العلماء هم عصابة الحق وخاصته ، هكذا أطلقها سيدي عبد الله كنون ، كريح مرسلة تصك أذان المستمعين ، في درس حسني مجيد سنة 1982 ، برئاسة العالم والملك المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه ... نعم ذهب أهل الدثور بالأجور ، فلم يبقى لنا سوى أن تحتوقف ظهورنا ، ونطرق الرؤوس لهؤلاء بنية التحصيل ، والتسليم دون أن نسيء الأدب مع الذي سبقونا من ذوي الأسنان ، والقصد هنا أهل الله وخاصته في التدين والمعرفة ، وفي هذا يقول الإمام مالك " لن تنال العلم الا بستة : ذكاء وحرص واجتهاد ، وبلغة وصحبة أستاذ ، وطول زمان " ... وهي الخصال نفسها التي أجمع جمهور العلماء على توفرها في الأديب والمفكر والفقيه والسياسي والمجاهد سيدي عبد الله كنون نور الله قبره ومضجعه .... عبد الله كنون وما أدراكم ما عبد الله كنون ، هو تلك المعجزة التي تومض الحافة في الحناجر ، الوطني الصادق الذي أخرج من المغاربة ، تلك الخبيئة التي تجمعهم مع الله ، لتضعهم في ريادة العالم العربي ، في كل دوائر المعارف والعلوم ، هو السر الرباني الذي علم المسلمين ، حرفة صناعة الإنتباه ، فتضلعت حناجرهم " tgr3o " بحزمة من المجلدات المرجعية ، التي تميزت أولا بالصدق ، لأنه عمود الدين وركن الأدب وأصل المروءة ، وفضحت تلك المخيطة الفاسدة ، لاغتيال الأدب المغربي وعلماءه، فماكان من سيدي عبد الله كنون الا التسلح بالاستبسال الطويل أمام معاول هدم ، تريد الوقيعة بين المغرب والمشرق، وفي هذا الصدد يقول الرجل " برغم الإهمال والتهميش الذي تعرض له الأدبُ المغربي طول العصور الماضية، إلا أن العلامة عبد الله كنون بمبادرته الوطنية في تأليفاته وخصوصا كتاب النبوغ المغربي استطاع أن يلملم التراثَ المغربي الموزع في مظان الكتب واستخراج كنوزه وحفظها من الإهمال والضياع. بل يمكن أن نقول إن الفضل يعود له في إخراج الأدب المغربي إلى الوجود فهو صاحب نظرية الأدب المغربي لان ذلك لم يمن معروفا من قبل، وهو بذلك أثبت مكانة الأدب المغربي في صرح الأدب العربي كما كان يطمح رحمه الله، وأعلن هذا في مقدمة كتابه شاء من شاء وأبى من أبى، ويكفينا فخرًا الحفاوة التي حظي بها الكتاب في الأوساط الثقافية والأدبية، وتهافت العلماء على دراسته وقراءته، وهذا أكبر دليل على حاجة العالم إلى معرفة الأدب المغربي الصرف وذاكرته " المقتطف من المجلد الموقر الذي تستدير له ، ظهور الجاحدين ، قبل المسلمين ، مجلد " النبوغ المغربي في الأدب العربي " كتاب تدخله بشهية الفضول العلمي ، وتخرج منه مغربيا ممشوق القد ، يتفقد جسمه من الرأس إلى التراب الذي يمشي عليه ، لينتهي بطرح السؤال الذي أدمن عليه كل قراء الكتاب ، هل المغاربة أسياد الأدب والعلوم والفهوم ؟ ... نعم هو كذلك ، فالحسن الثاني عندما طلب من المغاربة أن يمشو حفاة، فلأنه يعرف أن الأرض المغربية ، طاهرة ومباركة ، يصعد منها اكسير النبوغ إلى الأبدان ... سيدي عبد الله كنون ، العلامة الذي حول خلوته لجلوة، وجعل لسانه رطبا بتمغرابيت، في كل منعرج علم يسلكه، يدك انه كل من ترك داره قل مقداره ، لذلك لم تنال منه تلك المتهافتات المشرقية ، التي تريد أن تحتكر المعرفة ، وسريرتها تدرك أنه يستحيل قتل الزعامة في الإنسان المغربي ، فالمغربي بذبيغته الراقية ، كتلة من التناقضات التي تصنع النجاح الباذخ ، لذلك علينا أن نتمخط بالمقولة الحكيمة " الاجنحة التي لاترفرف لاتطير فمن أراد أن يمخر عباب السماء فعليه أن يتحمل الالم " وبعد ذلك يجب على عزائمنا بألا تخطأ موعدها مع التاريخ .... يقول سيدي عبد الله كنون في كتابه – خل وبقل – " ان الأدب رسالة مقدسة يجب ألا تقتصر على الأغراض اللفظية، ولا على المتعة الذهنية، ولا على المعاني الذاتية التي لا يشعر بها إلا الأديب المتكلم نفسه، إنها رسالة ! ومفهوم اللفظ مما ينبغي ألا يعزب عن البال، فهو مهمة الهدم والبناء، والعمل الجماعي المؤدي إلى الغاية التي أدت إليها رسالة النبيين من قبل، غايته فتح الآذان الصم، والأعين العمي، والقلوب الغلف، على (دعوة الحق) التي تنقذ البشرية من ضلالها الحديث، كما أنقذتها بالأمس من ضلالها القديم. وإنها مقدسة: وليس المراد بهذا الوصف معناه الخيالي الذي يبتذله به الحالمون، وإنما المراد به الإكبار من شأن هذه الرسالة، ذات المسؤولية العظمى، التي لا يتحملها إلا أبطال الكفاح من أجل القيم الإنسانية العليا، فهم المجاهدون الذين يزرى مداد أقلامهم بدم الشهداء». تكلم هي رسالة الأدب كما يؤمن بها المؤلف.. رسالة هادفة تتخذ الواقع العربي بمختلف مقوماته نقطة الانطلاق، فإذا بالأدب صرخة، وإذا به دفقة نحو الحق، والخير، والجمال.. لا كما يتخيله أصحاب نظرية «الفن للفن» فرقعة فارغة، مقفلة على نفسها لا ترى النور، أو رياضة لفظية لا وظيفة لها سوى المتعة الذهنية وإزجاء الفراغ " أما في الميدان الديني فقد أفحم عالمنا الجليل ، علماء الدين في المشرق خصوصا في الباب الأكثر حساسية في العلوم الشرعية الا وهو باب الفتوة فيقول في شرح الشمقمقية لابن الونان (شاعر مغربي على عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي)(مصر 1934). " كانت الفتوى قبل اليوم تدور في فلك المذهب وقواعده وتعتمد أقوال علمائه، وحاملي رايته، لا تكاد تخرج عن ذلك نادرا حينما يكون الدليل الشرعي واضحا وبمتناول الجميع، أما اليوم وبعد أن نشرت كتب السنة وشروحها، وكتب الخلاف العالي، والمذاهب الفقهية المتعددة، وأصبحت متداولة بين أيدي الناس، واطلع الفقهاء وطلبة العلم على ما بها من أدلة ومدارك تخالف ما كانوا يعهدونه، ويتمسكون به في بعض المسائل، فإن المفتي الآن صار مطالبا بتخريج المسألة على مقتضى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة، وما في حكمهما، ومقارنة المذاهب وأقوال الأئمة والترجيح بينها." [من مقدمته لفتاوى محمد كنوني المذكوري.] – السيرة الذاتية والعلمية لعبد الله كنون... العلامة الطرازي الذي أعاد الاعتبار للفكر والأدب المغربي : في هذا البورتريه، نتابع بعضا من سيرة حياة علامة المغرب، عبد الله كنون . اسم "كُنون" ليس بغريب عن أسماعنا في المغرب، هذه العائلة الفاسية العريقة وهب الكثير من أفرادها حياتهم للعلم والمعرفة... عبد الله كنون واحد من بينهم. يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، وإلى نهاية حياته، ألف ما يناهز المائة كتاب، غايته في ذلك، إعادة الألق للأدب والفكر والتاريخ المغربي، بعدما ذاع الانتقاص منه في المغرب مقارنة مع المشرق. في هذا البورتريه، بعض من سيرة حياة علامة المغرب، عبد الله كنون! ولد عبد الله كُنون في ال16 من شتنبر 1908، بمدينة فاس لعائلة عريقة اسمها كنون، وفي بيت علم، اشتهر آله بتفقههم في مجالات الأدب والسياسة والدين، وليس ذلك بغريب عن عائلة تسكن هذه المدينة، عاصمة المغرب العلمية، وموطن أقدم جامعة في العالم، جامعة القرويين. بفضل الحرب العالمية الأولى، ظل كنون بالمغرب بعدما كانت عائلته قد قررت إلى الشام، فاستقربطنجة وأخذ يتعلم حتى صار مع دخوله عقده الرابع، اسما أشهر من نار على علم. صادف مولد عبد الله إرهاصات استعمارية ستنتهي بتوقيع معاهدة الحماية عام 1912. معاهدة كلفت المدينة، كما المغرب بشتى أرجائه، جوا مريبا، العيش فيه خانق. نتيجة لذلك، ستقرر عائلة كنون شد الرحال إلى بلاد الشام. للمضي في ذلك، سافرت العائلة إلى مدينة طنجة عام 1914، بغية الهجرة إلى الشام عبر البحر الأبيض المتوسط. لكن القدر كان له رأي آخر، ففي ذات العام، ستندلع الحرب العالمية الأولى. تمهلت العائلة في سفرها، وظلت بطنجة إلى حين، لكن الحرب طالت... تمتد الحرب زمنيا وتستطيب العائلة مقامها في المدينة، حتى قررت أن تبقى فيها كمستقر نهائي. وقد كان عبد الله كنون قد أطفأ شمعته السادسة، وصار في سن التعلم، فأخذ ينهل العلم عن والده، عبد الصمد كنون. يَحكي عبد الله كُنون عن هذه الفترة في مذكراته فيقول: "كانت سني ست سنوات حين انتقلت مع والدي رحمه الله إلى طنجة؛ وكان ينوي هو وعمي العلامة المرحوم محمد الهجرة إلى الشام، ولكن إعلان الحرب العظمى الأولى حال دون ذلك. وقد نشأت بطنجة حيث حفظت القرآن الكريم، وزاولت قراءة العلم على مشايخ عدة، وأكثرهم