كنت أخبرتك في نهاية المقال السابق، من هذه الفصول التي أنشأتها لكشف جهل وكذب وتدليس هذا الدعي، أنني سأسحب عنه لقب "الأستاذ"، وأناديه بأي شيء يتفق للساني ويخطر لبالي، ولكنني نظرت وقدرت وأرجعت البصر، فوجدت أنني بإزاء شخص بلغ من العمر عتيا واشتعل الشعر في رأسه شيبا، وأن شيبته وعمره، يجعلان له علي حق التوقير وإغضاء الطرف، في الحدود التي تقتضي التوقير والإغضاء، فرأيت أن أحفظ له الصفة "الأستاذ" التي أناديه بها. وقبل أن أكمل ما كنت بدأته، فإنه يحق بي أن أرد بعض الظنون التي تثار عند بعض أصحاب النفوس المريضة، والذين قد يتوهمون أنني إنما أبحث عن الشهرة من خلال الرد على تراهات الأستاذ الفاضل، وأن همي من كل هذا هو الصعود على ظهره، ولأني أخوف ما أخاف هو أن يظن بي شيء لا أقصده، فإنه وجب علي أن أبين أمرا و أكشفه للقاريء الكريم، وهو أنني لو كنت أبحث عن الشهرة لما قضيت عشر سنوات من حياتي، أكتب وأناظر وأجادل، بغير إسمي الحقيقي، وإنما بإسم مستعار ارتضيته لقبا لي وإسما يدل علي، ثم أي شهرة هذه التي أصبو إليها عن طريق الصعود على ظهر الأستاذ الفاضل؟؟. و عبر هذه السنوات العشر، الغابرة ورائي، التي قلت لك عنها أنني قضيتها أكتب وأناظر بعيدا عن إسمي الحقيقي الذي أكتب لك به الآن، فقد خلصت منها إلى حقيقة مهمة، وهي أن الغالبية الكثيرة من شبهات الملحدين والعلمانيين، وهجومهم على الإسلام، لا تتجاوز الأمور الجنسية، فيتركون كل ما يمكن نقاشه من أمور العلم والفكر، ويتجهون فقط إلى أمور الجنس، وكما تعلم يا صديقي، ومايدريني فلعلك أيضا لا تعلم، أن كل كلام إلا وفيه الشيء الكثير من نفس قائله، وهؤلاء ليس في أنفسهم ولا في فكرهم إلا الجنس، فكل الرادارات عندهم معطلة، ما عدا ردارات السروال، بوجهه وقفاه (ريكتو، فيرسو)، لهذا لا تكاد شبهاتهم تتجاوز الرضاعة الكبيرة، وتعدد الزوجات، ونكاح القاصرات، والزواج بالمتقدمات في السن( كما قالت إحدى رفيقات الأستاذ) ومن خلال هذه الرحلة الطويلة التي قضيتها مع هؤلاء وأشبابهم، فقد انتهيت إلى أن الزيغ والضلال، إنما يتولدان عن أمرين: فإما شبهة أو شهوة، ثم وجدت أن من ضل بسبب شبهة عزيز ناذر يكاد يكون منقرضا، وأن السواد الأعظم من هؤلاء إنما تعلقوا بالشهوات، فلذلك لا يتكلمون في هذه الأمور إلا لغرض واحد، و هو شرعنة شهواتهم. كما أن هؤلاء وأمثالهم وأشياعهم، لا يجيدون البحث، ولا يصبرون على التقصي والخوض في دقائق الأمور وأسرار العلوم، وعلة ذلك أنهم لا يملكون النفس الطويل، والنظرة المستقصية، ولا يقدرون على إعنات الفكر وإتعاب الروية، ولأجل هذا، وغيره، يقعدون دون القدرة على تقليب العلوم والنظر في أساليب أربابها وطرق من قعدوا لها، ومن هنا كان الجنس وما يتعلق به ويحوم حوله، هو مبلغ علمهم، ومنتهى فكرهم، وعليهم تقوم شبهاتهم وهو بذلك ينزل من عقولهم منزلة المعقول من عقول أهل النظر والجدل والرأي، فكما لاتخطيء هذه العقول المعقول وتهجم عليه، فإن تلك العقول لا تخطيء الجنس وتهجم عليه. و متى تجاوز العقل العلماني، وخاصة العربي منه، أمور الجنس، إلا ورأيته يتخبط، فلا يسير على منهج، ولا يقتفي أثر هدى، ودعني أضرب لك مثالا على تخبط العقل العلماني العربي، فبينما تجده يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، فإنك تجده أيضا يدعو إلى العلمانية، والعلمانية، وبعيدا عن أنها مذهب إلحادي كما صنفتها دائرة المعارف البريطانية، فإنها في الأصل معتقد، وإذا مددنا مع العقل