية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وهنالك العديد من الأمثلة على البيرقراطية المستخدمة يومياً: الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس. يعود أصل كلمة البيرقراطية إلى بيرو (büro)،وهي كلمه المانيه ومعناها مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة قراطية وهي كلمة مشتقه من الأصل الإغريقي كراتُس (κράτος) ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.
تعني الدواوينية نظام الحكم القائم في دولة ما يُشرف عليها ويوجهها ويديرها طبقة من كبار الموظفين الحريصين على استمرار وبقاء نظام الحكم لارتباطه بمصالحهم الشخصية ؛ حتى يصبحوا جزءً منه ويصبح النظام جزءً منهم، ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف في الغالب بالتقيد الحرفي بالقانون والتمسك الشكلي بظواهر التشريعات جاعلة البيروقراطية لب النظام الاقتصادي والسياسي لعقلانية المجتمع، فينتج عن ذلك " الروتين " ؛ وبهذا فهي تعتبر نقيضاً للثورية، حيث تنتهي معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شيء في عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية. والعدو الخطير للثورات هي البيروقراطية التي قد تكون نهاية معظم الثورات، كما أن المعنى الحرفي لكلمة بيروقراطية يعني حكم المكاتب.
من المتعارف عليها لدى الجميع أن الدواوينية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات وتعقيدها.. وهذا المفهوم بلا شك يعتبر مفهوماً خاطئاً.. ولو عدنا إلى التعريف الصحيح للكلمة.. لوجدنا أن المعنى اللفظي للبيرقراطية أنها مكونة من مقطعين: الأول بيرو وهي تعني مكتب والثاني قراطية وهي مشتقة من الأصل الإغريقي كراتس ومعناها السلطة والقوة، والكلمة في مجموعها تعني (قوة المكتب أو سلطة المكتب) ويأتي أصل كلمة بيرقراطية من الفرنسية من كلمة بيرو (Bureau) أي مكتب، وترمز للمكاتب الحكومية التي كانت في القرن الثامن عشر، أي القوة (السلطة والسيادة)، وقد استخدمت كلمة البيرقراطية للدلالة على الرجال الذين يجلسون خلف المكاتب الحكومية ويمسكون بأيديهم بالسلطة، ولكن توسع هذا المفهوم ليشمل المؤسسات غير الحكومية كالمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات وغيرها.
وقد كان أول ظهور لهذه النظرية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل إلى ماكس فيبر (Weber) عالم الاجتماع الألماني (1864- 1920) في وضع نموذج يحدد مفهوماً مثالياً للبيرقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره، والذي كان متأثراً بثلاثة عوامل كان لها آثارها في فكره وفي نظريته وهي:
1. بما أن ويبر مواطن ألماني فقد شهد التضخم الذي طرأ على المؤسسات الصناعية، فرأى أن التنظيم الرسمي المحكم هو الطريقة التي تزيد الإنتاج وبالتالي أهمل النواحي الإنسانية.
2. تأثر ويبر بالتنظيم العسكري حيث كان ضابطاً في الجيش، ومن المعروف أن الجيش يتحرك وفق أوامر وتعليمات صارمة فاعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يطبق في جميع المجالات الإدارية.
3. لكون ويبر عالم اجتماع فقد أدرك عوامل الضعف البشري من حيث عدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ القرارات لذا أعتقد أن القواعد تضمن عدم تدخل المصالح الشخصية.
لذا نجد أن ويبر أستقى نظريته من الحياة في عصره ودعمها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقداً أنها ستلائم أي بيئة أو مجال إداري. وقد حدد ويبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيرقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة.
وكانت وجهة نظر ويبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيرقراطية بأنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، واختيار للموظفين وتقدم وترقية تقوم على أساس مبدأ الاستحقاق.
ولو تطرقنا إلى الأسس التي بنى عليها العالم (ماكس) نظريته لوجدنا أنه ركز على عناصر هامة وأساسية لكي تكون تلك النظرية ناجحة بكل المقاييس، وقابلة للتطبيق في أي تنظيم إداري، ومن تلك العناصر مايلي:
· الخبرة والمهارة والتأهيل هي أساس اختيار القائد.
وجود إجراءات وخطوات محددة ومنسقة مسبقاً.
الاختيار الأمثل لمن ينفذ هذه الخطوات من المرؤوسين في أداء العمل.
مبدأ أن لا وقت في العمل إلا للعمل.
ومع ذلك نجد أن الأصوات تتعالى من هنا وهناك، فالبعض من الإداريين يرى أنها داء يجب محاربته والتخلص منه، ويراها البعض على أنها ضرورة لا يمكن أن تقوم للإدارة قائمة بدونها، ويرى آخرون أن المشكلة لا تكمن في الدواوينية الإدارية ولكن تكمن في من يقوم بمسؤولياتها، ويرى غيرهم أن الدواوينية باقية وليست كلها سيئة، وإنما يجب الحد منها.
"وبالرغم من ذلك تجد أن الدولة تبنت بعضاً من الوسائل الإدارية الناجحة في أجهزتها الحكومية لأجل التقليل من مخاطر البيرقراطية، ومنها على سبيل المثال:
· زيادة فعاليات أجهزة الإصلاح الإداري التي تقدم الاستشارات الإدارية، وتقترح الحلول لبعض المشكلات الإدارية الناجمة عن بعض الممارسات البيرقراطية.
استخدام التقنية الحديثة كوسيلة، وتسخيرها لمتطلبات العملية الإدارية وفعاليتها، مع المحافظة على أصالة المجتمع وقيمه.
· المرونة في العمل بما لا يتعارض مع الهدف العام ويخل بمبدأ العدالة والمساواة في التعامل.
· تأكيد مبدأ أن الموظف لخدمة المستفيد، وأن الإنسان هو الغاية، وأن الأنظمة واللوائح والإجراءات ما هي إلا وسائل لتحقيق ذلك.
· التوسع في مجالات التدريب وتنوعه لمختلف المستويات الإدارية وفقاً للاحتياجات الفعلية للعاملين في الإدارة.
· مراقبة السلوكيات الإدارية المنحرفة، وسرعة تقويمها بالطرق التعليمية والتدريبية أو التأديبية.
· تخصيص أوقات محددة يلتقي فيها المسؤولون بالمرؤوسين وجهاً لوجه للاستماع إلى شكاواهم، والعمل على حلها".
إذاً إن الدواوينية ليست كما يدعي البعض نظام فاسد، وأنها ملازمة للتعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق، إلا أنه يمكن القول بأنها سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، فالبيرقراطية ليست مرضاً من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في عملية صنع القرار.
وأخيراً إن طبيعة الإدارة وأهدافها، وبيناتها المختلفة تتطلب نوعاً من البيرقراطية.. ولكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه، ولا غرو في ذلك لأن مازاد عن حده انقلب إلى ضده.
نظرية الدواوينية الإدارية ...
نظرية الدواوينية الإدارية أو النظرية البيروقراطية في الإدارة هي إحدى النظريات الإدارية الكلاسيكية، يعد الألماني ماكس فايبر رائداً لها. وقد عرف فايبر الدواوينية بأنها: مجموعة من الأسس الإدارية التي تخرج السياسة العامة للمؤسسة إلى حيز الواقع وتضعها موضع التنفيذ الصحيح لتحقيق الأهداف.يعتبر فيبر منظرا لها وهو من اصل ألماني كان راهبا متينا بروتستانيا درس جميع الأديان بلغ اعتزازه بالبروتستانية إلى حد جعله يراها خلف نجاح الراسمالية في الغرب لذلك صاغ منها التنظيم المكتبي
تعريف العالم ماكسيميليان كارل إميل ويبر Maximilian Carl Emil Weber كان عالما ألمانيا في الاقتصاد والسياسة واحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامة في مؤسسات الدولة، وهو من اتى بتعريف البيروقراطية، وعمله الأكثر شهرة هو كتاب الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية وكتاب السياسة كمهنة.
يرى ماكس ويبر ان الأساس في بناء التنظيمات هو الاعتماد على مجردات لا ترتبط بالإنسان ذاته وتوفر العلاقة الرشيدة التي لا يشوبها التحيز أي أن أي منظمة لابد أن تتمثل في نظام بيروقراطي قائم على أساس هرمي تتسلسل فيه السلطة من القمة للقاعدة.
حسب ماكس ويبر النظام البيروقراطي يحقق أعلى قدر من الكفاءة من خلال الخصائص التالية: 1 -تقسيم العمل 2- الفصل بين أعمال الموظف الخاصة والعامة 3- شغل الوظيفة على أساس التعيين وليس الترشيح 4 -اختيار الموظف الأكثر كفاءة في تنفيذ متطلبات الوظيفة 5 -الترقية على أساس الأقدمية أو الإنجاز أو الاثنين معا. 6 -أداء الموظف يجب أن يراقب. 7 -حق الموظف في راتب مجزي وعلاوة.
سلبيات النظرية البيروقراطية على الأفراد:
الالتزام الحرفي بالأنظمة والقوانين والجمود في سلوك الأفراد.
عدم التعامل مع منسوبي المنظمة كأفراد لهم رغبات وميول وعواطف وأحاسيس.
· فرض نظام على الأفراد قد يدفعهم إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من الأداء.
· وجود أنظمة وإجراءات صارمة قد تدفع الأفراد إلى مقاومة أي نوع من أنواع التغيير الذي ترغبه المنظمة ...
قد يلجأ الأشخاص إلى تجنب المسؤولية واتخاذ القرارات أو اختيار البدائل فقط التي تتناسب مع الأنظمة والقوانين.
المؤسسة المثالية ...
أشار فايبر من خلال نظريته إلى المؤسسة المثالية وهي حالة الوصول إلى مؤسسة تكون فيها علاقات السلطة مدروسة مسبقاً بأسلوب علمي، ومقرّة كتعليمات رسمية ملزمة للجميع، ويعمل الكل على تنفيذ هذه التعليمات، مما يحقق الاستقرار والثبات لهذه المؤسسة حتى لو تغير أفرادها جميعهم
التكنوقراطية (بالإنجليزية: Technocracy) هي نظامٌ مقترحٌ للحكم يتمَُ فيه اختيار صانعي القرار على أساس خبرتهم في مجالٍ معينٍ خاصةً فيما يتعلق بالمعرفة العلمية أو التقنية. يتناقض هذا النظام بشكلٍ واضحٍ مع فكرة أن الممثلين المُنتَخبين يجب أن يكونوا صُنَّاع القرار الرئيسيين في الحكومة، على الرغمِ من أنه لا يعني بالضرورة حذف الممثلين المنتخبين بل إن الأمر يعتمدُ بالأساس على المعرفة والأداء بدلًا من الانتماءات السياسية أو ما يُعرف ب «المهارات البرلمانية» كما هو معمولٌ به في النظامي الديموقراطي.
