وكأن حرائق الأسواق والمُركبات التجارية الكبرى، أضحت قدرا مقدرا بمدينة الناظور. تندلع بشكل دوري، لتلتهم في كل مرة واحدا منها. مُخلفة خسائر جسيمة، ومُلحقة بالتجار تداعياتها الفادحة. إن على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي: – فقبل حوالي 20 سنة تقريبا، تعرض أكبر وأشهر سوق متلاشيات (جوطية) بالمدينة لحريق ضخم، أتى عليه بالكامل. – وفي 25/06/2014 شب حريق مهول بالمركب التجاري المغرب العربي، وهو أكبر سوق ممتاز (Super Marché) كان مصنفا وقت تشييده من طرف مؤسسة ألمانية، الأكبر من نوعه في إفريقيا. ظلت النيران تلتهم محتوياته وبضائعه وتجهيزاته لما يقارب الأسبوع، رغم تدخل فرق الوقاية المدنية الإسبانية بالثغر المحتل مليلية، لتعزيز عمليات الإطفاء، لكن دون جدوى.! وقد قدرت الخسائر وقتها بحوالي 150 مليار سنتيم. – وفي 19/05/2015 اندلع حريق كبير بسوق متلاشيات آخر بمدينة بني انصار، أدى إلى مسحه مسحاً مِن على الأرض. – واليوم 26 دجنبر 2021 يندلع حريق آخر كبير، يلتهم جزءا من ثالث سوق بالمدينة، وهو المركب التجاري الكبير الواقع في قلب المدينة. والذي من حسن الحظ، لم يأت على كامل المحلات التجارية المكونة له. – وكان ذات السوق قد شهد حرائق جزئية متعددة، كان أشهرها في سنة 2006 و2014، لكن الخسائر كانت وقتها محدودة. – وربما سيكون الدور المقبل، لا قدر الله، على آخر ما تبقى من أسواق الناظور الكبرى الذي لم تشمله الحرائق، سوق أولاد ميمون الكبير..! ففي كل مرة، يُفجع التجار ومعهم الساكنة بكوارث حرائق كبرى مشبوهة، تلتهم أسواقهم وأرزاقهم، وتشرد أسرهم وعائلاتهم، وتزيد من هيمنة شبح البطالة، الذي يجثم على مجموع المدينة والإقليم، لا بل على مجموع الجهة الشرقية. ويدفع بخيرة شبابها إلى حافة المجهول.. إما الى الموت غرقا في مياه المتوسط، بحثا عن أمل مفقود وسراب واهم في الضفة الشمالية للمتوسط. أو إلى الإنخراط في نفق الجريمة أو تجارة الممنوعات..! ويأتي حريق المركب التجاري اليوم، في ظل وضع مزري دام لسنوات، لا زال يعاني منه لحد الساعة تجار السوق الممتاز، الذي التهمته ألسنة النيران سنة 2014، ودمرت جميع طوابقه السبعة ومنها طابقين تحت أرضيين، بكل محتوياتها الكبيرة من السلع والبضائع والتجهيزات المختلفة. هؤلاء التجار الذين خسروا وقتها ممتلكاتهم وتجارتهم وزبناءهم وحتى ديونهم وودائعهم، التي كانت في ذمة الزبناء والمتعاملين. وتحولوا بين عشية وضحاها منذئذ، إما إلى تجار متنقلين (فراشة) يملأون شوارع المدينة المختلفة، أو يتدبرون قوت يومهم بالإشتغال في مهن متعددة ومختلفة، في انتظار حل قد يأتي أو لا يأتي. لكن من حسن حظهم أن المركب المذكور، هو اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات على الحريق المشؤوم، في آخر مراحل جاهزيته، بعدما أعيد بناؤه، بفضل شراكات مهمة ومتدخلين كُثر، بلغ عددهم حوالي 14 طرفا. يأتي هذا الحريق الجديد اليوم، ليضيف أفواجا من التجار المتضررين إلى طابور العاطلين الطويل بالمدينة. في الوقت الذي أُغلقت فيه سبل الأمل والشغل بالمنطقة، خاصة بعد إغلاق