صدر للكاتب المغربي جعفر لعزيز، كتاب "بلاغة الجماهير.. الكرة والوطن والهوية.. مقاربة بلاغية لخطاب الألتراس"، يهدف من خلاله إلى تفكيك خطاب جماهير كرة القدم، بعد تجاوزها لمرحلة التشتت وأصبحت منتظمة في شكل تكتلات بأسماء مختلفة. اختار الباحت جعفر لعزيز في هذا الكتاب أن يسلط الضوء على بلاغة الجماهير من خلال المجموعة المشجعة لنادي الوداد الرياضي WINNERS 2005، وتسليط الضوء على خطابها على المستوى البلاغي. في هذه الحلقة من سلسلة "عين على رياضي"، أجرت جريدة "العمق" حوارا مع الكاتب المغربي جعفر لعزيز للحديث عن منجزه الموسوم ب"بلاغة الجماهير الكرة والوطن والهوية مقاربة بلاغية لخطاب الألتراس". *من أين أتتكم فكرة تأليف كتابكم؟ تقوّت لدي فكرة تأليف الكتاب وتخصيص دراسة مستقلة عن الوينرز بالإقبال الكبير والاستحسان المفرح الذي لقيته مقالتين نشرتهما في جريدة "العمق"، الأولى عن الشغف الجماهيري في أغنية "النور فالظلمة" والثانية عن الواقع المسود في أغنية النصيحة، فكانتا السبب القوي والمحفز من أجل المغامرة في رحلة تأليف الكتاب والخوض في معالم بلاغة الجماهير التي تقوم على التأثير والاستجابة البليغة. وجاءتني أيضا فكرة تخصيص دراسة مستقلة عن خطاب الألتراس، بعد قراءة الدراسة العلمية والدقيقة التي أنجزها دكتوري وأستاذي عماد عبد اللطيف عن أغنية "فبلادي ظلموني"، لمّا قرأتها قراءة متأنية قرّ في ذهني أنّ خطابات وبلاغات وهاشتاغات وتيفوات وأغاني الألتراسات تحوي وتختزن دلالات عميقة، تحتاج إلى دراسات علمية وأكاديمية، أساسها محاولة الاقتراب من مضمرات وبطون خطاب الألتراس المؤثر والبليغ. ولعل ما أسعفني على تطوير الفكرة وجعلها متحققة، هو أنني أعجبت بالتوجه البلاغي الجديد الذي بذر بذرته الأولى الدكتور المصري عماد عبد اللطيف، توجه سمّاه ببلاغة الجمهور، التي انفتحت على مدونة لا متناهية من الخطابات التي يحضر فيها التأثير والإمتاع والإقناع، وتحضر فيها الاستجابة الجماهيرية بقوة. * ما الهدف من بلاغة الجماهير؟ كنت أبتغي من هذا الكتاب الحدّ من التمثلات السلبية الكثيرة التي ترسخت عن الألتراسات العربيّة عامة والمغربية خاصة؛ إذ تم التصوير على أنّ أصحابها هم مدمنو مخدرات، ومجرمون، وجهلاء، ينشطون كثيراً في عالم القتل والإجرام والترهيب، وأنّ مسعاهم الأسمى خلق الفتنة وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وتبديدا لهذه الصور السلبية والتمثلات الخاطئة وجعلها واهية، قمت بكتابة هذه الدراسة التي تبين بأن فصائل كرة القدم، بديل سياسي شعبي، يتحدث بلسان الشعب. بناء على الإشارات السابقة، فسياق الكتاب مرتبط بإظهار الجانب المضيء في الألتراسات، الظاهر في أنهم البديل السياسي لحمل هموم الشعوب. *ما الفكرة المركزية التي يقدمها العمل؟ إنّ الفكرة الرئيسة في الكتاب، تظهر في أمرين، الأمر الأول متجلّ في أنّ بلاغة الجمهور قادرة على مقاربة مختلف الخطابات التي تكون مؤثرة وبليغة في آن، وتحضر فيها الاستجابة النقدية والثقافية والدينية، وغيرها من الاستجابات المختلفة، ومن ثمة فقد حاولت بيان حضور بلاغة الجمهور في خطاب ألتراس الوينرز، مع استحضار خطابات ألتراسات عربية ومغربية. والأمر الثاني مرتبط بالتأكيد على أن الكلمة في فصائل كرة القدم عالم مُصَوّر بألحان موسيقيَّة، وكلمات متناسقة، ولغة بليغة ومؤثرة، تتواشج مع صورة الواقع المعيش، وتتناسب مع الوضعيات المضادة للوضعيات السائدة، التي يرغب الإنسان في تغييرها وجعلها وضعياتٍ حسنةً، فالألتراس مجتمع مضاد على المدرجات، ويظهر ذلك في اللافتات المعلقة، والأغاني المنشودة بصرخاتهم المتعالية، والتيفوات المرفوعة، كلُّ هذا يحمل بلاغة مؤثرة، مسعاها تغيير مساوئ الواقع المعيش، ومطباته ومفاجعه. وتم اختيار ألتراس الوينرز كنموذج لتحديد تجليات بلاغة الجمهور في خطاباتها المكتوبة والمسموعة والمصورة. *لماذا تم اختيار الوينرز نموذجا للاشتغال على بلاغة الجمهور؟ يرتبط سبب اختيار فصيل الوينرز كنموذج لبيان تجليات بلاغة جماهير كرة القدم، بأمرين اثنين، الأول ذاتي، متجل في عشقي وحبي لنادي الوداد الرياضي وهوسي بالفصيل واستمتاعي بأغانيه، والثاني أكاديمي موضوعي، وظاهر أساسا في محاولة تفريغ شغفي في قالب أكاديمي، أساسه بيان مظاهر الاستجابة البليغة في خطابات الوينرز، وكنت ألامس من أغانيها وبلاغاتها وتيفوهاتها إمتاعا وإقناعا وتخييلا وتصويرا، فكان الأمر خليقا بتخصيص دراسة مستقلة، تحتفي بالجوانب البلاغية البليغة في خطابات الفصيل، بليغة لكونها مؤثرة، وأثرها يظهر في التعبير عن هموم الناس والانخراط في الأعمال الاجتماعية والحث على الاهتمام بالقيم الدينية والإسلامية... *ما قراءتكم لظاهرة الألتراس بالمغرب؟ أقول بأن الألتراس بالمغرب أسلوب حياة، وأرى أنها تقدم صورة عن مدى وعي وحضارة الجماهير المغربية، ولن ننكر بأنّ بعض الجماهير تعطي صورة سلبية عن الألتراس، من خلال ممارسة الشغب والعنف، ولكن أظن أن هؤلاء غير محسوبين على الألتراس؛ لأن أعضاءها الحقيقيين بعيدون عن مثل هذه السلوكات الخارحة عن روح التشجيع وعن ممارسة الشغف المقدس. وعموما فالمغرب من أكثر البلدان التي تشهد نشاطا كبيرا في عالم الألتراس، والحقّ أن ألتراس شمال إفريقيا عامة والمغربية خاصة تبدع وتمتع وتستهوي وتعبّر، ولقد رأينا الكثير من الإبداعات على المدرجات طوال العقود التي مضت على ظهورها. بالإضافة إلى ما ذكرت، أضيف إلى أنه تم إدخال الوعي إلى المدرجات؛ حيث لجأ أعضاء الألتراس إلى التعبير عن هموم الشعب وقضاياهم، بل أصبحوا صوت الشعوب في مواجهة خطابات السلطة، ومفاسد الحياة ومساوئها، وأضحت في احتجاجها السياسي، الذي تمارسه في الشوارع وعلى المدرجات، واعية بالمطالب الاجتماعية للطبقات المتضررة في المجتمعات، ومتمسكة بالأسس الدينية الإسلامية والقيم الأخلاقية التي يدافع عنها الدين الإسلامي، وشاركت الأمة في أكبر القضايا السياسية. *ما النتائج التي توصلتم إليها بشكل عام من هذه الدراسة فيما يخص خطاب الالتراس؟ من النتائج والخلاصات الهامة ما يلي: أن الألتراس أصبحت فضاءً وفسحة لممارسة الفعل الاحتجاجي بمختلف الطرق والوسائل، وأضحت خطاباتها الفنية، المكتوبة والمغناة، منتجة لوعي شعبي، يتجلى في ضرورة قلب موازين السلطة المنتجة للخوف، والمشرعنة لحق القمع. وكثيرا ما تواجه الدولة هاته الاحتجاجات إما بإصدار قرار منع دخول الجماهير إلى المدرجات، أو ممارسة الرفس والضرب والقمع عليهم، ولكن يصعب تحقق هذا المنع، ما دامت الخاصية الافتراضية حاضرة في هذا الفعل لدى جمع غفير من الجماهير، فهي كافية لخلق استجابات وتأثيرات جماهيرية من جهة، وزرع فكر النضال والتحرر في عامة الشعب من جهة أخرى إنّ بلاغة الجمهور توجه جديد يروم الانفتاح على مختلف الخطابات المهمشة، وخاصة خطابات العالم الافتراضي. – للجماهير قدرة هائلة على إنتاج خطابات بليغة ومؤثرة، تسهم في تبديد السلطة واكتشاف المغالطات. – لا تقوم مقاربة بلاغة الجمهور على وضع قوالب جاهزة لتحليل الخطابات، بل تقاربها بناء على طبيعتها السياقية، وتتسم بلاغة الجمهور بالعمق والانفتاح والتجدد. تبين أن خطابات بلاغة الألتراس عامة وألتراس الوينرز خاصة تنتج خطابات بليغة متنوعة، سواء في الأناشيد أو البلاغات والرسائل والصور. – تدافع ألتراس الوينرز وباقي الألتراسات عن الطبقات الشعبية في خطاباتها، وتنتقد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، وتسعى إلى التخلص من رقابة السلطة ونبذ العنف والتخويف والترهيب، ورغبتها في نشر القيم السمحة، والدفاع عن القيم الإسلامية من خلال سعيها إلى الإقرار بمبادئ العائلة الكبيرة. وتحقق أنّ الخطاب لدى الوينرز خطاب ثقافي يمتح من مشارب معرفية متعددة، منها التاريخية والاجتماعية والرياضية والإسلامية والفلسفية. -خلصت إلى أنّ مقاربة خطابات الفصائل يحتاج إلى خلفية معرفية متشعبة، نظرا للتناصات الكثيرة فيها، وذلك ما بدا واضحا في خطاب الوينرز الغني بالتناصات الدينية والفلسفية والتاريخية والحكائية، ومقاربة خطاب الوينرز ما هو إلا جزء بسيط من خطابات الفصائل الأخرى التي يمكن للباحثين أن ينفتحوا عليها ومقاربتها باعتماد توجه بلاغة الجمهور. *ما هي تجليات الخطاب البلاغي عند الوينرز؟ تظهر تجليات الخطاب البلاغي لدى الوينرز في التعبير عن هموم الشعب وقضاياهم، بل أصبحت صوت الشعوب في مواجهة خطابات السلطة، ومفاسد الحياة ومساوئها، وأضحت في احتجاجها السياسي، الذي تمارسه في الشوارع على المدرجات، واعية بالمطالب الاجتماعية للطبقات المتضررة في المجتمعات، ومتمسكة بالأسس الدينية الإسلامية والقيم الأخلاقية التي يدافع عنها الدين الإسلامي، وشاركت الأمة في أكبر القضايا السياسية. وغدا فضاء الألتراس، فضاءً متسعا لممارسة الفعل الاحتجاجي بمختلف الطرق والوسائل، وأضحت خطاباتها الفنية، المكتوبة والمغناة، منتجة لوعي شعبي، يتجلى في ضرورة قلب موازين السلطة المنتجة للخوف، والمشرعنة لحق القمع. وكثيرا ما تواجه الدولة هاته الاحتجاجات إما بإصدار قرار منع دخول الجماهير إلى المدرجات، أو ممارسة الرفس والضرب والقمع عليهم، ولكن يصعب تحقق هذا المنع، ما دامت الخاصية الافتراضية حاضرة في هذا الفعل لدى جمع غفير من الجماهير، فهي كافية لخلق استجابات وتأثيرات جماهيرية من جهة، وزرع فكر النضال والتحرر في عامة الشعب *هل تفكر في تقديم كتابك بمقر نادي الوداد الرياضي؟ سأكون سعيدا ومسرورا بتقديم كتابنا المتواضع داخل المقر التاريخي لأعرق الأندية المغربية، الإرث الكروي الوطني، بن جلون، وسيكون أفضل يوم لي في مسيرتي الأكاديمية والشخصية.