لا أدري لماذا تذكرت رواية (دون كيخوتي دي لا مانتشا) للأديب الاسباني (ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا)، والتي اشتهرت عند العرب ب (دون كيشوت)، وانا اتابع "النهج الجديد" التي تتبناه "القائمة المشتركة" في إدارتها لنضالها ضد سياسات التمييز العنصري والقهر القومي الإسرائيلي! عموما، ولمن لا يعرف، تعتبر رواية (دون كيشوت) بداية النزوع الى "الواقعية الأدبية" في الأدب الغربي، وهي تسعى الى تصوير الحياة تصويراً واقعياً دون إغراق في المثاليات، أو جنوح صوب الخيال. تدور أحداث الرواية حول شخصية رجل نبيل قارب الخمسين من العمر يقيم في قرية في إقليم (لامانتشا)، وكان مولعًا بقراءة كتب الفروسية بشكل كبير. كان يصدق كل كلمة في هذه الكتب على الرغم من أحداثها خيالية ولا علاقة لها بالواقع مطلقا. بسبب تأثره بقراءة كتب الفرسان الجوالين، فَقد بطلنا (ألونسو) عقله من قلة النوم والطعام وكثرة القراءة، ويقرر أن يترك منزله ووطنه، ويشد الرحال كفارس "مغوار" باحثا عن مغامرات تنتظره. أخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة، مرتديًا خوذة بالية مع حصانه الضعيف (روسينانتي). على عادة الفرسان القدماء، أقنع (دون كيشوت) جاره البسيط (سانشو بانشا) بمرافقته ليكون حاملًا للدرع ومساعدًا له مقابل تعيينه حاكمًا على جزيرة. يقبل (سانشو) بالعرض "المغري" لسذاجته، كما حدد بطلنا "حبيبته" التي سيهديها انتصاراته الكبيرة، إذ لا يجوز للفارس الا يكون "محبا"، وإلا كان كالجسد بلا روح! انفصل بطلنا بخياله عن الواقع الذي يعيش فيه، متقمصا شخصية الفارس من ازمنة غابرة، حيث بدا يرى كل ما حوله ومن حوله بمنظار ذلك الفارس الذي عاش في زمان غابر! مرت في الرواية أحداث كثيرة، إلا ان أشهرها وأكثرها طرافةً كان صراعه مع طواحين الهواء التي توهم أنها "شياطين" لها أذرع هائلة تقوم بنشر الشر في العالم، فقام (دون كيشوت) بمهاجمتها غارسا فيها رمحه، لكنه علق بها فرفعته إلى الهواء عالياً ثم طوّحت به أرضاً فرضّت عظامه.. هكذا كان حاله على امتداد الرواية. تنتهي الرواية بيقظة "البطل" من "حُلُمه"، وعودته من العالم "الافتراضي" الذي صاغه بنفسه، ليصطدم بالواقع ولكن بعد ان خسر كثيرا، وتأخر كثيرا! رسالة الرواية – اخذا بعين الاعتبار الظروف التي ولدت فيها – يمكن تلخيصها في إشارة مؤلفها الى حرص بطل الرواية على إعادة العالم الذي بدأ يغرق في عالم المادة، الى عالم القيم والأخلاق والمثل العليا. وهي هدف نبيل بلا شك، وهي مهمة المصلحين عبر التاريخ. الا ان بطلنا لم ينجح في مهمته لا لأن هدف مهمته لم يكن صحيحا، ولكن لأنه اختار طريقا إشكاليا يصل حد "الخيال" من اجل تحقيق الإصلاح والعدالة والمساواة والحرية. كما لم يَسْعَ الى غايته النبيلة بصبر وروية، وبِسُبُلٍ واقعية ومنطقية وعقلانية، تحملها نفسٌ كبيرة تأبى الضيم وترفض الظلم، وتصر على الوصول مهما كلفها ذلك من ثمن! لَمّا لم يفعل ذلك، كانت الخسارة كبيرة، والثمن الذي دفعه بالغا! (1) أوجه الشبه بين مأساة القائمة "المشتركة" ومأساة (دون كيشوت) كبيرة.. فانا شخصيا لا أشك في أن نوابها – كما اعرفهم عن قرب – مخلصون وصادقون في سعيهم لخدمة وطنهم وشعبهم وأمتهم تماما كما كان (دون كيشوت). إلا أنني أرى ان طريقهم لتحقيق كل ذلك أصبح بعد المشاهد التي بتنا ننام ونصحو عليها، خاطئة في اقل تقدير، من حيث خطرها على الوحدة الوطنية التي تسببوا في اصابتها بأضرار بالغة قد تُغلق الطريق على اية تسوية