والدي الشيخ عبد الصمد. وكان مجال دراستي ينحصر في علوم العربية والفقه والحديث والتفسير، وأما الأدب فقد تعاطيته هواية". يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، يتمكن عبد الله كنون من الأحاديث النبوية والمتون القديمة والدروس النحوية، إلى أن أصبح ضليعا في اللغة، عالما في الشريعة. وما أن ابتدأ العقد الثالث من عمره، حتى غدا اسمه أشهر من نار على علم. بفضل كتاباته في الصحف الوطنية والعربية، بإسهامه في النقاش الفكري والثقافي الذي يتناول قضايا المجتمع، وبفضل غزير علمه ووافر معرفته في الأدب والتاريخ، وإجادته للغتين الفرنسية والإسبانية، حظي اسم عبد الله كنون بانتشار واسع في المغرب كما في المشرق. اقرأ أيضا: "خناثة بنونة وآمنة اللوه: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 1\3" قامة علمية قل نظيرها منذ سن العشرين، بدأ عبد الله كنون يمارس مهنة التدريس، إيمانا منه بأن الاستعمار تقتضي مقاومته تكوين جيل متعلم، واع بحقوقه، ويدافع عن وطنه. هكذا، سنة 1936 سيذهب إلى أبعد من ذلك، بتأسيس مدرسة خاصة حملت اسمه. لم يواجه كنون في ذلك كثير صعوبات، ذلك أن طنجة كانت خاضعة لإدارة دولية وقتذاك. كتاب عبد الله كنون، "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، يعد أبرز ما ألفه، وفيه جاءت الفكرة الأساسية لمشروعه الفكري الذي وهب له حياته، أي إعادة الألق للفكر والأدب المغربي. إلى جانب ذلك، وطيلة سنوات عمره المديدة، شغل كُنون مناصب عدة، فكان مديرا للمعهد الخليفي، ثم أستاذا بالمعهد الديني العالي بتطوان وعمل على إنشاء المعهد الديني بطنجة الذي كان مديرا له، ثم وزيرا للعدل عام 1954 في الحكومة الخليفية، ومحافظا على مدينة طنجة عام 1957، وعضوا في المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي بالرباطوتطوان، ومديرا لمعهد مولاي الحسن للأبحاث، وعضوا في لجنة الأبحاث العلمية المشتركة بالرباط. بجانب ذلك أيضا، أصدر عبد الله كنون مجلة دينية شهرية تحمل اسم "لسان الدين"، وأسهم في تأسيس وإدارة عدد من الصحف الأخرى، كعمله مديرا لجريدة "الميثاق"، ومساهمته في تحرير مجلة "الإحياء". طيلة حياته، وهب كُنون جل وقته للتأليف، حتى جاوزت مؤلفاته المائة حسب بعض الباحثين، فكتب في مجالات عدة، تنوعت بين الفكر والأدب والثقافة والسياسة، رام من خلالها أساسا الدفاع عن الإسلام من جهة، وإبراز الأدب والفكر الذي عرفه المغرب من جهة أخرى. "إسلام رائد"، "مفاهيم إسلامية"، "على درب الإسلام"، شرح مقصورة المكودي"، "ذكريات مشاهير رجال المغرب"، "أمراؤنا الشعراء"، "واحة الفكر"، "مدخل في تاريخ المغرب"، "أحاديث عن الأدب المغربي الحديث"، "رسائل سعدية"، "مناهل في أخبار الملوك الشرفا"، "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، كل هذه المؤلفات غيض من فيض كثير، أسهم به عبد الله كنون في إغناء الخزانة المغربية. بفضل إسهاماته الفكرية والثقافية، حظي كُنون بعضوية هيئات عربية وإسلامية عديدة، منها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورابطة علماء المغرب، وهيأة القدس العلمية، ومجمع اللغة الأردني، والمجمع العلمي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي. اقرأ أيضا: "حوار الحضارات من خلال أدب الرحلات 1\2" النبوغ المغربي يظل كتاب "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، أبرز ما ألفه عبد الله كنون. كما يمكن القول إن ما جاء فيه، يعد الفكرة الأساسية لمشروعه الفكري الذي وهب له حياته، أي إعادة الألق للفكر والأدب المغربي. جاء في مقدمة الكتاب: "كثر عتب الأدباء في المغرب على إخوانهم في المشرق لتجاهلهم إياهم، وإنكار كثير منهم لكثير من مزاياهم. ولكن أعظم اللوم مردود على أولئك. ضيعوا أنفسهم وأهملوا ماضيهم وحاضرهم حتى أوقعوا الغير في الجهل بهم والتقول عليهم". "يكفى عبد الله كنون فخرا، لو أنه لم يكتب سوى النبوغ المغربي"، هذا ما يقر به المهتمون بسيرة حياته، وليس بخفي على أحد، أنه منذ زمن طويل، تعرف العلاقة بين المغرب والمشرق نوعا من الغموض، وكثيرا من النفور؛ فكل يهيم في واد، لا يعرف عن الآخر إلا النزر اليسير. قبيل وفاته، أهدى مكتبته إلى طنجة التي عهد فيها إلى لجنة بتأسيس مكتبة عمومية بالمدينة تحمل اسمه وتضم كتبه إلى اليوم. حاول عبد الله كنون في كتابه، الرد على التنقيص الذي يقول المغاربة إن المشارقة يواجهونهم به، ومرة أخرى نقرأ في مقدمته: "لما بحثت ونقبت، وجدت كنوزا عظيمة من أدب لا يقصر في مادته عن أدب أي قطر من الأقطار العربية الأخرى، ووجدت شخصيات علمية وأدبية لها في مجال الإنتاج والتفكير مقام رفيع، ولكن الإهمال قد عفا على ذلك كله...، فاحتاج إلى من يبعثه". هكذا، تضمن الكتاب كل ما تعلق بالعلم والأدب والتاريخ المغربي، في قالب أدبي متين. تلقى عبد الله كنون على إثر صدوره دكتوراه فخرية من جامعة مدريد عام 1939، بينما واجهه المستعمر الفرنسي بالمنع، إذ كان يحاول طمس الذاكرة المغربية، حسب بعض الباحثين. من جهة أخرى، حظي الكتاب باستقبال طيب في المشرق، حتى أن أمير البيان شكيب أرسلان، نشر تقييما للكتاب في جريدة "الوحدة المغربية" التي كانت تصدر بتطوان حينذاك، وقال إن المؤلِّف جمع في كتابه بين كل من العلم والأدب والسياسية، كما ثمن براعة عبد الله كنون في تصوير الحياة الفكرية المغربية. لم يكن عبد الله كنون ليسمح بضياع حياته، فحياته كانت الكتب. هكذا، وقبل خمس سنوات من رحيله، إذ بدأ يرهق المرض جسده، قرر إهداء مكتبته إلى مدينة طنجة، فأسست لجنة عهد إليها بتأسيس مكتبة عمومية لا زالت تحمل اسمه إلى اليوم؛ وذلك ما كان، قبل أن يفارق علامة المغرب الحياةَ، يوم 9 يوليوز 1989 بذات المدينة، مسطرا بذلك نهاية رجل أعطى للمغرب الكثير. – الأديب عبد الله كنون قراءة منهجية في كتاب النبوغ المغربي كلمة عن المنهج: لاشك أن أي بحث في أي مجال من المجالات المعرفية نجاحه وثمرته موقوفة على الخطوات المنهجية المتبعة في انجازه وجدير بالباحث في الأدب العربي أن يرسم لنفسه منهجا رصينا يتبعه أثناء بحثه لأنه كما يقولون اللامنهج هو عين الفوضى والتزاما بهذه القاعدة التأسيسية فإننا سوف نتناول عرضنا هذا- المتواضع- على الشكل الآتي: أولا: اعتمدنا في هذا البحث عل مصادر مشهورة ومعلومة كمقدمة ابن خلدون الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى لمحمد بن تاويت التطواني والنبوغ المغربي في الأدب العربي لعبد الله كنون وغيرهم بالإضافة إلى مواقع على الانترنت كموقع الرابطة خصوصا أثناء تعرضنا لسيرة عبد الله كنون وذكر مؤلفاته. ثانيا: من حيث البناء الشكلي للعرض فهو يتشكل من: – تقديم عام وفيه كلمة عن الأدب العربي عموما والمغربي خصوصا. -عبد الله كنون نشأته، دراسته، مؤلفاته. – أسلوبه في كتاباته ( النبوغ المغربي نموذجا). – عبد الله كنون العالم الموسوعي (الشاعر الناقد الأديب...) وفي النهاية اختتمنا ببعض النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث المتواضع اسأل الله أن يوفقنا في ذلك كله انه على ذلك قدير . تقديم عام: إن الحديث عن الشيء مَدعاة إلى تحديده وتعريفه وهذا من قبيل البدهيات ولذلك استدعى الأمر منا قبل كل شيء ونحن بصدد دراسة شخصية الأديب عبد الله كنون أن نقف وقفة قصيرة مع تعريف الأدب. فكلمة الأدب في اللغة العربية لها مدلولات عديدة تطورت بتطور الحياة العربية من الجاهلية حتى أيامنا هذه عبر العصور الأدبية المتعاقبة، فقد كانت كلمة "أدب" في الجاهلية تعني:الدعوة إلى الطعام. وفي العصر الإسلامي استعمل"أدب" بمعنى جديد:هو التهذيب والتربية. أما في العصر الأموي، اكتسبت كلمة "أدب"معنى تعليميا يتصل بدراسة التاريخ، والفقه، والقرآن الكريم،والحديث الشريف. وصارت كلمة أدب تعني تعلم المأثور من الشعر والنثر. وفي العصر العباسي .