تقرير حول خلاصات الندوتين الدوليتين من إعداد : اللجنة العلمية توطئة : نظم المركز المغربي لحقوق الإنسان والملتقى العام للمنظمات الأهلية العربية الإفريقية، ندوتين علميتين، يوم الخميس 12 أكتوبر 2023، بفضاء الاجتماعات بجامعة القاضي عياض بمراكش، وذلك في إطار المبادرة المدنية الموازية للاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي برسم سنة 2023. وتناولت الندوة الأولى موضوع : التحولات الجيوسياسية بإفريقيا، وأثرها على الوضع السوسيواقتصادي للشعوب الإفريقية، فيما تناولت الندوة الثانية موضوع : الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية وأثرها على واقع حقوق الإنسان والتنمية بإفريقيا : ظاهرة الهجرة نموذجا. شارك فيهما نخبة من الأكاديميين والباحثين والسياسيين والنشطاء المدنيين. يضم هذا التقرير خلاصة لما جاء في عروض السيدات والسادة المتدخلين، وما أعقبها من نقاشات عامة، وكذا ما توج بشانها من توصيات عامة. خلاصة الندوة الأولى : بعد الكلمة الافتتاحية للسيدة خديجة بركات، رئيسة الملتقى العام للمنظمات الأهلية العربية والإفريقية، والتي رحبت من خلالها بالحضور الكريم وبالمتدخلات والمتدخلين، قدم رئيس الجلسة، السيد عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عرضا تمهيديا حول موضوع الندوة الأولى، الذي يتناول بالتحولات الجيوسياسية، التي تشهدها القارة الإفريقية، وما ترتب عنه من تداعيات اقتصادية واجتماعية وثقافية على الشعوب الإفريقية، ليبدأ عرض السيدات والسادة المتدخلات. في البداية، تناول الكلمة الأستاذ ادريس مرون، وهو وزير سابق وقيادي سياسي لحزب الحركة الشعبية، تطرق من خلالها إلى موضوع : التحديات السياسية والاجتماعية والعرقية وإشكاليات الديمقراطية في الدول الإفريقية، حيث أكد من خلالها بأن القارة الإفريقية، المكونة من 54 دولة، عانت تحت نير الاستعمار، وبدأت بنيل استقلالها بين 1950 إلى غاية 1980، مشيرا إلى أن مخلفات الاستعمار كانت عديدة وثقيلة، أهمها : إثنيات متعددة، مجتمعات هشة، ترحيل ونهب للثروات الطبيعية الإفريقية...، والأخطر من ذلك، يشير المتدخل إلى أن الاستقلال كان غير مكتمل، لكونه كان مشروطا بالاستمرار في استغلال الثروات، وتحرك المستعمر بحرية داخل بلدان إفريقيا اقتصاديا وأمنيا وعسكريا، بما في ذلك التحكم في العملة، مما أدى إلى بزوغ حكومات في خدمة المستعمر غير ديمقراطية ومتشبثة بالسلطة، جفعها إلى تزوير الانتخابات من أجل البقاء في السلطة، وتبني سياسات بعيدة عن الديمقراطية والشفافية ولا تعترف بالتعددية ، سواء السياسية أو الإثنية. من ناحية أخرى أكد المتدخل تداعيات النزعة العرقية على الحياة العامة، والتي تعتبر أحد أهم أسباب الحروب التي شهدتها إفريقيا، وطغيان عوامل التفرقة على عوامل الاتحاد، مما دفع عدد من الدول الإفريقية إلى الدخول في حروب. ويعزو بعض القادة الأفارقة، فشلهم في تحقيق الديمقراطية والتنمية لبلدانهم، يشير المتدخل، إلى الظروف الاجتماعية وإلى الجفاف وانتشار الأوبئة والأمراض التي تعرفها القارة الإفريقية، واعتماد سياسات فوقية، مستوردة من الخارج، لا تمراعي التركيبة الاجتماعية والثقافية الإفريقية، مما أدى إلى انتشار النزاعات ذات