الاحتفال بالذكرى 48 بالمسيرة الخضراء ليس احتفالا بحدث عادي ، وإنما هو احتفال بحدث اذهل العالم ، تحرير الارض و استرجاعها ودون قطر دم واحدة. الاحتفال هذه السنة ياتي في سياق النجاحات المغربية المتعدد ة الابعاد و المستويات , الاعتراف الاممي بواقعية الطرح المغربي في مشروع الحكم الذاتي و الفرح المغربي بانجاز تاريخي في مونديال قطر و نيل شرف تنظيم كاس افريقيا و كاس العالم لكرة القدم و دخول الدعم المباشر لدعم للبسطاء و ضمان كرامتهم و المشاريع الكبيرة و المهيكلة التي تؤكد السيادة المغربية في كافة المجال في المجال المائي و الفلاحي و الطاقي و العلمي . الاحتفال السنوي بالذكرى 48 هو تأكيد على مسلسل المسيرة الخضراء مازال مستمرا ، لان تحرير الأرض لا يعني شيئا اذا لم يكن هناك رعاية واهتمام بالإنسان و توفير شروط الحياة الامنة والكريمة ، نتذكر ان الخطاب الملكي في الذكرى 46 كشف ان قضية الصحراء مثل الحقيقة لا تحمل الا وجها واحدا ، و ان الصحراء مغربية و لا تفاوض حولها وإنما التفاوض حول حل سلمي لهذه الأزمة المفتعلة. و ان اهم مداخل الحل يكون عبر التنمية و الديموقراطية ، وهو ما نلمسه بوضوح من خلال البنيات التحتية ، حيث أصبح الصحراء منخرطة في الزمن المغربي بكل تفاصيله ، و بكل بساطة قد تتناول فطورك في الرباط و ووجبة الغذاء بالصحراء. و لان المناسبة شرط، و الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء يكون باستعادة الحدث و استعادة دلالاته ، سيكون من المفيد اعادة قراءة في حدث المسيرة الخضراء كحدث ملهم. حسب المفكر المغربي عبد الله العروي "المسيرة الخضراء لم تكن فقط حدثا سياسيا، كانت شيئا آخر. ماذا إذن؟ ليس سهلا إيجاد الوصف المناسب...» بلاشك العروي على حق حين أصيب بحالة من عدم القدرة على الإمساك بطبيعة المفهوم / الحدث الاستثنائي في طبيعته ونتائجه. التوقف عند دلالة موقف المفكر المغربي عبدالله العروي لا يعني تبرير عدم التفكير في الموضوع ، ورفع اليد استنادا ان مفكرا من قيمة العروي اعلن صعوبة الاحاطة والامساك بالمفهوم ، نظرا لكثافة دلالات الحدث و تعقيداته، لدرجة ان ممثل اسبانيا بمجلس الأمن -والذي انعقد خصيصا للحدث بدعوة من الاتحاد السوفياتي للبحث في آليات لإيقاف الحدث او على الأقل تأخيره – صرح ان ما يقوم به المغرب نوع من الجنون. بلا شك هو جنون مغربي بمثابة ابداع، ان تحرر أرضا بدون قطرة دم فتلك معادلة استثنائية، تحقيقها امر في غاية التعقيد وعنوان الصعوبة ان تحافظ على الأرض والإنسان معا ، وتكلفة تحرير أرض دون ان تضحي بمواطن واحد ا وان تسيل قطرة دم واحدة فالمسيرة الخضراء كانت دفاعا عن الأرض والإنسان معا. وان كان 350 ألف مغربي ومغربية قد تطوعوا و اختاروا الموت حبا وطواعية لتمنح لهم الحياة والاستقلال. التوقف عن الحدث دون ادعاء الإحاطة به هو تأمل الشخصي في موضوع كان حدثا ومايزال خارطة طريق لترسيخ ثقافة اللاعنف كقوة و كأسلوب لتدبير النزاعات في زمن ملئ بالدماء، او لنقل اصبحت السياسة تكتب بالدماء، فالحاجة الى استعادة رمزية المسيرة الخضراء ليس كحدث وطني فقط ولكن كحدث عالمي يذكرنا بسلمية غاندي من حرر الهند ان تطلق رصاصة واحدة، والرصاصة التي اطلقت قتلته من هندوسي متعصب؟ المسيرة الخضراء رسخت درسا ورؤية لطريقة ادارة الصراعات والتعامل مع الأزمات الدولية من حيث اعتماد سلاح اللاعنف، / أي تغليب الحلول السلمية لاسترجاع الحقوق وصيانتها، وهو ما يذكرنا بفلسفة غاندي كفلسفة تؤسس لمنطق الحوار والسلم ونبذ العنف، يمكن استحضار في هذا السياق مسيرة الملح التي قطع فيها غاندي مئات الكيلومترات مشيًا على الأقدام مئات ، مستنفرًا الفلاحين للعصيان المدني، فيما عُرِفَ ب"مسيرة الملح"؛ وهو ما أدى لاحقًا إلى اعتقال غاندي، واعتُقِلَ معه الآلاف من أبناء الشعب الهندي، حتى فاضت السجون، ثم أُطلِقَ سراحُهم جميعًا. غاندي كان يردد دائما ' أنا مستعد ان أقتل 'أي يموت 'في سبيل قضيتي ولكن لن اقتل احدا من أجل قضيتي ، معتبرا ان الانتصار و الفوز بالمعركة لا يكون بقتل الخصم ولكن بقتل الرغبة في القتل لدى النفس ، وهو ما يؤكد ان الحرب الكبيرة والمهمة هي حرب لبناء الانسان، وان السلم طاقة للتحرير وليس للهدم والفناء ، فالحروب هي لغة العاجز والحاقد والخائف على مصالحه، وهي المناسبة الوحيدة التي يسمح فيها المستبدون والطغاة للشعوب بالمشاركة فيها حسب قولة الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون. إنها فلسفة السلم واللاعنف باعتبارها الحل الانجح في التخلص من العنف والشر الإنساني. فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية ، تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه، لان المعتدي لا يستطيع ان يحافظ على ما سلبه بالقوة إلا باستعمال القوة ، مما يبين ان المحتل لا يكون ابدا مسالما لانه غير قادر على فعل ذلك . هذا هو الدرس المستوحى من حدث المسيرة الخضراء ، الطرف الإسباني المحتل اعتبر المسيرة الخضراء جنونا واعلان حرب حرب رغم أنها مسيرة سلمية حيت رجال ونساء لا يحملون بنادق ولا قنابل, و انما يحملون قرآنا علما وطنيا.