نجد المعنيين المتقدمين وهما: التهذيب والتعليم يتقابلان في استخدام الناس لهما . وهكذا بدأ مفهوم كلمة الأدب يتسع ليشمل سائر صفوف المعرفة وألوانها ولا سيما علوم البلاغة واللغة أما اليوم فتطلق كلمة "الأدب" على الكلام الإنشائي البليغ الجميل الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين. وقد عرف ابن خلدون الأدب في مقدمته فقال :"الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف يريدون من علوم اللسان أو العلوم الشرعية من حيث متونها فقط، وهي القرآن والحديث"[1]. فمن كون الأدب في الجاهلية دعوة الناس إلى الولائم أو المأدبات إلى تراث معرفي ضخم معبر عن حضارة أمة ورقيها بين المجتمعات الإنسانية. وإذا كان الأدب المغربي آخر ما تنفست به العربية في أقطارها المفتوحة كما قال محمد بن تاويت فإن هذا التأخر كان تأخر يمن وبركة، غير أن هناك من يصف الأدب المغربي القديم بأنه أدب مغمور، وذلك لأن الدراسات التي عنيت بالبحث فيه قليلة، فقد يرجع السبب في قلتها إلى ندرة مصادره الموجودة بحوزة الدارسين، و قد يكون غيرها، موجودا إلا أنه لم يكتب له الظهور إلى اليوم، وينتظر من يزيل عنه الغبار و يكشف عنه النقاب ،كما يصفه بعض الدارسين بالضعف الفني في معظمه ويلحقه بعضهم بالأدب الأندلسي، فيما يرى البعض الآخر أنه لا وجود لما يسمى بالأدب المغربي أصلا وهذا الزعم نستبعده تماما. ونحن عندما نراجع صفحات تاريخ الأدب المغربي في بدايته نجد فعلا أن ظهور الأدب في المغرب عرف تأخرا وذلك لأسباب جغرافية وحضارية واجتماعية وسياسية عملت فيها الحروب والفتن دورا كبيرا وأكثر من ذلك فتوحات الأندلس التي تسرب بها العنصر العربي من البلاد[2].مع هذا كله وان قدر للأدب المغربي أن يتأخر ظهوره فهذا لا يعني عدم وجوده فالاستقرار الذي عرفته الدولة المغربية في بدايتها مهد لظهور هذا الأدب حيث ظهرت مراكز إشعاع في هذا العهد مثل فاس وسجلماسة والنكور وطنجة فأنتجت هذه المدن رجال علم وأدب ومن بينهم الجراوي المليلي والشاعر إبراهيم بن أيوب النكوري والشيخ محمد بن علي الأموي وعبد الله بن غالب الهمداني وابن حبوس وابن عمران الفاسي وغيرهم كثير[3]. أما في العصر الحديث فقد انبرى له عدد كبير من الأدباء ، والمؤلفين ، والدارسين فأنتجوا وأبدعوا، فضلا عن كتابة تاريخ الأدب العربي في المغرب في كتب تتفاوت في أحجامها ومناهجها، فجاء بعضها في كتاب والبعض الآخر في مجلدات ومن بين هؤلاء الأدباء المختار السوسي ومحمد بن تاويت التطواني وعلال الفاسي والأستاذ عبد الله كنون هذا الأخير هو موضوع عرضنا والذي ستكون لنا معه وقفات إن شاء الله تعالى. المبحث الأول : بطاقة تعريفية: أولا: ولادته ونشأته: هو الأستاذ أبو عبد الله محمد بن المدني بن علي بن عبد الله كنون. بفتح الكاف المعقودة وتشديد النون المضمومة. اسم بربري معناه القمر. ولد عبد الله كنون في الثلاثين من شهر شعبان عام ستة وعشرين وثلاثمائة وألف، الموافق للسابع والعشرين من شتنبر عام ثمانية وتسعمائة وألف 1326ه /1908م بمدينة فاس ثم انتقل منها إلى مدينة طنجة قصد الهجرة التي حالت بينه وبينها نشوب الحرب فنشأ فيها في بيت علم وصلاح. وقد ظهر شغفة بالعلم منذ الصغر، واعتنى به والده ورباه تربية إسلامية لا يشوبها تقليد فحفظ القرآن الكريم وأكب مبكرا على كتب الأدب ودواوين الشعر. نظم الشعر وهو في الرابعة عشرة من عمره. وقد نشأ الأستاذ عبد الله كنون متشبعا بقيم النضال وروح الانتماء إلى الوطن والغيرة عليه فكان من ألمع جيل الرواد الذين بنوا النهضة وناضلوا من أجل الاستقلال بالفكر والعلم والقلم، وتميز منذ وقت مبكر من حياته، بالنبوغ والتفتح والقدرة على مسايرة الركب الحضاري والثقافي الذي قدر أن تبدأ انطلاقته من المشرق العربي، ولكنه لم يكتف بالمسايرة، بل قادته مواهبه ومؤهلاته وشخصيته إلى السبق، وإلى التفرد، وإلى التميز عن أقرانه وخلانه، فكان مثالا نادرا للعصامية، وكان نسيجا وحده حقا وصدقا، فهو أمين عام رابطة علماء المغرب الذي لم يدرس بجامعة القرويين، ولا في كلية ابن يوسف، ولا تخرج من مدرسة أو معهد أو جامعة، وهو الكاتب والمؤرخ الصحافي والشاعر، وعضو العديد من المجامع العلمية واللغوية والإسلامية، الذي لم يكن يحمل مؤهلا جامعيا، وهو مؤسس النهضة التعليمية في طنجة، وباعث الروح العربية والإسلامية في أبنائها، ومنشئ أول مدرسة حرة بها، ومربي الأجيال، الذي لم يكن قد دخل مدرسة لتلقي العلم في أية مرحلة من مراحل حياته الحافلة بالعمل والعطاء والإنجازات التي تتضاءل أمامها أعمال بعض كبار حملة الإجازات والمؤهلات العليا. وهذا الجانب في حياة الأستاذ كنون هو موضع الاعتبار والتقدير، وهو الميزة التي تشرفه وتعلي من قدره وتبوئه أرفع الدرجات بين العلماء، وأسمى المنازل بين الكتاب والشعراء والمؤرخين والأدباء. ثانيا دراسته: فباستقرار شئون العائلة في طنجة بدأ "عبد الله" يأخذ العلم عن والده العالم "عبد الصمد كنون"؛ ويتحدث هو ذاته عن هذه الفترة في مذكراته قائلاً: "... حفظت القرآن الكريم، وزاولت قراءة العلم على مشايخ عدة... وكان مجال دراستي ينحصر في علوم العربية والفقه والحديث والتفسير، وأما الأدب فقد كان تعاطيه هواية". كما حفظ كنون الأحاديث النبوية والمتون القديمة، وشروحات النصوص اللغوية والنحوية وحواشيها الثانوية؛ فغدا، في فترة وجيزة، عالمًا بالشريعة وأركانها، وباللغة وأسرارها، ولم يبلغ بعد عقده الثاني. وما أن انتصف عقد العشرينيات من عمره، حتى صار "عبد الله" ذا شهرة واسعة في المغرب والمشرق، وذلك بفضل كتاباته القيمة في صحف البلاد الإسلامي، وبفضل زياراته المتتابعة لتلك البلاد. وقد سمحت له كتاباته وزياراته تلك بالتعرف على عدد كبير من علماء المشرق وأدبائه وإعلامييه؛ ليخوض معهم نقاشات فكرية وثقافية تتناول واقع الأمة وأحوالها وسبل إخراجها من الأزمات الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية. كما اشتهر عبد الله كنون بالدقة في البحث العلمي، وبالصرامة في مجال رواية الوقائع التاريخية وتحليلها؛ إضافة إلى سعة معلوماته، وضبطه لفنون الأدب والتاريخ، وبجهده الخاص تعلم الإسبانية والفرنسية، فكان يقرأ بهما، ويتابع الجديد الذي يصدر بطنجة وهي يومئذ خاضعة للإدارة الاستعمارية الدولية، حتى صار من قادة الفكر والعلم والعمل الوطني لما انتظم في إطار الحركة الوطنية، من كتلة العمل الوطني في عام 1934، إلى الحزب الوطني في عام 1937 ولكنون مواقف مشرفة في هذه المجالات جميعا. توفي رحمه الله ليلة الأحد 9 يوليو 1989 ثالثا:مؤلفاته: خلف الأستاذ كنون أثرا واضحا في الدراسات الأدبية، وفي كتابة التراجم، وفي تحقيق المخطوطات، وفي إصدار الصحف والمجلات وإدارتها والإشراف عليها وتزويدها بالمادة المتنوعة الغنية، وفي العمل الأكاديمي والمجمعي، وفي الدعوة الإسلامية بالحكمة وبالعقل السديد وبالأناة والحلم وسعة الصدر واستنارة البصيرة. وهذه الانتاجات كالتالي[4]: -النبوغ المغربي في الأدب العربي، جزءان، تطوان، المطبعة المهدية، 1938، 255 + 438 ص. ط2، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1961. ط3، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1961. -شرح مقصورة المكودي، (القاهرة)، مطبعة مصطفى محمد، 1938، 96ص. – أمراؤنا الشعراء، تطوان، المطبعة المصرية، 1361ه. -مدخل إلى تاريخ المغرب، مطبعة الوحدة العربية، 1944. – واحة الفكر، تطوان، المطبعة المهدية، 1948، 195 ص. – تلقيب الوليد الصغير لعبد الحق الإشبيلي، تطوان، المطبعة المهدية، 1952. – شرح الشمقمقية، القاهرة، تطوان، دار الطباعة، 1954. – رسائل سعدية، تطوان، دار الطباعة المغربية، 1954. -ديوان ملك غرناطة يوسف الثالث، تطوان، مطبعة مولاي الحسن، 1958. -القدوة الزقاقية، مطبوعات معهد الأبحاث العليا المغربية، 1958. -أحاديث عن الأدب المغربي الحديث، القاهرة، دار الرائد للطباعة، 1964، 211ص. (ط2، البيضاء، دار الثقافة، 1978، ط3. -لوحات شعرية، تطوان، مطبعة كريماديس، 1976، 196 ص. -التعاشيب، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1979. – أزهار برية، تطوان، مطبعة كريماديس، 1976، 196 ص. – إسلام رائد، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1979. – كتاب الأربعين الطبية المستخرجة من سنن ابن ماجة وشرحها/ تأليف عبد اللطيف البغدادي، تحقيق عبد الله كنون، الرباط، مديرية الشؤون الإسلامية، 1979، 65 ص. – جولات في الفكر الإسلامي، تطوان، مطبعة ديسبريس، 1980، 154 ص. -تفسير سور المفصل من القرآن الكريم، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1981، 429 ص. -فضيحة المبشرين في احتجابهم بالقرآن المبين، مكة، مطبعة رابطة العالم الإسلامي، 1982. -إيقاعات الهموم: شعر، طنجة، مطبعة سوريا، 1401 ه ، 128 ص. -على درب الإسلام، ط2 الدار البيضاء، دار الثقافة، 1983. -الإسلام أهدى، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1984، 153ص. -مفاهيم إسلامية، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1985، 150ص. – أشداء وأنداء، طنجة، مطبعة البوغاز، 1986، 202 ص. -أدب الفقهاء، الدار البيضاء: دار الثقافة، 1988. 