طبيعة قبلية وعرقية وسياسية، أدت إلى فشل دول إفريقية عديدة، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن من بين 20 دولة هشة في العالم، نجد 15 دول إفريقية. وقد قسم المتدخل مراحل تطور التحولات الجيوسياسية، التي عرفتها القارة الإفريقية إلى ثلاث مراحل : المرحلة الأولى كانت مرحلة الاستعمار، وهي مرحلة الاستكانة والخضوع لإملاءات وللممارسات الخطيرة للمستعمر في حق الشعوب الإفريقية المستعمرة، ثم جاءت مرحلة الاستقلال، والتي تميزت باستمرار نهب الثروات الإفريقية وقمع الحريات لفائدة القوى الاستعمارية السابقة، لتأتي مرحلة ثماني انقلابات، والتي جاءت كرد فعل إزاء الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتردي للمرحلة السابقة المداخلة الثانية ألقاها الدكتور محمد نشطاوي، وهو أستاذ الجامعي ورئيس مركز تكامل للدراسات والأبحاث، تناول من خلالها موضوع : الأمن الغذائي في إفريقيا، تحالف الطبيعة والفرص الضائعة، موضحا بأن إفريقيا تعتبر أغنى قارة في العالم، لكنها في الواقع أفقرها وأكثرها تخلفا، ومن إحدى مظاهر هذا التخلف : غياب الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن الأفارقة ضيعوا فرص الأمن الغذائي بأنفسهم، حيث أن أزيد من 146 مليون يعانون من سوء التغدية، موردا دور القوى الاستعمارية كفرنسا الحيوي في ارتهان القارة إلى مصالحها ورحمانها من مقدراتها، ويتجسد ذلك فيما تتمتع به شركات فرنسية من نفوذ وأولوية في استغلال الثروات واكتساح السوق الإفريقية. من ناحية أخرى، أكد المتدخل بأن فرنسا تحتفظ بأزيد من 85 % من عملة القارة الإفريقية، بحيث إذا ما أرادت أي دولة أن تحصل عليها، فعليها أن تشتريها بسعر السوق، لذلك، خلص المتدخل إلى أن فقر القارة الإفريقية ليس محتما عليها بل سببها قرارت سياسية جائرة. وفيما يتعلق بمقدرات القارة، يؤكد المتدخل، فإفريقيا قارة شابة، وتتوفر على أكثر من 630 مليون هكتار قابلة للزراعة، كما تتوفر على 4050 مليار مكعب من المياه الجوفية، أي ما نسبته 90% من المياه الجوفية العالمية، لكنها لا تستثمر كل تلك المقدرات لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، حيث أن القارة لا تنتج سوى 10% من الإنتاج العالمي، ويعود هذا النقص المهول في مردوديتها الفلاحية إلى الظروف المناخية وإلى سلاسل الانتاج وسلاسل القيمة التي لا تتحكم فيها القارة الإفريقية. ومن أمثلة ذلك، نجد مثلا دولة السودان، التي تعتبر سلة غذاء الشعوب العربية بامتياز، إلا أن ظروف الحرب الأهلية جعلها غير قادرة على إنتاج ما يؤمن حاجياتها. والاخطر من ذلك، يشير المتدخل، فقد أصبحت القارة الإفريقية تبيع أراضيها الخصبة لفائدة المستثمرين الأجانب، حيث ثم بيع أو كراء ما مجموعة 3.7 مليون هكتار لفائدة للأجانب، أغلبهم صينيين، وكأن المواطن الإفريقي غير قادر على استثمار أراضيه وإنتاج غذائه. وفيما يتعلق بارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية، أكد المتدخل أن السياسة التصديرية التي تعتمدها بعض الدول الإفريقية هي التي أدت إلى ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية محليا، ولا يستفيد منها سوى كبار الفلاحين. كما أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت بشكل كبير على ارتفاع الأسعار نظرا لكون القارة الإفريقية أكبر مستهلك للحبوب. الدكتور زين العابدين خصص عرضه لمناقشة الماضي الأليم لإفريقيا وحاضرها الواعد وغدها المشرق، وقدم المغرب نموذجا لذلك، حيث أكد في معرض مداخلته، إلى الأوضاع الأليمة التي عاشتها القارة الإفريقية، باعتبارها ضحية للإمبريالية، وحدد ذلك الماضي من خلال مؤتمر برلين نوفبر 1884 إلى فبراير 1885، حيث برزت مقاومة الاستعمار لمواجهة الماضي الأليم، وخلال هذه المرحلة، عرف المغرب تقليصا لمساحته، وسيطرة تامة على قطاعه الفلاحي وعلى المعادن التي تزخر بها البلاد، فضلا عن سياسة قمع الحريات التي انتهجها المستعمر. خلال بداية الاستقلال، بدأ المغرب، وفق المحاضر، مرحلة التأسيس ومد يد العون إلى جيرانه العرب والأفارقة، حيث انبرى المغفور له الملك محمد الخامس إلى الدفاع على حق الجيران والأشقاء في القارة الإفريقية في الاستقلال والحرية، ثم جاءت مرحلة التطوير والتأهيل، التي قادها المغفور له الملك الحسن الثاني، واليوم نعيش حاضرا تطبعه مشاريع التنمية والنهوض بواقع المواطن، ونتطلع لغد مشرق، وهكذا ينبغي لإفريقيا أن تخطو خطواتها نحو الازدهار والتنمية. بعد ذلك، تقدمت الدكتورة زينبة بنحمو بمداخلة بعنوان : آثار الأوضاع الإفريقية، السياسية والاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية للمرأة، اعتبرت من خلالها المنطقة الإفريقية منطقة توترات بامتياز، حيث غياب الأمن السياسي والاقتصادي، فيما اعتبرت المرأة الأكثر تضررا. وسردت بعض مظاهر الحيف الذي تتعرض له المرأة الإفريقية، موضحة أن المشاركة السياسية للمرأة في كل الدول الإفريقية مجرد مشاركة صورية، بل ربما هناك سوء نية من جهة الرجل، قد يرقى في أحايين كثيرة إلى استغلال المرأة ليس إلا. وإذا كانت التمثيلية العددية في إفريقيا ليست على ما يرام، وفق المتدخلة، فإنها في بعض الدول الإفريقية مثل رواندا تتبوأ مكانة سياسية مهمة، حيث نجد المرأة متواجدة في 60% من االمناصب السياسية بهذا البلد، إلا أن القرار السياسي من طرف المرأة لا زال بعيد المنال. من ناحية أخرى، أكدت المتدخلة بأن المغرب يعد من بين 12 دولة في العالم تتمتع بقوانين خاصة بحماية النساء، (مثل قانون 13-103)، لكنه غير كافي ، فالقيود المفروضة على النساء، تؤثر عليها، خاصة فيما يتعلق بالأجور، وبتفاوت حقوق الملكية والإرث، وهذا الأمر لا ينحصر على الدول الإسلامية، بل حتي في الدول الإفريقية غير الإسلامية. وفي ختام مداخلتها، أكدت المتدخلة أن التحولات السياسية التي شهدتها القارة الفريقية كان لها ولا زال تأثير قوي ومباشر على الأوضاع الاجتماعية للمرأة، سواء بالإيجاب أو بالسلب. الأستاذ خالد همورة، أكد في معرض مداخلته بعنوان "إفريقيا مشتل واعد للشباب والرياضة" أن القارة الإفريقية شبابية بامتياز، حيث من المتوقع ان تصل نسبة الشباب في أفق سنة 2030 إلى 42% ، وهذه النسبة لها تأثير كبير وهائل على مستقبل القارة، قياسا بباقي القارات، التي ستعاني في الأفق المنظور، من تناقص مهول في نسبة شبابها. إلا أن المعضلة الرئيسية، وفق المتدخل، تكمن في ميل نسبة كبيرة من الشباب الإفريقي إلى الهجرة، مما يجعله عرضة لخطر الموت والتشرد