قد يبدو للبعض منذ الوهلة الأولى، أن الأمر يتعلق بدعوة موجهة إلى صناع القرار التربوي والتعليمي وإلى كل الفاعلين في القطاع، تروم العناية بالأرشيف المدرسي، باعتباره مرآة عاكسة لتاريخ الأمة وذاكرتها الجمعية، ومقياسا لقياس درجة حرارة الحكامة الرشيدة، في قطاع حيوي واستراتيجي بحجم وقيمة التعليم العمومي، ولا يمكن لأفكارنا إلا أن تكون مؤيدة لهذه الرؤية وداعمة لها؛ لكن في ذات الآن، وإذا ما تركنا الجوانب التدبيرية المرتبطة بالممارسة الأرشيفية جانبا، نرى حسب تقديرنا، أن الأرشيف لم يعد اليوم، يرتبط فقط بالعناية بأماكن الحفظ (مكاتب الحفظ) وحسن التنظيم، بل بات "أولوية" أو يفترض أن يكون كذلك، بالنسبة للوزارة الوصية على القطاع ومن ورائها الحكومة برمتها، استحضارا لم تعيشه المنظومة التعليمية، من دينامية إصلاحية ذات صلة بتنزيل أهداف ومقاصد خارطة الطريق 2022-2026، التي تروم وضع المدرسة العمومية على سكة الريادة والجودة والإشعاع؛ قد يتساءل البعض قائل: ما علاقة الأرشيف بخارطة الطريق وبإصلاح المنظومة التعليمية برمتها؟ والجواب على هذا السؤال المشروع، لن يتطلب جهدا ولا عناء ولا استنزافا لقدرة التفكير، من منطلق أن الإصلاح "الرزين" و"المتبصر"، يفترض أن يتأسس أولا، على تقييم الخبرات والتجارب والممارسات السابقة، على الأقل منذ اعتماد الميثاق الوطني لإصلاح منظومة التربية والتكوين والمخطط الاستعجالي الذي تلاه، والوقوف عند مظاهر القصور والضعف والفشل، ورصد الأسباب المتحكمة في ذلك، ووضع تحت المجهر، ما تحملته ميزانية الدولة في ظل الإصلاحات المعتمدة، من تكلفة مادية باهظة جدا، كان يفترض أن تتحرك معها ناعورة "ربط المسؤولية والمحاسبة"؛ والانتباه إلى الخلف، يفرض الالتفات إلى الأرشيف، واستخلاص ما يحتضنه من معطيات وأرقام وحقائق ما ظهر منها وما بطن، حينها، يجوز التفكير في الإصلاح، وفق رؤى متعددة الزوايا، تستحضر التجارب والممارسات السابقة، وتتوجه نحو المستقبل بوعي وتبصر، في إطار خارطة طريق، تراعي البنية المجتمعية القائمة (الواقع)، ومتطلبات مدرسة الريادة والجودة والحياة والإشعاع (استشراف المستقبل) ؛ أما صد أبواب الأرشيف، والانخراط في تجارب إصلاحية جديدة من قبيل "الرؤية الاستراتيجية" و"القانون الإطار" و"حقيبة المشاريع المتعلقة بتفعيله" و"خارطة الطريق 2022-2026′′ وتبني مقاربة "تارل" (مقاربة التدريس القائم على المستوى المناسب، المسماة اختصارا Tarl )، دون أية خطوة تروم "مساءلة ما جرى" في الحقل التعليمي خلال العقدين الأخيرين، من قرارات تعليمية واختيارات تربوية وبيداغوجية، فنرى حسب تصورنا، أن ذلك، لن ينتج إلا إصلاحات "دون التطلعات"، مقرونة بمشاهد الضعف والمحدودية والارتباك، مكرسة للإحساس بالقلق والتوتر واليأس، محركة لأوثار الاحتجاج والاحتقان في أوساط الشغيلة؛ وحتى لا يحسبنا البعض من آل التبخيس، أو يتهمنا البعض الآخر بمباركة طقوس التيئيس، نأمل كل الأمل، أن تحقق الإصلاحات قيد الأجرأة والتنزيل، سواء تعلق الأمر بخارطة الطريق أو النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، المرتقب الإفصاح عن هويته غضون شهر يوليوز القادم، في أفق الشروع في تنفيذه وتنزيله اعتبارا من الموسم الدراسي القادم 2023-2024، أن تحقق ما رسم لها من أهداف ومقاصد، وأن تنجح "شكلا" و"مضمونا" في إنقاد المدرسة العمومية، من مرض عضال طال أمده، وتفلح في تخليص الشغيلة من احتقان امتد زمنه ؛ وليس أمامنا سوى النظر إلى ما تشهده المدرسة العمومية من إصلاحات، بمنظور الأمل والتفاؤل، لاعتبارين