214 ص. -الإمام إدريس مؤسس الدولة المغربية /ع. الفاسي، عبد الله كنون، عبد الهادي التازي ومحمد المنوني، الرباط، الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي، 1988، 75 ص. (سلسلة في سبيل الوعي الإسلامي). بالإضافة إلى هذه الأعمال، لعبد الله كنون أيضا: -المنتخب من شعر ابن زاكور، العرائش، مطبعة الفنون المصورة. -مجلة لقمان، تطوان، مطبعة المهدية، (د.ت)، 81ص. -خل وبقل، تطوان، مطبعة المهدية، (د.ت)، 279 ص . -تحركات إسلامية، الدار البيضاء، (د.ت). -شؤون إسلامية ، دار الطباعة الحديثة (د.ت). -منطلقات إسلامية، طنجة، مطبعة سوريا، (د.ت). -العصف والريحان، تطوان، مطبعة كريماديس. -سلسلة ذكريات مشاهير رجال المغرب، بيروت، دار الكتاب اللبناني. -مورد الشاعرين. – محاذي الزقاقية. -من أدبنا الشعبي. كما أن له مجموعة من القصائد الشعرية الرائعة وسيأتي ذكرها فيما بعد. ولا تزال كتب كنون مراجع هامة تطلب في الجامعات، وتدرس، وتدور حولها الرسائل والأطروحات، ولا تزال جوانب عديدة من حياته في حاجة إلى البحث والدراسة وتسليط الأضواء، فهو شخصية متعددة المعطاءات، غزيرة الإنتاج، وجديرة بكل عناية واهتمام . المبحث الثاني: أسلوبه في كتاباته ( النبوغ المغربي نموذجا) لا شك أن الأستاذ عبد الله كنون يعد من ابرز الأدباء المغاربة في العصر الحديث وله سبق في العديد من القضايا الأدبية التي عالجها في كتاباته والتي أحدثت ثورة أدبية في المغرب بل وفي العالم العربي ولعل السر في ذلك راجع إلى أسلوبه الرصين في المادة الأدبية وذلك في جميع كتاباته ولكننا سنقف مع كتاب" النبوغ المغربي في الأدب العربي" مستقرئين في ذلك أسلوبه ومنهجه ومبينين أهم ما تضمنه من الحقائق التاريخية الأدبية والنظريات المعرفية . أولا: أسباب تأليف النبوغ المغربي وأهميته: في مستهل الكتاب أفصح الكاتب عن الدواعي التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب قائلا : "مقصودي الأهم هو بيان اللبنة التي وضعها المغرب في صرح الأدب العربي الذي تعاونت على بنائه أقطار العروبة كلها وذكرِ الأدباء المغاربة الذين لم يقصروا عن إخوانهم من المشارفة وبقية أقطار المغرب العربي في العمل على ازدهار الأدبيات العربية "[5]. وهذا يعني أن الكاتب أراد أن يعيد رسم خريطة للأدب العربي وان يثبت للأدب المغربي موقعا في هذه الخريطة لان المؤرخين أثبتوا التاريخ السياسي للمغرب وبالمقابل أهملوا التاريخ الأدبي حتى ضاع جلُّ التراث المغربي وطواه النسيان، فهو إذن رد اعتبار للأدب المغربي وإنصافه من جور المؤرخين. وهو أسلوب في أصله يشد القارئ إلى متابعة قراءة الكتاب. والإفصاح عن الغاية من الكتابة في موضوع معين خاصة إذا كان في صدر الكتاب هو بمثابة مفتاح الخريطة التي لا يمكن فهمها إلا به. كما أشار المؤلف إلى انه جمع في كتابه بين العلم والأدب والتاريخ والسياسة والى تصوير الحياة الفكرية في المغرب من لدن قدوم الفاتح الأول إلى يوم الناس وهذا يعطي الكتاب أهمية بالغة خصوصا فيما يتعلق بمزجه بين الحياة الفكرية والسياسية لان ظروف تأليف الكتاب كما هو معلوم كانت في عهد الاستعمار وهذا الطابع هو الذي جعل العديد من المفكرين والمبدعين المشارقة يتلقونه بترحيب كبير فنجد الأمير شكيب أرسلان الذي قال: "إن من لم يقرأه فليس على طائل من تاريخ المغرب العلمي والأدبي والسياسي"[6] . كما صرح بذلك الأستاذ حنا فاخوري في مقدمة الجزء الأول قائلا: "إن النبوغ المغربي في الأدب العربي كنز من كنوز العلم، ومصدر من أوثق مصادره، وموسوعة مغربية لا يقدرها حق قدرها إلا من لمس النص في كتب الأدب" [7]. ثانيا:منهجه في الكتاب : يمكن عموما ملاحظة نوع من المزاوجة بين المناهج القديمة الموروثة، والمناهج العلمية المستحدثة. وهكذا فهو في الوقت الذي يحافظ فيه على طرق الأقدمين في التقويم والنقد، المعتمدين على اللغة والبلاغة، يزاوج ذلك بالاستفادة من مناهج تاريخ الأدب في المغرب، والتي أخذها من منجزات المشارقة في هذا الميدان. فهو يراعي العوامل الخارجية المؤثرة في الأديب. كما يراعي التعاقب الزمني وتأثيره السببي السابق على اللاحق، مع تنظيم المادة وعدم الاستطراد، وطابع الشمول. وقد اعتمد عبد الله كنون في طرح مواد هذا الكتاب على طريقتين: – أولا: تصنيف تاريخي، حيث صنف النصوص حسب تسلسلها التاريخي. – ثانيا: اهتم بتصنيف فني، حيث قسم الأدباء إلى شعراء وكتاب. وقسم أدب كل منهم إلى أغراضه الفنية، والمناسبات التي قيل فيها أدبه، مبينا خصائصه. وقد اعتمد أسسا هي كالتالي: -1 ربط الأدب بعصره: لم يغفل بيئة الأدب وظروفه. ولهذا كان يتعرض للظروف السياسية، والاجتماعية التي أنتجت الأدب والأديب. محاولا الربط بينهما. ولهذا تميز منهجه باعتماده على نزعة تاريخية تربط الأدب بتطور التاريخ. -2 الحكم الفني: لم يقف عند حدود التصنيف، بل كثيرا ما يلجأ إلى الحكم على النصوص حكما فنيا ونقديا. وكانت تعتمد على أسس النقد العربي القديم. -3 النزعة النقدية: النزعة الطاغية في نقده هي: النزعة الوصفية. فهو يكتفي بإيراد النصوص وترتيبها أكثر من الحكم عليها، وتقييمها. وهذا الكتاب يتألف من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يؤرخ للحياة السياسية، والأدبية والفكرية منذ الفتح الإسلامي للمغرب إلى أواسط القرن الثالث عشر للهجرة. وهو يتكون من 1054 صفحة. وأول ما يفتتح به هذا الجزء ، هو مقدمة الطبعة الثالثة، والتي تحتوي على كلمة طه حسين حول مضمون الكتاب ومحتواه. ثم نجد مقدمة الطبعة الثانية، وهي بقلم الأستاذ المرحوم عبد الله كنون ، ويليها عرض وتحليل بقلم شكيب أرسلان. ثم تقريظ بقلم محمد بن اليمني الناصري، يمدح فيه الكتاب وصاحبه. ثم بعد ذلك نجد مقدمة الطبعة الأولى وهي بقلم المؤلف. بعد هذه المقدمات كلها، نجده يقسم هذا الجزء إلى مجموعة من العصور : العصر الأول: عصر الفتوح وقسمه إلى خمسة فصول: الفصل الأول عنوانه الفاتحون الحقيقيون، سرد لنا فيه مراحل فتح المغرب على يد عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير ثم طارق بن زياد، وناقش قضية دخول المغاربة في الإسلام وما شابها من إشكاليات، وبدخول الإسلام إلى المغرب ستلج معه ثقافات أخرى ستؤدي إلى حتمية بديهية هي استعراب المغاربة، وكان حسان بن النعمان الغساني من الممهدين لها -الثقافة العربية- بإرسال فقهاء وعلماء يعلّمون الناس وكذلك فعل موسى بن نصير. العصر الثاني: عصر المرابطين تناول فيه ستة أبواب؛ بدأه بسياسة المرابطين القائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيرًا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فالدولة ذات توجه إصلاحي على اعتبار أنها دولة الفقهاء، كان عبد الله بن ياسين قائدَ هذه الحملة الإصلاحية الذي قام بإعداد المرابطين لتولي الحكم بعد أن كانوا غارقين في المذهبية والطائفية. فجاء حكم يوسف بن تاشفين الذي وحد العدُوّتين المغرب والأندلس إبان حكمه وعالج عدة إشكاليات وتعلقت به أنظار الناس. قام عبد الله كنون في هذا الجزء بدحض التهم الموجهة إلى حكم المرابطين بالدليل؛ فأثبت أنه في حكم المرابطين برغم اعتناء الدولة بالفقه إلا أنها لم تعترض سبيل العلوم الأخرى، كما أورد قصة إحراق كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، ولم يغادر هذا العصر قبل أن يعرج على قصة المعتمد بن عباد مع ابن تاشفين ولم يلتمس للمعتمد أي عذر لكثرة بكائه أو ما ادعاه. ذيل لنا هذا العصر بذكر تراجم علماء وفقهاء وقضاة وأدباء، والملاحظ أن هؤلاء العلماء كانوا