المعبر الحدودي لمدينة مليلية المحتلة. حيث كان الآلاف من أبناء المنطقة وحتى باقي المناطق، يشتغلون في التهريب المعيشي، ويُعيلون أسرهم وعائلاتهم. إغلاقه بقرار مفاجئ ومتهور، دونما خلق بديل اقتصادي/اجتماعي، ينتشل جيوش العاطلين من شبح البطالة. ولا يخفى على أحد، ما خلفته فُجائية قرار الإغلاق المذكور، من كوارث ومآسي اجتماعية يندى لها الجبين، تعرضت لها أعداد كبيرة من ممتهني نشاط التهريب المعيشي. لقد كان النشاط التجاري بالناظور ولا زال، إلى جانب التهريب المعيشي، النشاط الرئيسي الأبرز والأهم في تشغيل الساكنة، وتحريك عجلة الإقتصاد بها. وهو ما أعطى للمدينة على الدوام، سمعة تجاوزت حدود ترابها إلى مجموع مدن التراب الوطني. حيث يأتيها المتسوقون والزبناء من كل حدب وصوب، من العديد من مدن البلاد، وحتى من البلاد المجاورة (الجزائر- تونس- ليبيا) يوم كانت الحدود الشرقية للبلاد مع الجيران سالكة رائجة، قبل أن يشملها قرار إغلاق عدائي، من طرف عسكر الجارة الشرقية. لقد أصبح النشاط التجاري بالمدينة اليوم وبكل مستوياته، المنظم والعشوائي والمتنقل والموسمي، بعد قرار إغلاق المعبر الحدودي لمليلية المحتلة، الذي فاقم مشكلة البطالة، وندرة فرص الشغل بالمدينة، أصبح آخر ملاذات هذه الجيوش العاطلة. الجميع يمارسه ويزاوله، بل ويجعل منه ضالته المعيشية الوحيدة. حتى أن جميع الأحياء والشوارع الرئيسية للمدينة والساحات، قد تحولت إلى فضاءات غاصة بالبضائع المعروضة عشوائيا أو حتى بشكل منظم. محتلة من طرف هذه الجيوش العاطلة المذكورة. كما لو أنه لا يوجد بالمدينة نشاطا غير النشاط التجاري. وهذا في ظل غياب بديل سوسيو- اقتصادي حقيقي، يمتص هذه الجيوش وينتشلها من واقعها الإجتماعي الصعب، ويوفر لها فرص العيش الكريم. كل هذا في وقت طفت فيه إلى السطح، العديد من "الأنشطة" الغريبة عن المدينة، من قبيل ظاهرة نبش مطارح الأزبال. ناهيك عن تفاقم وتسرطن أنشطة أخرى، من قبيل حراسة السيارات والتسول والتشرد.. وإذا علمنا أن مدينة الناظور بصدد انتقالها السريع، إلى قطب سياحي وطني وربما إقليمي وجهوي كبير. بالنظر إلى أشغال التهيئة الكبرى التي شهدتها، وخاصة ساحلها الكبير الممتد، وبحيرتها الأكبر على مستوى الأبيض المتوسط، منذ أزيد من عشر سنوات على يد مؤسسة مارشيكاMarchica . وكذا بالنظر للبنيات والمنشآت السياحية الكبرى التي أقيمت بها، والتي يندرج معظمها في إطار السياحة الراقية. حتى أن زائر المدينة قد يُبهره منظرها الأنيق البراق، ويوهمه أن أوضاع الساكنة بها، هي كذلك على نفس هذا المستوى من الرفاهية. إذا علمنا سرعة كل هذه التحولات التي تشهدها المدينة على مستوى الدينامية السريعة لبروز العديد من المنشآت السياحية، ندرك ونفهم دواعي استفحال مشكل آخر لا يقل أهمية وسوءاً، وهو الغلاء الفاحش الذي تشهده وتعرفه، على كل المستويات العقارية والخدماتية والمعيشية عامة. وإن هذا ليطرح أكثر من سؤال حول طبيعة هذه المفارقة المتناقضة بالمدينة، التي تجمع بين هذين النقيضين. من جهة، تفاقم البطالة وندرة فرص الشغل، وبالتالي قلة السيولة المالية