صار لزاما على جل مؤسسات الدولة مواكبة التطور المظطرد للتكتولوجية الرقمية ،والواقع ان المغرب يبدل مجهودا مقدرا في هذا المجال خصوصا في القطاع الخاص المتقدم شيء ما عن القطاع العام بفعل ان المقاولات لاتحتاج تشريعات معقدة لدخول هذا المجال في حين ان هياكل الدولة الرسمية تحتاج إلى ظوابط رغم ذلك فإن الأمور تسير في الاتجاه الايجابي .قبل أيام انعقدت بمجلس النواب ندوة أولى حول الذكاء الاصطناعي بما يوحي ان إدارة البرلمان ربما تكون سباقة الى هذه الالية التكنولوجية الرقمية وهي لا تعدم الكفاءات المؤهلة لذلك . مفهوم الذكاء الاصطناعي يكاد يكون بسيط في تعريفه إذ أن الأمر لايتعدى مجال علوم الكمبيوتر المخصص لحل المشكلات المعرفية المرتبطة عادة بالذكاء البشري بمعنى ان أجهزة الحاسوب يمكنها ان تقوم بتحليل معطيات بعد جمعها وتقديم أجود ماقد يصل اليه العقل البشري من إبداع في شكل أفضل ووقت وجيز ،ويوظف الذكاء الاصطناعي تلك المعرفة لحل المشكلات الجديدة او تبسيطها وربما تمكين البرلمانيين من القيام بما هو موكول اليهم تحث ايديهم معطيات ومعلومات متعددة واكثر بساطة. في دراسة قانون المالية مثلا الذي يعج بالأرقام والمعطيات يصبح من السهل استخراج المعطيات اثناء الدراسة بالضبط مثلا حول حجم مساهمات الدولة في القطاع الاجتماعي كل سنة ومقدار تزايده او تناقصه ،كما ان دراسة قانون الادوية تستطيع تكنولوجية الذكاء تلك ان تنور المشرع عن اسم اي دواء واثمنته في السابق والحاضر وداخل المغرب وخارجه وحجم الضرائب وربما مدى توفره في المغرب ونقط بيعه ايضا ..هذه أمثلة بسيطة ولكن الامر في غاية الأهمية عندما يتعلق الامر بدراسة قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وربما قضايا تهم الوضع القضائي والجمركي والتغطية ومستوى العجز والبطالة وغيره. البرلمان الأوروبي كان سباقا الى نهج تشريع في هذا السياق عبر مركز يسميه التجديد او الابتكار في البرلمان (CIP) وهذا المركز يضع رهن جميع البرلمانيين امكانيات الابتكار لذى البرلمانيين فرادا ومجموعات عبر الأبحاث المنجزة والتعاون في إيجاد الحلول الممكنة تشريعيا ومراقبة للعمل الحكومي وتقييم نجاعة السياسات العمومية عبر العالم كله وليس في مجال حدود سيادة البرلمان الجغرافية. ان مفهوم الذكاء الاصطناعي البرلماني يعتبر اكثر من ثورة علمية انه ببساطة وسيلة مبهرة خطيرة خلاقة تجعل البرلماني وادارته يسبحون في فضاء لامنتهي من المعلومات الدقيقة تصبح معه مراقبة العمل الحكومي مراقبة مجهرية يصعب على الجهاز التنفيدي الافلات من المسائلة في كل جزئية دقيقة مهما كانت سرية او معقدة في ان ينتبه اليها المشرع وهذا سيرفع من منسوب الشفافية والديموقراطية وتحصين المال العام وعقلنة صرفه وتذبيره. إضافة إلى ذلك سيجعل الناخب والمنتخب في تواصل (connectè) على مستوى صعب تخيله بالمقارنة مع سنوات خلت وهوى ماسيعزز مستوى الحوار مع البرلمان والبرلمانيين ايضا . قبل سنوات ايضا كان أقصى ماوصلت اليه التكنولوجية هي البرلمان الإلكتروني(e_parlement)مما مكان من الولوج الى منصة البرلمان عبر تصفح مواقعها والاطلاع على اشغالها وجدولة جلساتها ولجانها ثم التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث ان البرلمان والب لمانيين يملكون حسابات على تويتر وفايس بوك وانستغرام وغيره..