شاملين لمختلف العلوم تمامًا مثل علماء الشرق والأندلس، لا يقتصرون على علم واحد مثل ابن مرانة الذي كان على علم بالحساب والفرائض والهندسة. كما ظهرت في هذا العصر عدةُ علوم من نحو وصرف وشعر وكتابة، وكان أمراء المرابطين أسبقَ الناس طلبًا للعلم والتحصيل، بل حتى النساء منهم شغفن بالأدب والشعر مثل تميمة بنت يوسف بن تاشفين، وزينب بنت إبراهيم. ولا أدلَّ على عناية المرابطين بالعلم من عنايتهم بإنشاء المراكز العلمية مثل الاهتمام بجامع القرويين وإنشاء جامع ابن يوسف ومدرسة الصابرين بفاس. العصر الثالث: عصر الموحدين، ويسير على نفس النهج، بدأ بذكر دعوة ابن تومرت الإصلاحية الذي حمل عدة صفات تؤهله إلى ذلك فلم يطمع في الحكم، لذلك وجدت دعوته آذانًا صاغية بايعته على الموت، حتى تمكن منه المرابطون وقتلوه، وخلفه عبد المؤمن بن علي، فقامت دولةُ الموحدين شامخة في مرَّاكُش. ثم أتى على ذكر الحركة العلمية والأدبية في هذا العصر التي كانت امتدادًا لعصر شهد حرية أكبر فأقبل الناس على العلم والتحصيل، واستمر المذهب المالكي حتى مجيء يعقوب المنصور فأحرق مدونة سحنون ونوادر ابن أبي زيد القيرواني والمختصر والتذهيب للبرادعي، وتوسعت العلوم في العصر الموحدي في الحديث والفقه والتصوف والفلسفة وكذلك علم الكلام الذي كان محظورًا في الحكم السابق، أما العلوم الأدبية لهذا العصر فقد ظهرت عدة آراء نحوية وعدة مدارس منها مدرسة فاس وسبتة ومدرسة طنجة، وظهرت عدة منظومات نحوية كالألفية النحوية لابن مُعْط، والمقدمة الجُزُولية لابن موسى الجُزُولي، وظهر علماء يحفظون حُوشِيَّ اللغة، هذا في ميدان النحو، أما في علم العروض فقد لمع ضياء الدين الخزرجى صاحب القصيدة الخزرجية وأبو الجيش الأنصاري، ثم تشجيع الموشحات والأزجال إذ انقطع إلى أمرائها عدد من الوشاحين يمتدحونهم. ونشأت مدرسة جديدة للزجل عرفت باسم عروض البلد وتطورت أهم الأغراض كالحماسة والحرب والمدح والوصف والوصايا والحكم. أما في السير والتاريخ فقد وضع في هذا العصر كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي، كما ألف كتاب الدر المنظوم في مولد النبي المعظم للعلامة أبي العباس أحمد ....الخ ثم اختتم بذكر علوم الحكمة التي راجت في هذا العصر بتراجمهم وآثارهم ومنجزاتهم. عصر بني مرين: برغم قوة الموحدين وعظم شانها إلا أنها انهارت أسوة بغيرها وآل الأمر إلى بني مرين، فشأن هذه الدولة كسابقاتها أتت من الصحراء طمعا في الحكم وكانت عواملُ قيامها كسائر الدول الأخرى، واعتمادها على المهارة وحسن التدبير. لكنهم أبانوا عن بسالة في الحرب والجهاد، فهم عرب أصليون عادوا إلى إقرار المذهب المالكي وضمت مجالسهم سائر العلماء والأدباء والفصحاء، فأظهروا العناية بالعلم، وتشهد خزانة القرويين التي أنشأها السلطان أبو عنان على ذلك. على غرار العصرين السابقين بعد الحديث عن ظروف الحكم والسياسة ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الحركة العلمية التي شابها بعضُ الفتور في مرحلة الانقلاب، لكنها ما فتئت أن عادت تحظى بعناية الدولة وسياستها. بل إن من رجال الدولة وأعيانها من كان يجلس إلى طلب العلم ومنهم الأدباء والعلماء ومنهم من كان يناظر الفقهاء. العلوم الدينية في هذا العصر توسعت توسعًا كبيرًا؛ فكثرت أصوات الفقهاء، وكثرت مؤلفات الفروع، خاصة بعد مرحلة التضييق في المراحل السابقة ثم سمو مرتبة المشتغلين في الفقه. أما من الناحية الأدبية فقد وصلت إلى أعلى مراتبها، إذن فدولة بني مرين عربية صرفة تشجع كل من يعمل على رقي العربية، هذا ما يفسر كثرة النحويين في هذا العصر مثل ابن آجروم وابن المجراد وابن هانئ وابن المراحل والمكودي، وألف اللخمي كتابًا فيما تلحن فيه العامة. العصر السعدي: و يشتمل على: – سياسة الدولة. – الحركة العلمية. – الهيئة العلمية وأثارها. – أسماء الكتب المؤلفة في هذا العصر. – الحياة الأدبية. – تراجم لرجالات هذا العصر. أما عصر العلويين. فعناوين هذا الباب هي: – مع الدولة العلوية. – الحركة العلمية. – الهيئة العلمية و آثارها. – أسماء الكتب المؤلفة في هذا العهد المؤرخ. – الحياة الأدبية تراجم لرجالات هذا العصر. وبعد البحث الطويل والدقيق الذي يقدمه لنا عبد الله كنون، نقف على مصادر الكتاب التي قسمها إلى مصادر عامة، ومصادر خاصة، ومصادر أجنبية. ثم فهرس الجزء الأول. أما الجزء الثاني: فقد جمع فيه المنتخبات الأدبية ( قسم المنثور). وجاءت فاتحة هذا الجزء برسالة كارل بروكلمان إلى الشيخ العلامة كنون في 7 رجب 1361ه. وخصص هذا القسم للحديث عن: التحميد والصلاة: وأولى النصوص التي ذكرها في هذا الجزء فهو نص للقاضي عياض السبتي جمع فيه بين توحيد الله عز وجل والصلاة على النبي، وتسبيح المهدي بن تومرت والصلاة لعبد السلام بن مشيش المعروفة بالصلاة المشيشية، والحزب الكبير لأبي الحسن الشاذلي وهو عبارة عن أذكار وأدعية ذات نفَس صوفي ونزعة فلسفية لأبي الحسن الشاذلي إلى غير ذلك من النصوص ذات الطابع الروحي والابتهالي. الخطب : ويستهلها بذكر خطبة طارق بن زياد، ثم خطبة إدريس الأزهر التي قالها إثر مبايعته وهو ابن إحدى عشرة سنة، وخطبة للقاضي عياض، وعبد الله بن ياسين ثم واصل بذكر عدة خطب لقادة الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، المناظرات: واستهلها بالمناظرات الدينية، كمناظرة أبي عمران الفاسي لفقهاء القيروان، وفي الأدب مناظرة مالك بن المرحل لابن أبي الربيع النحوي، وفي السياسة مناظرة المهدي بن تومرت لعلماء مراكش. الرسائل: وقسمه إلى ثلاثة أقسام: السلطانيات، الإخوانيات، المتفرقات. أما السلطانيات فقد تناول فيها العديد من رسائل السلاطين. وأما الإخوانيات فضمنها رسائل بعض العلماء إلى بعضهم، هذا على سبيل الاختصار. المقامات يذكر فيها من المقامات المغربية مقامة الافتخار لعبد المهيمن الحضري، والمقامة الزهرية، والمقامة الحسابية لبعض أدباء فاس. ثم يأتي على قسم المحاضرات فيفتتحه بمحاضرة إدريس الأزهر يحكيها داود بن القاسم بن عبد الله الذي شهد معه بعض غزواته للخوارج الصفرية من البربر ويروي لنا بعض طقوسه وشيمه في الحروب. ثم ختم هذا الجزء بالمقالات؛ وذكر فيها مقالات للقاضي عياض وابن بطوطة وغيرهم. وأما الجزء الثالث والأخير فقد: خصصه كذلك للمنتخبات الأدبية (قسم المنظوم ) وافتتحه بقلم الأستاذ حنا فاخوري الذي أثنى كثيرًا على قيمة النبوغ المغربي في صرح الأدب العربي وعلى عبقرية الشيخ العلامة الفذة، واعتبره من أوثق المصادر التي تناولت الأدب العربي من غير تحيز، وعده كنزًا ثمينًا من كنوز العلم، ومصدرًا من أوثق مصادره، وموسوعة مغربية لا يقدرها حق قدرها إلا من لمس النقص في كتب الأدب، ثم يتبع بمقدمة قصيرة للأستاذ عبد الله كنون يشرح فيها كيف انتهى من هذه النصوص، والمنهج الذي اتبعه في تبويبها حسب الأغراض الكلامية. وأول هذه الأغراض هو غرض الحماسة والفخر افتتحه بقطعة من أربعة أبيات للمولى إدريس الأكبر يخاطب فيها بهلول بن عبد الواحد ثم قطعة لعبد المؤمن بن علي يستنفر بني هلال، وأغلب هذه النصوص هي لحكام المغرب وعلية القوم من الأمراء. هذه القصائد مختلفة الحجم منها أبيات منفردة وأخرى مقطعات ومنها قصائد طويلة وقصيرة ومتوسطة، نجد مثلا ميمية مالك بن المرحل تتكون من 51 بيتًا على وزن الرجز التام، وملحمة الملزوزي البارعة في ذكر غزوات يعقوب المنصور وهي بائية على وزن الوافر تتكون من 139 بيتا تعتريه عدة زحافات وعلل. الغرض الثاني الغزل والتشوق والنسيب افتتحه بخمس أبيات لإدريس الثاني وقصائد أخرى لابن القابلة السبتي، وأخرى لأبي بكر بن عطاء السبتي، وقصيدة ابن الحسن بن العباس، كما ورد في الجزء أبيات للقاضي عياض وللسلطان أبي عنان المريني، ومالك بن المرحل...