إن الحديث عن الإنسان بصفة عامة، وعنه أيضا باعتباره بنية من صنع الخالق عز وجل، يسوقنا إلى النظر في جوانب هذا المخلوق؛ المادية منها والوجدانية والثقافية والسلوكية...وغيرها من الجواب الأخرى التي تشكل ماهيته وكينونته، وجل هذه العناصر تتداخل لتشكل جزءا لا يتجزأ من المنظومة القيمية لدى الإنسان، فالقيم تحدد الاستعدادات الأولى لسلوك الإنسان؛ والجانب الأخلاقي هو الجانب الظاهر من هذا الحيز القيمي الكبير، وإذا حاولنا أن نُعَرِّف الإنسان كما قال الدكتور محمد بلكبير " أو أن نضيف إلى تعريفاته السابقة التي عرفه بها المناطقة، باعتباره إما كائنا مفكرًا أو كائنا صناعيا، فهو كائن أخلاقي أيضا، وكائن قيمي، وفي غياب البعد القيمي لا تقوم للإنسان قائمة "، ومن ثمة تنكشف لنا المكانة التي تشغلها القيم في المجتمع. ولو تصفحت وتفحصت الإنسانية الدين الإسلامي، أو جل الديانات السماوية التي خلت، لاستقرت القناعة القويمة في كون الله سبحانه وتعالى قد سطر في كتابه الحكيم، الذي جاء به على لسان الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، مبعوثا ومتمما لمكارم الأخلاق من جهة، ومبلغا لرسالة ربه من جهة ثانية، ومفاد ذلك أن القيم التي أتى بها صالحة لكل زمان ومكان، وما يعرفه واقعنا المعيش اليوم من أزمة حادة يتخبط في زحمتها شبابنا، ما هو إلا ضريبة يؤديها المجتمع بأسره جرّاء خلفيات هذا التنكر للقيم التي تحكم الإنسانية جمعاء. لقد أصبحت القيم الآن تعرف نوعا من التدافع والتصادم، فصار كل سرب يغني على هواه، حتى أن القيم حرفت عن موضعها، وجردت من ثيابها الطاهرة، فغدا كل واحد يلبسها ثوبا على مقاسه؛ تحت مسمى " الحرية في اختيار القيم التي تمثلني" من زاوية خاصة تحجب عنه رؤية حدود قيمه إلى جانب الآخرين، ونضرب لذلك مثالا حيا في واقعنا الراهن؛ من خلال ظاهرة المثلية وما ترتب عنها من اختلال في الاستقلالية التي تفصل خصوصية الرجل عن المرأة في الحياة، وما يدعو إلى الغرابة مطالبة مكرسي هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر المخلة بخصال المروءة والقيم النبيلة، مطالبتهم بحق التعبير عن قناعاتهم، وضرورة احترام اختياراتهم ومعتقداتهم، والأدهى والأمر من ذلك أنهم يحظون بدعم من (جمعيات حقوقية)معينة، وهذا مثال حي يدفعنا إلى التساؤل عن ماهية المرجعيات التي يتوكأ عليها أصحاب هذا الفعل؟، ومتى كانت الإنسانية تبيح الزواج المثلي، أو غيره من السلوكيات اللا أخلاقية؟ وما محل المؤسسات المجتمعية من ذلك؟ هل تقوم هذه الأخيرة بالتعليم أم تتعداه إلى التربية. تهدف الأسئلة التي تم بسطها إلى استنطاق هذه الأزمة التي كبلت المجتمع بأصفاد صدئة، فأصبحت المجتمعات على إثرها تبحث عن الخلاص في اللجوء إلى القوانين الوضعية، التي انزاحت هي الأخرى عن هذا التيار القيمي، لتكرس لنا ثقافة أخرى؛ مفادها الزجر ومجابهة العنف بالعنف، والشيء نفسه نقوله عن ظاهرة التطرف التي من استدراج فئة واسعة من الشباب الحالم بمستقبل زاهر، فزاغت بهم عن وجهة الحق إلى ما عداه، كيف لا؟ وقد وقع هؤلاء في شبكة من انعدمت عندهم القيم، مدعين امتلاك الحقيقة، حيث يحورون لهم الباطل حقًّا، يجعلون من العالم جاهلا ومن الجاهل عالما، وحتى إذا أفاق شبابنا من غفلتهم، وجدوا أنفسهم في مستنقع يصعب النجاة منه. وأمام هذا الواقع المتردي نجد أن الحل الأنجع للخروج من شرنقة التيه التي سقط فيها الشباب، ولإسعاف مجتمعاتنا اليوم من هذه السلوكيات المخلة بديننا، وبمبادئ الإنسان، نجد انه يكمن في رد الاعتبار للمنظومة القيمية وجعلها نظامًا حياتيًّا يعيد تأهيل العنصر البشري للتفاعل بشكل سليم مع الواقع، وذلك حتى يصالح شبابنا نفسه أولا، ولكي نفك أسر مجتمعاتنا من حريات وحقوق مصطنعة ظاهرها فيه خير وباطنها من قبله العذاب.