مما مكن من تواصل عجيب اولا مع المحيط الخارجي للبرلمان ثم البرلمانيين إذ لم يعد الناخب في الغالب محتاج لاخد المواعيد لايصال مايريد ايصاله تانيا البرلمانيون أنفسهم في تواصلهم مع إدارة البرلمان ومجموعاتهم السياسية لم يعودوا في الغالب محتاجون للهاتف او التيليكس او البرقيات لدعوتهم لحظور الجلسات والاجتماعات التي تقررها ندوة الرؤساء والفرق البرلمانية..من كان يتصور على عهد باحنيني وعصمان ان هذا سيحصل..واليوم ايضا البرلمان عليه مسايرة ماذهب اليه البرلمان الدولي والاوروبي والأمريكي والاسيوي والاسترالي وغيره ليتمكن المشرع في الدفاع او عل الأقل التواصل مع نظرائه بلغة العصر داخليا وخارجيا في مجالات الديموقراطية والاعمال القانونية والمساندة المعرفية والاطلاع على التقارير العالمية والجهوية والاقليمية بل الأكثر من ذلك الحصول في حينه على التشريع الخاص بأي مجال فيحينه ذون اللجوء إلى دراسات القانون المقارن الذي هو من اختصاص الجامعات ،والحال ان مستجدات تفرض مقارنة حينية على طاولة النقاش داخل اللجنة بحضور الحكومة . غير ان التحول نحو الذكاء الاصطناعي لايعني فقط استعمال تكنولوجية جديدة بل يعني ايضا تغيير الثقافة البرلمانية فيما يخص المساطير والمسالك وهو مايفرض استيعاب انعكاس الذكاء الاصطناعي على البرلمانيين بما يفيد ان المرشح القادم مستقبلا لهذه الدنيا البرلمانية لن تكفيه الشهادة الابتدائية مما يعني ان الانكباب سيتم على مجالات تقنين الترشيح البحث عن الحكامة حيث ام هذه التكنولوجية ستصبح ايضا مسؤولية أخلاقية تنضاف الى مدونة الأخلاق وان كل من يرى في نفسه استعدادا لخدمة الوطن والمواطنين وجب عليه التوفر على مستوى من القدرة على الحديث والتواصل الرقمي او الخضوع لدورات تأهيلية تمكنه من شهادة مقبول .بمعنى ان هناك تحديات مقبلة ترتكز على اللغة الرقمية وفهم نظام اللوغاريثمات قبل فهم الخريطة السياسية وكوابيس وكواليس صناعة الاغلبية والفوز من عدمه . اما الإدارة البرلمانية ستواجه نمط اخر من التطور الأكيد هو حاصل بفعل تطور وتغيير الديموغرافية الإدارية باستمرار فإن لغة الذكاء واستعماله قد يؤدي إلى معطيات خيالية في أول الامر يجب معالجتها باستمرار قبل تحويلها ال مرؤوسيهم من البرلمانيين لان الامر في غاية الدقة والخطورة حيث ان المعطيات المتحصلة في الاخير تبقى معطيات افتراضية متخيلة اصطناعيا وجب زرع الروح السياسية فيها كي تصبح صالحة للاستهلاك والتداول ،ولهذا غدا الامن السيبيراني للبرلمان بحكم انه مؤسسة دستورية سيادية ضرورة تفرض لها وحدة او مديرية إدارية خاصة لمواجهة الاختراق اولا ثم مايعرف ب(desinformation) والمعطيات او الاخبار الزائفة وتزوير الفيديوهات والتلاعب بالتصريحات والمواقف الصادرة من الجلسات واللجان والاجتماعات بطريقة عمدية وهذا مع الاسف حاضر اليوم على مواقع التيك توك واليوتيوب حيث ينسب للبرلماني كلام وصوت بل يجعلونه يتكلم بما لم يقله وهذا برلمان لم يعد صائغ التنذر بأعماله ولابمن يحمل صفته .