مستقبلية، وهبطت في ادواتها الى حد "الكوميديا السوداء" التي لا تليق بشعب التقت عليه نيران العنصرية والجريمة في آن واحد! لذلك، أخشى ان تتأخر استفاقة اخوتنا نواب المشتركة فلا تكون الا بعد ان يفوت القطار، ويتسع الخرق على الراقع، ويتحول الانقسام في مجتمعنا من حالته السياسية الى حالة "نفسية" أعمق وأخطر من ذلك بكثير، وعندها ستكون الفاجعة ليس للمشتركة فقط ولكن لمجتمعنا العربي التي ينتظر من أحزابه وحركاته ورؤسائه وهيئاته الوطنية ومؤسساته الاهلية، الكثير! (2) إلى ماذا أرمي بعد هذه المقدمة؟ لنبدأ القصة من البداية! انتهت مفاوضات الأحزاب العربية قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة (23.3.2021) بانقسام كانت له أسبابه التي لن اخوض فيها لأنها ليست اولويتي في هذه المرحلة، ليخوض المجتمع العربي هذه الانتخابات من خلال قائمتين: (القائمة العربية الموحدة)، الذراع السياسية للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، و (القائمة المشتركة) والتي هي تحالف أحزاب ثلاث: الجبهة الديموقراطية/الحزب الشيوعي، التجمع الوطني الديموقراطي والحركة العربية للتغيير. كانت القائمتان صادقتين مع ناخبيها، إذ عرضت كل منهما برنامجها السياسي بكل صراحة ووضوح وشفافية، والذي على أساسه طلبت دعم الناخبين.. كان شعار (الموحدة): صوت واقعي، مؤثر ومحافظ، بينما كان برنامج (المشتركة): ليس بالإمكان أفضل مما كان! انتهت الانتخابات وانقشع غبارها عن نتائج لا تقبل التأويل.. اعطى الناخب العربي ثقته لطرح (الموحدة) والتي حصلت على أربعة نواب (خسرت الخامس بفارق بسيط)، ودعم 172 ألف صوت، بينما حصل (المشتركة) بأحزابها الثلاث على ستة نواب، ودعم 212 ألف صوت! انتهت المفاوضات بين الاحزاب بتشكيل الحكومة (حكومة التغيير برئاسة الثنائي بينيت/لابيد!)، والتي ضمت أحزابا من اليمين والمركز واليسار، مدعومة بائتلاف حكومي أصبحت فيه (الموحدة) جزءا مركزيا ومؤثرا (لسان الميزان)، لأول مرة في تاريخ الجماهير العربي الفلسطينية منذ العام 1948، بينما قررت (المشتركة) ان تظل جزءا من المعارضة التي تضم الليكود برئاسة نتنياهو، وحزب الوحدة الوطنية برئاسة بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، والأحزاب المتدينة الأصولية شاس ويهدوت هاتوراه. توقعت – بل وأملت كثيرا – في ان تنجح القائمتان العربيتان في التوصل لتفاهمات – رغم الاختلاف في الاجتهادات السياسية لكل منهما – تضمن تحقيق غايتين عظيمتين. الأولى، تحقيق الحد الأقصى من التفاهم والتعاون بين الطرفين، والاستفادة القصوى من وجود القائمتين في طرفي المعادلة السياسية (المعارضة) و (الائتلاف الحكومي)، من غير اخلال بقواعد العمل البرلماني، ومن غير تنازل كل طرف عن قناعاته واجتهاده السياسي، ومن خلال تفهم كل طرف لخصوصية الطرف الآخر، ومن خلال تقديم المصالح العليا لمجتمعنا العربي الفلسطيني على اية اعتبارات حزبية او شخصية. الغاية الثانية، إعطاء المثل الأعلى في إدارة الخلاف السياسي بكل فروسية وثقة متبادلة وحوار أخوي، بعيدا عن الاسفاف والتراشق بالتهم، والهبوط بمستوى التنافس الى درك سحيق! فماذا حدث فعلا؟ مع الأسف، قررت (المشتركة) ان تذهب في طريق الصدام بدل الالتحام، وطريق العداء بدل الموادعة، وطريق الحرب بدل السلم، وطريق التوتير بدل التهدئة، وطريق التصعيد بدل ضبط النفس، وطريق الاتهام بالباطل بدل البحث عن المشترك! ذهبت الى (المشتركة) الى أكثر من ذلك، فقد تحالفت مع الليكود ونتنياهو وسموتريتش وبن غفير، وهم الذين دعت الى اسقاطهم في دعايتها الانتخابية على اعتبار أنهم مَنْ يتحمل كِبَر المؤامرة على المجتمع العربي والأكثر عنصرية حكمت إسرائيل على مدار نحو خمسة عشر عاما من حكم نتنياهو وحلفائه! كل ذلك وقع، في الوقت الذي دعت فيه (الموحدة) الى تحكيم العقل، والابتعاد عن التراشق والحرب التي لن تخدم الا أعداء مجتمعنا وشعبنا، ومدَّت يدها – وما تزال – لكل اشكال التعاون الممكن في ظل قواعد اللعبة البرلمانية التي تحكم الائتلاف والمعارضة! (3) وَقَعَتْ المشتركة فيما وقع فيه (دون كشوت)، وها هو الدليل.. كيف يتعامل الليكود وحلفاؤه مع المشتركة؟ وما هي طبيعة اللعبة التي تجري بينهما، ومن الرابح ومن الخاسر فيها في النهاية؟! كيف وقعت نوايا (المشتركة) النبيلة ضحية لخياراتها السياسية الخاطئة، ولأساليبها الضارة في إدارة خلافها مع (الموحدة)؟ انا لا أعني طبعا ب "خياراتها السياسية" مسألة الدخول في الائتلاف الحكومي من عدمه، فهذا يظل اجتهادا مشروعا، لا يجب ان يكون سببا في نزاع او صراع، تماما كما هو خيار (الموحدة) الدخول في الائتلاف الحكومي… فكل طرف يتحمل مسؤولية خياراته نجحت او فشلت… الا ان الحفاظ على العلاقات البينية الصحية بين الشركاء العرب يجل ان تظل من الثوابت التي يُحَرَّمُ المساس بها مهما كانت الأسباب! أكد الليكود على لسان أكثر من قيادي فيه على مجموعة من الثوابت اليمينة المتطرفة التي انصح "المشتركة" الا تتجاهلها مهما كانت الاسباب، من اجل الوصول الى مرحلة نبدأ فيها اصلاح الاجواء العامة في حياتنا السياسية والحزبية العربية خصوصا والاجتماعية عموما.. يمكنني تلخيص هذه الثوابت التي يؤكد عليها زعماء الليكود فيما يلي: 1. دَعْمُ الليكود وحلفائه المشروط والمحدود زمانا، والمُريب مضمونا، لبعض اقتراحات قوانين المشتركة، جاء لإحراج الموحدة والائتلاف الحكومي وخدمة الليكود ونتنياهو، وتعزيز فرص عودته مع حلفائه بن غفير وسموتريتش للحكم، وليس خدمة للمجتمع العربي كما يتوهم اعضاء المشتركة! 2. يحرص زعماء الليكود على التأكيد ان مشروعات قوانين المشتركة ستموت في مهدها، ولن ترى النور ابدا، ولن يسمح الليكود بتجاوزها مرحلة القراءة التمهيدية لأسباب ايديولوجية واستراتيجية، إلا فيما ندر وبما يخدم مصلحة الليكود الاستراتيجية والتي تتحد حاليا في العودة الى الحكم! 3. لن يدعم الليكود وحلفاؤه أية اقتراحات لمشاريع قوانين للمشتركة ذات طابع سياسي كما حصل في مشروع قانون "مجزرة كفر قاسم"، ناهيك عن ان يدعم مشروعات قوانين أعمق في ابعادها السياسية، والتي تستطيع (المشتركة)ان تقدمها نكاية في الموحدة او احراجا لها دون ان ترى النور، ابتداء من تحرير فلسطين من البحر الى النهر، واعلان اسرائيل عن حل نفسها، وتحرير كل الاوقاف المصادرة، والاعتراف بملكية العرب في الجنوب على النقب، والمصادقة على اقامة ثلاث مدن عربية في البلاد، وثلاث جامعات وثلاث مستشفيات في الجليل والمركز والنقب، وتسجيل كل العقارات والمساكن في المدن المختلطة باسم أصحابها العرب، وافتتاح اول بنك إسلامي عربي في إسرائيل، واعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة الفلسطينية، واعادة كل الاراضي المصادرة من السكان العرب منذ العام 1948، والغاء قانون ضم القدس الشرقية، والاعلان عن القدس عاصمة لفلسطين، والغاء قانون العودة اليهودي واستبداله بقانون العودة للاجئين الفلسطينيين بناء على القرار 194، وتنفيذ قرار التقسيم 181، وازالة