خمس سنوات من دخول الدستور حيز النفاذ، ومازالت أقلام الباحثين والمختصين ترصد علله وما اعتوره من أخطاء وعيوب من حيث الصياغة واللغة ومضامينه وفصوله، هذه الأخيرة منها من خضع للامتحان والتمرين والتفعيل، ومنها مازالت في قاعة الانتظار تنتظر من يفرج عنها، ومنها فصول لن تعرف طريق الميلاد من مثل الفصل التاسع والعشرون المتعلق بحق الإضراب، الذي منذ أول تجربة دستورية بالمملكة لم يفعل ولن يفعل لما يستبطنه من صعوبات واكرهات قوية. وبمناسبة خطاب التاسع من مارس الذي أعلن فيه الملك عن مراجعة شاملة للدستور، حضرت ندوة علمية حول خمس سنوات من تطبيق الدستور، التي تخللتها تدخلات الفاعلين السياسيين والباحثين في القانون الدستوري. كانت تدخلات الباحثين موسومة بطابع النقد والنقض والنبش في مثالب دستور فاتح يوليوز، فخيل الي أننا ما زلنا نعيش لحظة الإعلان عن مسودة الدستور وما صاحب هذه الفترة من ندوات وأيام دراسية لسبر أغوار الوثيقة الدستورية، وكذا الدراسات والأبحاث التي تلت ما بعد الاستفتاء الدستوري وصدوره بالجريدة الرسمية. فتبادر إلى الذهن لحظتها السؤال الأتي: هل بعد كل هذا العرمرم والزخم من الدراسات والأبحاث حول الوثيقة الدستورية، هل نحن بحاجة اليوم إلى مراجعة دستورية لتقويم ما اكتنف الدستور من نقص؟ أم أن الدستور سليم، وأننا لم نستوعب بعد مضامينه، وانه فاق كل التوقعات مقارنة مع دستور 1996؟ في الأدبيات الدستورية، لاستقرار القواعد الدستورية لابد من مدة زمنية معقولة لترسيخها داخل الاجتماع السياسي ،واستقرار النظام السياسي، وأن التعديلات والمراجعات المتواترة في زمن متقارب تؤدي إلى عدم الاستقرار المؤسساتي والنظام السياسي ككل. ولذلك نجد مثلا الدستور الفرنسي لسنة 1791 منع التعديل قبل عشر سنوات من الشروع في تطبيقه، كما نجد الدستور الأمريكي لسنة 1787 الذي منع في فصله الخامس تعديل بعض أحكامه قبل سنة 1808، أما المغرب فلم يحدد سقفا زمنيا للمراجعة الدستورية. إذن والحالة هذه، هل نحتاج في مغرب اليوم، لمراجعة دستورية للحسم في جملة من الإشكالات التي كشفت عنها الخمس سنوات، أم لم يحن الوقت، ولم يختمر هذا الطرح، خاصة وأن نصوص الدستور لم تخضع للتفعيل والممارسة الميدانية؟