تمَّ استخدام مصطلح تكنوقراط في الأصل للدفاع عن تطبيق المنهج العلمي في حلِّ المشكلات الاجتماعية. يقومُ هذا النظام على التركيزِ على تطوير الدولة في قطاعٍ أو قطاعات معيّنة بدلاً مما يُعرف ب «الربحية النقدية» وذلكَ لضمانِ استمرار تشغيل جميع الوظائف. عادةً ما تُركّز الحكومات التكنوقراطية على حلّ المشاكل التقنية أو الهندسية وغالبًا ما تكونُ افتراضية. في الاستخدام العملي؛ تُعتبر التكنوقراطية جزءًا من البيروقراطية التي يُديرها تقنيون كما يمكن اعتبار الحكومة التي يُعيِّنُ فيها المسؤولون المنتخبون خُبراء ومهنيين لإدارة الوظائف الحكومية الفردية والتوصية بالتشريع تكنوقراطي. يُشير مفهوم التكنوقراطية أيضًا إلى شكلٍ من أشكال الجدارة؛ حيث يتولى القادرون المسؤولية ظاهريًا دون تأثير جماعات المصالح الخاصة
مصطلح التكنوقراطية مُشتقٌ من الكلمات اليونانية التي تعني «المهارة» وكلمة κράτος التي تعني «القوة» أو «الحُكم». عادةً ما تُنسب كلمة التكنوقراطية إلى وليام هنري سميث؛ وهو مهندسٌ من كاليفورنيا يُقال إنه اخترعَ هذه الكلمة أو هذا المصطلح عام 1919 لوصف حُكم الأشخاص الذين أصبحوا فعالين من خلال اعتمادهم على علماء ومهندسين وغيرهم من ذوي الكفاءات على الرغم من أن الكلمة كانت قد استُخدمت من قبل في عدّة مناسبات.استخدمَ سميث مصطلح تكنوقراط في مقالته عام 1919 بعنوان «التكنوقراط: طُرق ووسائل كسب الديمقراطية الصناعية» في مجلّة «الإدارة الصناعية».
في ثلاثينيات القرن العشرين ومن خلال تأثير هوارد سكوت وحركة التكنوقراط التي أسَّسها؛ أصبح مصطلح التكنوقراط يعني بشكلٍ ما الحكومة التي تعملُ على اتخاذ «قرارات تقنية». لقد اقترحَ التكنوقراطي سكوت استبدال الأموال بشهادات الطاقة وذلك عبر وحداتٍ مثل الإرج أو الجول أي ما يعادل إجماليًا «ميزانية وطنية صافية» ومناسبة للطاقة ثم توزيعها بالتساوي على سكان أمريكا الشمالية وفقًا لتوفّر الموارد.
لقد اشتُقَّ من كلمة تكنوقراطية عددٌ من الكلمات الأخرى بما في ذلك كلمة «تكنوقراط» أو «تكنوقراطي» والتي تعني الشخص الذي يُمارس سلطة حكومية بسبب معرفته، كما قد تُقال للشخصِ الذي يدافع عن تفوق «الخبراء التقنيين». يُعرّف ماكدونيل وفالبروزي رئيس الوزراء أو الوزراء بأنهم تكنوقراطيون بالقول: «في وقت تعيينه في الحكومة؛ يجبُ ألا يكون قد شغلَ أي منصب عام تحت رايةِ حزبٍ سياسي وألَّا يكون عضوًا رسميًا في أي حزب كما يجب عليهِ أن يمتلك خبرة سياسية غير حزبية مُعترفٌ بها والتي لها صلة مباشرة بالدور الذي سيشغله في الحكومة.» الجدير بالذكر هنا أن روسيا اعتمدت في فترةٍ من الفترات على الحكومات التكنوقراطية حيثُ كان يُرشِّح رئيس روسيا عددًا من الوزراء بناءً على الخبرة الفنية وكان يُشار إليهم في العادة بأسم «تكنوقراطيون»
المميزات ....
التكنوقراطية تعني بشكلٍ آخر الأفراد ذوو تدريبٍ مهني في المستوى يرون أن الكثير من المشكلات المجتمعية المهمة قابلة للحل وغالبًا ما يقترحون حلولًا من أجل التقدم بالدولة في مجالات مُعيّنة. يرى العالِم الإداري غونار نجالسون أن «التكنوقراطيون مدفوعون أساسًا بذهنهم المعرفي لحلّ المشكلات عن طريق اهتمامات جماعية مهنية معينة.» يُعتقد أن أنشطة التكنوقراطيين والنجاح المتزايد لأفكارهم كان عاملًا حاسمًا وراءَ الانتشار الحديث للتكنولوجيا وظهور ما يُعرف ب مجتمع المعلومات. يُمكن تمييز التكنوقراطيين عن الاقتصاديين والبيروقراطيين من خلال العقليّة وطريقة التفكير عند حل المشكلات.
الهندسة ....
بعد صموئيل هابر؛ جادلَ دونالد ستابيلي بأن المهندسين واجهوا تعارضًا بين الكفاءة البدنية وفعالية التكلفة في المؤسسات الرأسمالية الجديدة للشركات في أواخر القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة حيثُ غالباً ما يفرض المديرون في الشركات التي يعمل فيها المهندسون – نظرًا لتصوراتهم حول الطلب في السوق – قيودًا على المشاريع التي يرغب المهندسون في تنفيذها. في الحقيقة؛ تختلفُ أسعار جميع المدخلات باختلاف قوى السوق مما يُزعج حسابات المهندس الدقيقة؛ ونتيجةً لذلك يفقدُ المهندس السيطرة على المشاريع ويجب عليه مراجعة الخططِ باستمرارٍ وذلك للحفاظ على السيطرة على المشاريع كما يجب على المهندس محاولة التحكم في هذه المتغيرات الخارجية وتحويلها إلى عوامل ثابتة.
أمثلة ....
أشارت مكتبة تابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2013 حول هيكلها التشريعي إلى المفوضية باعتبارها «سلطة تكنوقراطية» تحتفظ بما سمَّته «الاحتكار التشريعي» لعملية صنع القوانين في الاتحاد على الرغم من كونها غير منتخبة. تُشير الإحاطة إلى أن هذا النظام والذي يحيل البرلمان الأوروبي إلى هيئة حقّ النقض والتعديل كان متأصلًا في الأساس بسببِ عدم الثقة في العملية السياسية في أوروبا ما بعد الحرب. في الواقع؛ يُعجّ هذا النظام فريدًا من نوعه؛ على اعتبار أن الحق الوحيد للمبادرة التشريعية للمفوضية هو سلطةٌ ترتبط عادة بالبرلمانات.
تمَّت الإشارة إلى الحكومة السابقة للاتحاد السوفياتي على أنها تكنوقراطية، كما كانَ للزعماء السوفييت أمثال ليونيد بريجنيف خلفية تقنية في التعليم. في عام 1986؛ كان 89% من أعضاء المكتب السياسي مهندسين
لطالما كان معظم قادة الحزب الشيوعي الصيني مهندسين محترفين؛ كما أن نسبةً كبيرة من رؤساء البلديات وحكَّام المدن في الصين لديهم «خلفية تقنية» في التعليم. لقد بدأت جمهورية الصين الشعبيّة منذ مكة تنفيذ خططٍ مستقبليّة عبر نظام تكنوقراطي تهدفُ من خلاله إلى بناء مشاريع كبرى بما في ذلك نظام السكك الحديدية عالية السرعة وسد الممرات الثلاثة، لكن وفي ظلّ حكم شي جين بينغ تمَّ استبدال المهندسين – أو التكنوقراط كما يوصفون – بخبراء سياسيين وخبراء اقتصاديين ومُنظِّرِين. يُعدُّ شي جين الوحيد الذي حصل على شهادةٍ في الهندسة والحاضر في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني.
تم تصنيف العديد من الحكومات في الديمقراطيات البرلمانية الأوروبية على أنها تكنوقراطية استنادًا إلى مشاركة خبراء غير منتخبين في مناصب بارزة. منذ التسعينيات؛ كان لإيطاليا العديد من هذه الحكومات التكنوقراطية خاصّةً في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية، بما في ذلك التشكيل الذي ترأس فيه الاقتصادي ماريو مونتي مجلس الوزراء من المهنيين غير المنتخبين تغيّر مفهوم مصطلح تكنوقراط حديثًا أو بالأحرى صار شاملًا حيثُ أصبح يُطلق هذا اللقب على الحكومات الذي يقودها رئيس وزراءٍ غير منتخبٍ كما في حالات الحكومة اليونانية 2011-2012 بقيادة الاقتصادي لوكاس باباديموس وحكومة تصريف الأعمال في جمهورية التشيك 2009-2010 برئاسة كبير الإحصائيين يان فيشر. في كانون الأول/ديسمبر 2013؛ وفي إطارِ الحوار الوطني الذي أطلقتهُ اللجنة الرباعية وافقت الأحزاب السياسية في تونس على تنصيب حكومة تكنوقراط بقيادة مهدي جمعة.
حركة التكنوقراط ...
كان عالِم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي ثورستين فيبلن من أوائل دعاة التكنوقراطية؛ ونفس الأمر بالنسبة لكلٍ من هوارد سكوت وإم. كينج هوبرت الذي طوَّر لاحقًا نظرية الذروة النفطية . يعتقد فيبلن أن التطورات التكنولوجية ستؤدي في النهاية نحو تنظيمٍ اشتراكي للشؤون الاقتصادية؛ كما يرى أن الاشتراكية ستكون مرحلة وسيطة في عملية تطورية مستمرة في المجتمع يمكن أن تحدث بسبب التدهور الطبيعي لنظام المؤسسات التجارية وبابتكاراتِ المهندسين.
بحلول عام 1932؛ أسَّس هوارد سكوت وماريون كينج هوبرت شركة تكنوقراطية واقترحوا استبدال الأموال بشهادات الطاقة. جادلت المجموعة بأنه يجب منحُ المهندسين غير السياسيين والعقلانيين سلطة توجيه الاقتصاد إلى عبءٍ ديناميكي متوازنٍ من الإنتاج والاستهلاك وبالتالي التخلص من البطالة والديون.