العلماني الكلام على استقامته، فإن لازم قوله يقتضي فصل العلمانية عن الدولة. وما أصدق اللورد كلومر حين قال في وصف هؤلاء: " لم يتشربوا روح الحضارة الأوروبية ولم يدركوا إلا قشورها، وهم بذلك قد فقدوا أحسن ما في الإسلام وأحسن ما في المدنية الأوروبية"، وقد صدق وهو الكذوب، فلو كانوا حقا أدركوا معاني الحضارة الغربية، والمدنية الأوروبية، لعلموا أنها بنيت على معتقدات القوم وثقافتهم وتاريخهم، ويكفي في بيان ذلك، أن ما يسمونه "الديمقراطية" ومقوماتها، أنه منهج قديم غاية في القدم، وهذا مما يعلمه طلبة السلك الثانوي. ***** وأعتذر منك أيها القاريء الكريم، على هذه الإطالة في القول، ولكنها أمانة البيان، التي يحملها كل من أدخل نفسه في هذا الميدان الخطير والمضطرب، فكان خليقا بي أن أفي بأقل حقها وحقك علي، وأما الآن، وبعد أن أوفيت لك ببعض هذا الحق الذي لك علي، فإنني أعود إلى كلام الأستاذ الفاضل. قال الأستاذ الكريم:"والخطير ما ذهب إليه الأئمة مالك والشافعي وأبو حنيفة من أن الرضيعة التي عمرها دون السنتين لو أطاقت الجماع جاز وطؤها عندهم، فضلاً عن لمسها بشهوة وتفخيذها. وما زال بعض المشايخ اليوم يؤكدون ذلك دون خجل. والغريب هو كيف يعتبر هؤلاء بأن الرضيعة تطيق الوطء؟ إنها غاية الاعتداء على الطفولة انتهاك حرمتها. والحقيقة أن لمس الرضيعة وتفخيذها واستغلالها جنسيا اعتبر عند عموم الفقهاء أمرا مسكوتا عنه، بمعنى أنه حلال ويدخل ضمن حقوق الزوج ما دام لم يرد فيه نص تحريم، يقول ابن قدامة في المغني لا يوجد دليل على حرمة مباشرة الرضيعة وتقبيلها وتفخيذها بشهوة" إنتهى كلامه. وقد سبق ونقلت لك كلامه هذا في المقال السابق، وعرضت له بالرد، مبينا صفاقة وجه الأستاذ الكريم في الكذب على الأئمة، وطالبته على سبيل الإلزام، أن يقدم لنا أقوال علماء المذاهب الأربعة السنية الذين أجازوا هذا الأمر المنكر، وذلك حتى نفضحه أمام القراء، وحتى يعلموا حقيقة أمره، ويدركوا أن بينه وبين العلم، من السنوات الضوئية، ما يفوق عدد حبات الرمل في الصحراء المغربية، ولكنه استمر في تواريه خلف الحجاب، ودفن رأسه في التراب، مقرا بذلك أنه كذاب. و قد أعدت نقل كلامه مرة أخرى، في هذا المقال لأوجه إلى الأستاذ الكريم إلزاما آخر، فانظر معي قوله: "والحقيقة أن لمس الرضيعة وتفخيذها واستغلالها جنسيا اعتبر عند عموم الفقهاء أمرا مسكوتا عنه، بمعنى أنه حلال "، و هذه حركة ذكية من الأستاذ الكريم، على غبائه، فهو إدعى أن أئمة المذاهب (ذهبوا) إلى جواز الاستمتاع بالرضيعة، وهذا يعني أنهم صرحوا، أو على الأقل لمحوا، ثم بعد هذا، ولأنه يعرف من ذات نفسه أنه كذاب، جعل سكوتهم وعدم تطرقهم لهذا الامر إباحة منهم له، وهذا يعني أن الأئمة لم يصرحوا ولم يلمحوا، وهذا إقرار منه أنه كذاب ومدلس، ويفتقر لأبسط شروط البحث والتقصي، إضافة إلى هذا فإنه نقل قول العلماء بالقدرة والاستطاعة، فما هذا التناقض العجيب، في المقال الواحد، والذي لا يليق بمن يشدو شيئا من الفكر، فضلا عن شخص يدعي الفكر؟؟ فكيف ينقل عنهم قولهم وإشتراطهم القدرة والاستطاعة وينسب إليهم القول بتفخيض الرضيعة؟؟ و لعل أحدا يقول لي، إنما إشترطوا القدرة والاستطاعة للجماع وليس للتفخيض، وهذا مردود على أية حال، وذلك أن الأمر لو كان على هذا النحو الذي يفترضه القائل، لأجازوا الإستمتاع بمن هي أكبر من الرضيعة، ولكن العلماء إشترطوا ألا تسلم البنت إلا بعد توفر الشروط السالف ذكرها، من قدرة واستطاعة وإستئذان، وقد بينا كل هذا في المقالين السابقين، فارجع لهما إن شئت. ومادام الأستاذ الكريم، يصر على العودة بي لأيام خلت من عمري، فلا بأس من أن أعود معه، وأقول: الإلحاد عموما، والعلمانية خصوصا، سكت عن حكم جماع المحارم، فما الذي يمنع الملحد عموما، والعلماني خصوصا، من جماع أمه؟؟ مع أن الحيوان يفعلها وباله مطمئن مرتاح. يقول الأستاذ الفاضل: "فهذا ابن القيم الجوزية في كتابه "بدائع الفوائد" كتب ما يلي: وفي الفصول روي عن أحمد في رجل خاف أن تنشق مثانته من الشبق، أو أنثياه لحبس الماء في زمن رمضان، يستخرج الماء ( يقصد المني)، ولم يذكر بأي شيء يستخرجه، قال: وعندي أنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره، كاستمنائه بيده، أو بيد زوجته،… فإن كان له أمة طفلة، أو صغيرة، استمنى بيدها" انتهى كلامه ويأبى الأستاذ الكريم، ولا يرضى، إلا أن يعود بنا إلى الحديث عن المنهج، مرة أخرى، ويصر إصراره على تعذيبنا بجهله، فلو أن الأستاذ، وقبل أن يتغوط، أعطى لنفسه فسحة من الزمن، يقرأ فيها ويتعلم، أساليب بناء العلم وطرق تفكير أربابه، لكفى نفسه مشقة الإبانة عن جهله، وكفانا بذلك مشقة صفعه، ولكنه لا يجيد البحث، ولا الصبر على التقصي، ولا يملك القدرة والاستطاعة على الخوض في أساليب بناء العلوم، ولا إقتفاء طرق تفكير أهلها. ولو أنه كان يملك ما أشرت إليه، لأدرك أن قول ( روي عن فلان، أو حكي عنه، أو قيل) أو غيرها من صيغ التمريض إنما تفيد عدم صحة نسبة القول إلى قائله، وأن الراوي الواسطة مجهول العين، وهذا مما يدخل الرواية في أنواع الضعف، ولكن الأستاذ لايدرك هذه الأمور ولا يستوعبها، ويظن أن العلماء كانوا يكتبون كما إتفق، وأن قولهم روى فلان، وروي عن فلان، في المعنى على سواء، ورغم معرفتي أن ليس له من هذا الكلام إلا النقل، إلا أن ذلك لا يشفع له عندي، لفساد مقصده. كما أحب أن أنبه إلى شيء، وهو أن تلك الكتب، تكتب للعلماء وكبار رجال الفكر، ممن يجيدون الفهم ، ويحسنون النظر، فيعون معنى ( روي)، وأنه على غير سواء مع معنى ( روى)، فهم لا يكتبون للجهال مثل الأستاذ الكريم، الذي لا يجيد إلا حمل شبهات المستشرقين والروافض، وينسبها إلى نفسه. أما قول الطفلة، فيقصدون به الفتاة الشابة، وهذا اللفظ معروف معناه عند المغاربة في عاميتهم ، مثل القول المنسوب إلى عبد الرحمن المجذوب: ( لايغرك زين الطفلة حتى تشوف لفعايل) وهو يقصد البنت الشابة، و تجد هذا حتى في بعض أغانيهم القديمة، ولا داعي أن نذكر الأستاذ بما يفعله البنات الصغيرات في أوروبة، والغرب عموما، مع ما يسمونه (الأنتيم)، فأنا على يقين أن الأستاذ يعرف هذا جيدا، فهو ميدانه الذي يجري فيه كما يريد، و يمرح على أرضه كما يتفق، ألا ترى أن كلامه وفكره، لا يخلوان من نفحات السروال؟؟ هذا، وأحب أن أختم هذه الفصول، بأمرين، فأما أحدهما: فهو أن باب (نكاح الصغيرة) لم يفهم منه الأستاذ إلا شيئا واحدا، وهو زواجها بمن هو أكبر منها، ولم يستوعب أن الأمر يشمل من كان في سنها، وهذا موجود متوافر، وإن كان لا ينتبه إليه، ولكن الأستاذ لم يفهم منه إلا شيئا واحدا وهو زواجها بمن هو أكبر منه!! و أما الآخر فهو قول الأستاذ: "الكتب المؤسسة للفقه الإسلامي" فهذه العبارة تجري على طريقة كتابة من يترجمون كتب المستشرقين، وذوقها قريب من عبارات مثل "التفسيرات الكلاسيكية" وغيرها من العبارات الركيكة التي تستعمل في ترجمة كتب الإستشراق. * كاتب مغربي، باحث في العقائد والمدارس الفكرية، والاستشراق