والاتجار بالبشر، مشيرا إلى أن الرياضة تعتبر دعامة اقتصادية ذات أهمية قصوى في بنائ الشباب الإفريقي، وأعطى مثالا حول ذلك، من خلال قرار الفيدرالية الدولية لكرة القدم منح شرف احتضان كأس العالم ألى المغرب، إلى جانب كل من البرتغال وإسبانيا، وهو مؤشر على ريادة القارة الإفريقية في المجال الرياضي وليس فقط المغرب. إلا ان ذلك لا ينفي وجود نقائص في السياسات الرياضية في كل الدول الإفريقية، في مختلف أصناف الرياضات التي تصل إلى 40 صنف. وخلال المناقشة العامة، تساءل الحضور حول جملة من الإشكالات، همت بالخصوص أزمة الثقة التي تعيشها القارة الإفريقية بين الحكومات والشعوب، والتي كان الاستعمار من وراءها، والتكالب الذي تتعرض له القارة الإفريقية من لدن القوى العالمية، كما تطرقت النقاشات إلى ما أفرزته التحولات الجيوسياسية، من صراعات تجاوزت الجانب السياسي واخترقت القيم والهوية المجتمعية للشعوب الإفريقية، مثيرة إشكالية التعليم التي تعتبر أهم معضلة في الدول الإفريقية حاليا، فضلا عن الحمولة الإيديولوجية للسياسات في القارة الأفريقية، والتي تعوق إحداث خارطة سليمة دون عوائق، مشيرة إلى أن الاستعمار استحل هوية وثروات ومصير القارة الإفريقية بكل أبعادها، وحان الوقت من أجل استراداد القارة الإفريقية لهويتها ولمصيرها. خلاصة الندوة الثانية : في كلمته الافتتاحية، أعرب السيد عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عن شكره للسادة والسيدات المشاركين في الندوة بمداخلاتهم، وكذا بالحضور الكريم، منوها إلى أن الندوة المسائية هي استكمال للموضوع الذي ثم تناوله خلال الندوة الأولى. ويهم موضوع "الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية وأثرها على واقع حقوق الإنسان والتنمية بإفريقيا : ظاهرة الهجرة نموذجا"، حيث تناولت الكلمة السيدة بديعة الراضي، رئيسة رابطة كاتبات إفريقيا، أكدت من خلالها بأن إفريقيا اليوم ليست إفريقيا الأمس، لكن رغم وجود قطيعة إلا أنها تضمر استمرارية في المرمى والأهداف، ومن ثمة، فرغم خروج المستعمر من الأراضي الإفريقية ومنحها دولها سيادتها، فإن المستعمر لا زال قائما بمخططاته الاستعارية، من خلال شركاته العابرة للقارات، وقواعده العسكرية ومصالحه الاقتصادية والسياسية، وبالتالي، فالاستعمار لازال قائما وإن كان بصيغة غير مباشرة، بحيث أن إفريقيا أصبحت الكعكة التي تتكالب عليها كافة الدول المتقدمة وحتى الصاعدة. ومن ثمة، تشير المتدخلة، إلى أن الشعوب الإفريقية ينبغي أن تحدد موقعها في الانطلاق نحو تحليل واقعها وتشريحه، والعمل على خلق خرائط عملية، لمواجهة التحديات التي تعيق تقدم القارة، والتصدي للاستهدافات التي تتعرض لها من طرف القوى العظمى. ومن جملة الدول الإفريقية المستهدفة، ذكرت المتدخلة المغرب، الذي يتمتع بواجهتين بحريتين، وهو بلد المؤسسات وبلد المناضلين، وهو بموقعه الجغرافي ودوره الثقافي والاجتماعي، يعتبر ممرا استراتجيا إلى إفريقيا، وبالتالي فسياساته التنموية لا تنخصر في حدوده الجغرافية بالكركارات، بل تمتد إلى كافة الدول الإفريقية طولا وعرضا. فإفريقيا، حسب المتدخلة، هي المستقبل، والمغرب أمل إفريقيا المستقبل، وكل المحاولات لتغييب دور المغرب في قارته الإفريقية