في السوق. ومن جهة أخرى، هذا الغلاء الفاحش الذي يُلهب جيوب الساكنة، ويجعل من الناظور ربما، المدينة الأغلى على مستوى تكاليف المعيشة وطنيا. ولا تخفى الانعكاسات السلبية المباشرة لمثل هذا الوضع، على جيوش العاطلين وعموم الساكنة. والمتمثلة في تفاقم تكاليف المعيشة، وبالتالي صعوبة أعباء الحياة بها. حتى أن الكثير من أبنائها قد أصبحوا يهاجرون إلى وجهات وطنية أخرى، سواء في غرب البلاد أو شمالها.، بحثا عن ظروف أفضل. وتدفع بآخرين إلى الإنخراط في ممارسة أنشطة مُهينة خادشة للكرامة أو امتهان مهن غير لائقة، كما سبق في ظل هذه الظروف، يأتي حريق المركب التجاري بالناظور اليوم ليزيد الطين بلة، ويدفع بمواطنين آخرين إلى دائرة البطالة، ويزيد من صفوف جيوش العاطلين بمنخرطين جددا، ويفرض على عائلاتهم المعاناة وشظف العيش. يأتي حريق المركب التجاري، لكي يطرح أكثر من سؤال وسؤال، حول طبيعة وأسباب اندلاع هذه الحرائق في المؤسسات التجارية للمدينة بشكل دوري منتظم، لكي تلتهم أرزاق الناس، وتحول ممتلكاتهم في كل مرة إلى رماد ودخان. يأتي هذا الحريق، لكي يطرح أكثر من سؤال بشأن الفوضى العارمة التي تعرفها مختلف الأسواق والمركبات التجارية بالمدينة، والتغييرات التي طرأت على هندستها وتصاميمها وحجم دكاكينها وممرات المتسوقين والزبناء بها. ومسؤولية المجلس البلدي للمدينة في كل ذلك. مما حولها إلى فضاءات لتكديس أكوام من السلع والبضائع بشكل عشوائي، في الممرات والساحات والجدران، لا بل وحتى في مخازن تحت-أرضية، حفرت خصيصا لذلك من دون تصاميم تذكر، وربما من دون علم المكتب التقني للبلدية بذلك. مما حول هذه الأسواق إلى قنابل موقوتة، مهيأة لوقوع كل المصائب والكوارث، بما فيها الحرائق. يأتي حريق المركب التجاري اليوم، لكي يثير انتباه المسؤولين إلى استفحال الأزمات الإجتماعية التي يعانيها ساكنة المدينة، خاصة بعد إغلاق معبر مليلية المحتلة، وعلى رأسها البطالة المتفاقمة، وما يتبعها من معاناة بالغة للعاطلين. من قبيل الطرد من منازلهم بسبب العجز عن دفع وجيبة الكراء، أو العجز عن دفع كلفة تمدرس أبنائهم وهلم جرا. وهذا غيض من فيض معاناتهم المستجدة. يأتي هذا الحريق اليوم، لكي ينبه المسؤولين بالمدينة بمختلف القطاعات، إلى ضرورة أخذ زمام المبادرة، عوض التفرج في كل مرة على حريق يلتهم أرزاق الناس، ويلحق الخسائر بالمدينة وساكنتها. والعمل على صياغة خطط طوارئ عملية مدروسة، وتنزيلها على أرض الواقع، وذلك للحيلولة دون تكرر حدوث مثل هذه الكوارث، حفاظا على مصالح المواطنين، وضمانا لاستمرارية الخدمات الحيوية لهذه المؤسسات التجارية. يأتي حريق المركب التجاري اليوم، لكي يدق ناقوس الخطر لدى جميع المسؤولين، في جميع مستويات المسؤولية الترابية، المحلية والإقليمية والجهوية وحتى الوطنية، بشأن ما تعانيه المدينة والمنطقة من تحديات على مستوى التشغيل. وهو ما يستوجب ضرورة اعتبار المدينة منكوبة اجتماعيا، مما يؤهلها للإستفادة من ضخ استثمارات استثنائية، من شأنها التخفيف من الأوضاع المزرية لجيوش عاطلي التهريب المعيش وعموم ساكنة المدينة.