نموذج رسالة الشيخ ماءالعينين إلى الشيخ محمد المختار بن حامد الكنتي من أجل دعم الخليفة السلطاني. يرتبط اسم المقاومة في موريتانيا و الصحراء المغربية منذ بدايات التوغل الفرنسي أو الأجنبي عموما باسم الشيخ ماءالعينين،الذي سخر كل علاقاته ومكانته العلمية و الاجتماعية للتصدي للاحتلال الفرنسي خاصة، فأرسل إلى القبائل و زعاماتھا بضرورة الوقوف ضد الأجنبي، وألف في ذلك كتابا يبين كيفية التعامل مع الغازي، علاوة على ذلك باشر بالتنسيق و التواصل مع السلطان مولاي عبد العزيز بشأن الفرنسيين و زحفھم من جنوبموريتانيا، فأثمرت ھذھ الجھود عن تنظيم السلطان مولاي عبد العزيز لحملة جھادية تحت قيادة مولاي ادريس بن عبد الرحمان سنة 1905. بدأ الاحتلال الفرنسي الفعلي لبلاد موريتانيا سنة 1902، بالتوغل في بلاد الترارزة، ثم احتلال البراكنة و تكانت ما بين 1903 و 1905، ثم التقدم شمالا نحو آدرار. لم يكن الشيخ ماءالعينين ببعيد عن هذه التطورات، فاستشعر مدى خطورتها على البلاد و المنطقة، فعمل على تأطير القبائل و الزعماء المحليين و حثهم على الجهاد و رفض التعامل مع المحتل، وتواصل مع السلطان لطلب الدعم، و أرسل الرسائل و أوفد مبعوثين له من أبنائه إلى تلك القبائل و إلى الأمراء في شأن التقدم الفرنسي ومحاولة منعه ، كالشيخ حسن ( أرسله للصلح بين مجموعتين من قبيلة ادوعيش سبتمر 1906)(1) و الشيخ الطالب أخيار( رسالتين إلى كل من تنواجيو و ادوعيش) و الشيخ الولي. رصد المستعمر الفرنسي الدور الذي يقوم به الشيخ ماءالعينين و تحركات ابنه الشيخ حسن، و تواصله مع القبائل المناوئة للتوغل العسكري في المنطقة، من أجل توزيع السلاح و الذخيرة، إذ " لاحظ الفرنسيون في " سان لويس"، نشاط الشيخ حسنا في اقليم تكانت، حيث علموا بواسطة مخبريهم بقدومه على الاقليم. و يستشف من الرسالة المؤرخة ب 9 نوفمبر 1906م التي بعث بها القائم مقام الوالي العام لافريقيا الغربية الى وزير المستعمرات استشعارهم لخطورة وجوده في الناحية حيث جاء فيها : " لقد أخبرتكم من قبل بوجود ولد الشيخ ماءالعينين، اسمه حسانة بايداوعيش يوزع السلاح و الذخيرة وقد ازداد الأمر استفحالا منذ ذلك الوقت" (2). أو من خلال ثني بعض الزعامات القبلية عن مھادنة المستعمر كما كتب الرائد جيليه " إن محمد المختار استجاب لنداء كوبولاني فجاء للتباحث معه، و لكن سبق أن أشرب نفوذ عدونا العنيد مرابط السمارة ماءالعينين، فابنه الشيخ حسنا لدى ادوعيش يدعو للمقاومة حتى النهاية ." (3) بالعودة إلى سنة 1900، نقتبس من كتاب الدكتور نور الدين بلحداد عن التسرب الأجنبي: "في نفس الوقت الذي كان يتفاوض فيه كاستييو مع ديلكاسي بشأن اقتسام سواحل الصحراء المغربية، توصل الصدر الأعظم، الوزير أحمد بنموسى برسالة من الشيخ ماء العينين، يخبره فيها بتأهب الجيوش الفرنسية لاحتلال منطقة أدرار. وأضاف قائلا: ..... إن النصارى أهل أندر لعنهم الله ثبت عندنا بالتواتر أنهم مشتغلون بشراء الجمال والقرب، ويريدون بذلك النهوض لأدرار. وبقي من في البلاد متحيرا فيما يفعل معهم. فالبعض يقول نحن في بيعة مولاي الحسن وابنه مولاي عبد العزيز ولا تقدر على فعل شيء حتى يخلف لنا مولاي عبد العزيز فيما نفعل، والبعض يقول إن خرجوا إلينا وقدرنا على قتالهم قاتلناهم ...