باءت بالفشل بقوة الواقع، حيث بالرغم من غيابه عن الاتحاد الإفريقي لمدة طويلة، فإنه فإنه لم يكن غائبا عن هواجس القارة. بعد ذلك، تناولت الكلمة الأستاذة مرية سانطوس، وهي رئيسة رابطة كاتبات إفريقيا بأنكولا، لتقدم عرضا باللغة البرتغالية وبترجمة فرنسية بعنوان : الهجرة، أسباب الجمود وضياع الهوية الثقافية، حيث أماطث اللثام، من خلال عرضها عن خطورة الأطماع الخارجية التي تتربص بالقارة الإفريقية، في ظل غياب جسور التعاون بين الدول الإفريقية، مستطردة أن إفريقيا ستبقى تعيش على إيقاع استنزاف ممنهج لثرواتها ومقدراتها، والأخطر من ذلك، لرأسمالها البشري. فالهجرة، وفق مقاربة المتدخلة، معاناة وقصص ومآسي تعيشها الأسر الإفريقية، حيث أن آلاف الأمهات يفقدن فلذات أكبادهن في عرض البحر، وليس لهن خيار ولا سلطة على تطلعات أبنائهن، لكون الشباب الإفريقي يعاني من التهميش والقمع وهدر الكرامة وغياب فرص العيش الكريم, فطموحات الشباب الإفريقي أقوى وأكبر من الواقع المرير الذي يعيشه، فليس هناك مستقبل بدون التزام للحكومات وللمؤسسات الدولية إزاء الشعوب الإفريقية، ولا احترام للكرامة الإنسانية بدون عدالة اجتماعية وديمقراطية. فإذا كانت لإفريقيا من وجود في الخريطة العالمية، تضيف المتدخلة، فإن ماضيها الموسوم بالمعاناة عبر تاريخ من العبودية ومن الإقصاء ومن التدخلات الأجنبية، يطبع حاضرها وقد يبقى في مستقبلها، ما لم تبادر الدول الإفريقية إلى بناء جسور التواصل والثقة والتعاون بينها، من أجل رفع التحديات التي تواجه القارة. وأوردت المتدخلة أن كثيرا من القيادات الشبابية الإفريقية اليوم، قد أخذت على عاتقها رفع التحديات التي تواجه دولها، من خلال مواقعها المتقدمة في صناعة القرار السياسي، فوضعت سياسات ملموسة لتحقيق تطلعات الشباب الإفريقي، إلا أنها تحتاج إلى عوامل نجاح داخلية، من خلال همم وطنية تؤمن بشعوبها وبحقها في الديمقراطية والتنمية العادلة، ومن خلال النهوض بالتعليم والصحة، باعتبارها مقومات ضرورية للتنمية الحقيقية، وليس بالاعتماد على البرامج المستوردة، التي لم تحقق شيئا لا في التعليم ولا في الصحة ولا في الشغل ولا في غيرها من مقومات العيش الكريم. كما أشارت المتدخلة إلى أن تفاقم الهجرة سببه يأس الشباب الإفريقي من إرث مليئ بالإخفاقات والانتكاسات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن مؤسسات فشلت في أداء واجبها وتحقيق أهدافها التنموية، وحان الوقت من أجل أن ننظر من حولنا ولنتفهم بعضنا البعض، حتى نحيا جميعا على النزاهة وعلى المصداقية في العيش المشترك كأفارقة. بعد ذلك، تناول الكلمة الدكتور عبد الكريم بلكندوز، الأستاذ المحاضر في الاقتصاد والباحث في مجال الهجرة، ليقدم عرضه حول هجرة الأدمغة الإفريقية نحو أوروبا، حيث أشار إلى أن الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي، الذي ثمت صياغته في خريف 2020 يتضمن أهدافا خطيرة ضد مصالح القارة الإفريقية، مبنية على الهجرة المختارة، تستنزف مقدرات القارة من الرأسمال البشري، كما يسعى الميثاق بالدرجة الأولى إلى معالجة ما تعانيه الدول الأوروبية المتواجدة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، من تدفقات الهجرة وتداعيات