إن المشروعية السياسية مرتبطة بالسيادة والهوية. وتتحكم فيها ثنائية الترهيب والترغيب. لأن الأنظمة السياسية تعتبر المشروعية هي سدرة المنتهى التي تضمن لها الوجود في الذاكرة والواقع. وشتان بين الثرى والثريا، وهذا خط دقيق لا يفلح فيه إلا من أتقن التأرجح بين المثالي والمادي. أكدت البحوث على أن المشروعية هي هوية ذات منطق جمعي لازمة لكل نظام يبحث عن التأشيرة الموضوعية للعلاقات بينه وبين المجتمع. بلغة أهل التشريع الملاءمة بين الحاكمين والمحكومين. بين الدستور السياسي والدستور الاجتماعي. بين القيم والواقع، وأول معالمها هو رفع اليد القسرية وبسط اليد الممدودة. إن الأمر يتجاوز البعد التشريعي إلى مستوى عال من القيم السياسية الرابطة بين المؤسسة الحاكمة والبنية المجتمعية، وللثقافة دور محوري في نسج العلاقة بين الحاكم والمحكوم. من أهم مؤشراتها التربية على احترام الثقافة القانونية، ذاك ما يصطلح علية بالتبع بالشرعية. إن ما سطر سابقا مرتبط بوضوح المرجعية عقديا وفكريا وسياسيا، التي تعين النظام في حسن تدبير ثنائية الرفض والقبول. ومن تم فالمشروعية السياسية سيرورة من أجل تحقيق الصيرورة. ورغم ذلك هناك ضرورة ملحة لإتقان فكر المخاطر انطلاقا من مبدأ النسبية. لأنه رغم الحرص الدائم على النسقية بين السياسي والاجتماعي، فإن المؤثرات كثيرة ومتعددة ومتنوعة والتقلبات حاسمة في توظيف القدرة على التكيف والملاءمة. إن نجاح انتروبولوجية المشروعية السياسية للأنظمة مرتبط بالتكوين المستمر الدائم الذي توظف فيه معارف سوسيولوجية وسيكولوجية وفكرية وتشريعية في ظل مبدأي الحداثة والديمقراطية. ولكن لكل نظام ديمقراطيته وحداثته، لأن التمييز واجب بين التغريب والحداثة، بين الاستشراق والاستغراب. انطلاقا من التأصيل الكوني للاختيارات العلمية حيث من الضروري تبني مرجعية التعارف التكاملي. فليس هناك عقلانية سياسية مجردة، وعلمانية منفصلة عن المثالية، وطرح مادي خال من الرأسمال غير المادي، لأن الكل في فلك حضاري يسبح إذا توفر التواضع العلمي والجرأة المتزنة خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشروعية السياسية للأنظمة الحاكمة. إن العالم بهذا التصور السامي يعطي معاني نبيلة للمشروعية السياسية للأنظمة الحاكمة، المتناغمة مع طموحات شعبية متزنة. مع العلم أن إفراز بناء كوني للسيادة يتجاوز الحدود الابستمولوجية الوهمية. بهذا نبني لمفاهيم دينية مرنة وسمحة تستوعب كل خير وتبعد عنها كل شر انطلاقا من ثنائية الصواب والخطأ وليس الحق والباطل، واحترام قرارات المؤسسات المتوافق عليها دون السباحة في الفردانية المستعلية والمغرورة، وتجاوز الاستعلاء العالمي ومنطق شريعة الغاب. من تم لابد من العمل على تطوير الجهاز المفاهيمي للمشروعية السياسية للأنظمة في علاقتها بالمجتمعات فلسفيا واجتماعيا وسياسيا ومذهبيا وقيميا وتشريعيا ورقابيا. بذلك نستلهم من التاريخ ولا نركن إليه، ونتعامل مع الوجود ونرشده ونعقلنه، ونتعاقد في إطار تكاملي بين التمثيلي والتشاركي. إن المنهج الأصوب هو الذي يؤهل التنزيل السياسي ليتناغم مع الروح التنظيرية. نستنبط مما سبق أن العلاقة جدلية بين علم السياسية والمؤسسات السياسية، ولا نظام سياسي بدون مشروعية، ويمكن تجاوز بعض الإشكالات عن طريق علم الاجتماع السياسي، وكون السياسة لها أنظمة فالاقتصاد والاجتماع لهما أنظمة. لأن الأهم هو البحث عن المهنية والحرفية في صناعة التكامل المعرفي. قد تكون قاعدة البحث عمودية وأفقية، باعتبار أن القانون محدد أساسي للشرعية لكن من اللازم أن تنفخ فيه الروح السياسية حتى يفرك ويشم. إن حظ الفلسفة وافر فيما ذكرناه شريطة ألا تتحول إلى رؤية تجريبية صرفة منهجيا. مما يساعد على ربط الممارسة السياسية بالقيم. كما أن للقانون الدستوري دورا استراتيجيا لأنه توثيق طبيعي للعلوم السياسية. إذا قرأناه مقصديا وليس حرفيا ونصيا فحسب. إن ما سطرناه يجب أن يكون مصاحبا بانزياحات للدلالات اللسنية تجنبا للجمود اللغوي. فالحداثة مثلا لم تبق مشحونة بدلالة معينة فهي تتأرجح بين الذات المبدعة والتواصل الهادف، ويمكن الحديث عن سوسيولوجية الانتخابات والدولة، والعلاقات العمودية والأفقية للنخبة، والجدل الدائر بين الشرعية والمشروعية، وإشكالية المعيارية على المستوى المرجعي. إن البحث في مفهوم السلطة السياسية يجرنا إلى عوالم بدون معالم، والحاضر والغائب، والثابت والمتحول، فهل هذا يفسر بأزمة شرعية أم مشروعية؟ هل ضبط المصطلحان معا على مستوى الدلالة والامتداد حتى تتضح لنا بوصلة التقويم والتقييم؟ كيف تستوعب الديمقراطية كل هذه الإشكالات؟ أليس ترديدنا لمصطلح العالم الثالث في حد ذاته عرقلة للبحث عندما ننقب عن عالم أول وثاني لا نستطيع تحديده؟ ثم ماهي المعايير المحددة لهذا التصنيف؟ ثم من له الشرعية والمشروعية في تصنيف العالم؟