الاستيطان اليهودي في القدس والضفة… الخ… (4) بناء عليه نشهد تدهورا مستمرا تقوده (المشتركة) في العلاقات العربية – العربية، لا يمكن ان يخدم مصالح الجماهير العربية، يمكن تحديد اهم ملامحه فيما يلي : 1. استبدال المشتركةُ تحالَفَها وتعاونَها مع الموحدة بالتعاون مع الليكود وحلفائه سموترينش وبن غفير، والذين جعلوها مطية لتمرير خططهم التي تضرب في صلب المصلحة العربية، أمرٌ مُدان ومستنكر ولا ينبغي لأحزاب تحترم نفسها وناخبيها، ان تقع فيه! 2. استمرار المشتركة في هذا الطريق المفخخ واستمرار حربها على الموحدة، وتماديها في التطاول وتوجيه التهم الباطلة لها، ونقل الحرب الى الخندق العربي، ليس الا حربا بالوكالة تخوضها المشتركة نيابة عن نتنياهو (الليكود) وحلفائه، الذي عملت المشتركة على اسقاطه في جولات الانتخابات البرلمانية الاخيرة! فلما اسقطته الموحدة، تحالفت المشتركة معه دون ان يرف لها جفن. 3. قد يقول قائل، لكن الموحدة قد تحالفت مع يمين ايضا.. هذا كلام حق أُريد به باطل، فالقياس هنا مع الفارق الذي لا لبس فيه، والجواب على هذا الادعاء بسيط.. سياسيا، المعارضة الصهيونية والمتدينة كلها نسيح واحد، يحمل حقدا دفينا وكراهية لكل ما هو عربي، وهذا ما يظهر واضحا في تصريحاتهم وسياساتهم! حَكَمَ الليكود وحلفاؤه إسرائيل نحوا من خمسة عشر عاما، كان عنوانهم فيها العداء السافر للعرب، والتحريض الدائم عليهم، وتعميق التمييز العنصري والقهر القومي ضدهم، مما خلق اجماعا لدى المجتمع العربي أحزابا وهيئات وطنية على ضرورة العمل على اسقاط نتنياهو وحكومته.. افشال المشتركة في جولات الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي انتهت بالجولة الأخيرة التي جرت في ظل الانقسام العربي، افشالها لنتنياهو في تشكيل الحكومة، كان مصدر فخار للمشتركة وقيادتها.. من غير المفهوم ان تنسى المشتركة هذا التاريخ القريب، لترتمي في أحضان من عَمِلَتْ على اسقاطهم بالأمس فقط "نكاية" في الموحدة واحراجا لها.. إن ظن قادة المشتركة انهم "يضحكون" على الليكود وحلفائه، ويستغلونهم لتمرير بعض القوانين، فهذا هو محض سراب خادع يدحضه الواقع، وتنفيه الوقائع! في مقابل ذلك، فإن الائتلاف الحكومي الحالي برئاسة الثنائي (بينيت – لبيد) متنوع وتعددي، ففيه أحزاب اليمين وفيه أحزاب المركز، وفيه ايضا احزاب اليسار. كما ان فيه من التناقضات ما يمنعه من تنفيذ سياسات متطرفة تجعله يتفوق على سياسات الليكود وسموتريتش وبن غفير، وذلك على المستويين العربي المحلي والفلسطيني، ما يمكن ان يذهب بالأوضاع الى مزيد من التدهور والصدام. فلا يمكن منطقا مع هذا الوضع، عقد مقارنة مِنْ نوع ما ذهبت اليه المشتركة. اما عمليا، فالتعاون بين المشتركة والليكود وبن غفير وسموتريتس الذين لا يخفون استهزاءهم بالمشتركة، ونواياهم الحقيقية من وراء تعاونهم المحدود معها، فلن يحقق للمجتمع العربي حتى "الفتات" الذين يحلمون به، بينما التعاون بين الموحدة والائتلاف الحكومي حقق الكثير من الانجازات التي لا ينكرها الا جاحد، وما زال الحبل على الجرار. فالمنطق السليم يستدعي ان تستغل المشتركة – رغم الخلافات – وجود الموحدة في هذا المكان السياسي غير المسبوق من اجل تعاون أوثق بهدف تحقيق مزيد من الانجازات للمجتمع العربي، بعيدا عن اسلوب المماحكة السياسية التي لا صلة لها بالمصالح العليا لمجتمعنا.. 