حكى لي صديق هذا المساء هذه الحكاية: في أسرة بحي شعبي، حكاية طفلة تبكي حين تحضر سيارة النقل المدرسي التابعة لأحد مدارس التعليم الخاص لنقل صديقتها و بنت جيرانها، و بينما هي مفروض عليها البقاء بالمنزل في عطلة قسرية يبدو أنها ستطول. لا أبحث عن إجابات، فكل طرف سيبدع في إيجاد الف تبرير، كل طرف سيبرئ نفسه و يشيطن الاخر ! مسلسل الاتهام لن ينتهي ، مسلسل التبرير لن يتوقف ، ومعه مسلسل حرمان طفلة من حقها في التعليم ،التمدرس ، التواجد في ساحات المدرسة ،و أمام اساتذتها وبرققة أقرانها، وسيبقى هذا الغياب مستمرا . واقع قاتم وحزين البعض يبحث عن تبرير ه ، وإن كان الأهم هو تغييره انتصارا للطفولة . يبدو ان البعض يرتاح حين يعتبر ما يقع أمر عادي ، ومقبول بالنظر إلى أسباب الازمة و سياقاتها ، لكن الأمر يصبح قاتما حين ننظر إلى النتائج ! طفلة اشترت ملابس جديدة من أجل فرحة المدرسة ، و كراسات بيضاء من اجل لذة الكتابة ، و هي لذة لا علاقة لها بما قاله رولان بارت. الارواق البيضاء مازالت على نقاءها و تحافظ على بياضها، الطفلة تبكي ولا تحتج لكنها تعيش أسوأ درس ، لا أعرف كيف ستكون نظرتها و هي تستمع الى شرح أستاذ التاريخ في درس المواطنة بعد مرور العاصفة . و ماذا سنخبرها بعد انتهاء المعركة ، كيف نحدثها عن الوطن و عن الدولة و الحكومة و الاستاذ القدوة . كيف سنشرح لها درس المساواة و الإنصاف و تكافؤ الفرص ! كيف نقنعها أننا نخوض حربا من أجلها ، واننا في مواجهة مقدسة من اجل تحرير المدرسة العمومية ! كيف نحكي لها ان مهمة الكبار حماية الصغار ، وأن القطة تلتهم ابناءها الصغار في لحظات الخطر حماية لهم . الطفلة التي تبكي ستخبر الله من أحزنها ، هي كائن هش لا يقوى على تحمل تكاليف حروب الكبار و صراعات الكبار، طفلة لا تملك غير براءتها و الكثير من الدموع. دموع الطفلة لا تكذب، دموعها شفافة تكشف و لا تخفي ، هي شاهدة على كيف يصنع الظلم، و كيف تعجز الحكومة و كيف يقسو الاستاذ! و كيف أننا أمام واقعة تراجيدية تجعل من هذه الطفلة تحت سقف الدولة وخارج حسابات أطراف الصراع ، مادمت تشاهد كيف ان صديقتها ترتدي ملابسها، تصفف شعرها، تركب سيارة حضرت من أجلها ، بينما هي تنزل من الوطن او تقيم خارج الوطن، في مفارقة قاسية صديقتها وجدت من يدفع لها ، بينما هي ستدفع ثمن وضع اسرتها. لن نلوم هذه الطفلة إن غيرت قبلتها ، ستكبر وتكبر معها حكايات الجفاء ، وأن الأطفال لا ينسون و انما يبنون ذاكرة بمثابة هوية ،هذا ما صرحت به كل نظريات علم النفس و عام الاجتماع . يبدو ان المسافة بين بيت الطفلة و المدرسة العمومية اصبحت طويلة و ربما مغلقة ، ان قرار فتحها قد يكون اصعب من فتح معبر رفح . طريق يفتح يوم الجمعة، و هو اقصر ايام العمل ، حرصنا منا على اداء مناسك صلاة الجمعة و عبادة الله و الاستماع إلى خطبة الإمام ! هل فعلا ننتمي إلى أمة تعتبر الأطفال ملائكة ، و ان الأطفال ،اذا ماتوا تحولوا إلى ملائكة كما قال ذلك دوستويفسكي في رواية الأخوة كرامازوف . بكاء الطفلة هو فضيحة أخلاقية، و أزمة سياسية تكشف عوراتنا ، و تجعلنا عاريين أمام أنفسنا ، لكن يبدو أن نرفض النظر الى وجوهنا، وربما سنكسر المرايا حتى نحافظ على كبريائنا و بطولاتنا . كلّ حكومة لا تحمي الأطفال ، ولا تضمن حقوق الأطفال هي حكومة بلا سقف اخلاقي ، هي حكومة تربي اطفالنا على قيم جديدة للانتماء و الانتهاء ،وأن الوطن الذي لا يحمي أطفاله الذين يحملون سوى هشاشتهم و براءتهم هو وطن خارج قيم الانسان . بين المدرسة الخصوصية والمدرسة العمومية هناك فرق بسيط بين من يدفع الثمن الولوج إلى ساحات تعليم ملون، وبين من يدفع به إلى مدرسة باردة ( الفعل مبني للمجهول حتى وان كان الفاعل معلوما ) ، وبين العام والخاص هناك فرق حسابي مادي لا يستطيع ظفعه الاباء ، و فارق اخلاقي يدفع ثمنه ابناء البسطاء . حين يتعلق الامر باطفالنا لااحب تلوين السنوات ، سنة بيضاء و سنة سوداء وسنة ستكون ملونة لمن يدرسون الان وسيجنون ثماره انجاز غير مستحق لان من كان ينافسهم ثم تغيبه و ستفتح لهم كافة المباريات و المعاهد انذاك سيبكي من هم الان على عتبة الباكلوريا ، هنا يكمن جوهر الأ زمة وطن واحد وثلاث الوان . يبدو ان دموع الطفلة هي الفضيحة التي كشفت كل شئ، و ان الحل يكمن في تكسير الاوهام من اجل توفير اخر جرعة لانقاذ ما ينبغي اتقاذه ، انقاذ الطفلة و المدرسة وضمان كرامة من يحمي الطفلة، و يعلمها قيم الانتماء و الهوية . امامنا واجب أخلاقي :فتح الطريق الى المدرسة حتى تعود الفرحة و تجفف الطفلة دموعها، بعدها نستعد لاستكمال مشروعنا النضالي من اجل المدرسة و من اجل التلميذ ومن اجل الاستاذ و من اجلنا جميعا.