الخ. الغرض الثالث هو الوصف افتتحه بقصيدة لأبي الحسن بن زنباغ يصف الربيع: أبدت لنا الأيامُ زهرةَ طيبها وتسربلت بنضيرها وقشيبها واهتز عطفُ الأرض بعد خشوعها وبدت بها النعماءُ بعد شحوبها ونجد أيضًا وصفًا للناقة عند أبي العباس بن غازي السبتي، ونجد وصف الليل والنخيل ووصف المدن والصيد وحياة الصائد في البرية. الغرض الرابع يتضمن الأدب والوصايا والحكم، فمن أشعار الحكمة المغربية أبيات ليعلى أبي الجبل في الحث على السفر:[8] سافِر لتكسب في الأسفارِ فائدةً فرُب فائدةٍ تلقى مع السفرِ فلا تُقم في مكانٍ لا تُصيب به نُصحًا ولو كنت بين الظل والشجرِ فإن موسى كليم الله أعوزه علمٌ تكسبه في صحبة الخضرِ وقول القاضي عياض ضده:[9] تقعَّد عن الأسفار إن كنت طالبا نجاةً ففي الأسفار سبع عوائق تشوق إخوان وفقدُ أحبة وأعظمها يا صاح سكنى الفنادقِ وكثرة إيحاش وقلة مؤنس وتبذير أموال وخيفة سارقِ وللعلامة المكودي قصيدة في السيرة النبوية إضافة لقصيدة أبي حفص الفاسي على منوال لامية العجم على البحر البسيط، وقصيدة لأبي عبد الله الشرقي. الغرض الآخر هو المدح والتهنئة والاستعطاف؛ ضم هذا الجزء عدة قصائد للقاضي أبي الحسن بن زنباغ وابن حبوس في مدح عبد المؤمن وأخرى لابن العباس الجرَّاوي وابن هانئ السبتي مراجعًا لأبي القاسم الشريف عن شعر بعثه إليه من نفس الوزن والروي. إضافة إلى غرض آخر هو المدح والطرف والموشحات والزجل. المبحث الثالث: عبد الله كنون العالم الموسوعي ( الشاعر الناقد الأديب...) يعتبر عبد الله كنون موسوعة معرفية ضخمة وبحرا متلاطم الأمواج في أحشائه، ذلك أن الرجل جمع العلم من جميع أطرافه فهو المفكر والمؤرخ والأديب والقصاص وهو الناقد والشاعر والمفسر... عبد الله كنون شاعرا : إن الناظر إلى تراث الأستاذ عبد الله كنون يظن انه لا حظ له في الشعر وذلك لان معظم إنتاجاته إما نثرا أونقدا أو تأريخا ... والحقيقة أن الأستاذ كنون كان يأخذ من كل فن بطرف فله مجموعة من القصائد الشعرية الرائعة وهي ذات طابع وطني نضالي وهذا ما يؤكد أن الرجل كان متشبعا بقيم النضال والوطنية وروح الانتماء وان شاعريته كانت تنبع من قيمه النضالية .ومن هذه القصائد: قصيدة : سل عنك اللهم. وعربي حر. وهل أنا أديب. وهواجس الطبيعة. والحماسة العصرية.وغيرها... وفيما يلي بعض الأبيات من قصيدة سل عنك اللهم: سل عنك الهم إنا لا نبالي بالهموم نحن قوم برضانا تنجلي كل الهموم لا يشب الحزن منا جاحم الخطب الأليم لا نسيئ الأدب الوا جب للمولى العليم عجبا للعبد يرضى حكمَ ظَلاًّمِ غشوم عبد الله كنون ناقدا: تتجلي لك نزعته النقدية من خلال كتاباته الأدبية ففي النبوغ المغربي مثلا وقد رأينا ذلك سابقا : نجد انه لم يقف عند حدود التصنيف، بل كثيرا ما يلجأ إلى الحكم على النصوص حكما فنيا ونقديا. ونجده يتحدث عن الشعر المغربي واصفا إياه بالضعف ، وضعفه آت من عدة عوامل منها قلة الحصيلة اللغوية عند الشعراء ، ومنها عدم التمكن من قواعد الشعر ، يقول: "ولقد وجدت ذات مرة في قصيدة لأحد الشعراء الذين منحوا الجائزة الأولى تفعيلة زائدة في بيت من أبيات القصيدة . ومن الغريب أن هذه الزيادة المباركة مما يدل على أنه كما يكون النقاد يكون الشعراء"[10]. عبد الله كنون أديبا: وان كان عبد الله كنون أبدع في ميدان النقد والشعر فانه يبقى الأديب المحنك صاحب التعاشيب والأحاديث والنبوغ وخل وبقل والحق أن الأستاذ عبد الله كنون إذا نظرت إلى شعره تقول انه ليس له تخصص غير الشعر وإذا نظرت إلى نقده تقول إن الرجل ليس له تخصص غير النقد وهكذا فالرجل ذو باع طويل في مجال المعرفة عموما وهذا ما لا تجده يجتمع في شخص إلا نادرا. خاتمة برغم الإهمال والتهميش الذي تعرض له الأدبُ المغربي طول العصور الماضية، إلا أن العلامة عبد الله كنون بمبادرته الوطنية في تأليفاته وخصوصا كتاب النبوغ المغربي استطاع أن يلملم التراثَ المغربي الموزع في مظان الكتب واستخراج كنوزه وحفظها من الإهمال والضياع. بل يمكن أن نقول إن الفضل يعود له في إخراج الأدب المغربي إلى الوجود فهو صاحب نظرية الأدب المغربي لان ذلك لم يمن معروفا من قبل، وهو بذلك أثبت مكانة الأدب المغربي في صرح الأدب العربي كما كان يطمح رحمه الله، وأعلن هذا في مقدمة كتابه شاء من شاء وأبى من أبى، ويكفينا فخرًا الحفاوة التي حظي بها الكتاب في الأوساط الثقافية والأدبية، وتهافت العلماء على دراسته وقراءته، وهذا أكبر دليل على حاجة العالم إلى معرفة الأدب المغربي الصرف وذاكرته . – عبد الله كنون.. العلامة والأديب والسياسي والمجاهد الذي دافع عن نبوغ ومفاخر المغرب ،،، *استهلال : ولادة ونشأة عبد الله كَنون المسار العلمي العمل الوطني ضد الإستعمار المهمات والمسؤوليات الآثار العلمية للعلامة عبد الله كَنون عبد الله بن عبد الصمد كَنون الحسني، علامة وأديب مغربي، وهو من أبرز علماء المغرب وأدبائه خلال القرن العشرين، وساهم في فترة عصيبة من تاريخ المغرب، خلال فترة الإحتلال الفرنسي للمغرب، بشكل بارز في إثراء الحياة الثقافية والأدبية للبلد، وفي الكشف عن كنوز الأدب المغربي؛ مدفوعا بالرغبة في إبراز نبوغ المغاربة في مجالات الأدب العربي. وقد ساهمت تآليفه المتعددة في سد الفراغ الملاحظ على مستوى تدوين حياة أبرز رجالات المغرب في المجال العلمي والأدبي. وقد أحسن صنعا عندما شمر مبكرا على ساعديه ليدون حول أدباء وعلماء المغرب ورفع الحجاب عن مآثر المغاربة في هذا المجال ورفع التهميش والإهمال عنهم. وقد كان كتاب"النبوغ المغربي في الأدب العربي" باكورة أعماله في هذا الباب، دون أن ننسى تأليفه الآخر "ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة"، خاصة وأن المؤرخين وكتاب التراجم –كما أكد بنفسه- "لا يعيرون اهتماما لرجال اللم والأدب، ولا يعرِّجون على ما كان لهذا الوطن العزيز من صولة في عالم الفكر وميدان العرفان".[1] ولم يكن "كتاب النبوغ المغربي..." عملا بسيطا، بل كان حدثا وطنيا علميا وتاريخيا كبيرا، فهو كتاب لا يدافع عن النبوغ المغربي فقط، بل عن تاريخه وكيانه ووجوده أمام الهجمة الفرنسية، وهو ما تجلى في مسارعة سلطات الحماية الفرنسية إلى إصدار بلاغ عسكري لمنع تداول الكتاب ودخوله من تطوان -حيث طبع- إلى مناطق الحماية الفرنسية بالمغرب.[2] ولادة ونشأة عبد الله كَنون يعود نسب عبد الله كَنون إلى أسرة فاسية انتقلت إلى مدينة طنجة خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب وكان عمره آنذاك ست سنوات فقط. ففي مدينة فاس كان مولد عبد الله كنون 30 شعبان 1326ه/ 26 شتنبر 1908م، وهو بكر أمه، وسادس أولاد أبيه. وفي سن الخامسة تقريبا أدخله والده عبد الصمد بن التهامي إلى الكتاب القرآني.[3] وقد كان والده عبد الصمد بن التهامي كنون – التجاني الطريقة- مشهورا في فاس بنشاطه العلمي بالقرويين وغيرها من المدارس والزوايا والمساجد. وبسبب القصف الفرنسي لمدينة فاس بعيد فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م اضطرت عائلته إلى مغادرة المدينة باتجاه مدينة تطنجة، بعدما كان القصد في البداية الهجرة إلى المشرق العربي، لكن نشوب الحرب العالمية الأولى حال دون تحقيق مرادهم بذلك. وفي طنجة تنقل عبد الله كنون بين عدة كتاتيب قرآنية، وخاصة كتاب كان يشرف عليه الحاج محمد بن العربي أشرقي المعروف بابن فضيلة، ومع هذا الأخير حفظ القرآن الكريم وبعض المتون العلمية خاصة "الآجرومية" لإبن آجروم و"المرشد المعين" لابن عاشر و"نظم الخراز"[4]. المسار العلمي بدأ عبد الله كنون مساره العلمي بالتردد على الدروس العلمية لعدد من المشايخ في مدينة طنجة كالفقيه عبد السلام بن الأشهب بمسجد القصبة، والعلامة أحمد أبي العيش (مصباح)، والعلامة أحمد بن عبد السلام السميحي والعلامة محمد بن عبد السلام السميحي، والفقيه العلامة عبد السلام غازي، كما أخذ عن والده بعض دروس الألفية بشرح المكودي وتوضيح ابن هشام، وكذا دروس الحديث. وقد شملت الدروس العلمية التي تلقاها: الآجرومية، والألفية، ومختصر خليل، وتحفة ابن عاصم، والمرشد المعين، وتفسير القرآن بالجلالين، والسيرة النبوية، والتاريخ، ودراسة الحديث، وغيرها من العلوم والمعارف[5]. وقد أبان كَنون عن نبوغ علمي مبكر خاصة في ميدان الشعر، حيث بدأ في نظم الشعر وهو في الرابعة عشرة من عمره، وخاض في أغراض شتى من فنون الشعر والأدب حتى جمع على حداثة سنه ديوانا شعريا وفي أغرض شعرية متعددة، وكان ينسج على منوال كبار الشعراء المتقدمين.