يبدو من المجازفة أن تحكم على عمل الحكومة الحالية ولم يمر على تنصيبها إلا أقل من أربعة أشهر، إلا انه من خلال بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة يمكن لنا أن نتساءل عن العمق الاستراتيجي للعمل الحكومي الذي يظهر نوعا ما من خلال بعض القرارات التي أقدمت عليها. تحليلنا يرتكز على تحليل أبعاد القرارات التالية: فرض جواز التلقيح لولوج الإدارة والفضاءات العمومية بتاريخ 10 دجنبر 2021 تسقيف سن ولوج الوظيفة (تحديده في 30 سنة بالنسبة لمباراة التعليم ومباراة الملحقين القضائيين) سحب مشروع قانون 10.16 القاضي بتعديل وتتميم مجموعة القانون الجنائي. مشروع قانون المناجم 46.20 القاضي بتعديل قانون المعادن 33.13 سحب مشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي 19.03 سحب قانون التغطية الصحية للوالدين 63.16 القاضي بتعديل قانون 65.00 في الوقت الذي يعاني فيه البرلمان المغربي من ضعف الإنتاج التشريعي، وإقبار النصوص القانونية في الغرفة الثانية، مما يسجل معه مجموعة من الباحثين في القانون البرلماني ضعف الفاعلية والحصيلة البرلمانية في الولايات السابقة، والتي لا تتجاوز 8 بالمئة من المقترحات البرلمانية، ففي الولاية السابقة لم يصادق البرلمان إلا على 23 مقترحا برلمانيا من أصل 257. مع تسجيل سيطرة الحكومة على البرلمان بنسبة 91 في المئة من مشاريع القوانين المقدمة، تختار الحكومة الحالية الاتجاه نحو تعميق الأزمة التشريعية بسحب مجموعة من القوانين كان من المفترض عرضها على الغرفة الثانية للمصادقة. وبالإضافة إلى ذلك، فالقوانين التي تم سحبها تكتسي طابعا اجتماعيا واقتصاديا، تمس بعمق علاقة المواطن بالدولة، بل ويتناقض سحب هذه القوانين مع التوجهات الكبرى التي تم الترويج لها والمتمثلة في "الدولة الاجتماعية"، مع العلم أن تبني خيار الدولة الاجتماعية في عالم تحكمه النيوليبرالية والإقطاع خيار إما أن يكون تحديا، وبعوائد ضئيلة حسب المسموح به، وإما أن يكون وهميا، إذ يجب تحرير الدولة أولا من قبضة الشركات الاقتصادية والمؤسسات الدولية، مما يسمح باستقلال القرار السياسي، وهو ما لا يبدأ بسياسة سحب القوانين الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، ومع علمنا بتصريحات الناطق الرسمي التي تقول أن سحب هذه القوانين كان من اجل مراجعتها الشاملة، إلا انه يمكن التساؤل، حول مشاريع القوانين هذه وبطبيعتها الحالية لماذا لم تجد طريقها للمصادقة من قبل، هل لما تحمله من أبعاد اجتماعية لا تستطيع معه الدولة المغامرة بإخراجها، لكلفتها المادية. وهل ستختار الدولة الحفاظ على التوازن المالي والإخلال بميزان الثقة والتوازن الرمزي. لقد كان التحليل الشبه الرسمي في الولاية السابقة، يقول ان مثل هذه المقترحات لا يجب تمريرها من قبل الإسلاميين وإلا حكمت الدولة على نفسها ببقاء الإسلاميين في الحكومة، وبالتالي يجب تمريرها على يد الأحزاب الإدراية، وهو ما لا تتجه فيه الحكومة الحالية بسحبها لهذه القوانين. لماذا يمكن وصف بداية الحكومة الحالية بالغير الموفقة؟ فإذا علمنا أن علاقة المجتمع بالدولة ومنذ ظهور الدولة الوطنية كانت تتسم بأزمة ثقة، كانت نتيجة سياسات فوقية تتسم في الغالب بتسلط إداري على المواطن، من اجل إدماجه رغما عنه في السياسات العمومية، وهو الذي كان يعيش حرية في فضاءات أخرى شكلها قبل ظهور الدولة، وإذا كان التأسيس الهيجلي للدولة يتمركز حول كون هذه الأخيرة تحقق منتهى الحرية بإيمان الفرد بها، كان عليها أن تقدم له بدائل عن الفضاءات التعبيرية التي كانت من قبل، ولأنه أمر لم يكن، تشكل في وعي المواطن أن الدولة هي سلسلة من التعقيدات الإدارية ومصدر لأوامر قطعية لا يجب مناقشتها، وبالتالي يعتبر التوجه الاجتماعي للدولة هو المصدر الوحيد الممكن لبناء الثقة بين المواطن والدولة، والإخلال به تشجيع على فصل هذه العلاقة وبالتالي دعم للتذمر والملل الذي يعيشه الفرد داخل كيان الدولة، والقرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية في بدايتها هذه تعمق أكثر أزمة هذه العلاقة. لا يمكن اعتبار قرار فرض جواز التلقيح داخل الإدارة والفضاءات العمومية، إلا محاولة لتعميق أزمة الثقة بين المواطن والدولة، ففي الوقت التي تحتاج فيه هذه الأخيرة إلى إدماج الفرد في مؤسسات الدولة وإدارتها العمومية، يجد نفسه محروما منها إذا لم يتوفر على جواز التلقيح، وبالتالي هنا يتم المساس بمبدأ المواطنة، فيصير الذي يعطي معنى للمواطنة هو جواز التلقيح، وجواز التلقيح يتم اكتسابه أو العكس من نقطة أولية وهي اختيار الفرد للتلقيح، ومن هنا تم الإخلال بمبدأ الاختيار كعنصر أساسي في الحرية، وبالتالي فالدولة الحديثة بشكلها الحالي انقلبت على المبدأ الذي تأسست عليه وهو "الحرية".