وبعد ما تيقن السلطان من أطماع فرنسا في منطقة أدرار، بعث رسالة إلى نائبه بطنجة محمد الطريس، أمره فيها بالاحتجاج على وزير فرنسا بطنجة...." (4) في سنة 1905 بعث الشيخ الطالب أخيار كما جاء في كتاب الدكتور بلحداد: "برسالة إلى والده الشيخ ماء العينين سنة 1905 حثه فيها على ضرورة إبلاغ المخزن المغربي بمشاريع فرنسا التوسعية في أدرار، وأن يطلب منه كميات من السلاح المساعدة القبائل على مواجهة الجيوش الفرنسية . كما توصل الشيخ ماء العينين برسالة من أعيان قبائل شنقيط يطلبون منه التدخل بسرعة لإيقاف البعثات الفرنسية التي أصبحت تتردد بكثرة على بلادهم. وعبروا له عن استعدادهم لقتال متزعميھا. (5) يضيف الدكتور في سرده للوقائع المقدمة لحملة مولاي ادريس، إذ أمام "افتقار القبائل للسلاح الكافي لمواجهة الأجانب، قرر الشيخ ماء العينين، تشكيل وفد من أعيان القبائل الصحراوية لمرافقته إلى فاس لتجديد بيعتهم للسلطان والحصول على كميات هامة من السلاح والذخيرة. وفي أواخر سنة 1905 ، وصل الوفد الصحراوي إلى مدينة فاس وخصص لهم السلطان استقبالا كبيرا . ثم تفاوض معهم حول كيفية تصديهم للمحاولات الفرنسية في أدرار. وقبل أن يغادر هذا الوفد مدينة فاس، زود السلطان الشيخ ماء العينين بكميات هامة من السلاح والذخيرة، وحثه على توحيد صفوف القبائل".(6) بعد ھذھ الزيارة،يتوج الدور الطلائعي للشيخ ماءالعينين بوصول حملة الشريف مولاي ادريس التي انطلقت من الصمارة سنة 1906، يقول النقيب غاستون دوفور " كانت الأحداث البارزة خلال سنة 1906 هي تحشد المنشقين في آدرار ووصول الشريف ادريس إلى هذه المنطقة مبعوثا من سلطان المغرب و محاولته الاستيلاء على بلاد البيظان ..." إلى أن يقول واصفا دور مبعوثي الشيخ ماءالعينين في عملية الحشد ضد المستعمر: " منذ السنة المنصرمة، كانت القبائل محل دعاية خفية من مبعوثي ماءالعينين الذين جابوا أحياء تكانت و ارقيبة و الحوظ و حتى الاحياء المنظمة اداريا الموجودة في مناطق الترارزة..."(7) يتحدث Milliès-Lacroix وزير المستعمرات، في رسالة إلى وزير الخارجية مؤرخة بتاريخ 23 نوفمبر 1906، عن حملة الخليفة مولاي إدريس وصداھا، وننقل منها بتصرف قوله " كنت قد نبهتكم إلى حضور إبن الشيخ ماء العينين، المسمى حسّنَّه، عند إدوعيش، وأنه يوزع هناك أسلحة وذخائر. ومنذ ذلك التاريخ أصبح التأجيج أنشط. الوكيل الأساسي المتكفل بهذا التأجيج يُدعى مولاي إدريس ولد مولاي عبد الرحمن ولد مولاي سليمان، إبن عم سلطان المغرب، ويَدّعي أنه مبعوث من طرفه...... وقد أعلن مولاي إدريس أنه جاء ليحكم البلاد، وأنه، باسم السلطان، جاء ليطالب بملك الأرض (الموريتانية) حتى النهر ....في بداية سبتمبر 1906 أخبرني المفوض العام للحكومة الفرنسية في موريتانيا أن المعلومات الواردة إليه تؤكد أن سيدي المختار، زعيم أهل سيدي محمود، هو الوسيط بين وكلاء المغرب وقبائل البيظان، .......