عزيزي القارئ، حين عقدت العزم على إعادة الكتابة في هذا الموضوع ، ونحن على مشارف اليوم العالمي للغة الأم ، لم أنزل عند هاتفي الوجداني فحسب، ولا عند اهتمام مناسباتي مكرور و بارد، لا ولا جريا على خطى خطابات نخبوية باهتة تخبو حماستها في الوم الموالي، بقدر ما هو استنكار صارخ لوضع لغوي شاد ،لا يظهر في الأفق القريب –على الأقل- أنه سيتغير …. ، وضع استأسدت فيه الفرنسية في كل منظوماتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فاستنكفت عن ان تكون مجرد لغة لتصبح طريقة حياة ونموذج تحضر…. وضع، تبدو فيه مظاهر وتجليات هجرة اللغة العربية والإمعان في احتقارها كما الأمازيغية ، مقابل اختراق عجيب لسياسة الفرنسة بكل المظاهر الوطنية ضرب من التطبيع الممنهج …. وبالجملة ،إداراتنا العمومية وتعليمنا وإعلامنا ومؤسساتنا الصناعية والتجارية، بل وحتى أسماء وإعلانات شوارعنا وبطاقات زياراتنا وحفلاتنا وقوائم أطعمتنا تمنح ولاءها كاملا غير منقوص للفرنسية ، وتعطي إشارات طمأنة قوية لدعاة الفرنكفونية ولا عجب. فهل ثمة تقزيم للهوية وعبث بالخصوصية الوطنية ، أنكى من هذا الاستلاب الثقافي ، وأشد وطأة من هذا العبث الذي يعمي نظرنا عن لغتنا الأصل أو عن أي لغة عالمية أخرى؟ عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ إن كان للغتنا العربية من سوءة نسجلها ، ونستحيي الإفصاح عنها فهي نحن ، أنا وأنت وأنتم وهم أجل ، نحن المهزومون حضاريا ولغويا ، ولسنا نعدم الأدلة عل صدق القول ، ولكننا سنقتصر على بعض الأمثلة إذ يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق: – دلونا على "رياضات أطفال" بلد ما ، تلقن فيها أبجديات لغة أجنبية بدل أبجديات اللغة الأم – دلونا على دولة تتصدر قوائم الترتيب العالمي في مجال التربية والتعليم ، استثمرت في تدريس أبنائها على حساب لغتهم الأصلية (فنلندا _ إسرائيل…) -دلونا على دولة تمعن في تعميق الهوة بين نخبها وشعبها عن طريق الهجرة نحو لسان آخر…. -دلونا على أكاديمية سطرت في ميثاق وطني وحصل عليا إجماع وطني ، لم تبارح مكانها كسطر عابر في هذا الميثاق ، إنها ببساطة أكاديمية محمد السادس للغة العربية. أخي القارئ أنى للغة مهما امتلكت من مقومات القوة أن تفعل شيئا في عقول مهزومة و تابعة ، وألسنة معوجة ترقع ما عندها من النقص بالنظر إلى لسان غيرها ، تتنكر للسانها وخصوصيتها و هويتها؟ ، فلا هي لحقت بركب غيرها، ولا هي حافظت على مقوماتها ، لا، لسنا دعاة الانغلاق ولا التقوقع حول الذات ، بقدر ما نحن دعاة لرد الاعتبار للغتنا العربية وكذا الامازيغية، دعاة للحيلولة دون استئساد أرعن للغة أخرى نهين بها لغتنا و نقزم بها خصوصيتنا وتاريخنا ، فهل كثير علينا أن نجزع ونحزن على حالنا أم كثير علينا أن نستنكر و نتذكر؟؟؟ أختي القارئة وإلى أن نستفيق من أخذة العجب هذه،فنؤمن بأن احترام اللغة من احترام الذات ومن تجليات الاعتزاز بالانتماء ، ونؤمن بأن اللغة والهوية هما وجهان لعملة واحدة، سنظل في غفلة من الدهر قابعين في منظومة الغياب الشامل . أخي القارئ إسرائيل هذه الدولة الفقيرة إلى التاريخ، تمشي قدما في تأسيس دولتها جنبا بجنب مع اللغة االعبرية التي لا تنطق بها أمة في العالم، أليس هذا باعثا على التأمل والاحتذاء؟ لماذا لا يتحدثون الإنجليزية أو العربية؟ الجواب ببساطة ، أن الصهيونية تريد وطنا حقيقيا وتاريخا حقيقيا، ولهذا كان لابد لها من استخدام اللغة التي تميزها وتمنحها الحق في الظهور في التاريخ كأمة ووطن وأرض وشعب ولن تتحقق المعادلة إلا باللغة. أختي القارئة أليس فينا رجل حكيم يفك شفرة هذه المعادلة؟ سؤال ،سأترك لعلماء اللغة وأصحاب القرار وصانعي السياسة اللغوية في هذا البلد العزيز مهمة تحرير جوابه ، بل لربما عدنا إليه نحن بعد فترة من الزمن قد تطول أو تقصر، وحتى ذلكم الحين أصرح مطمئنة ، أن اللغة استعمال يومي في شتى مناحي الحياة، أن اللغة ترجمة وجدانية لتاريخ ضارب في العمق وتراث زاخر بنسائه كما رجاله، وكل كلمة في هذه اللغة لها تاريخ وجداني وظلال نفسية لا تمحى. من هذا المنطلق، لعل عودة ثابتة لقولة محمد صادق الرافعي البليغة وهو يخاطب أحد الصحفيين الداعين إلى هجران اللغة العربية قائلا:( أفتحدث أنت للناس لغة وأدبا وتاريخا ثم طبائع متوارثة تقوم عل حفظ اللغة والأدب والتاريخ أم تحسب أنك تستطيع بمقالة عرجاء في صحيفة مقعدة أن تهدم شيئا أنت بين أوله وآخره كعود من القش يؤتى به لاقتلاع جبل من أصوله) قلت ، لعل عودة ثابتة لقوله هذا الرجل كافية لتوطين هذا الإيمان الراسخ بكل ما تقدم…. أخي القارئ إن قضية اللغة والهوية أكبر من بحث ، و أعمق من يوم عالمي ، وأوسع من محاضرة ، وأغنى من مبادرة هذا وذاك ، وستظل مثارة إلى ما شاء الله، ولكن مطمحنا السامي اليوم هو أن نقترب من الخيط الناظم للغة والهوية ،أن نشمر عن سواعد الجد لتصحيح هذا الميزان المختل وهذه المقاييس العرجاء ، وإذا كنت لا أخفي أن اللغة العربية لن تموت بموتنا ، فإني متحسرة على أفذاذ من هذه الأمة ، أبلوا البلاء الحسن في استكمال صورتها والتأريخ لعلومها ،فغادروها إلى دار البقاء مطمئنين ،قلت إني متحسرة على جهودهم التي لم نصن منها شيئا ذا بال أو أثرا يذكر في موضوع ينضح بالخصوصيات ، فلله ذرهم في ما حبروا ودونوا بمداد من عزة وفخر .