حظيت حركة التكنوقراط بشعبيةٍ كبيرةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية لفترة وجيزة في أوائل الثلاثينيات من القرن القشرين وبالضبطِ خلال فترة الكساد الكبير. بحلول منتصف 1930؛ كان الاهتمام بالحركة في انخفاضٍ وقد عزا بعض المؤرخين تراجع حركة التكنوقراط إلى صعود ما عُرف ب الصفقة الجديدة لروزفلت.
يرفض المؤرخ ويليام أكين الاستنتاج القائل بأن أفكار التكنوقراط قد انخفضت بسبب جاذبية روزفلت والصفقة الجديدة. بدلاً من ذلك؛ يُجادل أكين بأن الحركة تراجعت في منتصف الثلاثينيات نتيجة فشل التكنوقراط في ابتكار نظرية سياسية قابلة للاستمرار لتحقيق التغيير.يفترض أكين أيضًا أن العديد من التكنوقراط ظلوا صريحين وغير راضين وغالبًا ما يتعاطفون مع جهود الطرف الثالث المناهضة للصفقة الجديدة.
الانتقادات ....
لاحظَ النقاد وجود «فجوة تكنوقراطية» بين هيئةٍ حاكمةٍ مسيطرٌ عليها بدرجات متفاوتة من قبل التكنوقراط وأعضاء من عامَّة الناس. قيل إن هذه «الفجوات التكنوقراطية» هي فجواتٌ في الفعالية تستمر بين الهيئات الحاكمة التي تستخدم مبادئ تكنوقراطية وأعضاء الجمهور العام بهدف المساهمة في صنع القرار الحكومي. يتمثل التحدي الرئيسي الذي تثيره هذه الانقسامات في أن التكنوقراطيين يوفرون امتيازات لآراء ووجهات نظر الخبراء التقنيين؛ بينما يقومون بتهميش آراء ووجهات نظر الجمهور العام.

* الإيجابي والسلبي في هيمنة التكنوكراط على السياسة :
التقنوقراطي هو شخص يمتلك كفاءة معرفية أو خبرة واسعة في مجال معين، يتميز أداؤه في التدبير بالتطبيق الحرفي لتوجهات الدولة ولاستراتيجياتها، تحول من مجرد مساعد للفاعل السياسي إلى مهيمن على الفعل السياسي، مستفيدا في ذلك من ميل كفة الصراع على المستوى العالمي لصالحه نتيجة تزايد الطلب على الخبرة والمعرفة المتخصصة والأداء التقني في تدبير الشأن العام. يتميز فعله السياسي بنهج السلوك البرغماتي والتقليل من أهمية الإنتماء السياسي ولا يبالي بمسألة المحاسبة السياسية لأنه لا يستمد شرعيته من الديمقراطية التمثيلية. فما هي مزايا وعيوب التقنوقراطي مقارنة بالفاعل السياسي الحزبي؟
يمكن المجازفة بالقول أنه منذ الإستقلال كان حضور التقنوقراطي دائم من داخل الحكومات المغربية، سواء كمستقل ومحايد سياسيا أو كمنتمي لا يجمعه بالإنتماء سوى الغطاء السياسي، وغالبا ما يكون حضوره وازنا من داخل التشكيلة الحكومية مقارنة بالفاعل السياسي الحزبي. كما أن القطاعات التي يشرف عليها تكون استراتيجية وذات أهمية تحتاج إلى التكوين والخبرة الإقتصادية، لذلك فهو يقدم نفسه على أساس أنه المنقذ خلال الأزمات نتيجة امتلاكه للخبرة التقنية والدراية اللازمة بالمخططات الإصلاحية، تتلقى هذه الفئة من الفاعلين السياسيين تكوينها بالمعاهد والجامعات والمدارس الفرنسية، وتمتلك الخبرة من خلال تدرجها داخل الوظائف الإدارية. وإذا كان الفاعل الحزبي يتدرج في الهيئات والتنظيمات الموازية للحزب ويؤمن بتجديد النخب على أساس تدويرها من داخل التنظيم الحزبي، فإن التقنوقراطي غالبا ما يتدرج في الهيئات والوظائف التي تكون تحت الإشراف المباشر للدولة، لذلك نجد مقاربته في التدبير واقعية وتهتم بالنتائج المتحققة أكثر من اهتمامها بالآثار الجانبية لذلك، وما يحفزه على ذلك غياب المحاسبة السياسية، ولا يهمه إن كان التدبير ينبني على قرارات أكثر شعبية أو على عكس ذلك.
يتوفر الفاعل السياسي الحزبي على الشرعية الإنتخابية والإمتداد الشعبي، على عكس التقنوقراطي الذي يفتقد دوما للشرعية السياسية حتى حينما يتم (استقطابه) من طرف الأحزاب، يُنعث من طرف الرأي العام الداخلي للحزب بالمظلي بينما ينظر إليه الرأي العام الخارجي على أساس أنه فاقد للتكوين السياسي. لطالما وجد التقنوقراطي صعوبة بالغة في التأقلم مع ميكانيزمات تحريك المصعد الحزبي، بسبب إفتقاره للثقافة التنظيمية الحزبية، وتعوده على الجاهز بدل الشقاء الذي تحتاجه عملية البناء. إنه ينطلق دوما من رأسمال جاهز سواء كان معرفي أو إقتصادي أو إجتماعي، يحاول من خلاله أن يغطي عن ضعفه وقلة خبرته بالشأن السياسي.
إن هيمنة المقاربة التقنية على الممارسة السياسية عالميا، بسبب سيطرة هاجس التنمية على جميع أشكال التفكير الإنساني، وسرعة تقلب الظروف الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وكذلك عدم القدرة عن الجواب على سؤال التنمية المزمن .. رفع من وثيرة الشك بخصوص قدرة الفاعل السياسي الحزبي على تحسين المؤشرات الإقتصادية والخروج من الأزمات الإقتصادية المتتالية، وهذا الأمر زاد من حدة نبرة صوت المدافين عن راهنية التقنوقراطي في الجانب المرتبط باستثمار معرفته التقنية. وبدل أن يمتلك الفاعل السياسي الحزبي الجرأة اللازمة لإعلان الصراع مع هذا الفاعل الذي تحول من مساعد إلى منافس على السلطة، سوف يتماهى مع هذا الوضع نكاية بباقي الفاعلين الحزبيين بسبب صراعات هامشية لا تعطي أهمية لهذا الكائن الذي يزحف عليهم جميعا بشكل يومي.
بالرغم من محاولة تحزيب فئة التقنوقراط بغية إضفاء طابع الشرعية عليهم، فإن ذلك لا ينفي عليهم ذلك الإنطباع السائد لدى الرأي العام، بخصوص غايتهم المتمثلة في التضييق على النخب الحزبية وتهديدهم للتمثيلية الإنتخابية والإعتقاد بصعوبة محاسبتهم بسبب قوة سلطتهم، لذلك فوجودهم هو تهديد للحياة السياسية والممارسة الديمقراطية. كلما اتسعت دائرة التقنوقراط داخل الحكومات كلما اتسعت دائرة النقد الداخلي والخارجي من طرف المتتبعين للشأن السياسي بخصوص الإحتكام للمنهجية الديمقراطية في تدبير شؤون الحكومة.
أعتقد أن الفاعل السياسي الحزبي بإمكانه أن يحقق نتائج مبهرة إلى جانب التقنوقراطي، من خلال توليفة تجمع بينهما في التدبير سوف تحقق تكامل أدوارهما، وذلك يجعل التقنوقراطي مساعدا ومكملا للفاعل السياسي الحزبي وليس العكس، من خلال تدبير التقنوقراطي لكل ما هو إداري صرف تحت القيادة السياسية للفاعل السياسي الحزبي، وبهذا سوف نحافظ على مشي السياسية ببلادنا على رجليها بدل التفكير في جعلها تمشي على رأسها.
– هل البروقراطية وجه آخر للديموقراطية ...
بعض الدول تنهج نظام لوبياتي يعتمد على مجموعات تنتهج العمل اللوبي بحيث تكون السلطة والمنافع العمومية بيد لوبيات معينة تتقاسم المنافع والوظائف وتحرم كل من لم يدخل فى إحدى تلك المجموعات اللوبية وهذا النظام يجعل قلة من الناس تستفيد من كل شيء على حساب غالبية محرومة إلى الأبد ، لقد أنشأ النظام على هذا الأساس فى مطلع ستينات القرن الماضي ظل يسير على هذا الحال إلى يومنا هذا وهو جعل الأوضاع المعيشية لغالبية السكان هي الأسوء فى العالم رغم ثروات البلد الهائلة وإمكاناته الكبيرة ، ومع ذلك فلم يتقدم ولم تنجح فيه خطة لذا فهو بحاجة إلى إعادة تأسيس وبناء جديد وتغيير كل السياسات والسياسيين من أجل إصلاح يشمل الجميع ويستفيد من ريعه الجميع ولا يظل حكرا على مجموعات لوبية معينة تشكل حكومة من حزب واحد يوجد فيه جميع اللوبيات التى كانت تحكم البلد منذ الأستقلال ثم يطلقون عليها حكومة تكنوقراط زورا وبهتانا ، إن هذه المغالطات تستوجب التوضيح والكشف عن الحقيقة الغائبة عن غالبية الشعب وهذا سوف نشرح العمل البيروقراطي ومصطلحه والعمل التكنوقراطي ومصطلحه ليكون الجميع على بينة ولكشف الملابسات وتعرية الأمور بعيدا عن الدعاية الكاذبة ، ففى الحديث الشريف ، المتلبس بما ليس فيه كلابس ثوبي زور ،
البيرُقراطية أو الدواوينية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وهنالك العديد من الأمثلة على البيرقراطية المستخدمة يومياً: الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس. يعود أصل كلمة البيرقراطية إلى بيرو (büro)،وهي كلمه المانيه ومعناها مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة قراطية وهي كلمة مشتقه من الأصل الإغريقي كراتُس (κράτος) ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.
