" تقارير تؤكد الاستعمار الثقافي لهذه القنوات بشكل يهدد المغرب في هويته وثوابته" سأل أحدهم الآخر هل ستصوم ستة أيام من شهر شوال فأجابه الثاني "ما سالينا شهر ديال المخزن غي بزز". ضنا منه أن صوم رمضان ومن كثر هيمنة الدولة على الحقل الديني بالمغرب، يدخل ضمن أوامرها بدءا من الصيام ومواعيده وصولا إلى موعد الإفطار والعيد وغيره. الاستهلال بهذه الطرفة يطرح سؤال على الإعلام "العمومي" حول ما إذا كان الإعداد قد انطلق في مجال الانتاجات الدرامية والبرامجية أم سنكره للمرة الألف على الانتظار إلى آخر لحظة ونشاهد الرداءة والفساد الإعلامي، فهذا المجال من المجالات التي ينبغي أن ينطلق الإعداد لها فور انتهاء شهر رمضان، اللهم إذا كان القائمون على هذا الشأن بالفعل لم يمرروا ما صنعوا في شهر رمضان المنصرم إلا بمشقة الأنفس. لكن قبل ذلك لا بد من الوقوف عند مؤشرات الضعف والارتباك الشديد الذي عرفته الشبكة الرمضانية خلال رمضان المنصرم من ضعف وعدم رضا وسخط الجمهور المغربي على حموضة الإنتاج الدرامي التي تعفنت حد زكم الأنفس، طبعا مع وجود بعض الأعمال المشرقة من ناحية الفكرة والمعالجة مثل مسلسل "شبح الماضي". أولا: لقد فجر تقرير حديث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري حول برامج الخيال في قنوات القطب العمومي خلال شهر رمضان قنبلة من العيار الثقيل وأرقامه صادمة وتحدث عن نفسها، فقد مثل استعمال الدارجة المغربية بالقناة الثانية "دوزيم" نسبة 92% ، مقابل 47% بالقناة الأولى و17% بميدي 1 تي.في. في حين احتلت فيه اللغة العربية نسب جد ضئيلة أما اللغة الأمازيغية أو اللسان الحساني فلا حظ له في برامج الخيال هذه، نفس التقرير الرسمي ل "لهاكا" قال إن ميدي 1 تيفي شكلت بها الإنتاجات المصرية والسورية نسبة 82% من مجموع أعمال الخيال المبثوثة عليها كما أن هذه الأخيرة والقناة الثانية لم تقتنيا أي عمل من شركة إنتاج وطنية. وهي أرقام تؤكد الاستعمار الثقافي لهذه القنوات وخاصة "دوزيم" بشكل يهدد المغرب في هويته وثوابته وفي حاضر ومستقبل هذه الأمة ولم يعد يطرح فقط إشكالات الحكامة والمهنية والجودة والتنافسية. وهو تقرير ينضاف إلى الذي سبقه في موضوع الإشهار وقبله تقرير احترام التعددية اللذان أكدا خرق القنوات العمومية للقانون وحتى لدفاتر التحملات التي فصلت على مقاسهم. ثانيا: لقد عرفت هذه السنة إعمال مبدأ قتل الحكامة وترسيم الفساد وتكريس منطق "باك صاحبي" في قبول الإنتاجات وشراؤها فقد تابع الجميع على الأولى والثانية مثلا كيف يتم تمرير وكل سنة صفقات لشركات إنتاج ذات الصلة بآل عيوش وأيضا كيف فوت البرنامج الهمزة المسمى "الهودج" لصديق مسؤول كبير في دار لبريهي وهكذا، وأيضا كيف تم تعطيل لجن القراءة إلى غير ذلك، وتبقى المراهنة على دفاتر التحملات الجديدة "إلا بقات فيها شي حاجة صحيحة" في أن تغلق باب الفساد هذا بموضوع الموقع الإلكتروني لتلقي الإنتاجات وفتح طلبات العروض وتبرير الاختيارات ولجنة انتقاء على الرغم من بعض مداخل عودة الفساد التي لم تغلق بإحكام على هذا المستوى، فمبدأ الزبونية هذا أثر على الجودة وبالتالي أضعف من تنافسية هذه البرامج أمام نظيرتها المشرقية مثلا، وهو ما أكدته تقارير نسبة المشاهدة التي قالت بهجرة أزيد من نصف المغاربة إلى الإعلام الخارجي. ثالثا: لقد شهدت هذه السنة تأخرا فظيعا في إعلان قنوات القطب العمومي لشبكة البرامج الخاصة بشهر رمضان، وهو ما يعكس سيادة الارتجال والاستخفاف بالمواطنين من طرف القائمين على شأن هذه القنوات، كما جسد هذا الارتباك أيضا -وهو ما تم الوقوف عليه بالصوت والصورة- التأخر في إنتاج العديد من الحلقات بحيث في مسلسل الحياني (4 حلقات) مثلا استمر التصوير طيلة شهر رمضان وما رفقه من فضائح مالية في علاقة بعائلة الحياني ومخرج الفيلم ودار لبريهي، كما تابع الجميع موضوع الحلقات المتكررة وكيف يتم استثناء بعض الأيام من حلقات بعض الستكومات بسبب غياب الحلقة ثم يتم في اليوم الموالي عرض حلقتين أو أكثر، كما تابع الجميع كارثة اسمها "ماشاف مارا" بقيادة فنان يبدوا أن وقت اعتزاله قد حان وعليه التعجيل "قبل أن يتبهدل أكثر مما هو مبهدل اليوم" ف سلسلة "ما شاف مارا" أحد نماذج السخف الدرامي خلال رمضان لماضي وهي التي ظلت طيلة الشهر في الارتجال والتصوير إلى غاية آخر لحظة والأدهى والأمر أنها بدون قضية ولا حبكة تذكر. الخلاصة: ننتظر من "الهاكا" وباقي الجهات المعنية إصدار التقارير المتعلقة بنسب المشاهدة والدراسات والاستطلاعات التي تقيس مدى رضا الجمهور في أفق خروج النسخة الجديدة من دفاتر التحملات وتغيير الوجوه الفاسدة والضعيفة في مجال الإعلام حتى يمكننا استشراف إنتاجات رمضانية قادمة وإعلام "عمومي" يعكس هموم وانتظارات الشعب المغربي ويلبي حاجاته ويواكب التحولات الجارية في الديمقراطية والحرية ومحاربة الفساد والاستبداد، إعلام يتبنى القرب من الناس وينقل الحقيقية بالموضوعية والحياد المطلوبين وعزز الحكامة لديه بما يفتح الباب أمام تنافسية حقيقة تدفع إلى إنتاجات جيدة لتحقيق التصالح مع الذات ومنافسة الإعلام الأجنبي.