اثنين: أولهما: حرصا على المال العام من أن يتم استنزافه مرة أخرى في مشاريع ومخططات قد لا يكون لها أي أثر على مستوى الواقع، وثانيهما: قناعة منا، في أن أي إقلاع تنموي، لا يمكن بلوغ مرماه، إلا بمنظومة تعليمية عصرية، قادرة على صناعة النجاح والتميز والريادة والإشعاع؛ وبالعودة إلى "الأرشيف"، فالوزارة الوصية على القطاع، وإن كانت لم تلتفت إلى الأرشيف الخاص بالتجارب والممارسات الإصلاحية السابقة، التي كرست مدرسة عمومية معطوبة، أو تكون قد التفتت إليه بنوع من المجاملة والتحفظ، وهي تحاول الركوب على صهوة الإصلاح، فهي ملزمة في المجمل، بالعناية بكل ما تمت مراكمته من أرشيفات مدرسية منذ الاستقلال، وملزمة بشكل خاص، بالعناية والاهتمام بما تنتجه اليوم، من أرشيفات ذات صلة بما هي مقدمة عليه من إصلاحات عميقة، سواء تعلق الأمر بالتعليم المدرسي أو الأولي أو الرياضة، ليس فقط، من حيث جمعها وتوثيقها وحفظها، بل ولأنها ضامنة لاستمرارية الإدارة، ودالة على نشاط الحكومة، وعلى طريقة تدبيرها للإصلاح في قطاع حيوي واستراتيجي تعول عليه الدولة لبلوغ ما تتطلع إليه من نهضة تنموية في زمن النموذج التنموي الجديد، وقاعدة معطيات، تسمح بالتشخيص والتقييم والافتحاص في إطار "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وقبل هذا وذاك، لابد أن تتملك الوزارة والحكومة ككل، رؤية مواطنة للأرشيف، باعتباره "ملكا جماعيا" و"جزءا لا يتجزأ من تراث الأمة وتاريخها المشترك وذاكرتها الجمعية"، وجب إحاطته بما يلزم من الاحترام والرعاية والتقدير والاعتبار والتثمين؛
وفي خاتمة المقال، وبما أننا في حضرة قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من الواجب التذكير أن "المديرية الإقليمية للتعليم بالمحمدية"، منخرطة منذ أواخر شهر يوليوز 2021، في إطار اتفاقية شراكة مع مؤسسة "أرشيف المغرب"، تعد الأولى من نوعها على الصعيد الوطني، بين مديرية إقليمية للتعليم والمؤسسة الوصية على الأرشيف العمومي، كان من بين أهدافها المسطرة، مد جسور التواصل والتعاون بين الطرفين في مجال الأرشيف، وتمكين المديرية والمؤسسات التعليمية المنتمية إلى نفوذها الترابي، من تطوير وتجويد ممارستها الأرشيفية، بما ينسجم والقانون المنظم للأرشيف ويتناغم ومقتضيات مرسومه التطبيقي، لتكون "مرجعا" في أي إقلاع أرشيفي مدرسي منشود، والوزارة الوصية على القطاع وأكاديمية الدارالبيضاء سطات، مدعوتان إلى تثمين هذه الشراكة غير المسبوقة، والدفع في اتجاه تمكين مديرية المحمدية، مما يقتضيه تنزيل بنود الشراكة، من وسائل وإمكانات، بما يخدم المسألة الأرشيفية على صعيد الأكاديمية والمديريات الإقليمية المرتبطة بها؛
وهي مناسبة، لدعوة الساهرين على تدبير شؤون الجهاز الوصي على القطاع، من أجل مد جسور التواصل والتعاون والتشاور والتشارك مع "أرشيف المغرب"، من باب الإسهام الجماعي، في النهوض بواقع تدبير وتثمين الأرشيف المدرسي "مركزيا" و"جهويا" و"إقليميا"، لقيمته التراثية والحداثية، خاصة وأن المرحلة القادمة، ستكون مطبوعة بالاستراتيجية الوطنية للأرشيف، المرتقب الكشف عنها متم السنة الجارية، وذات الرسالة، نوجهها إلى الحكومة برمتها، وما يرتبط بها من إدارات ومؤسسات، لابد أن تتحمل مسؤولياتها المواطنة أمام تراث الأمة وذاكرتها الجمعية، ليس فقط، عبر التدبير الأمثل لما تنتجه من أرشيفات، بل ومن خلال إعادة الاعتبار لكل مظاهر وروافد التراث المادي واللامادي الوطني، الذي بإمكانه أن يكون خيارا لامحيد عنه، بالنسبة للدولة، لكسب معركة الإقلاع التنموي الشامل.