تعني الدواوينية نظام الحكم القائم في دولة ما يُشرف عليها ويوجهها ويديرها طبقة من كبار الموظفين الحريصين على استمرار وبقاء نظام الحكم لارتباطه بمصالحهم الشخصية ؛ حتى يصبحوا جزءً منه ويصبح النظام جزءً منهم، ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف في الغالب بالتقيد الحرفي بالقانون والتمسك الشكلي بظواهر التشريعات جاعلة البيروقراطية لب النظام الاقتصادي والسياسي لعقلانية المجتمع، فينتج عن ذلك " الروتين " ؛ وبهذا فهي تعتبر نقيضاً للثورية، حيث تنتهي معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شيء في عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية. والعدو الخطير للثورات هي البيروقراطية التي قد تكون نهاية معظم الثورات، كما أن المعنى الحرفي لكلمة بيروقراطية يعني حكم المكاتب.
من المتعارف عليها لدى الجميع أن الدواوينية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات وتعقيدها.. وهذا المفهوم بلا شك يعتبر مفهوماً خاطئاً.. ولو عدنا إلى التعريف الصحيح للكلمة.. لوجدنا أن المعنى اللفظي للبيرقراطية أنها مكونة من مقطعين: الأول بيرو وهي تعني مكتب والثاني قراطية وهي مشتقة من الأصل الإغريقي كراتس ومعناها السلطة والقوة، والكلمة في مجموعها تعني (قوة المكتب أو سلطة المكتب) ويأتي أصل كلمة بيرقراطية من الفرنسية من كلمة بيرو (Bureau) أي مكتب، وترمز للمكاتب الحكومية التي كانت في القرن الثامن عشر، أي القوة (السلطة والسيادة)، وقد استخدمت كلمة البيرقراطية للدلالة على الرجال الذين يجلسون خلف المكاتب الحكومية ويمسكون بأيديهم بالسلطة، ولكن توسع هذا المفهوم ليشمل المؤسسات غير الحكومية كالمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات وغيرها.
وقد كان أول ظهور لهذه النظرية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل إلى ماكس فيبر (Weber) عالم الاجتماع الألماني (1864- 1920) في وضع نموذج يحدد مفهوماً مثالياً للبيرقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره، والذي كان متأثراً بثلاثة عوامل كان لها آثارها في فكره وفي نظريته وهي:
1. بما أن ويبر مواطن ألماني فقد شهد التضخم الذي طرأ على المؤسسات الصناعية، فرأى أن التنظيم الرسمي المحكم هو الطريقة التي تزيد الإنتاج وبالتالي أهمل النواحي الإنسانية.
2. تأثر ويبر بالتنظيم العسكري حيث كان ضابطاً في الجيش، ومن المعروف أن الجيش يتحرك وفق أوامر وتعليمات صارمة فاعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يطبق في جميع المجالات الإدارية.
3. لكون ويبر عالم اجتماع فقد أدرك عوامل الضعف البشري من حيث عدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ القرارات لذا أعتقد أن القواعد تضمن عدم تدخل المصالح الشخصية.
لذا نجد أن ويبر أستقى نظريته من الحياة في عصره ودعمها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقداً أنها ستلائم أي بيئة أو مجال إداري. وقد حدد ويبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيرقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة.
وكانت وجهة نظر ويبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيرقراطية بأنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، واختيار للموظفين وتقدم وترقية تقوم على أساس مبدأ الاستحقاق.
ولو تطرقنا إلى الأسس التي بنى عليها العالم (ماكس) نظريته لوجدنا أنه ركز على عناصر هامة وأساسية لكي تكون تلك النظرية ناجحة بكل المقاييس، وقابلة للتطبيق في أي تنظيم إداري، ومن تلك العناصر مايلي:
· الخبرة والمهارة والتأهيل هي أساس اختيار القائد.
وجود إجراءات وخطوات محددة ومنسقة مسبقاً.
الاختيار الأمثل لمن ينفذ هذه الخطوات من المرؤوسين في أداء العمل.
مبدأ أن لا وقت في العمل إلا للعمل ...
ومع ذلك نجد أن الأصوات تتعالى من هنا وهناك، فالبعض من الإداريين يرى أنها داء يجب محاربته والتخلص منه، ويراها البعض على أنها ضرورة لا يمكن أن تقوم للإدارة قائمة بدونها، ويرى آخرون أن المشكلة لا تكمن في الدواوينية الإدارية ولكن تكمن في من يقوم بمسؤولياتها، ويرى غيرهم أن الدواوينية باقية وليست كلها سيئة، وإنما يجب الحد منها.
"وبالرغم من ذلك تجد أن الدولة تبنت بعضاً من الوسائل الإدارية الناجحة في أجهزتها الحكومية لأجل التقليل من مخاطر البيرقراطية، ومنها على سبيل المثال:
زيادة فعاليات أجهزة الإصلاح الإداري التي تقدم الاستشارات الإدارية، وتقترح الحلول لبعض المشكلات الإدارية الناجمة عن بعض الممارسات البيرقراطية.
استخدام التقنية الحديثة كوسيلة، وتسخيرها لمتطلبات العملية الإدارية وفعاليتها، مع المحافظة على أصالة المجتمع وقيمه ...
المرونة في العمل بما لا يتعارض مع الهدف العام ويخل بمبدأ العدالة والمساواة في التعامل...
تأكيد مبدأ أن الموظف لخدمة المستفيد، وأن الإنسان هو الغاية، وأن الأنظمة واللوائح والإجراءات ما هي إلا وسائل لتحقيق ذلك.
التوسع في مجالات التدريب وتنوعه لمختلف المستويات الإدارية وفقاً للاحتياجات الفعلية للعاملين في الإدارة.
مراقبة السلوكيات الإدارية المنحرفة، وسرعة تقويمها بالطرق التعليمية والتدريبية أو التأديبية.
· تخصيص أوقات محددة يلتقي فيها المسؤولون بالمرؤوسين وجهاً لوجه للاستماع إلى شكاواهم، والعمل على حلها".
إذاً إن الدواوينية ليست كما يدعي البعض نظام فاسد، وأنها ملازمة للتعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق، إلا أنه يمكن القول بأنها سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، فالبيرقراطية ليست مرضاً من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في عملية صنع القرار.
وأخيراً إن طبيعة الإدارة وأهدافها، وبيناتها المختلفة تتطلب نوعاً من البيرقراطية.. ولكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه، ولا غرو في ذلك لأن مازاد عن حده انقلب إلى ضده.
نظرية الدواوينية الإدارية ...
نظرية الدواوينية الإدارية أو النظرية البيروقراطية في الإدارة هي إحدى النظريات الإدارية الكلاسيكية، يعد الألماني ماكس فايبر رائداً لها. وقد عرف فايبر الدواوينية بأنها: مجموعة من الأسس الإدارية التي تخرج السياسة العامة للمؤسسة إلى حيز الواقع وتضعها موضع التنفيذ الصحيح لتحقيق الأهداف.يعتبر فيبر منظرا لها وهو من اصل ألماني كان راهبا متينا بروتستانيا درس جميع الأديان بلغ اعتزازه بالبروتستانية إلى حد جعله يراها خلف نجاح الراسمالية في الغرب لذلك صاغ منها التنظيم المكتبي
تعريف العالم ماكسيميليان كارل إميل ويبر Maximilian Carl Emil Weber 21 أبريل 1864-14 يونيو1920 كان عالما ألمانيا في الاقتصاد والسياسة واحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامة في مؤسسات الدولة، وهو من اتى بتعريف البيروقراطية، وعمله الأكثر شهرة هو كتاب الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية وكتاب السياسة كمهنة.
يرى ماكس ويبر ان الأساس في بناء التنظيمات هو الاعتماد على مجردات لا ترتبط بالإنسان ذاته وتوفر العلاقة الرشيدة التي لا يشوبها التحيز أي أن أي منظمة لابد أن تتمثل في نظام بيروقراطي قائم على أساس هرمي تتسلسل فيه السلطة من القمة للقاعدة.
حسب ماكس ويبر النظام البيروقراطي يحقق أعلى قدر من الكفاءة من خلال الخصائص التالية: 1 -تقسيم العمل 2- الفصل بين أعمال الموظف الخاصة والعامة 3- شغل الوظيفة على أساس التعيين وليس الترشيح 4 -اختيار الموظف الأكثر كفاءة في تنفيذ متطلبات الوظيفة 5 -الترقية على أساس الأقدمية أو الإنجاز أو الاثنين معا. 6 -أداء الموظف يجب أن يراقب. 7 -حق الموظف في راتب مجزي وعلاوة.
سلبيات النظرية البيروقراطية على الأفراد:
· الالتزام الحرفي بالأنظمة والقوانين والجمود في سلوك الأفراد.
عدم التعامل مع منسوبي المنظمة كأفراد لهم رغبات وميول وعواطف وأحاسيس.
· فرض نظام على الأفراد قد يدفعهم إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من الأداء.
وجود أنظمة وإجراءات صارمة قد تدفع الأفراد إلى مقاومة أي نوع من أنواع التغيير الذي ترغبه المنظمة
قد يلجأ الأشخاص إلى تجنب المسؤولية واتخاذ القرارات أو اختيار البدائل فقط التي تتناسب مع الأنظمة والقوانين.
المؤسسة المثالية ....
أشار فايبر من خلال نظريته إلى المؤسسة المثالية وهي حالة الوصول إلى مؤسسة تكون فيها علاقات السلطة مدروسة مسبقاً بأسلوب علمي، ومقرّة كتعليمات رسمية ملزمة للجميع، ويعمل الكل على تنفيذ هذه التعليمات، مما يحقق الاستقرار والثبات لهذه المؤسسة حتى لو تغير أفرادها جميعهم

التكنوقراطية (بالإنجليزية: Technocracy) هي نظامٌ مقترحٌ للحكم يتمَُ فيه اختيار صانعي القرار على أساس خبرتهم في مجالٍ معينٍ خاصةً فيما يتعلق بالمعرفة العلمية أو التقنية. يتناقض هذا النظام بشكلٍ واضحٍ مع فكرة أن الممثلين المُنتَخبين يجب أن يكونوا صُنَّاع القرار الرئيسيين في الحكومة، على الرغمِ من أنه لا يعني بالضرورة حذف الممثلين المنتخبين بل إن الأمر يعتمدُ بالأساس على المعرفة والأداء بدلًا من الانتماءات السياسية أو ما يُعرف ب «المهارات البرلمانية» كما هو معمولٌ به في النظام الديموقراطي.
