تفتتح عالمة الاجتماع المغربية بلسانها الفرنسي كتابها: الحريم السياسي والنبي ،بسؤال محدد ومستفز للذكورية المعاصرة ،هل يمكن لامرأة أن تقود المسلمين ؟ وهذا السؤال وجه لشخص سمته ،السمان، ورمزية الشخص توحي لي ان السؤال وجه بشكل عام ،أي انه وجه للعامة وجوابها كان عاما في نوع من الازدراء وكأنها ارتكبت ادا عظيما ،حيث صرخ في وجهها *أعوذ بالله *وجاءها الرد القاسي والمفحم بحديث نبوي *لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة *وتزيد المرنيسي في حديثها بحالة شعور انتابتها من أنه يتعين عليها ان توثق من هذا الحديث وتنقب على سنده واصله وفصله . وبعد عملها البحثي استنتجت بعض الأمور المرتبطة بسنده ودقة متنه ، اعتبرته الحجة الحاسمة لأولئك الذين يريدون ابعاد المرأة عن السياسة. والمرنيسي سلكت طريقا جعلت من موضوع أو شخصية عائشة أم المؤمنين والمحاكمات التاريخية التي وقعت لها من طرف مؤرخين وباحثين في التاريخ السياسي الإسلامي، ففي أطروحة فؤاد عبد المنعم حول مبدأ المساواة في الإسلام وكتاب حول حقوق المرأة في الإسلام تأليف محمد عرافا يؤكد فيه انه لا يوجد للمرأة حق فحسب، بل انها لم توجد أبدا في التاريخ السياسي. وهناك مؤرخ معاصر آخر، سعيد الافغاني الذي اختار ام المؤمنين عائشة كموضوع لبحث استمر عشر سنوات بهدف تنوير المسلمين عبر هذه السيرة حول مسألة أصبحت ملحة منذ التكلم بالتحديث ،أي مسألة علاقة المرأة بالسياسة .وقد ظهرت هذه السيرة لعائشة لأول مرة سنة 1946،مع عنوان واضح حول موضوعها :عائشة والسياسة ويرجع الفضل الى سعيد الافغاني لنشره نصين أساسيين آخرين عن عائشة لم يوجد حتى ذلك الحين الا تحت شكل مخطوطين غامضين :أولهما مجموعة مناقضات وتصحيحات أدخلتها على بعض الاحاديث والتي هي في رأيها كانت رويت بشكل سيء من قبل الصحابة . والنص الثاني هو مؤلف خاص بسير النبلاء للذهبي ، المكرس لسيرة عائشة ، رغم ان المرنيسي أشادت بهذا المؤرخ الا أنها جامت غضبها عليه حينما خلص الى خلاصات ذكورية اعتبر ان السلوك السياسي لأمنا عائشة شكل حجة لمنع اقتراب النساء من السياسة، وهذا الموقف الغريب يشكل ظلما للتاريخ الإسلامي وللمرأة في السياسة الشرعية. وتستطرد المرنيسي في عرضها لأفكار الافغاني سعيد حيث ترى انه على قناعة انه لوا تدخل عائشة في القضايا العامة للدولة الإسلامية، لكان التاريخ الإسلامي اتخذ طريق السلام والتقدم والرفاهية. وترد المرنيسي على الافغاني بان ترفعه الى العلى ثم تهوي به الى الأسفل، حينما طرحت بمنهجها البحثي والاستقصائي عن المراجع التي اعتمدها في اتهام ام المؤمنين بانها المسؤولة على الدم المراق في العالم الإسلامي منذ 4 كانون الأول 656 ميلادية، وتتساءل عن المصادر التي اعتمدها في استخراج الحجج التي تسمح له ان يعمم، وان يمر من حالة عائشة الى حالة كافة النساء الاخريات. وكان الرد الرزين بان اعتبرت الافغاني قد استغل الأسماء الكبرى في الادب الديني الإسلامي وبخاصة الطبري ، الأكثر حصانة من أن يهاجم من