التلفزة مصدر صناعة قيم للمجتمع، لا اختلاف في هذا بين الباحثين في التربية، ولا المشتغلين بالتواصل، ولا العاملين في السياسية، ولا حتى المعنيين بالديموقراطية وحقوق الإنسان. فعمل الأصناف أعلاه هو الرقابة والحرص على تجويد ما تقدمه التلفزة للجمهور، فهي مؤسسة موجهة للرأي العام، وتتصرف في المال العام، وبالتالي يجري الضغط عليها حتى تخدم به المجتمع في كليته. الحقيقة أن مطالب التجويد واحد من أوجه الصراع، فلا يمكن لأي سلطة أن تنتج خطابا مضادا لطبيعة مشروعها ونموذجها الثقافي والقيمي، كما سيكون دعوة للموت أن نطلب من المجتمع الصمت تجاه ما تنشره الوسائل الآيديولوجية للدولة. في رمضان هذه السنة، شئنا أم أبينا نمر بمرحلة "تطبيع مع الانحرافات" داخل الإعلام العمومي، تصاحبها موجة من إخفاء مظاهر الدين المألوفة من القنوات التلفزية. ففي الحلقة الأولى من مسلسل صافي سالينا تظهر الممثلة …. وهي تصب كأس خمر وتشربه ثم تسوق سيارتها بابنها، في الحلقة 3 من صافي سالينا جوج ممثلين يتناوبو على "السبسي"، في لمكتوب بانت سيارة فيها اللوغو ديال شركة ديال الشراب، وتظهر ممثلة بصورة متكررة وهي تتعاطى الشيشة الإلكترونية، ناهيك عن الشيخة الأم المربية والمقاومة.. في مقابل هذا لم تتم برمجة الدروس الحسنية الرمضانية، واختفت مسابقات القرآن الكريم، التي عوضت المسيرة القرآنية التي برمجت في 4 فجرا و8 صباحا!!! نحن أمام سرعتين، الأولى إقحام عدد من الأفعال الشاذة اجتماعيا في خريطة البرامج الرمضانية، والثانية إلغاء "المألوف" من العرض الديني للتلفزة الرسمية، بما يعني أن هناك توجيها وتدريبا على قبول وزرع قيم ورفض أخرى. أمام هذه الاستباحة، ما العمل؟ هل المطلوب الصمت؟ أم المطلوب الانتقاد؟ هل المطلوب الخوف؟ أم المطلوب التسليم؟.. الرقابة على ما ينتجه الإعلام العمومي واجب على كل مثقف، والتعبير عن الاختلاف مع خطاب الإعلام العمومي حق. تلميع "الشيخة" في زمن "مايا" و"الطراكس" و"التسونامي" نموذج مصغر لما يجري تدميره من قبل الإعلام العمومي في الأسرة والمجتمع. أما التضييق على العرض الديني "المألوف" في البرامج الرمضانية، و"تعويضه" بالانحرافات الاجتماعية لعبة مستوردة غايتها نسخ تجارب فاشلة في تأليف المجتمعات وبنائها، وناجحة في شتات الأمم ودمار البلدان.