تمَّ استخدام مصطلح تكنوقراط في الأصل للدفاع عن تطبيق المنهج العلمي في حلِّ المشكلات الاجتماعية. يقومُ هذا النظام على التركيزِ على تطوير الدولة في قطاعٍ أو قطاعات معيّنة بدلاً مما يُعرف ب «الربحية النقدية» وذلكَ لضمانِ استمرار تشغيل جميع الوظائف. عادةً ما تُركّز الحكومات التكنوقراطية على حلّ المشاكل التقنية أو الهندسية وغالبًا ما تكونُ افتراضية. في الاستخدام العملي؛ تُعتبر التكنوقراطية جزءًا من البيروقراطية التي يُديرها تقنيون كما يمكن اعتبار الحكومة التي يُعيِّنُ فيها المسؤولون المنتخبون خُبراء ومهنيين لإدارة الوظائف الحكومية الفردية والتوصية بالتشريع تكنوقراطية. يُشير مفهوم التكنوقراطية أيضًا إلى شكلٍ من أشكال الجدارة؛ حيث يتولى القادرون المسؤولية ظاهريًا دون تأثير جماعات المصالح الخاصة
مصطلح التكنوقراطية مُشتقٌ من الكلمات اليونانية تعني «المهارة» وكلمة تعني «القوة» أو «الحُكم». عادةً ما تُنسب كلمة التكنوقراطية إلى وليام هنري سميث؛ وهو مهندسٌ من كاليفورنيا يُقال إنه اخترعَ هذه الكلمة أو هذا المصطلح عام 1919 لوصف حُكم الأشخاص الذين أصبحوا فعالين من خلال اعتمادهم على علماء ومهندسين وغيرهم من ذوي الكفاءات على الرغم من أن الكلمة كانت قد استُخدمت من قبل في عدّة مناسبات استخدمَ سميث مصطلح تكنوقراط في مقالته عام 1919 بعنوان «التكنوقراط: طُرق ووسائل كسب الديمقراطية الصناعية» في مجلّة «الإدارة الصناعية».
في ثلاثينيات القرن العشرين ومن خلال تأثير هوارد سكوت وحركة التكنوقراط التي أسَّسها؛ أصبح مصطلح التكنوقراط يعني بشكلٍ ما الحكومة التي تعملُ على اتخاذ «قرارات تقنية». لقد اقترحَ التكنوقراطي سكوت استبدال الأموال بشهادات الطاقة وذلك عبر وحداتٍ مثل الإرج أو الجول أي ما يعادل إجماليًا «ميزانية وطنية صافية» ومناسبة للطاقة ثم توزيعها بالتساوي على سكان أمريكا الشمالية وفقًا لتوفّر الموارد.
لقد اشتُقَّ من كلمة تكنوقراطية عددٌ من الكلمات الأخرى بما في ذلك كلمة «تكنوقراط» أو «تكنوقراطي» والتي تعني الشخص الذي يُمارس سلطة حكومية بسبب معرفته، كما قد تُقال للشخصِ الذي يدافع عن تفوق «الخبراء التقنيين».يُعرّف ماكدونيل وفالبروزي رئيس الوزراء أو الوزراء بأنهم تكنوقراطيون بالقول: «في وقت تعيينه في الحكومة؛ يجبُ ألا يكون قد شغلَ أي منصب عام تحت رايةِ حزبٍ سياسي وألَّا يكون عضوًا رسميًا في أي حزب كما يجب عليهِ أن يمتلك خبرة سياسية غير حزبية مُعترفٌ بها والتي لها صلة مباشرة بالدور الذي سيشغله في الحكومة. الجدير بالذكر هنا أن روسيا اعتمدت في فترةٍ من الفترات على الحكومات التكنوقراطية حيثُ كان يُرشِّح رئيس روسيا عددًا من الوزراء بناءً على الخبرة الفنية وكان يُشار إليهم في العادة باسم تكنوقراطيون
المميزات ...
التكنوقراطية تعني بشكلٍ آخر الأفراد ذوو تدريبٍ مهني في المستوى يرون أن الكثير من المشكلات المجتمعية المهمة قابلة للحل وغالبًا ما يقترحون حلولًا من أجل التقدم بالدولة في مجالات مُعيّنة. يرى العالِم الإداري غونار نجالسون أن «التكنوقراطيون مدفوعون أساسًا بذهنهم المعرفي لحلّ المشكلات عن طريق اهتمامات جماعية مهنية معينة.» يُعتقد أن أنشطة التكنوقراطيين والنجاح المتزايد لأفكارهم كان عاملًا حاسمًا وراءَ الانتشار الحديث للتكنولوجيا وظهور ما يُعرف ب مجتمع المعلومات. يُمكن تمييز التكنوقراطيين عن الاقتصاديين والبيروقراطيين من خلال العقليّة وطريقة التفكير عند حل المشكلات.
الهندسة ...
بعد صموئيل هابر؛ جادلَ دونالد ستابيلي بأن المهندسين واجهوا تعارضًا بين الكفاءة البدنية وفعالية التكلفة في المؤسسات الرأسمالية الجديدة للشركات في أواخر القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة حيثُ غالباً ما يفرض المديرون في الشركات التي يعمل فيها المهندسون – نظرًا لتصوراتهم حول الطلب في السوق – قيودًا على المشاريع التي يرغب المهندسون في تنفيذها. في الحقيقة؛ تختلفُ أسعار جميع المدخلات باختلاف قوى السوق مما يُزعج حسابات المهندس الدقيقة؛ ونتيجةً لذلك يفقدُ المهندس السيطرة على المشاريع ويجب عليه مراجعة الخططِ باستمرارٍ وذلك للحفاظ على السيطرة على المشاريع كما يجب على المهندس محاولة التحكم في هذه المتغيرات الخارجية وتحويلها إلى عوامل ثابتة.
أمثلة ...
أشارت مكتبة تابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2013 حول هيكلها التشريعي إلى المفوضية باعتبارها «سلطة تكنوقراطية» تحتفظ بما سمَّته «الاحتكار التشريعي» لعملية صنع القوانين في الاتحاد على الرغم من كونها غير منتخبة. تُشير الإحاطة إلى أن هذا النظام والذي يحيل البرلمان الأوروبي إلى هيئة حقّ النقض والتعديل كان متأصلًا في الأساس بسببِ عدم الثقة في العملية السياسية في أوروبا ما بعد الحرب. في الواقع؛ يُعجّ هذا النظام فريدًا من نوعه؛ على اعتبار أن الحق الوحيد للمبادرة التشريعية للمفوضية هو سلطةٌ ترتبط عادة بالبرلمانات.
تمَّت الإشارة إلى الحكومة السابقة للاتحاد السوفياتي على أنها تكنوقراطية، كما كانَ للزعماء السوفييت أمثال ليونيد بريجنيف خلفية تقنية في التعليم. في عام 1986؛ كان 89% من أعضاء المكتب السياسي مهندسين
لطالما كان معظم قادة الحزب الشيوعي الصيني مهندسين محترفين؛ كما أن نسبةً كبيرة من رؤساء البلديات وحكَّام المدن في الصين لديهم «خلفية تقنية» في التعليم. لقد بدأت جمهورية الصين الشعبيّة منذ مدة تنفيذ خططٍ مستقبليّة عبر نظام تكنوقراطي تهدفُ من خلاله إلى بناء مشاريع كبرى بما في ذلك نظام السكك الحديدية عالية السرعة وسد الممرات الثلاثة، لكن وفي ظلّ حكم شي جين بينغ تمَّ استبدال المهندسين – أو التكنوقراط كما يوصفون – بخبراء سياسيين وخبراء اقتصاديين ومُنظِّرِين. يُعدُّ شي جين الوحيد الذي حصل على شهادةٍ في الهندسة والحاضر في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي .
تم تصنيف العديد من الحكومات في الديمقراطيات البرلمانية الأوروبية على أنها تكنوقراطية استنادًا إلى مشاركة خبراء غير منتخبين في مناصب بارزة. منذ التسعينيات؛ كان لإيطاليا العديد من هذه الحكومات التكنوقراطية خاصّةً في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية،بما في ذلك التشكيل الذي ترأس فيه الاقتصادي ماريو مونتي مجلس الوزراء من المهنيين غير المنتخبين. تغيّر مفهوم مصطلح تكنوقراط حديثًا أو بالأحرى صار شاملًا حيثُ أصبح يُطلق هذا اللقب على الحكومات الذي يقودها رئيس وزراءٍ غير منتخبٍ كما في حالات الحكومة اليونانية 2011-2012 بقيادة الاقتصادي لوكاس باباديموس وحكومة تصريف الأعمال في جمهورية التشيك 2009-2010 برئاسة كبير الإحصائيين يان فيشر. في كانون الأول/ديسمبر 2013؛ وفي إطارِ الحوار الوطني الذي أطلقتهُ اللجنة الرباعية وافقت الأحزاب السياسية في تونس على تنصيب حكومة تكنوقراط بقيادة مهدي جمعة.
– حركة التكنوقراط ...
كان عالِم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي ثورستين فيبلن من أوائل دعاة التكنوقراطية؛ ونفس الأمر بالنسبة لكلٍ من هوارد سكوت وإم. كينج هوبرت الذي طوَّر لاحقًا نظرية الذروة النفطية . يعتقد فيبلن أن التطورات التكنولوجية ستؤدي في النهاية نحو تنظيمٍ اشتراكي للشؤون الاقتصادية؛ كما يرى أن الاشتراكية ستكون مرحلة وسيطة في عملية تطورية مستمرة في المجتمع يمكن أن تحدث بسبب التدهور الطبيعي لنظام المؤسسات التجارية وبابتكاراتِ المهندسين.
بحلول عام 1932؛ أسَّس هوارد سكوت وماريون كينج هوبرت شركة تكنوقراطية واقترحوا استبدال الأموال بشهادات الطاقة. جادلت المجموعة بأنه يجب منحُ المهندسين غير السياسيين والعقلانيين سلطة توجيه الاقتصاد إلى عبءٍ ديناميكي متوازنٍ من الإنتاج والاستهلاك وبالتالي التخلص من البطالة والديون.
حظيت حركة التكنوقراط بشعبيةٍ كبيرةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية لفترة وجيزة في أوائل الثلاثينيات من القرن القشرين وبالضبطِ خلال فترة الكساد الكبير. بحلول منتصف 1930؛ كان الاهتمام بالحركة في انخفاضٍ وقد عزا بعض المؤرخين تراجع حركة التكنوقراط إلى صعود ما عُرف ب الصفقة الجديدة لروزفلت.
