لا يحتاج المعاين لمشهد الحياة في وطني لنباهة حادة، وذكاء خارق كي يفك شفرة معارك داخلية تتم تحت مسميات عديدة... فتارة باسم تكافؤ الفرص، وتارة باسم التصدي لسياسات خرقاء.... .وأخرى باسم النضال من أجل الحقوق المعلقة ... وبما ان هذا الحيز الضيق لا يسمح بالخوض في معظمها.... سأقف تحديدا عند بعض مما يتم باسم آخرها وهو"النضال" ، أجل النضال ...هذه الكلمة السحرية التي تبعث على الاعتزاز والفخر ..لما فيها من قيم نبيلة و جليلة، ولما تنطوي عليه من مبادئ التضحية والجرأة والمنافحة عن الحقوق .... قد تبعث بالمقابل على ما دون لك كل ما امتطاها صهوة بعض أشباه المناضلين، وما أكثرهم ! وبكلمة، النضال كلمة حمالة أوجه، وكل ساق يجد ضالة سقياه فيها.... وعليه، تعددت مدارس النضال بتعدد أصناف المناضلين ، وتعدد زوايا الرؤى، وتعدد المنطلقات .... وحسبنا اللحظة أن نقف عند مفهوم نبيل لمدرسة النضال الحقيقي من زاوية نظرنا المتواضعة بل و "الحالمة" كما يصفها من يعارضنا التوجه والرأي ، وبناء على ما تعلمناه ممن فوضنا لهم الكلام باسمنا و أساتذتنا ومؤطرينا الاجلاء... وكل من سبقنا الى المعارك النظيفة والمشروعة دفاعا عن حقوقنا. ففي مدرسة النضال الحقيقي، تعلمنا أن لا يصطف المناضل الحر ، مع من يسعى قسرا لتغييب من حقه الظهور، فقط لأنه أقوى منه، وإظهار الضعيف الماكر الذي حقه الاختفاء. في مدرسة النضال الحقيقي، تعلمنا أن لا نقبل بتشطيب المساحات لمن يخالف رأي من يرأسنا او من يخالفنا ....فالأصل أن القيادة الحكيمة هي من تستوعب كل الآراء وكل الأفكار... وتترك مساحات حرة للرأي والرأي المخالف... ففي ذلك غنى وقوة ومنسوب ثقة أعلى فيها وفي المدرسة. وفي مدرسة النضال الحقيقي، آمنا بدفء اللحمة، و بالمنافحة عن الأخوة الجامعة... فالمناضل الحق لا يتصيد عثرات إخوته وأخواته.... رغبة في التشهير بهم كذبا وزورا ، و اللعب الماكر على أخذ أماكنهم المتقدمة. في مدرسة النضال الحقيقي، عاينا بأم الأعين – وباندهاش كبير – كيف وقفت القيادة سدا منيعا ضد الوشاية والتبركيك بين المناضلين...ورفضت بإنصاف كبير أن تعلي رتبة "البركاكة" على حساب البقية. كما تعلمنا ومازلنا نتعلم أن الاحتكام للقوانين المؤطرة أهم مرجع لضبط إيقاع النضال السوي....وأهم جامع لشتات الآراء المتباينة. وفي مدرسة النضال الحقيقي، كانت القيادة خير قدوة بقوة الإقناع،وبسعة الصدر، وبجرأة المواقف... و كانت خير وأفضل رأس في نظرنا كمناضلين قيادات وقواعد. وفي مدرسة النضال الحقيقي، لا نذكر يوما التهمت مدرسة نضالنا أبناءها الأقوياء، ولا كسرت شوكتهم، أو سعى أي من مسؤوليها الحكماء لتقليم اظافر المناضلين، كي يكونوا نسخة طيعة و طبق الأصل... و مكرورة لا طعم لها ولا رائحة. ولا استسغنا يوما ، تطاول المناضل اللاحق على السابق ، إلا أن يزيغ السابق عن القوانين الجامعة والمبادئ المؤطرة. ففي مدرستنا ، لم تشطب المساحات من الأصوات الحرة ليصفو الجو لأصوات المطبلين والجبناء، ولم تحنط إرادة المناضلين الأحرار .....ولم تلجم ألسنتهم قط. وفي مدرستنا كذلك ، ان تضيع حقوق المناضلين .. ، وان تهتز الثقة بينهم، وأن يخدش الاحترام وتهتز هيبة المدرسة ... أمور منكرة نسجلها في خانة "الحالات المعزولة"... ولم ترق يوما أن تكون ظاهرة. وفي مدرستنا أيضا كانت وما تزال، خدمة الناس وخدمة الضعفاء والترافع عن القضايا العادلة أسس اعتزازنا بمدرستنا .... لا خدمة القيادة والحاشية والعلاقات العائلية. في مدرستنا أيضا ، لم يكن المجال رحبا ولن يكون متاحا للتطبيل والتهليل بدون مسوغ كبير... اللهم ما تعلق بمسمى "التدافع" في محطات بعينها .... ولا كان المجال مشرعا لبيع الوهم ورفع سقف الانتظارات لدى الناس ، بل كان نضالا بلا مزايدات، .. وكلاما بمسؤولية... ووعودا بمقدار.... وصراحة بأطنان... وفي مدرستنا أيضا ، لم يكن الهاجس هو تلميع صورتنا للآخر بالكلام الكبير والوعود الواهية ، وإظهار القوة على من يحاورنا دون اعتبار للمآلات. وكانت قيادتنا وماتزال، لا تجد حرجا في الاعتذار حين تخطئ التقدير ... ، لانها أحرص منا على نقاء صورتها وصورة المدرسة امام مناضليها أولا، بصدق القول والفعل معا....لا بخنق الأصوات الحرة.... وتلفيق التهم في قوالب جاهزة مقيتة، لا يقبلها منطق ولا يستسيغها عقل. وبكلمة ، النضال في الأخوة أبخس نضال وأحقر نضال حذرنا منه الشرفاء، ووقع فيه الجبناء. وإلى ان تتعدد مدارس النضال في وطني على النحو المأمول ،وتصان فيها حقوق المناضلين كما الناس، وتستعيد من زاغت منها عن السكة بوصلة المسير الآمن .... ستضيع الكثير من الطاقات الحرة، وستنكمش العديد من إرادات التغيير، و سيركن بعض الشرفاء الى الصمت المطبق .... وسيكثر المطبلون والمتسلقون وسماسرة النضال والذمم ،وسيسجل في سجل النضال الحق و بمداد من العار" أسماء من خذلوا قواعدهم، وهدموا أبنية مدارسهم... ولاعحب ! وعليه، فإما نضال بشرف ، وإما انسحاب بشرف.