حذر برلمانيون من إطلاق يد القضاة في مشروع المسطرة المدنية، ومنحهم سلطة مطلقة لتحديد ما إذا كان هناك تقاضي بسوء نية أو بحسن نية، منبهين إلى أن استخدام مصطلحات "فضفاضة" و"أحيانا مبهمة" قد يجعل من المشرع مساهما في إفساد العملية القضائية. وقالت البرلمانية عن الفريق الاستقلالي، فطيمة بن عزة، خلال مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية، بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، إن الولوج إلى القضاء والعدالة حق مطلق للمتقاضي، ولا يمكن تقييده أو تخويفه بإثارة التقاضي بسوء نية، أو تغريمه لهذا السبب وبدون وعي منه، محذرة من التضييق على المواطنين في الولوج إلى العدالة. جاء ذلك خلال مناقشة المادة 116 من مشروع المسطرة المدنية، خصوصا الفقرة الثانية التي تنص على أنه "يجب على كل الأطراف أن يساهموا في إجراءات تحقيق الدعوى وفقا لما تقتضيه قواعد التقاضي بحسن النية، وللمحكمة ترتيب الآثار عن كل امتناع أو رفض غير مبرر". وشددت البرلمانية الاستقلالية، على ضرورة "عدم ترك هذا الفصل مطلقا من دون تقييد"، مطالبة بتحديد متى يمكن القول بأن هناك سوء نية في التقاضي، وعدم منح سلطة مطلقة للقاضي، حتى يكون الولوج إلى العدالة بأريحية ودون أن يكون المواطن متخوفا. من جهته، قال البرلماني عن الفريق الاشتراكي، سعيد بعزيز، إن "النجاعة القضائية ترتبط بوضوح النص، حيث كل ما كان النص واضحا وغير قابل للتأويل أو التفسير في اتجاه آخر إلا وكنا فعلا أمام نجاعة في الأداء القضائي". وأضاف أنه عندما تكون في النص مفاهيم فضفاضة، وأحيانا مبهمة أو غير محددة يطرح ذلك مجموعة من التساؤلات، ويكون المشرع بنفسه مساهما في إفساد العملية القضائية، مشيرا بقوله: "ما معنى أن نقول متى كان ضروريا أو مجديا هذا المفهوم يجب تحديده، لأن القاضي إنسان، وقد يصيب وقد يخطئ، وبالتالي هذه المصطلحات قد يستغلها كلما أراد وفي أي زمان أراد وفي أي ملف". وشدد بعزيز على أنه لا يتهم القضاة إلا أن "الإنسان من صفته أنه يخطئ"، منبها إلى أن هناك مبالغة في كل ما يتعلق بقواعد التقاضي بحسن النية، من المادة 10 والمشروع يتحدث عن حسن سير العدالة وعن التقاضي بحسن نية والتغريم إذا تبين أن هناك سوء نية، معتبرا ذلك تضييقا على حق من حقوق الإنسان وهو حق الولوج إلى القضاء وادعاء الحق. وفي تفاعله مع مداخلات النواب، تشبث وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بما أسماه "حرية القاضي"، رافضا تقليص صلاحياته في المسطرة المدنية، مبررا ذلك بأن القاضي "قد يصدر أحكاما بدون قناعة، وبالتالي علينا منحه الحرية، ويكون مستقلا في اتخاذ القرارات المناسبة عندما تحصل لديه القناعة". وخاطب وهبي النواب بقوله: "إياكم أن تضعوا للقاضي حدودا"، مضيفا أنه "في كثير من الأحيان القاضي يريد الاستماع لكل الأطراف وطرح الأسئلة لأن لديه ملاحظات وقناعات، لذلك القاضي يمكن ضبطه بالآجال حتى تخلق لديه القناعة ويعلنها في حكمه". وشدد المسؤول الحكومي على ضرورة إيقاف التقاضي بسوء نية، لأن مثل هذه الملفات التي يكون فيها سوء النية تأخذ وقتا وجهدا كبيرا من القضاة، على حساب الملفات الحقيقية التي تصبح هامشية ولا يعطيه القاضي وقتا.