يرفض المؤرخ ويليام أكين الاستنتاج القائل بأن أفكار التكنوقراط قد انخفضت بسبب جاذبية روزفلت والصفقة الجديدة. بدلاً من ذلك؛ يُجادل أكين بأن الحركة تراجعت في منتصف الثلاثينيات نتيجة فشل التكنوقراط في ابتكار نظرية سياسية قابلة للاستمرار لتحقيق التغيير.يفترض أكين أيضًا أن العديد من التكنوقراط ظلوا صريحين وغير راضين وغالبًا ما يتعاطفون مع جهود الطرف الثالث المناهضة للصفقة الجديدة.
– الانتقادات ....
لاحظَ النقاد وجود «فجوة تكنوقراطية» بين هيئةٍ حاكمةٍ مسيطرٌ عليها بدرجات متفاوتة من قبل التكنوقراط وأعضاء من عامَّة الناس. قيل إن هذه «الفجوات التكنوقراطية» هي فجواتٌ في الفعالية تستمر بين الهيئات الحاكمة التي تستخدم مبادئ تكنوقراطية وأعضاء الجمهور العام بهدف المساهمة في صنع القرار الحكومي. يتمثل التحدي الرئيسي الذي تثيره هذه الانقسامات في أن التكنوقراطيين يوفرون امتيازات لآراء ووجهات نظر الخبراء التقنيين؛ بينما يقومون بتهميش آراء ووجهات نظر الجمهور العام.
– محاولة فريدمان السابقة للتوفيق بين الإسلاميين والتقنوقراط ....
يشير الكاتب الأميركي المعروف توماس فريدمان، في مقالته "من هو صاحب القرار؟" إلى أنّ الأزمة المالية العالمية فرضت على دول ديمقراطية عريقة، مثل إيطاليا واليونان، التخلي عن الأحزاب واللجوء إلى حكومات تكنوقراطية قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والمهمة، من دون أن تخشى على شعبيتها في صناديق الاقتراع.
ووفقاً للمقال نفسه، فإنّ الأزمة المالية الحالية التي أرهقت الهند قد تؤدي بها إلى المسار نفسه، فيما يتجنب الحزب الديمقراطي التورط منفرداً في قرارات صعبة تخص الموازنة العامة في الولايات المتحدة، ويشترك في لجنة مع الحزب الجمهوري.
النتيجة، التي يصل إليها فريدمان، أنّ الأزمة الاقتصادية الحالية تمنح "الشخصيات التكنوقراطية" أهمية استثنائية. فهم ليسوا مصابين بفوبيا القرارات غير الشعبوية، كما هي حال قيادات الأحزاب السياسية، وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام لدينا، بخاصة أنّ صورة الحكومات التكنوقراطية أصابها ضررٌ كبير في السنوات الماضية.
ليس صحيحاً بأنّ التكنوقراط هم من قادوا حكومات أردنية سابقة، بل كانت هنالك مدرسة اقتصادية واضحة ومحددة كانت تحكم البلاد من مواقع متعددة، باستثمار ضعف الولاية العامة لدى الحكومات، من خلال بعض الشخصيات التي أتي بها بوصفها تكنوقراطية، فيما كانت فقط مجرد غطاء على الحكومات الحقيقية في مراكز القرار الأخرى.
الحكومة التكنوقراطية ليست شخصيات سياسية ضحلة ومهزوزة، بل هي خبراء ومتخصصون، مهرة في حقولهم. وهذا يقتضي بالضرورة أن يمتلكوا حسّاً سياسياً كبيراً، وقدرة على اتخاذ القرارات، لكنهم ليسوا حزبيين، وهو نوع من الحكومات لم نره في الأردن، ومن وُصفوا بالتكنوقراط ليسوا كذلك.
المعنيون بمفهوم حكومة التكنوقراط – اليوم – هم الإسلاميون، بخاصة في الدول التي حقّقوا فيها أغلبية تؤهلهم لتشكيل الحكومات، في تونس والمغرب، وربما غالباً في مصر لاحقاً. والملاحظ أنّ الخطاب الإسلامي ما يزال يركّز على البعد السياسي وحق الإسلاميين كغيرهم في الحكم عبر صناديق الاقتراع، بعد عقود من الامتحان والابتلاء، وهذا بالتأكيد لا يجوز النقاش فيه.
إلاّ أنّ ما يجدر بالإسلاميين منحه اهتماماً أكبر اليوم هو الشق الاقتصادي. فهم قادمون إلى الحكم في سياق أزمة اقتصادية خانقة لعبت دوراً كبيراً في هدم شرعية الأنظمة العربية، والمخارج المتاحة منها محدودة، بخاصة في دول ليست نفطية، مثل تونس والمغرب ومصر، وتعاني من نسب مرعبة في العجز والمديونية والفقر والبطالة، ما يجعل من فرص النجاح خلال المدى المنظور أكثر صعوبة.
ما يدفع الإسلاميين إلى الانتباه والحذر أكثر هو أنّهم لا يمتلكون خبرات اقتصادية كبيرة، وما تزال برامجهم الاقتصادية المطروحة حبراً على ورق، وجزء كبير منها يحمل رؤى استراتيجية، لكنه لا يتوافر على حلول فورية للأزمات المالية الحالية، على المدى القصير. وهذا ما قد يصيب الحركات الإسلامية بمقتل سياسي، مع المستوى المرتفع لسقف التوقعات الشعبية من الثورات الديمقراطية العربية.
هذه الظروف الحرجة تجعل من حكم الإسلاميين اليوم أقرب إلى "الفخ" منه إلى "التمكين"، وإمكانيات النجاح فيه أقل بكثير من الرسوب. وهو ما جعل الكاتب والباحث التونسي الإسلامي المعروف صلاح الدين الجورشي، يرى (في محاضرته بمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية) أنّ الإسلاميين قد أخطأوا عندما حرصوا على تحقيق الأغلبية في الانتخابات النيابية العربية الأخيرة.
برأي الجورشي أنّه كان بإمكان الإسلاميين تجنب هذا الامتحان العسير والصعب عبر الاكتفاء بنسبة معقولة من الأصوات وبلعب دور حكومة الظل، والدفع بحكومة تكنوقراط لتجاوز المرحلة الانتقالية، وهو ما يمنح الإسلاميين مزيداً من الوقت ويوفّر عليهم أياماً عصيبة!
هشام جعفر يعلن نهاية الشعبوية التكنوقراطية في المنطقة العربية !!!
الشعبوية التكنوقراطية هي طريقة للحكم مناهضة للنخبة وتستغل الكفاءة لخلق مظهر الأصالة (شترستوك)
هل يمكن أن نعلن بعد عزوف الناخب التونسي عن الانتخابات التشريعية (92%؜ لم يذهبوا للتصويت) والأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر، نهاية الشعبوية التكنوقراطية في المنطقة؟
ولكن ما أبرز ملامح الشعبوية التكنوقراطية التي سعت لأن ترث فشل الانتفاضات العربية كما جري في مصر وتونس؟
الشعبوية التكنوقراطية
هي شكل من أشكال الشعبوية ولكنها غير مدروسة في منطقتنا. إنها تقدم أيديولوجية الكفاءة الاقتصادية والحلول التكنوقراطية، بغض النظر عن الأيديولوجيا السياسية والانقسام التقليدي بين اليسار واليمين، السياسيين أو المحافظين والتقدميين أو الإسلاميين والعلمانيين، ومع ذلك فإن الشعبوية التكنوقراطية ليست قاعدتها في التكنوقراط الأكفاء، ولكنها تتمحور حول القائد، وهي في جوهرها إستراتيجية لنزع الشرعية عن الأحزاب السياسية التقليدية والمجتمع المدني، ومناهضة التعددية حين تستخدم ذريعة الخبرة التكنوقراطية للحكم باسم الشعب.
الشعبوية التكنوقراطية هي طريقة للحكم مناهضة للنخبة وتستغل الكفاءة لخلق مظهر الأصالة والقرب من الناس العاديين
وإذا كانت التكنوقراطية والشعبوية تتعارضان مع بعضهما بعضا، لأن الشعبوية تنظر إلى الارتباط المباشر بالشعب كمصدر لشرعيتها، في حين أن التكنوقراطية تقوم على حكم الخبراء؛ ومع ذلك عندما تندمج التكنوقراطية مع الشعبوية، يتغير كلاهما بطريقة جدلية: يعتمد العنصر الشعبوي على قدرات القائد على التواصل مع الناخبين خارج القنوات المؤسسية القائمة للتمثيل السياسي كالبرلمانات والأحزاب، في حين يضفي العنصر التكنوقراطي الشرعية على القيادة في سعيها لحل قضايا الحكم من خلال الاعتماد على الخبرة الفنية.
الشعبوية التكنوقراطية هي طريقة للحكم مناهضة للنخبة وتستغل الكفاءة لخلق مظهر الأصالة والقرب من الناس العاديين، ولأن المكون الديني مكون أساسي في الثقافة العربية، فقد امتزجت بمقولات غيبية كثيرة، وتعمل المكونات الثلاثة في منطقتنا مع بعضها بعضا، وأقصد هنا الشعبوية والتكنوقراط والخطاب الغيبي.
الشعبوية التكنوقراطية هي تهديد معقد للديمقراطية لأنها تتعامل مع الدولة بمنطق الشركة، وتغذي اللامبالاة الشعبية بالمجال العام، وتخلق فرصة للسياسيين لتركيز السلطة. ومع ذلك؛ فمن السهل أن تنهار إذا تم الكشف عن أسطورة كفاءة الخبراء المتحورة حول القائد نتيجة عجزهم عن تقديم حلول ناجعة لمشكلات الدولة والمجتمع؛ وحينئذ فإن شرعيتهم تكون على المحك، وهذا ما أكدت عليه تجربتا مصر وتونس مؤخرا.
الشعبوية التكنوقراطية ليست ظاهرة ترتبط بالضرورة بالنظم الدكتاتورية، ولكنها تخترق النظم الديمقراطية المستقرة أيضا مثل فرنسا ماكرون وأميركا ترامب؛ لذا فقد يكون من المهم فهم السياقات التي تنتجها، بالإضافة إلى الجذور التاريخية التي تجد فيها نموها وازدهارها
سمات أساسية ثلاث
ما نحب أن نؤكد عليه أن هذا النوع من الشعبوية هو شكل جديد من أشكال الممارسة السياسية يحاول القائمون عليه تجاوز السياسة التقليدية التي ترتكز على هيمنة الأيديولوجيا وأدوار المؤسسات السياسية من أحزاب ومؤسسات وسيطة في المجتمع المدني، ولكنها ورثت عن السياسة التقليدية دور القائد أو الزعيم المنقذ للأمة.