اللجوء، منوها إلى أن السياسات الأوروبية رغم كونها مرتبطة بتوجهات التيار الذي يتسلم السلطة، مثل اليمين المتطرف، فإنها تبقى لها نفس الأهداف الكبرى. ومن بين الملاحظات التي أبداها المتدخل إزاء الميثاق، نجد طبيعته كميثاق ممنوح من طرف أوروبا، إذ أنه لم يكن متوافق عليه، بل صيغ لكي يراعي مصالح الاوروبيين دون مصالح الدول الإفريقية، حيث اعتمدت أوروبا ميثاقا مبنيا على المقاربة الأمنية، من خلال الحد من الهجرة غير الشرعية، ووضع التدابير الإجرائية والقانونية لكيفية إرجاع المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، واعتماد سياسة غلق الحدود، والمساهمة ماديا في إرجاع المهاجرين وبناء بنيات استقبال داخل الدول الإفريقية، في مقابل ذلك، لا ترى مانعا في استقبال الأفارقة الموهوبين، والكفاءات المهنية عالية المستوى، حيث أن أوروبا بحاجة ماسة إلى كفاءات لتطوير تنافسيتها أمام أمريكا والصين واليابان، والغريب، يستطرد المتدخل، إلى أن الأوروبيين يحاولون الترويج إلى أن الميثاق المقترح باعتباره مبنيا على شراكة رابح – رابح – رابح، بين أوروبا والموهوبين وإفريقيا، والذي يتيح ما يمكن ان نيسميه بالهجرة الدائرية، والابتعاد عن المصطلحات السلبية مثل هجرة الأدمغة واستنزاف إفريقيا من طاقاتها وعقولها. وفي سياق عرضه، أكد المتدخل أن المغرب أصبح يلعب للأسف دورا نموذجيا في معالجة الهجرة وفق المنظور الأوروبي، من خلال مؤسسة وكالة إنعاش الشغل، التي أصبحت وكالة لتصدير الكفاءات، فأوروبا لم تعد تكتفي بنهب الثروات الطبيعية، بل انتقلت إلى استنزاف الكفاءات الإفريقية والطاقات البشرية، منوها إلى أن الحرية لا تكمن فقط في الهجرة إلى البلدان الاوروبية، بل كذلك في المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، فالبعض يعتبر ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي غير ملزم، لكن يبدو أن الأوروبيين يوظفون كل المحفزات اللازمة لتنفيذ استراتيجيتهم المعلن عنها في توصيات الميثاق، بغرض استنزاف المواهب والطاقات البشرية الإفريقية. بعد ذلك، قدم الأستاذ عبد الله محرز عرضا بعنوان "دور الشباب في التنمية الاقتصادية المحلية بإفريقيا، من خلال دعم وإدماج مقاولات الشباب"، ممهدا محاضرته برؤيته المتمثلة في كون إفريقيا تطغى عليها ثقافة الولاء بدل ثقافة الكفاءة، حيث عرج إلى استحضار جملة من الاختلالات التي تعتري السياسات الإفريقية المتعلقة بالطفولة والشباب، مشيرا إلى أنها سياسات تغرس في الجيل الصاعد ثقافة النجاح على حساب الآخر. واعتبر المتدخل أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نموذج يحتدى به بالنسبة للدول اللإفريقية، من خلال سعيها إلى تأهيل الشباب للاندماج الاقتصادي، وإطلاق مشاريع عملية لتطبيق المخططات التنموية، مبنية على تكافؤ الفرص وتوفير الفرص للشباب، مع اعتماد مقاربات مختلفة في تأهيل الشباب، عبر تطويرالاقتصاد التضامني والاجتماعي لفائدة الفئات الهشة، منوها إلى أن هذه المقاربة الاقتصادية والتنموية تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة للدول الإفريقية، من أجل النهوض باقتصادها وبشرائحها الاجتماعية الهشة. وفي مداخلته بعنوان "مؤشرات لا تبشر بخير، إفريقيا أغنى