جمع الشريف مولاي إدريس 500 محارب من ضمنهم 100 من سكان الحوض خاصة لغلال ومشظوف...... فيما يتضاعف عدد البيظان (المناوئين للوجود الفرنسي) حول المركز، فنجاح الشريف والأمل في عمليات النهب، أمور شجعت الكثير من السكان على الالتحاق بضواحي المركز...." (8) انطلقت حملة الشريف مولاي ادريس من السمارة سنة 1906، و لدعمها من طرف قبائل المنطقة و أمراء شنقيط، بعث الشيخ ماءالعينين إلى رؤساء القبائل و شيوخها يحثهم على الجهاد و مؤازرة خليفة السلطان ضد العدو الفرنسي و من بين هذه الرسائل، رسالة للشيخ ماءالعينين إلى السيد محمد المختار بن حامد شيخ كنتة،مؤرخة بتاريخ جمادى الأولى 1323 للهجرة الموافق ليوليوز 1905، يخبرھ فيھا بارسال السلطان مولاي عيد العزيز لابن عمھ مولاي إدريس، طالبا مته أن يدعم و يؤازر الشريف في جھاد المحتل. يعتبر الشيخ محمد المختار بن حامد الكنتي من أبرز شخصيات و زعماء المقاومة في بلاد شنقيط ضد المستعمر الفرنسي، اشتهر بدوره في معركة النيملان و حصار تجكجة سنة 1906، شارك في الوفد الذي سافر إلى السمارة و مراكش، عرف كذلك بمقاومته للمستعمر في معارك الرشيد سنة 1908، وصفه الرائد جيليه بقوله " ...في الرشيد بتگانت استقر الشيخ المسن زعيم كنتة محمد المختار ولد الحامد الذي خاننا في النيملان عندما انحاز إلى جانب العدو أثناء المعركة ومعه ما يناهز 150 مقاتلا وتحصن في هذا القصر القديم الذي أصبح ملاذا للنهابين في المنطقة، وفي يوم 16 تهيأ رائد الكتيبة :شان بارت قائد كتيبة موريتانيا ودائرة تگانت بالهجوم على قصر الرشيد ومعه الفرق التي جاءت للدعم ..."(9) استتقبل محمد المختار بن الحامد مولاي ادريس و الجيش الذي معه من المجاهدين بكامل الحفاوة و التبجيل...وبعد عقد اجتماع بين محمد المختار و مولاي ادريس حضره بعض الأعيان من قبيلة كنتة، اقترح محمد المختار على مولاي ادريس خطة جريئة لسحق الوحدات الفرنسية المتمركزة في تجكجة(10). حققت حملة مولاي ادريس تقدما نوعيا ضد المحتل الفرنسي، خاصة انتصارها في معركة النيملان 5 نونبر 1906 ميلادية، والتي شارك فيها من أبناء الشيخ ماءالعينين: الشيخ حسن و الشيخ الولي و الشيخ الطالب أخيار، إلى جانب عديد من من تلامذة الشيخ ماءالعينين و مريديه و أعيان القبائل و أمرائها.(11) اتجه المجاهدون بعدها إلى مدينة تجكجة، فرأى الشريف مولاي ادريس أن يهاجمها بينما كان رأي المجاهدين من زعامات المنطقة أن تحاصر المدينة(12)، غير أنه بعد أسبوع من الحصار أمر مولاي إدريس المجاهدين بالهجوم على المدينة، هجوم كان له الوقع السلبي، فتراجع المهاجمون بعد انكسارهم، وكانت المعركة نقطة فاصلة في حركة الشريف. بعد حصار تجكجة، وانقسام الحملة، بعث الشيخ حسن كوكبة من المجاهدين رافقت مولاي ادريس حتى وصل مكرما معززا إلى " السمارة" التي غادرها إلى مراكش.(13) أسهب المؤرخ الطالب أخيار بن مامينا في الجزء الثاني من كتابه الشيخ ماءالعينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي في شرح مجريات و تفاصيل معارك و حوادث تلك الفترة، و عن أوجه العلاقة التي ربطت الشيخ محمد المختار بالشيخ ماءالعينين. و التي يبدو أنها كانت علاقة طيبة، فالشيخ ماءالعينين يصف المرسل إليه بكلمات " محبنا الأود وقرة أعيننا الأسعد الطاهر المطهر، والنحرير الأغر، الأديب الأريب، الماهر اللبيب، الذكي الزكي، الصفي الوفي، محمد المختار ولد الحامد...". الرسالة مأخوذ من كتاب " الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية" ، مؤرخة بتاريخ جمادى الأولى 1323 للهجرة الموافق ليوليوز 1905، تتحدث كما أسلفنا عن دعوة الشيخ ماءالعينين لمحمد المختار