إن جاذبية الشعبوية التكنوقراطية للناس العاديين لا تتأتى من وعدها بإعادة السلطة إلى "الشعب"، لكنها تقدم رؤية تكنوقراطية للسياسة تعد بحلول الخبراء التي تفيد الناس العاديين. تستخدم الشعبوية التكنوقراطية بشكل إستراتيجي جاذبية الكفاءة التكنوقراطية، وتستخدم الأرقام كسلاح لإيصال رسالة شعبوية.
هي بالمناسبة ليست ظاهرة ترتبط بالضرورة بالنظم الدكتاتورية، ولكنها تخترق النظم الديمقراطية المستقرة أيضا مثل فرنسا ماكرون وأميركا ترامب؛ لذا فقد يكون من المهم فهم السياقات التي تنتجها، بالإضافة إلى الجذور التاريخية التي تجد فيها نموها وازدهارها.
بالشعبوية التكنوقراطية في مصر -على سبيل المثال- تجد جذورها في اللحظة الأولى لنظام ؛ فقد استعان الضباط الأحرار الشباب بالتكنوقراط المصريين الذين نشؤوا في ظل النظام الملكي للسيطرة على الدولة، واستمرت هذه الصيغة إلى وقتنا الحالي: جيش يحكم وبيروقراطية تنفذ.
كما تمتد جذور هذه الشعبوية لحكم عبد الناصر (1954-1970) الذي ارتكز إلى خطابات شعبوية لخلق تعبئة جماهيرية، ونزع شرعية منتقدي النظام (أعداء للشعب). لم يكن هدف الهندسة الاجتماعية في الفترة الناصرية خدمة الشعب، بل قمع الاحتجاجات المدنية، وتجنب المساءلة، والبقاء في السلطة.
الماضي هو خزان تاريخي للسياسيين الشعبويين لاستخدامه إستراتيجيًا كقشرة تدغدغ مشاعر الجماهير -تأمل كيف تم استدعاء الفترة الناصرية من نظام 7/3 في مصر وفترة بورقيبة في تونس- وعندما يكون ذلك مناسبًا لنزع الشرعية عن المعارضين السياسيين كأعداء للشعب.
عادة ما تنشأ الشعبوية في لحظات الانتقال أو الاضطراب السياسي أو الأزمات الاقتصادية الطاحنة؛ فقد كانت الفترة التي أعقبت انتفاضة 2011 في مصر وامتدت إلى 2013 تمهيدا جيدا لهذا النوع من الشعبوية. وهذا ما حدث في تونس أيضا، وإن تأخر لعام 2019 مع الانتخابات الرئاسية الثالثة بعد انتفاضتها في 2010-2011.
إن الانتقال السريع إلى الشعبوية الممتزجة بخطاب غيبي -ولا أقول ديني- في مصر أولا، ثم إلى الشعبوية التكنوقراطية، وقد سارت تونس في الطريق نفسه فلا تخلو خطابات قيس سعيد من مفردات دينية كثيرة، مما يعني أن الشعبوية كانت متأصلة في وقت مبكر كجزء من المشهد السياسي. كما خلق فيروس كورونا ما يمكن تسميته بلحظة تكنوقراطية؛ فمع الجائحة هناك حاجة واضحة إلى الكفاءة والخبرة التنفيذية.
الشعبوية التكنوقراطية جزء من توجه عالمي في العقود الأخيرة؛ فقد كان هناك توسع كبير في أساليب الحكم التكنوقراطي. تم التنازل عن الصلاحيات التي كانت في حوزة البرلمانات الوطنية للمحاكم والبنوك المركزية والمؤسسات فوق الوطنية. كان هذا التحول -جزئيًا- تحركًا متعمدًا من قبل الحكومات الوطنية لتنظيم مجالات السياسة عالية التقنية والحفاظ على استقرار الأسعار، كما كان أيضًا نتيجة العولمة المفرطة وانتشار المعاهدات والمنظمات الدولية في الأربعين عامًا الماضية.
أولا: الدولة كشركة ...
تستخدم الشعبوية التكنوقراطية جاذبية الخبرة الفنية للتواصل مباشرة مع الناس، وتتعهد بإدارة الدولة كشركة لها مؤشرات أداء عادة ما تكون كمية، تفرض على القائمين عليها تحقيقها في الزمن المطلوب بغض النظر عن تداعياتها الاجتماعية أو الاقتصادية، وفي الوقت نفسه نزع شرعية المعارضين السياسيين وتسريح الناخبين من خلال غرس اللامبالاة المدنية بينهم.
تدار البلاد مثل شركة مساهمة، حيث يشغل القائد منصب رئيس مجلس الإدارة (والمساهم الوحيد)؛ والوزراء والمسؤولون العموميون هم موظفوه التنفيذيون الذين يمكن تعيينهم ونقلهم وعزلهم وإعادة تعيينهم في أي وقت يقرره الرئيس بناءً على أدائهم.
في جميع تصريحات الرئيس المصري، تلعب لغة الأرقام وجداول البيانات دورا رئيسيا. ويشدد على المبالغ التي أُنفقت على المشاريع المختلفة، كما يذكر أطوال الطرق التي مهدت والكباري التي شيدت.. إلخ. يتم تقديم اللغة التكنوقراطية بطرق متعددة مثل العروض التقديمية واستدعاء الخبراء للتصديق على ما تم أو سيجري، مما يخلق وهم الكفاءة والأصالة والقرب من الناس العاديين.
وكما لا يمكن فصل هذا التوجه عن تحويل كثير من أنشطة الدولة وخدماتها إلى شركات تدار وفق منطق الربح، بل يمكن النظر إلى إستراتجيات 2030 و2050 باعتبارها أحد مظاهر حكم التكنوقراط لأنها تتحول في النهاية إلى مستهدفات كمية.
ونظرًا لتزايد حجم مجموعات الأشخاص الذين لا يمكن الوثوق بهم، فإن الأبواب مفتوحة للإدخال الشرعي للخبراء، الذين يتم اختيارهم في الغالب لولائهم للشركة، والذين يمكن استبدالهم بسهولة نسبية.
تدلنا البيانات المتاحة على أن الاعتماد على التكنوقراط هو عنصر مركزي لمعظم الأنظمة في المنطقة في الوقت الحاضر. ففي الجزائر بعد انتخابات 2021 تم اختيار 25 من أصل 34 وزيرا من التكنوقراط. في تونس في عهد قيس سعيد كان جميع الوزراء الخمسة والعشرين من التكنوقراط. في مصر جميع الوزراء في الحكومة هم في الوقت الحاضر تكنوقراط، وعادة ما يكون التفضيل المتزايد للتكنوقراط في الحكومة مقترنًا بالاعتماد على المستقلين أو ما يسمون "نواب الخدمات"، أي الذين يحرصون على تقديم الخدمات لناخبي دائرتهم الانتخابية أكثر من اهتمامهم بالسياسات العامة.
كان الهدف الإستراتيجي للرسالة الشعبوية هو ضمان بقاء النظام من خلال الحفاظ على اللامبالاة المدنية للناس، وتثبيط التعبئة -تعبئة الشعب، وإضفاء الشرعية على النهج "العلمي" تجاه الحكم من قبل الخبراء الذين عادة ما ينظرون إلى الدولة كشركة يجب أن يحكمها الربح والكفاءة في الإدارة، ولذا فهي عادة ما تتخفف من الانحيازات الاجتماعية- بمعنى أنها لا تأخذ مطالب الفئات الاجتماعية المختلفة في الاعتبار كثيرا.
الشعبوية التكنوقراطية هي تذكير آخر بكيفية تحول السياسة بشكل متزايد إلى مسألة تكديس وتقسيم الغنائم بين نوع واحد أو مجموعات مغلقة، بدلاً من تمثيل المواطنين على أساس القضايا المشتركة التي تتقاطع مع الانقسامات المتعددة وترتكز على الانحيازات الأيديولوجية. والنتيجة هي التحرك نحو لعبة محصلتها صفر في سياق تكون فيه المخاطر عالية حيث تستنفد الموارد بسرعة وينمو عدم المساواة وينتشر الفساد. وهذا لا يبشر بالخير للمستقبل، سواء من حيث آفاق الديمقراطية أو الاستقرار أو العدالة الاجتماعية.
الخلاصة: إن الشعبوية التكنوقراطية تختزل الدولة في شركة ناشئة بها عدد صغير من أصحاب المصلحة، ومجال عام مغلق أو مقيد، وبيئة مؤسسية ضعيفة، وعدم مبالاة من الناس بالسياسة.
ثانيا: موت الأيديولوجيا.. تحيا الثقة
يرى البعض أن هذا النوع من الشعبوية هو في حد ذاته أحد أشكال الأيديولوجيا، إلا أننا لا نتفق مع هذا الرأي، فهو أقرب إلى إستراتيجية لنزع الشرعية عن المؤسسات السياسية والأحزاب السياسية التقليدية والمجتمع المدني وخلق لامبالاة بالسياسة بين الناس، أو أسلوب للحكم يرتكز ويتغذى على تآكل الأيديولوجيا في الزمن المعاصر.
فالآن لا يمكن الحديث عن انقسام بين يسار ويمين، ولا بين دعاة القطاع الخاص وبين دور الدولة، ولا بين دعاة العولمة وبين المنادين بالخصوصية، ولا بين الإسلاميين والعلمانيين؛ فمساحات التداخل بين هؤلاء وأولئك باتت بادية للعيان في كل مساحة ومجال، وهو ما يستحق أن نفرد له مقالا مستقلا. إلا أننا نشير سريعا إلى التقارب الأيديولوجي لليسار واحتضانه للنموذج الليبرالي قد طمس الاختلافات التقليدية بين اليسار واليمين، فكلاهما يدعو عمليًا الآن إلى الحلول نفسها وأصبح لا يمكن تمييزهما خاصة في القضايا الاقتصادية.