قارة لكنها أفقر قارة"، أكد الدكتور عبد اللطيف الإدريسي بأن السياسات التنموية تبقى مرتبطة بواقع حقوق الإنسان، لكن في إفريقيا هناك محاولة لتحقيق التنمية دون مراعاة حقوق الإنسان، وهذه المقاربة لا تساعد على تحقيق التنمية المنشودة، لأن التنمية ليست إعلانا عن النوايا الحسنة، فالرأسمال المادي لا يكفي لسعادة الإنسان، بل ينبغي أن يكون الاعتماد على الرأسمال البشري، وعلى الحرية السياسية والاقتصادية، باعتبارها إحدى مقومات التنمية الديمقراطية الحقيقية، واكد المتدخل إلى أن الدول الإفريقية بحاجة إلى نموذج تنموي يتوافق مع قيمها وتقاليدها وأعرافها الاجتماعية والثقافية والإثنية، من خلال تصور موحد يخدم المشروع التنموي لفائدة الأجيال الصاعدة، مع عقلنة التدبير، وليس الاعتماد على النماذج المستوردة، التي أثبتت فشلها منذ عقود خلت. وعلى ضوء مختلف المداخلات التي أثرت الندوتين، خرج المشاركون فيها بالتوصيات التالية : • تعتبر التحولات الجيوسياسية التي تشهدها القارة الإفريقية منعطفا استراتيجيا دقيقا، يحتاج إلى تظافر جهود النخب السياسية والثقافية بإفريقيا، من أجل استعادة الثقة بين الحكومات وشعوبها، من خلال إعمال مبادئ الديمقراطية في صناعة القرارات السياسية واحترام مبادئ حقوق الإنسان الكونية • على الدول الإفريقية أن تحصن استقلالية قرارها من التدخلات الأجنبية، وأن توفر الشروط اللازمة من أجل تطوير علاقاتها بينها • ينبغي على الدول الإفريقية : o معالجة الاختلالات المؤسساتية التي تتخبط فيها o تطوير سبل التعاون وبناء جسور الثقة بين دول إفريقيا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتجاوز الخلافات البينية، عبر الحوار والمفاوضات، بما يخدم مصالح شعوبها، o وضع مخططات تنموية استرتيجية مندمجة ومتكاملة بين الدول الإفريقية، على نحو يوفر فرص التنمية والازدهار، وخاصة في مجال الطاقة والفلاحة. o تطوير مناهج التعلم من خلال تظافر جهودها فيما بينها، وفق ما تمليه حاجياتها وتطلعاتها، من أجل مواجهة التحديات والإشكالات التي تعترض تنميتها وازدهارها. • يدعو المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) إلى تخفيف أعباء المديونية على القارة الإفريقية، باعتبارها أحد أهم العوامل المسببة لفشل برامج التنمية بالقارة، مما يتسبب في النزاعات وفي تفاقم ظاهرة الهجرة والنزوح واللجوء • يجب على الدول الإفريقية رفض الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء الحالي، الذي صيغ لتحقيق أهداف الدول الأوروبية على حساب الرأسمال البشري الإفريقي، وعلى حساب أمن القارة الأوروبية، حيث بالرغم من كون توصياته غير ملزمة للدول، إلا أنه يبدو أن بعض الدول جسدت اهداف الميثاق من خلال سياساتها المتعلقة بالهجرة واللجوء، وباتت تعاني من استنزاف ممنهج للكفاءات، ومن تكدس المهاجرين السريين داخل الدول الحدودية، كما هو الشأن بالنسبة لتونس والمغرب والجزائر. • يجب وضع سياسات تراعي تطلعات الشباب الإفريقي، تساهم في خلق فرص الشغل ودعم ريادة الأعمال، عن طريق سياسات مبتكرة واعتماد الابتكار الاجتماعي، باعتباره دعامة لتقليص الفوارق الاجتماعية والعلمية والعملية. حرر بالرباط بتاريخ 19 أكتوبر 2023 عن اللجنة العلمية