4. الموحدة والمشتركة لا تعيشان وضعا مثاليا، الخيارات فيها واضحة بين ابيض واسود، وكذلك مجتمعنا العربي وما يعاني منه من ازمات داخلية واخرى خارجية، أضافة الى وضع شعبنا الفلسطيني على الطرف الاخر من الحدود، وامتنا العربية التي وصلت اوضاعها الى درك غير مسبوق ايضا.. أحد انعكاسات هذا الوضع البائس، اننا كمجتمع عربي فلسطيني في الداخل نخوض معركتنا وحيدين وبلا ظهير او سند حقيقي يمكن الاعتماد عليه. وعليه، فنحن مطالبون بان "نخلع شوكنا بأيدينا" وشد الحبل مع الدولة الى منتهاه دون ان نقطعه، ونمضي معها الى حافة الهاوية دون ان نقع فيها… هذا الواقع يفرض على المشتركة ان تعيد النظر في رؤيتها الاستراتيجية التي بدأت تهدد واقعنا العربي دونما نتيجة يمكن ان تصب في صالح مواقفها التي لا تعدو ان تكون "لعبة اطفال" لا تسمن ولا تغني من جوع.. 5. لو نظرنا في مآلات سياسات (المشتركة) مقارنة بمآلات سياسات (الموحدة) من حيث نتائجها وآثارها على مجتمعنا العربي الفلسطيني، وحتى على القضية الفلسطينية برمتها، لوجدنا ان مآلات سياسات الأولى أخطر بكثير على مجتمعنا وشعبنا من سياسات الثانية.. المشتركة بتحالفها (المصلحي!) مع الليكود واليمين القومي والاصولي المتطرف، تخدم من حيث تعلم او لا تعلم مصلحة الليكود ونتنياهو سموتريتش، وتعزز من فرص عودتهم الى الحكم المنفرد والذي سعت المشتركة الى احباطه ومنعه، وبه تفاخرت دائما، الامر الذي سيعيد المنطقة الى حكم نتنياهو الذي خبرنا شؤمه علينا وعلى شعبنا! (5) السؤال الذي يفرض نفسه هنا: اين تكمن مصلحة المجتمع العربي والقضية الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة؟ ان يحكم اسرائيل حكومة يمينية متطرفة ذات نسيج واحد برئاسة الثلاثي نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، ام حكومة تعددية يحكمها اليمين والمركز واليسار؟ اعود واكرر حتى لا ننسى اننا لسنا في وضع مثالي يجعلنا نختار بين البدائل بأريحية وارتخاء، وانما الخيار قائم على الموازنة بين المفاسد والمفاسد، وليس بين المصالح والمصالح، ولا حتى بين المصالح والمفاسد! بعيدا عن التعصب للرأي وللحزب، أسأل: ايهما اقل مفسدة حكومة برئاسة نتنياهو ذات لون واحد، ام حكومة تعددية كما ذكرت آنفا؟ يجب على المشتركة ان تعترف ان كانت صادقة مع نفسها ومع شعبها، انها تخوض معركتها على اقل تقدير وهي تخاطر بعودة اليمين المتطرف ذو النسيج الواحد الى حكم اسرائيل! فهل هذا في مصلحتنا؟ وعليه، فلماذا لا تعود المشتركة خطوة الى الوراء لعلها تنجح في ان تتحرر من قيد الاعتبارات الحزبية والتنظيمية والشخصية الضيقة، الامر الذي سيتيح لها حتما التفكير بعقلية متحررة من الضغوطات التي ذكرت، والتي هي اساس مصائب مجتمعنا وامتنا على السواء وعلى مدار التاريخ! كلي أمل في ان تجد المشتركة الحل السحري الذي يجمع الجهود بعضها الى بعض، لتصب في خدمة المجتمع والشعب، بعيدا عن الحرب الاعلامية المأزومة التي تصبغ المشهد اليوم، والتي تدفع بكل اصحاب الضمائر في هذا المجتمع وهم الاغلبية الساحقة الى احضان الاحباط واليأس والعزوف عن المشاركة في الحياة السياسية بكل أشكالها، ولعب دور إيجابي في حمل الهَمِّ الوطني والهَمِّ اليومي.. اما الموحدة فهي جاهزة على الدوم للقاء في منتصف الطريق بما لا يخل بقواعد العمل في ظل الظروف الراهنة والتي هي نتاج اجتهادات مشروعة للطرفين (الموحدة والمشتركة).. سيظل التراشق والتطاول والاتهام، هو غير المشروع دائما، وسيظل هو ما يهدد مجتمعنا أكثر من اي شيء آخر! * رئيس الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني – 1948