[6] كما انفتح عبد الله كنون على قراءة ومطالعة ما يرد إلى المغرب من الخارج وخاصة من المشرق، من مجلات وصحف عربية كمجلة "المقتطف"، ومجلة "الهلال"، وجريدتي "المؤيد" و"اللواء"، و"الأهرام" و"الجامعة العربية"... يضاف إلى ذلك الكتب الأدبية والعلمية والكتب التي تترجم لعدد من الأدباء والشعراء العالميين كتولستوي ودوستويفسكي وهوجو وراسين وغوتة وغيرهم. كما تردد على دروس بعض علماء فاس من أجل الإستزادة واختبار ما تلقاه في طنجة من معارف وعلوم.[7] وقد ذكر أيضا أنه تعلم الفرنسية عبر أصدقاءه الذين يدرسون في المدارس العصرية حيث يعلمهم العربية ويلعمونه الفرنسية، وأيضا عبر مطالعة الكتب الفرنسية ومشاهدة الأفلام السينمائية، أما اللغة الإسبانية فقد تمكن من إتقانها في الشارع فقط. كما بدأ في إلقاء الدروس وهو في سن التاسعة عشرة من عمره، وكان ذلك في الزاوية التجانية بطنجة واستمر في ذلك لمدة خمس سنوات.[8] العمل الوطني ضد الإستعمار كانت بداية عبد الله كنون مع العمل الوطني سنة 1930م عندما التقى بالحاج محمد بنونة وأخوه عبد السلام بنونة، ومحمد داود، والحاج محمد بن اليمني الناصري، ومحمد غازي المكناسي، والمكي الناصري، وقد جرت اللقاءات في مدن: طنجةوتطوانوالرباطوفاس. كما تعرف في دروب النضال على: أحمد بلا فريج، ومحمد الزيزي، وعبد الكبير الفاسي، ومحمد القباج الكتبي، والمختار السوسي، وأبو بكر بناني، وعلال الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، والهاشمي الفيلالي، وعبد العزيز بن إدريس، ومحمد بن إبراهيم الكتاني، ومحمد بن عبد الله، وبوشتى الجامعي. وأثناء زيارته للرباط حضر بعض دروس العلامة أبي شعيب الدكالي في الزاوية الناصرية، ودروس الفقيه الحجوي. وقد تصادف ذلك كله مع انطلاق الاحتجاجات وقراءة اللطيف احتجاجا على الظهير البربري والتي شارك في بعضها بمدينة فاس أثناء زيارته لها.[9] كما أنه كانا عضوا بفرع طنجة لإحدى الجمعيات الوطنية التي أسستها الحركة الوطنية المغربية، وهي جمعية "الرابطة المغربية" (أو أنصار الحقيقة). ولمواصلة نضاله في طنجة قرر عبد الله كنون إنشاء المدرسة الإسلامية الحرة، وذلك لمواجهة التحديات التي تطرحها الأنظمة التعليمية الدولية في طنجة والتي كانت تستبعد كل ما له بالعربية والمغرب من برامجها، وقد تمكن من تأسيسها رغم المضايقات والصعوبات الإدارية والمالية التي وقفت دونها، وفتحت أبوابها في الثاني من ذي القعدة عام 1355ه/1936.[10] وقد لاقت المدرسة نجاحا كبيرا مما اضطرها إلى بناء مقر جديد وفسيح افتتح عام 1947 بحضور السلطان محمد الخامس، وخصص للبنات جناحا خاصا بهن، وذلك قبل أن يتم تدشين مدرسة خاصة بهن.[11] المهمات والمسؤوليات تولى عبد الله كَنون كثيرا من المسؤوليات منذ سن مبكرة، بدأها بالمسؤولية عن إدارة المدرسة الإسلامية الحرة والمعهد الإسلامي اللتين أنشأهما في طنجة، كما تولى إدارة المعهد الخليفي للباحثين الذي تأسس في تطوان سنة 1938م/1326ه. وتولى أيضا مهمة وزارة العدل في مدينة تطوان التي هاجر إليها بعد نفي السلطان محمد الخامس 1953 احتجاجا على ذلك، وحتى لا يشارك في البيعة لابن عرفة الذي نصبته فرنسا سلطانا على المغرب، وذلك قبل العودة إلى مدينة طنجة مرة أخرى بعد الإستقلال لتولي منصب الوالي أو الحاكم العام، وكلف بتصفية النظام الدولي بالمدينة.[12] أما على المستوى العلمي فقد حظي عبد الله كنون بعضوية مجامع علمية كثيرة منها: المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1955. مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1961. أمين عام رابطة علماء المغرب سنة 1961. عضو مؤسس في رابطة العالم الإسلامي سنة 1974. عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. عضو مجمع اللغة العربية بالمملكة الأردنية الهاشمية. عضو المجمع العلمي العراقي. عضو اللجنة الإستشارية لإحياء التراث الإسلامي سنة 1968. عضو الهيئة العلمية بهيئة القدس العلمية. عضو أكاديمية المملكة المغربية أول تأسيسها سنة 1980. عضو مجلس الوصاية على العرش سنة 1980. كما نال العلامة كنون عدة أوسمة وتكريمات منها: وسام العرش من درجة ضابط عام 1963 ووسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة سنة 1969، ووسام الحمالة الكبرى للجمهورية الفرنسية سنة 1969، ووسام حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية للعلوم والفنون والآداب من الدرجة الأولى، ووسام الكفاءة الفكرية من قبل الملك الحسن الثاني سنة 1989.[13] الآثار العلمية للعلامة عبد الله كَنون تميز العلامة عبد الله كنون بغزارة إنتاجه وتنوعه، فقد كان ذا ثقافة موسوعية، لذلك فقد أنتج في مجالات علمية وثقافية عدة؛ تنوعت بين الدراسات الأدبية والتاريخية المغربية والأندلسية، والدراسات اللغوية والإسلامية، ومقالات أدبية وشعرية، إضافة إلى المقالات السياسية في قضايا وطنية وعربية وإسلامية، وكذا تحقيق النصوص والكتب[14]: شرح الشمقمقية لابن الونان (شاعر مغربي على عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي)(مصر 1934). ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة. أمراؤنا الشعراء (تطوان 1941). واحة الفكر (إبداع ونقد) (1948). لقمان الحكيم (مصر 1969). الشيخ أحمد زروق دفين مصراته. شرح مقصورة المكودي (مصر 1936). النبوغ المغربي في الأدب العربي (تطوان 1937). فضيحة المبشرين في احتجاجهم بالقرآن المبين (تطوان 1946). أحاديث عن الأدب المغربي الحديث (القاهرة 1964). أشذاء وأنداء (مقالات في الأدب والنقد) (طنجة 1976). الرد القرآني على كتيبك هل يمكن الإعتقاد بالقرآن؟ (كتيب ألفه سفير الإتحاد السوفياتي في موريتانيا) (بيروت 1982). إسلام رائد (مقالات في الدعوة) (تطوان 1971). مفاهيم إسلامية (مقالات) بيروت 1964). التعاشيب (إبداع ونقد) (تطوان). العصف والريحان (مقالات في الأدب والنقد) (تطوان 1969). أزهار برية (مقالات في الأدب والنقد) (تطوان 1976). على درب الإسلام (مقالات) (طنجة 1976). خل وبقل (مقالات في الأدب والنقد). مدخل إلى تاريخ المغرب (مدرسي). الجيش المجلب على المدهش المطرب (مناقشة لكتاب العلامة عبد الحفيظ الفاسي في شأن نسبة آل كَنون إلى البيت النبوي) أدب الفقهاء (دراسات نقدية وتحليلية). معارك (مقالات وطنية). نظرة في منجد الآداب والعلوم (دراسات نقدية لغوي). لوحات شعرية (ديوان). إيقاعات الهموم (ديوان). شؤون إسلامية (دراسات) (الدار البيضاء 1979). الإسلام أهدى (دراسات) (البيضاء 1984). جولات في الفكر الإسلامي (دراسات) (تطوان 1980) تحركات إسلامية (رحلات ومؤتمرات) (البيضاء 1977). أربع خزائن لأربعة علماء من القرن الثالث عشر. معسكر الإيمان يتحدى (مقالات) (طنجة 1989). تفسير سور المفصل من القرآن الكريم (البيضاء 1981). القاضي عياض بين العلم والأدب. أنجم السياسة وقصائد أخرى (دراسات أدبية عن نماذج من الشعر المغربي النادر). تفسير سورة يَس (البيضاء 1989). القدوة السامية للناشئة الإسلامية (دروس في تلقين البطولات الإسلامية) (تطوان 1945). تقوّل سخيف على الجناب المحمدي الشريف (البيضاء 1988). أربعون حديثا في فضل القرآن وتعلمه وتعليمه وتلاوته (طنجة) محاذي الزقاقية (دروس في التشريع الإسلامي المغربي) (تطوان). المنتخب من شعر ابن زاكور (تحقيق). مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفاء (لعبد العزيز الفشتالي) (تحقيق). ديوان ملك غرناطة يوسف الثالث (تحقيق). عجالة المبتدي وفالة المنتهي في النسب لأبي بكر الحازمي (تحقيق). الأربعين الطبية المستخرجة من سنن ابن ماجه وشرحها للعلامة عبد اللطيف البغدادي (تحقيق). رسائل سعدية (تحقيق). التيسير في صناعة التسفير لأبي بكر الإشبيلي (تحقيق). أخبار الصغار للحافظ محمد بن مخلد الدوري العراقي (تحقيق). كما خلف عبد الله كنون عددا مهما من الإصدارات عبارة عن مؤلفات مخطوطة اعتنى بترتيبها وتصنيفها والإشراف على طبع بعضها؛ نذكر منها: "قواعد الإسلام للقاضي عياض"، و"تلقين الوليد الصغير لعبد الحق الإشبيلي"، و"شرح الشيخ ميارة على لامية أبي المجراد" و"رسالة نصرة القبض في الصلاة للعلامة محمد المسناوي" و"الأنوار السنية في الألفاظ السنية لابن جزي" و"ترتيب أحاديث الشهاب للعلامة الخزرجي" و"كشف الشبهات للعلامة بن سليمان الورعي"[15]. ولأن عبد الله كنون تميز بتكوينه الموسوعي فقد جمع بين