هذا الادب، وهذا المؤلف الذي تمتع بين بشهرة لا مثيل لها، وبأمانة وشرف لا يمكن جحدها، ومرجعا رئيسيا بالنسبة لكل من تلاه في مهنة التأريخ. وان المجلدات الثلاثة عشر من تاريخ الطبري هي بالفعل علامة ولوحة جدارية باهرة بالنسبة لكل أولئك الذين يعرفون خطوات الإسلام الأولى. وتزيد المرنيسي قائلة :-لقد قرأت وانا مسلحة بإرادة شرسة للمعرفة ، الطبري والمؤلفين الآخرين وبخاصة ابن هشام كاتب السيرة ،سيرة الرسول ،وابن سعد مؤلف الطبقات وابن حجر مؤلف الإصابة في تاريخ الصحابة ومجموعة احاديث البخاري والنسائي .وذلك من اجل ان اعرف وأوضح سرهذا العداء للنساء الذي يتوجب على النساء المسلمات مواجهته في عام 1986. وتزيد في تنقيبها على موطن الداء في جعل النص الديني سلطة سياسية في يد من يريد ان يشرعن للذكورية السياسية في ابهى تجلياتها ، ولذلك تطرقت للحديث المختلق او الموضوع الذي يسمح على الفور بإضفاء الشرعية على مثل هذا الفعل او هذا الموقف . ولذلك منذ الأجيال الأولى ظهر أحد المؤسسين لعلم الاسناد وهو البخاري والذي شكل طفرة في علم الحديث بمنهجه الصارم في ضبط المتن والسند. وعن عملية التذكر ترى المرنيسي انها في أيامنا هاته نشاط مراقب على مستوى عال ، وان الماضي النائم يمكن ان ان ينعش الحاضر، وتلك هي فضيلة الذكرى، السحرة يعرفونه والائمة كذلك. وتعترف المرنيسي بعزلتها في البحث والتنقيب حيث تقول انني وحيدة في الذاكرة، دون حراس وأدلاء: وسلوك الشعاب الغير محرمة، سوف يكون تصرفا طفوليا، الا انه بكل بساطة مدعاة للسرور، وعمل له لذته، وان كان غير مألوف كثيرا، وهو ما يزال غير مكتشف ، وربما كان ذلك لأن السلطة لم تمر بهذا ، فهل التسكع، على هوى القراء ، في البراري الواسعة من الذاكرة الإسلامية التي هي ذاكرتي ،عمل مؤتم ؟الم يقل القرآن *اقرأ*بكل بساطة ؟ وتتساءل المرنيسي، أيمكن ان لا يقرأ قط بكل بساطة نص تجتمع فيه السياسة مع المقدس، ويجتمعان ويذوبان فيه لدرجة يصبحان غير متميزين؟ ليس الحاضر لوحده الذي شاء فيه الائمة والسياسيون ان يسوسوا الأمور ليضمنوا سعادتنا بصفتنا مسلمين ،اه بخاصة الماضي الذي روقب بأحكام وشدة والذي بالكلية أديرمن أجل الجميع ، من أجل الرجال ومن اجل النساء. وفي الواقع ان الذي جرت حراسته وادارته، هي ذاكرة التاريخ. ولذلك جاءتها فكرة كتاب الحريم السياسي، والنبي حيث توضح دور النساء في المجتمع ومشاركتهن في الثورة الحضارية في تلك الفترة. عائشة والأمومة السياسية عائشة تشكل حضن النبوة ومرجع العلم بشهادة زوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكنت انتظر من المرنيسي، وهي تنافح على ام المؤمنين ،رغم انها لم تعر لهاته الصفة القرآنية اعتبارا، وهاته الصفة تبين القيمة الأساسية لنساء النبي ،فهن في مرتبة الامومة أي انهن أمهات المؤمنين ،وهذه الصفة القدسية والروحية شكلت قوة عطاء لدار النبوة في انبعاثها وتأثير السياسي والاجتماعي . لقد تعرضت امنا عائشة لظلم اجتماعي بسبب حادثة الافك، ورغم ذلك صبرت واحتسبت