يحدث أن يتسلل بعض الأفراد، سفها وجهلا، للخوض في قطاعات علمية، أفنى فيها العقلاء زهرة حياتهم، مشقة، وطلبا للعلم بأدواته الحقيقية وشروطه المهنية والأخلاقية. لذلك، يفرض علينا مقام التأدب أن نتوجه ناصحين، قائلين: لا ينبغي لمن ليس طبيبا أن يتطبب، ولا لمن ليس أستاذا أن يدرس، ولا لمن ليس فقيها أن يفتي ويحدث، ولا لمن لم يترقوا في سلم العلم والتكوين في أسلاك الدراسات العليا وفي أصناف العلوم: كالطب والآداب والكيمياء والقانون، أو في أي شعبة أو قطاع معرفي آخر، أن يدع المجال لأهله من الأساتذة الجامعيين الباحثين سنوات بعد حصولهم على الدكتوراه وفي مجال تخصصاتهم؛ وليس بباحث، بالمفهوم العلمي أو الأكاديمي: من لم يسبق له أن قام ببحث علمي أو أكاديمي أو ميداني في صنف من أصناف العلوم الإنسانية أو الاجتماعية أو التجريبية الدقيقة. لهذا فقد لوحظ في الفترة الأخيرة اقتحام بعض الأشخاص ممن لا ينتمون لبعض الحقول الرمزية ممارسة ولبعض المهن تجاوزا وتطفلا، وهذا راجع ربما لصناعة الوجاهة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ليس إلا، بل إن البعض، حسب ما يروجه راديو الشارع، قد بدأ يتلذذ وينتشي بالوجبات السريعة كتابة، وفنا، وممارسة، وولوج بعض المجالات الرمزية. وكما يقال: "جبر الخواطر" أعطى للبعض صكا بأن يمتلك مقومات تجعله يبحر في محيطات الكتابة والفن والإعلام والطب والهندسة، لذا فعلى الإنسان أن يكون وفيا لرقم حذائه. فرغم ما يقوم به بعض "الأعيان" الجدد من توظيف لآليات عفا عنها الزمن لإنتاج الوجاهة الاجتماعية بعدما فقدوا أسهمهم في بورصة السياسة، نلاحظ البعض منهم، لضمان استمراريته، يقوم على إقامة علاقات وتنويع مصادر الاستقطاب بالوسائل المتاحة، المشروعة منها وغير المشروعة، في ظل نسق مفتوح على الصراع والتنافس الاجتماعي. يقول الدكتور عبد الرحيم العطري في كتابه "سوسيولوجيا الأعيان، آليات إنتاج الوجاهة السياسية": "إن النتيجة التي انتهى إليها جون واتربوري قبلا، ماتزال تمتلك جانبا من الوجاهة، وذلك فيما يخص الاستعادة المستمرة للفائت وامتداداته في الراهن، فالتناقضات القديمة والنزاعات القبلية يعود إحياؤها في أزياء عصرية. فالأحزاب السياسية تساهم، عن طريق حملتها الدعائية، في ترسيخ السلوكات السياسية التقليدية بالتركيز على الشخص وعلى العائلة والعلاقات العشائرية. سواء كانت هذه الأحزاب تعلن الانتماء إلى اليسار أو اليمين أو الوسط أو تجد هويتها في مقترب ديني خالص، فإنها، عن طريق مرشحيها، تستعيد اشتغال على القرابي من أجل الدخول إلى غمار التنافس السياسي...".