التأليف في مجالات عدة، وكان من بينها الميدان الصحفي، لذا فقد نشر عدد كبيرا من المقالات والدراسات والأبحاث في مجلات عدة وخاصة مجلة "لسان الدين" ومجلة "الإحياء" ومجلة "الأنوار" التي ترأس هيئة تحريرها، ومجلة "دعوة الحق" المغربية، وصحيفة "الميثاق" لسان رابطة علماء المغرب التي كان يرأسها. كما نشر في عدد من الصحف والمجلات المشرقية ك"الرسالة" و"الأهرام". وفاته كانت وفاته -رحمة الله عليه- يوم 05 ذي الحجة 1409ه الموافق ل 09 يوليوز 1989. – العلامة عبد الله كنونْ والتعصّبُ المذهبي ... قال العلامة العبقري عبد الله كنون رحمه الله:"كانت الفتوى قبل اليوم تدور في فلك المذهب وقواعده وتعتمد أقوال علمائه، وحاملي رايته، لا تكاد تخرج عن ذلك نادرا حينما يكون الدليل الشرعي واضحا وبمتناول الجميع، أما اليوم وبعد أن نشرت كتب السنة وشروحها، وكتب الخلاف العالي، والمذاهب الفقهية المتعددة، وأصبحت متداولة بين أيدي الناس، واطلع الفقهاء وطلبة العلم على ما بها من أدلة ومدارك تخالف ما كانوا يعهدونه، ويتمسكون به في بعض المسائل، فإن المفتي الآن صار مطالبا بتخريج المسألة على مقتضى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة، وما في حكمهما، ومقارنة المذاهب وأقوال الأئمة والترجيح بينها." [من مقدمته لفتاوى محمد كنوني المذكوري.] التعليق: في الوقت الذي شعت في أنوار السنة النبوية وانتشر بين الناس فقه الدليل، وتعلق أكثر العلماء وطلبة العلم بالحجة والبرهان ما زال الكثير من الناس يُصِرُّ على التخندق داخل مدرسة فقهية معينة وعدم الخروج عنها في صغير أو كبير، حتى لو ثبت أن قول الإمام خطأ مصادم لنصوص ثابتة لم تبلغه أو لم تثبت عنده أو غير ذلك من الأسباب التي بَيَّن أكثرها الإمام ابن تيمية في كتابه (رفعُ المَلامِ عن الأئمة الأعلامِ). لقد تعبد الله الأمة باتباع نبيها صلى الله عليه وسلم، لا باتباع غيره، وجعل الحجة في نصوص الوحيين لا في أقوال الائمة المتبوعين. ومن هنا تتابعت أقول الأئمة في التحذير من التقيد باقولهم دون النظر إلى الدليل وقد جمع طائفة من هذه الأقوال الألباني رحمه الله في مقدمة كتابه المستطاب (صِفَةُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ومنها: * قال أبو حنيفة:" "إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي". * وقال مالك:" إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" * وقال الشافعي:" إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت". * وقال أحمد:" لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا" فالشاهد أن المتبع للأئمة حقا لا يمكن أن يترك الركن الذي أقاموا عليه مدارسهم والأساس الذي بنوا على تَدَيُّنَهُم والروح التي تتنفسها مذاهبهم وهو الاتباع؛ ويكبل نفسه في اجتهادات بشرية لا يرتضي التقيد بها وتقديمها على الدليل صاحب المذهب نفسه. ورحم الله شيخ الإسلام إذ قول:" وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُنَصِّبَ لِلْأُمَّةِ شَخْصًا يَدْعُو إلَى طَرِيقَتِهِ وَيُوَالِي وَيُعَادِي عَلَيْهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُنَصِّبَ لَهُمْ كَلَامًا يُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي غَيْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ بَلْ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ شَخْصًا أَوْ كَلَامًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ يُوَالُونَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ أَوْ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَيُعَادُونَ"[مجموع الفتاوى 20/164]. والعلامة عبد الله كنون واحد من الأئمة الذين صدعوا يهذه الحقيقة العظيمة وهي وجوب مراعاة العالم للدليل والمصير إليه حتى لو أدى ذلك إلى خلاف المذهب. ويزيد رحمه الله الأمر وضوحا في مقام آخر فيقول :"لا يجوز الأخذ بقول أحد من الناس مهما عظمت منزلته، إلا إذا صحب ذلك القول دليل قوي من كتاب أو سنة، أو إجماع، كما أنه لا يجوز تقديس أحد من الناس وجعله فوق النقد والانقياد إليه بلا حجة، فإن ذلك ليس من شرع الإسلام، وإذا كان هذا في حق الصحابة رضوان الله عليهم وهم أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فأحرى في غيرهم.[مفاهيم إسلامية، ص:44] مع التنبيه على أن البعد عن التعصب المذهبي؛ لا يعني أبدا إقرار تلك الظاهرة الخطيرة التي استشرت بين العديد من غير المؤهلين والمتمثلة في الجرأة على التصدي والتصدر للفتوى والترجيح بين أئمة الفقه من غير أهلية. وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتورعون عن ذلك ويتدافعون الفتوى ويفرون منها مع جلالة أقدارهم ورسوخهم وتلقيهم عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم... عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالَ: «أَدْرَكْتُ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَيَرُدُّهَا هَذَا إِلَى هَذَا , وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الْأَوَّلِ» [الفقيه والمتفقه2/23]. ولا يعني هذا أيضا إقرار ظاهرة أقبح وأشنع طالما حذر منها العلماء، وهي التوجه لاستنباط الأحكام من النصوص الحديثية أصالة دون الرجوع لأئمة الفقه، ولا لكتب الشروح، فتجد الواحد يقرأ في كتاب حديثي كصحيح الجامع أو غيره، فيستنبط بناء على فهمه القاصر من النصوص دون عناية ولا اعتبار لفقه الحديث، فيَتَوَهَّم العمومَ في موطن التخصيص، أو الإطلاقَ في موطن التقييد، أو يَتَبَنَّى حكماً منسوخاً بالإجماع أو يستقل بحكم أو فهم لم يُسبق إليه أو ينشر رأيا شاذا مات وعفى عنه الزمان لضعف حجته ... أو غير ذلك من الآفات التي يقع فيها أصحاب هذا المسلك...وإذا استُقبح هذا من بعض من حَصَّل بعض العلوم أو مفاتيحها، فهو من العامي أسوأ حالا وأضَلُّ عن سواء السبيل. والله الموفق والهادي إلى صراطه المستقيم. المكتبة العظمى للعلامة عبد الله كنون: سينكب القيمون على تسيير مكتبة عبد الله كنون بطنجة ،في إطار اتفاقية متعددة الأطراف ، على تثمين محتويات المكتبة المرجعية من خلال وضع صيغة إلكترونية لمحتوياتها في المستقبل. ويندرج هذا الإجراء في إطار اتفاقية شراكة تجمع المديرية الجهوية لقطاع الثقافة وجمعية مؤسسة كنون للثقافة والبحث العلمي ومجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة لدعم تهيئة وتجهيز مكتبة عبد الله كنون بطنجة ، التي تعد أحد الفضاءات الثقافية المركزية في مدينة البوغاز ،وسعيا وراء جعل التراث المادي واللامادي الحضاري للحاضرة المليونية رافعة للتنمية الاقتصادية والمالية ،واعتبارا لكون العمل الثقافي يشكل جزءا أساسيا من التنمية الشاملة . ويروم المشروع المرتبط بالاتفاقية ،الذي سيكلف غلافا إجماليا يقدر بنحو 6.157 مليون درهم منها 4.767 لأشغال التهيئة و1.390 مليون درهم لتجهيز المكتبة ، تنفيذ توصيات المناظرة الجهوية حول الثقافة التي جرت بطنجة ،وترميم وتأهيل المكتبة كمنارة فكرية مرجعية ، والتي تحتوي على آلاف المخطوطات النادرة والكتب القيمة ، وضمان استدامة التسيير ووضع صيغة إلكترونية لمحتويات المكتبة وضمان صيانة الفضاءات المعنية . وفيما تلتزم المديرية الجهوية للثقافة ،وفق بنود الاتفاقية ، باعداد بطاقة تقنية مفصلة حول تهيئة وتجهيز مكتبة عبد الله كنون وتتبع الأشغال من تاريخ بدايتها الى غاية انتهائها وفق المعايير المعتمدة من قبل وزارة الثقافة ، يلتزم مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة باقتناء جميع التجهيزات المرتبطة بالموضوع و إنجاز جميع الأشغال . ومكتبة عبد الله كنون تأسست سنة 1985 ، و أهدى محتوياتها العلامة الراحل عبد الله كنون الى مدينة طنجة سنة 1979 .وهي تضم عددا هائلا من الكتب والمصادر المطبوعة والمخطوطات والوثائق ،فضلا عن عدد كبير من الصحف والمجلات والجرائد والصور الفوتوغرافية ، وتشمل ما أهدت للراحل عبد الله كنون المجامع والمنتديات العلمية التي كان ينتسب إليها بمختلف أقطار العالم العربي والإسلامي، إضافة الى مقتنيات جديدة قامت بها المؤسسة المشرفة على الصرح الثقافي وما وهبه الكثير من الأشخاص.