الامر ابتلاء، وبمفهوم المعاصرة امتحان سياسي ، تمر منه كل المناضلات في زوبعة الذكورية التي تتقمص دور المتحكم في القيم ، ولذلك التدخل الإلهي لفضح جبروت التحكم الذكوري ،انتصر لعائشة وانتصر لبيت النبوة ،لأنه بيت طاهر ومقدس. وهنا نتحدث عن الدور الذي كنت انتظر من المرنيسي ان توضحه وهي تريد ان تنتصر لعائشة لا لتقاطعها العقدي ولكن لأنها تنتمي الى الانثوية الفيزيولوجية، أي انها تدافع عن عائشة التي شكلت ثورة حضارية على الذكورية الإسلامية السياسية ، وأسست منهجا للمشاركة الانثوية في الفعل السياسي العام والخاص. كما ان الرسول وجه الجميع بأخذ العلم من عائشة، وهذا التوجيه المقاصدي ،هو فعل يؤسس لموقع المرأة في التوازنات الاجتماعية والسياسية. فهي عالمة بالشرع والحديث ونقله، وهي ام المؤمنين وزوج الرسول وابنة الخليفة الأول، ولذلك هذا الموقع الحضاري ، جعلها تشارك بالقرار في فتنة ما بعد السقيفة ، والتي كانت امتحانا للإسلام السياسي في تنزيل ما يسمى بالنظرية الشرعية الإسلامية في الدولة. ولقد جعلت المرنيسي من تجربة عائشة في السياسة ورشا لتفكيك الذكورية الصحراوية في زمن ما بعد النبوة، واظهرتها بنوع من الجرأة والبطولة في الخروج عن علي، ورغم ان التدقيق التاريخي في رواية الاحداث فيه ما فيه من التضخيم والانتقاص من الأشخاص ووضعهم تحت مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالسلطة وانقسام الرأي. فما يهمني من هذا الحديث هو ان المجتمع الخليفي بمافيه من تناقضات وخلافات وانقسامات شكل بداية تأسيس للرأي وتشكل الدولة الحديثة التي أسست على تزاوج ما بين السلطة الدينية والزمنية في بداية العهد الاموي بعد ما انقسم المسلمون الأوائل لأطياف وملل ونحل. وترى المرنيسي انه رغم الحرب والقتل فيما بين الجانبين اتباع على واتباع عائشة، الا انه لم يسجل حالة إهانة لعائشة، وكانوا ينادونها بالأم، ومما يدعو لدهشة القارئ المعاصر الذي يتفحص مسيرة هذه المعركة الشهيرة معركة الجمل، ذلك الاحترام الذي أظهره السكان، مهما كان وضعهم حيال الحرب، اتجاه عائشة. لقد تقمصت المرنيسي دور عالمة الجرح والتعديل في تتبع الاحاديث التي تعادي النساء ،وهذه النبرة فيها نوع من الحكم المسبق على النص الديني بخلفية يمكن اعتبارها حداثية اوفيها من نبرة العلمانية التي ينقصها شيء من العلمية ،فالمنهج الذي اعتمدت عليه المرنيسي رغم انها في سردها للاحاديث لم تحترم صيغة وضعها او لعل الراجح في ان الترجمة كانت بعيدة عن القصد ،فاصل الكتاب فرنسي لكن الذي ترجمه مشرقي ،ويمكن اعتبار الترجمة بعيدة عن الغاية التي جعلت من مقدمي كتابها الحريم السياسي ،يقع في صيغ مشوهة للنص الأصلي ،وكان عليه ان يقدم النص تقديما واضحا حتى يكون عادلا في تقديم أطروحة المرنيسي وهي تحاكم الذكورية الإسلامية التاريخية في سجنها الابدي للنسوية. المرنيسي كانت كما تحكي في طفولتها ، معاناة الطفلة المدللة مع المسيد، حيث ان هذه القواعد التي تتحكم في تعليم وحفظ القرآن، أسست نوع من