بدعم المجاهدين المتجهين لتلك البلاد، يقول الشيخ ماءالعينين: الرسالة مستقاة من كتاب " الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية" ، مؤرخة بتاريخ جمادى الأولى 1323 للهجرة الموافق ليوليوز 1905، تتحدث كما أسلفنا عن دعوة الشيخ ماءالعينين لمحمد المختار بدعم المجاهدين المتجهين لتلك البلاد. يقول الشيخ ماءالعينين: الحمد لله وحده وصلى الله على النبي الأسعد محبنا الأود وقرة أعيننا الأسعد الطاهر المطهر، والنحرير الأغر، الأديب الأريب، الماهر اللبيب، الذكي الزكي، الصفي الوفي، محمد المختار ولد الحامد السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته ما دام الكون وحركاته، وسكناته، أما بعد فليكن في كريم علمك أن السلطان نصره الله وجه إلينا ابن عمه خليفته نائبا عنه في كل ما أهم جميع المسلمين من الأمور كلها لاسيما أمر النصارى دمرهم الله لأنه ولله الحمد أرسله بالوقوف على ساق الجد حتى تعلو كلمة الإسلام بحيث أن لا يتعدى أحد على أحد بين الأنام ويقضى بحول الله كل مرام والآن لابد من إتيانك إن شاء الله تعالى لتقع لك المشافهة مع الخليفة على أيدينا كما أن السلطان نصره الله كتب لنا بذلك ليحصل بها لمن أغرض فيما مضى وما عرض لأنا كتبنا لأمير المؤمنين أنك من رؤساء تلك البلاد لاسيما قبيلتك وسيدها وإليك ينتهي حلها وعقدها ونراك إن شاء الله تعمل لهذه السبقية تفوز وتحوز بها محمود المحوز كان الله لنا ولك وليا ونصيرا وساعدتنا وساعدتك الليالي والأيام بنيل الآمال بالتمام وعلى خالص المحبة والسلام لإحدى عشر بقين من جمادى الأولى عام 1323 عبيد ربه ما العينين بن شيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين غفر الله لهم آمين. المصادر: 1- كتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الثاني، الطبعة الثانية ص 236. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية. 2-محمد المنوني – مظاهر يقظة المغرب الحديث ،ج2، ص 184. 3-كتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الثاني، الطبعة الثانية ص 188. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية. 4-كتاب التسرب الإسباني إلى شواطيء الصحراء المغربية (1860 – 1934) لدكتور نور الدين بلحداد. ص 158 منشورات معهد الدراسات الإفريقية. 5- نفس المصدر ص 173 6- نفس المصدر ص 174. 7-تاريخ العمليات العسكرية في موريتانيا ق17 -1920، النقيب غاستون دوفور، ص 93. 8-مقال "وزير المستعمرات الفرنسي يكتب عن الوضع في تكانت سنة 1906′′، صحيفة نواكشوط الكترونية، http://nouakchot.com/?core=content&id=6666. 9- كتاب الشيخ ماءالعينين علماء وأمراء في مواجهة الإستعمار الأوروبي،تأليف الطالب أخيار بن الشيخ مامينا،الجزء الأول،الصفحة 248،الطبعة الأولى،منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية. 10- نقلا عن كتاب كنتة الشرقيون، انظر كتاب الشيخ ماءالعينين علماء وأمراء في مواجهة الإستعمار الأوروبي،تأليف الطالب أخيار بن الشيخ مامينا،الجزء الأول،الصفحة 326،الطبعة الأولى،منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية. 11- نفس المصدر ص 257. 12-أورد المؤرخ الطالب أخيار تفاصيل هذه الحادثة، نفس المصدر ص 258 و 259. 13-نفس المصدرص 264.