قبل الانتفاضات، كان العالم العربي قد بدأ بالفعل يشهد تراجعا في التعريف الأيديولوجي بما يتماشى مع الاتجاهات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فقد تأخر الانكماش الأيديولوجي في الدول العربية إلى حد ما حيث كان الناخبون العرب يتطلعون في البداية إلى الأحزاب الإسلامية -التي تم تشريعها حديثًا- بحثًا عن حلول سياسية بعد أن استنفدوا خياراتهم الأخرى.
في زمن الانتفاضات كان الشباب منخرطين في السياسة بأشكال جديدة وعلى أساس القضايا وليس وفق منطق الأيديولوجيات الشاملة؛ فقد توزع اهتمامهم بالشأن العام على المبادرات المختلفة التي حدث تداخل بين أعضائها، وقد تخصصت هذه المبادرات في خدمة قضايا محددة مثل التحرش أو مناهضة الفقر.. إلخ.
كان بعض الأعضاء ملتزمين أيديولوجيا، لكنهم كانوا ملتزمين بأيديولوجيات مختلفة، والبعض الآخر لم يكن أيديولوجيا على الإطلاق، وبعضهم أعضاء في حركات أو أحزاب قائمة، والبعض الآخر كانوا غير منتسبين. لقد تشاركوا جميعًا في الرغبة في إسقاط النظام الحالي، لكن اختلفت أسبابهم، وكذلك كانت أهدافهم للمستقبل متباينة في الحالات التي حدد فيها المتظاهرون مثل هذه الأهداف.
أدى هذان العاملان إلى حركات احتجاجية مجزأة خالية من أجندة وأهداف واضحة ومن دون طموحات سياسية طويلة المدى، ولم تكن هناك قط رغبة في إضفاء الطابع المؤسسي والانضمام إلى المؤسسات السياسية بهدف تغيير الأمور من الداخل إلى الأفضل.
أدى عدم وجود أيديولوجية مشتركة وطموحات سياسية طويلة المدى في نهاية المطاف إلى عدم الاستقرار على أعلى المستويات.
تم التذرع بالشعبوية التكنوقراطية بشكل متكرر في الفراغ الأيديولوجي لحقبة ما بعد الانتفاضات. كان الصعود السريع للشعبوية التكنوقراطية في تونس بمثابة نهاية للهيمنة الأيديولوجية للمشروع الديمقراطي الذي دشنته انتفاضة الياسمين 2011-2010، التي تم نزع الشرعية عنها بسبب قلة الكفاءة للأحزاب السياسية الرئيسية، والخلاف الذي جرى بين الديموقراطية بمعناها السياسي وبين الديموقراطية بمعناها الاجتماعي -أي تحسين معيشة الناس- الذي تكتسب السياسة فيه معنى يوميا يستشعره المواطن في تحسين حيواته المتعددة بغض النظر عن الأيديولوجيا التي تحكم.
وهكذا؛ فإن الشعبوية التكنوقراطية تنمو في المنعطفات الحرجة التي تميزت بتعطيل الأيدولوجيات المهيمنة.
إن الشعبوية التكنوقراطية هي إجابة -من الواضح أنها شعبوية- على خيبة الأمل الجماهيرية من عقد من الاضطرابات في المنطقة، ولكنها سرعان ما انهارت سريعا أو على أقل تقدير باتت محل تساؤل لعجزها عن تقديم إجابة على ما نذرت نفسها للتعامل معه، وهو تحسين معيشة الناس.
ويحسن أن نشير إلى أن الشعبوية التكنوقراطية عموما تتغذى من تقسيم الناس ليس إلى يمين ويسار، وإنما إلى أعداء وموالين، ونخبة في مواجهة الناس العاديين، وخبراء لديهم الحلول الناجعة لمشكلات الواقع في مواجهة سياسيين فاسدين غير أكفاء، ومتشرذمين إلى طوائف متقاتلة.
وفي منطقتنا؛ فإن هذا يمتزج بخطاب غيبي أقل ما فيه أنه يصادر الفعل البشري وينتظر أن تمنحه السماء هبة من الموارد التي لا يعلمها إلا الله -كما صرخ الرئيس المصري ويجعل في الدعاء حلا لأزمة شح الدولار في الاقتصاد المصري- كما صرح أحد علماء الدين المقربين من النظام المصري.
يعتبر البعض الشعبوية "أيديولوجية رقيقة"، لذا فهي تكافلية، بمعني أنها يمكن أن تتعايش بسهولة مع الأيديولوجيات الأخرى، مثل القومية أو مناهضة العولمة، وقد استخدمت في واقعنا العربي لتأكيد عقيدة الأمن القومي والحفاظ على الدولة ومنعها من الانزلاق إلى الحروب الأهلية وعدم الاستقرار، وهو ما استخدم لإدامة الاستبداد، والأهم أنها استخدمت لعودة تدخل الجيش في السياسة، وكان مبررًا بأنه ضروري، باعتباره الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الأمة، ولكنه تحول إلى أن يكون تعبيرا -ليس فقط عن مسؤوليتها عن الدولة- ولكنه باعتباره موطن الكفاءة البيروقراطية والقدرة الفنية واللوجيستية على الإنجاز السريع، وهكذا بررت الجيوش تدخلها السياسي واستمراريته بصفتها خبيرًا في تقديم قيادة قوية واستقرار وأمن.
الخلاصة التي تقدمها لنا إحدى الدراسات هي: "يبدو أن صميم هذا النمط الجديد من الاستبداد هو التخلص التدريجي من أيديولوجية موحدة لصالح ما أطلق عليه البعض "الشعبوية التكنوقراطية"، وهو الوضع الذي تدار فيه الدولة كشركة ويستخدم الخبراء لتجاوز المساءلة. يؤدي صعود الشعبوية بدوره إلى مزيد من التوسع في الحكم التكنوقراطي حيث تسعى النخب إلى عزل صنع القرار عن السياسيين الذين يُنظر إليهم على أنهم غير مسؤولين أو غير عقلانيين".
ثالثا: القيادة المقدسة
تظهر الخبرة المعاصرة في مصر وتونس تقديس القائد المنقذ وأنه فوق القانون، والذي يحتاج إلى البقاء في السلطة للإشراف على التنفيذ الناجح للمشروع الثوري كما في تونس، أو الحفاظ علي الدولة كما في مصر.
ولكنهما يظهران تآكل المؤسسات الأساسية التي تم إضفاء الشرعية عليها عند الضرورة لإنقاذ المشروع الوطني، وتشويه سمعة المعارضين باعتبارهم عملاء وغير وطنيين وأعداء للشعب، والاعتماد المتزايد على الخبراء (التكنوقراط الموالين) لخنق المعارضة ومنع ظهور البدائل السياسية.
وفي حين أن الأيديولوجيا ليست مهمة -كما قدمت- فإن الولاء أمر أساسي لعمل الشعبوية التكنوقراطية، وهو شيء يتحقق من خلال التآكل التدريجي للضوابط والتوازنات المؤسسية، وكذلك تسريح عامة الناس من خلال تقويض الثقة في المؤسسات التمثيلية للبلاد بالتزامن مع التبجيل المتزايد للشخصيات المتمرسة (الموالية) غير المرتبطة بالروابط الأيديولوجية أو السياسية.
في هذه العملية يتم استبعاد شرائح واسعة من المجتمع، على سبيل المثال الخبراء غير الموالين، والسياسيين المتمردين، والمثقفين وبعض الجماعات العرقية أو الدينية وأعضاء مختلف الأحزاب السياسية من خلال وصفهم بأنهم أعداء الشعب.
من مظاهر ازدراء المؤسسية كما ظهرت بجلاء في التجربة التونسية وبشكل مختلف في التجربة المصرية هو تهميش الأحزاب السياسية، نظرًا لتراجع شعبيتها بين السكان، إلا أنه اتجاه مقلق للغاية من منظور الديمقراطية. تعد الأحزاب السياسية جزءًا لا يتجزأ من الديمقراطية، كما أن الانتقال الديمقراطي والتوطيد لها أقل احتمالًا من دون الأحزاب السياسية التي يمكنها تجميع وتمثيل مطالب المواطنين بشكل أكثر فاعلية من الأفراد أو الآليات البديلة، مثل الحركات والجماعات والقوائم.
يمكن القول إن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الزعماء المستبدين في العالم العربي يعتمدون بشدة على التكنوقراط هو حقيقة أن الأحزاب السياسية تقوي صوت المعارضة ولديها القدرة على تبني بدائل للنظام الحالي.
وإذا كانت الشعبوية -كما قدمت- لا يمينية ولا يسارية، فإنها مناهضة للمؤسسة. يستهدف الشعبيون المؤسسة والنخب بشكل انتقائي، وتركز رؤيتهم كإستراتيجية سياسية على فاعليتها، أي قدرة الحركات الشعبوية على جذب الأتباع بشكل فعال، والحفاظ على علاقة مباشرة بين القائد والأتباع واستغلال نقاط الضعف المؤسسية القائمة، وهي ليست منافسة بين الخبراء الأكثر ملاءمة، لأن المعارضة بما في ذلك المواطنون النشطون لم يعد يُنظر إليهم على أنهم خصم سياسي شرعي بل كعدو للناس العاديين.
يرتكز هذا النوع من الشعبوية على عقد اجتماعي بين القادة والمواطنين يتخطى المؤسسات الوسيطة للمساءلة مثل الأحزاب والجمعيات المدنية ويقلل من تعقيد التمثيل، تمثيل الناس من خلال المؤسسات المنتخبة، وفيها يدعو القائد الكاريزمي إلى محاربة المؤسسة السياسية باسم الشعب ويندد بالأجسام الوسيطة (بمعنى واسع بما في ذلك الأحزاب) ويحرص على التواصل مباشرة مع الناس.
لا تظهر الشعبوية التكنوقراطية فقط كبديل لأيديولوجية التعددية الديمقراطية الليبرالية، ولكن أيضًا عندما يتم استنفاد نظام الحزب التقليدي وتعجز الأحزاب الرئيسية القديمة عن الاستجابة بفعالية للتحديات الجديدة.
أما اللغة التي يتبناها القادة الشعبويون، فإنهم بها يميزون أنفسهم عن "النخبة" ويحاولون إقامة علاقة وثيقة مع "الشعب". ويصف المحللون هذا بأنه "أسلوب سياسي يتميز بجاذبية إلى "الشعب" مقابل "النخبة" التي يتجسد فيها "الأخلاق السيئة وأداء الأزمة أو الانهيار أو التهديد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.