الرفض الذاتي وهذه الخاصية تجعلها تعترف بان هذا الغموض ،وهذه الثنائية التي تعاملت فيها مع النص المقدس ستبقى في نفسي. النص المقدس، حسب من استعمله، يمكن أن يكون مجالا للتملص أو سورا لا يمكن اجتيازه ، يمكن ان يكون تلك الموسيقى الغير اعتيادية التي تعد الى الاحلام، او الى نمطية روتينية محزنة . وتضخيم المواقف جعلها تسقط في قفص اتهام الإسلام في أمور ليست قطعية وخاصة حديث ان المرأة تقطع صلاة الرجل، وكان الأصل انها تأخذ الحديث بمقصده وليس نسونة النص الديني وجعله في موقف المتهم من احتقاره للمرأة وتناقض اهل الرواية في نقل الحديث من صحته. وهذا العجز في الادراك جعل المرنيسي تهيم في ارض مبسطة وسطحية بعيدة عن الأصول، مما جعلها تؤسس لمنهج الغريب في علم الاجتماع الديني، أي البحث عن المتناقض في مكنون المجتمع ونخبه. وكان الأصل ان نتحدث عن قطع الصلاة على الجميع وليس فقط الرجل، أي انه ان مر رجل وتبول على مكان الصلاة، فهل تصح الصلاة فيه ام لا في تلك اللحظة وهل تقطع صلاته، لذلك ومرو المرأة من امام المرأة في الصلاة وهي في حالة حيض او في يديها نجاسة وسقطت على مكان الصلاة ، فهل تصبح تلك الصلاة فيها مافيها من نقص. فالمرنيسي صورت في قراءتها النسوية للنص الديني على انه يزدري المرأة ،وهنا يغيب القصد ويحضر الخيال النسوي البارع في نصب محاكمات تاريخية انتربولجية للذكورية الصحراوية التي كانت تتعامل مع المرأة بنوع من الازدراء ،وكان الأصل ان نتحدث بلغة نضع فيها المقصد من حديث قطع الصلاة ،وهو حديث يؤسس لمنهج وقائي للحفظ على احد اركان الإسلام المرتبط بشرط الطهارة ،فهي طهارة المرأة والرجل على حد السواء ،ولأن اللغة الحديثية فيه نوع من البيان والاعجاز فان المرنيسي العالمة في علم الاجتماع أسس منهجها على الظن والاحكام المسبقة البعيدة عن تريث الباحث الانتربولجي وسقطت في وهم التدليس والتضخيم وانزوت الى سلم الحداثة السائلة تهيم في الأرض . وتتدخل عائشة لتعارض حديث أبا هريرة لأنها بفهمها ليس بصفتها زوجة الرسول فحسب بل لأنها توفر على إمكانيات خاصة وهذا بشهادة السؤال عنه في أخذ الحديث من للأمور، عرفت ان فيه نوع من اللبس ولذلك ردت عليه: تقارنوننا الآن بالحمير والكلاب. والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على أهبة إقامة صلاته، وكانت هنالك ممددة على الفراش، وبينه وبين القبلة، ولكي لا أشرد ذهنه، كنت اتحاشى أن اتحرك. لقد تعود المؤمنون أن يأتوا الى عائشة، ليتأكدوا مما يسمعونه من أقوال، واثقين في أحكامها، ليس بصفتها قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم . ولقد تعود المؤمنون ان يأتوا الى عائشة، ليتأكدوا مما يسمعونه من أقوال، واثقين في احكامها، ليس بصفتها قريبة من النبي ولكن لإمكانياتها الخاصة، وأتلمس هذا التعاطف غير البريء من المرنيسي مع عائشة وتصويرها على ان كانت ضحية ، لتؤسس لرد فعل انثوي في زمن الحداثة على الفكر الديني في تلك الفترة الزمنية من تاريخ يؤسس لبناء دولة جديدة، ولكن وقع نوع من الفتنة الاجتماعية بسبب حالة التمدد الجغرافي لدار النبوة والخلافة. فهي تصف بعض الأحاديث بانها تنجس المرأة، وهذا الوصف يخرجها من جادة الباحث الأنثروبولوجي لتسقط في تحيزها لمنهج النسوانية في ثورتها ضد الفكر الديني الذي هو امتداد للذكورية المتوحشة. ان المرنيسي بهذا المنهج تحاكم النص الديني برمزية عائشة الضحية وبتهم ارتكبت من طرف من يدور في نسقها العلمي والشرعي والنصي المرتبط بالوحي. فهي اختلفت مع رواة الحديث، وقدروا ضبطها للنص الديني، وكانت لها مواقف ثابتة في قضايا مصيرية بامتياز. وترى المرنيسي في الحديث عن النجاسة شكل مقزز للمرأة ،والحال ان الحديث ليس على النجاسة بقدر ما ان الحديث كان على الطهارة وهي شرط العمل وخاصة الصلاة التي هي عماد وهوية المسلم، ولكن عند المرنيسي تشكل لحظة عقاب نفسي للنسوية لأنها موضع نجاسة في كل فترة من الفترات ،فهي تذكر بالنقص والخبث والنجاسة، وهذا الوصف يعيد السؤال من جديد ،ان العين التي ترى بها المرنيسي هي عين فيها نوع من الضبابية ،وهذا ما جعلها تقع في قفص التحيز، مما جعلها لا تستطيع ان تفرق بين النص وهويته وبين الواقع وطباع القوم ،مما ترك نوعا من الانطباع في ان الكتابة الانتربولوجية المغربية بلغة غير مغربية يجعلها تصبح غريبة عن أصول الفكرة ،مادام ان المفكر مغربي لكنه يكتب بلغة الغالب ،فطبيعي ان يعيش ازدواجية الغربة في زمن الحداثة ،وفي زمن المحاكمة للنص الشرعي بتمدده وتقلبه. وتخلص المرنبيسي لترجع الى الوراء ،شاهدة بان في بداية تعليمنا الديني يبدأ بهذا التنبيه المحمول للجسد ،ولإفرازاته للسوائل ،ومنافذ الجسد التي على الطفل ان يتعلم السهر عليها لمراقبتها بدون توقف، ويفرض العمل الجنسي طقسا أكثر اعدادا بالنسبة للرجل والمرأة .فبعد أيام طمثها ،على المرأة أن تغتسل بالكلية حسب طقس واضح .ويؤكد الإسلام على واقعة ان الجنس والحيض هما بالفعل حدثان فوق العادة –بالمعنى الأصلي –للكلمة ،ولكنها لا تجعل من المرأة قطبا سلبيا يلغي بنوع ما الحضور الإلهي ويعطل نظامه ،بيد أن رسالة النبي ،على مايبدو ،وبعد خمسة عشرقرنا ،لم تدخل بعد في آداب العالم الإسلامي. ولقد تفننت في الابداع في البحث الاجتماعي في شخصية الرسول وبيته وأهله ، لكي تصل الى مقدمات تؤسس عليه معالم الحريم السياسي او ما يمكن ان اسميه بالنسوية السياسية ، انها بالفعل انتربولوجية متمكنة من حرفتها التأصيلية ومبدعة في ان تغير المعالم والطرق بصناعة وهم الانثوية في تمددها في صراع ضد الذكورية . تعاتب المرنيسي أبا هريرة الذي وصمته بأنه له مشكل مع المرأة، والذي عارض لقبه بأباهر، عوض أبا هريرة ، حيث ترى ان العلاقة بين المقدس والمرأة، علاقة تنبسط من جهة أخرى مع مسرحية أكثر من خاصة في حالة الإسلام كممارسة جنسية، لأنها تنفرد بمغامرة يشغل فيها الحجاب مكانا أساسيا. وقد سقطت في التحيز للحداثة السائلة حينما تطرقت لمسالة الحجاب واعتبرته مدعاة للاختباء النسوي، رمزيا على الأقل، محاولة لتغليفه، لاخفائه، لتقنيعه. وتساءلت هل يمكن ان يكون الحجاب، المحاولة لحجب المرأة، الذي نطالب به في أيامنا كمنشئ للهوية الإسلامية، ليس هو في الواقع سوى التعبير عن عقلية الجاهلية ذاتها التي افترض ان الإسلام قد أنهاها؟ والحديث عن عائشة في فكر الحداثة السائلة ، يحيلني الى ما طرح في أحد المقررات التاريخية من فقرة تشكل وضعية وهي صراحة تمثل وضعية الفكر الحداثي الذي يعيش ازمة مرتبطة بعدم قدرته على التطور في طرح الأفكار ومواجهة الحجة بالحجة، ولذلك حضور الفعل التاريخي وتوظيفه في نقاش او صراع سياسي يظهر للعامة انه نقاش فكري لمنه للأسف بعيد عن الفكر وقريب من السطحية. انها بالأساس توضح ان النسوية السياسية مازالت غير قادرة على امتلاك اليات التعقل والحكمة في اختياراتها لتبقى سائلة المنِشأ والوسيلة والنتيجة. وفي حديثها عن الحجاب يظهر ان هذا الستار يشكل قيدا على المرأة التي تحررت من العديد من النواقص ،والحجاب في منزلتين ،ستار النبوة وتوقير اهله وداره باعتبارها أصبحت تعج بالضيوف وكثرة المسلمون ،مما كان من اللازم ان يتم تنظيم الزيارات ولذلك هنا يحضر الجانب القيمي الذي أسست عليه الامة الإسلامية . تقول المرنيسي وهي مسرعة في حكمها الحداثي على واقعة نزول اية الحجاب وهي ليس وضع حاجز بين رجل وامرأة ،وانما بين رجلين ،والحجاب هو حدث محدد التاريخ ،وهنا بدأ التخصيص والتنظيم القيمي للعلاقات الاجتماعية .وعلى ذلك فان قراءة سريعة للنص القرأني ،كما هو في قراءة شهادة أنس التي أعاد الطبري ذكرها .وارى ان القراءة السريعة للنص الديني ظلم منهجي له ،لأن عمر هذا النص تجاوز الالف سنة ونحن بمنهجنا البحثي العاجز على الشمولية في التحليل ،لا يستطيع ان يمارس فعل القراءة بشكل متأني ،وطبيعي ان تقع المرنيسي في وهم الاجتماعي الذي يظن انه قد وقف على الخلل ،في حين ان جزءا من الخلل راجع لانطباعتنا الفكرية المتصفة بنوع من السطحية الغارقة في التبسيط والاتهامات . وترى المرنيسي ان مفهوم الحجاب ثلاثي الابعاد، وهذه الابعاد الثلاثة غالبا ما تتقاطع من جديد، فالبعد الأول هو بعد رؤي، الحجب عن النظر. فجذر الفعل حجب يعني اخفى ،خبأ .والبعد الثاني هو فراغي ،فصل ،عين حدا ،أقام عتبة واخيرا البعد الثالث والأخير وهو أخلاق يعود لميدان المحرم. لكني افاجأ ي عدم تخصيصها فصلا للحديث عن الحجاب كستر للمرأة ، ويمكن ان نعرج في هذا الامر لأنها كانت تتناول الموضوع من موقع الانتربولجي أي مكان الاشتغال وزمن ه ،أي بيت النبوة وبفترة النبوة ومابعدها ،وهاته الفترة بخصوصيتها تجعل المتلقي يتأمل في الاحكام الجاهزة والسريعة بلغة فرنسية قريبة الى المجهول منها الى المعلوم. ولا انتظر ان يكون تحليلها في صالح الذكورية الإسلامية ،لنها ليست حرفتها بل هي تؤسس لنمط جديد في الحوار والتأريخ للظاهرة النسوانية في الجزيرة العربية وتنقلها الى الوطن الكبير . وبهذا شكلت المرنيسي حالة نادرة من الجمع بين البعد التاريخي في الخطاب والتحليل والممارسة وبين البعد الاجتماعي بمناهجه المختلفة .