تعرضت الصحفية والمرأة الضحية في قضية اغتصاب معروضة على القضاء، لحملة تشهير وافتراء وتلفيق تهم بلا سند ولا دليل، كان ذنبها الوحيد جرأة البوح وقوة العزيمة على كسر حاجز الصمت الذي بناه المجتمع الكاره لجسد النساء، مجتمع من بين مجتمعات طبعها العرف والتقليد في صنع صور نمطية ممنوع العبث بملامحها ومحرم التمرد على الحدود التي وضعت بمنطق التمييز. مكره ذاك الأب أو مجبر على الدفاع بعاطفة أبوية، ومكلومة تلك المرأة وهي الأم التي من حقها احتضان ابنها حرا بلا قيد اعتقال احتياطي أو حكم نافذ مرهق للحرية. لكن، عذر وعاطفة الوالدين لا تسمح لهما أبدا بتبخيس عاطفة أب وأم أنجبا الأنثى بذل الذكر. فهل فكرا والدا عمر وهما ينهالان بالتهم والسب والقذف والتشهير في حق الضحية، أن للأخيرة أب وأم وعائلة وقبل ذلك كرامتها كبشر. فحين تنصت لرجل يساري تقدمي وحداثي وهو يتحدث عن امرأة، ويصفها ب "شبه العارية" إبان حضورها لحفل جماعي، ويناقش حريتها بمنطق ظلامي رجعي، فذاك بيت القصيد الذي اجتمع فيه يمين اختار التطرف بالدين، ويسار تاهت عليه معالم الفكر الحداثي واختلت له الموازين، حتى بات الفصل بين خطاب هذا وذاك أمرا مستعصيا حتى على المتخصص في تحليل الخطاب. كيف يفسر لنا المتحدث بقبعة الأب هجومه اللفظي الذي صار عنفا نفسيا ممنهجا ضد ضحية اعتداء جنسي، أم انه لا يعلم أن المشرع المغربي في قانون محاربة العنف ضد النساء، اعتبر كل اعتداء لفظي بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها أو بغرض تخويفها أو ترهيبها يعد جرما لا مجال لتجاهله، كما أن كل قول من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة يعتبر عنفا جنسيا حسب ذات التشريع، أو لا يعلم بالقاعدة القائلة أنه (لا يعذر أحد بجهله للقانون). لعل عدم ثقته وعائلته في سلطة القضاء والمؤسسة الأمنية مبرر لإتيان العمل والسلوك واللفظ المهين دون حسيب ولا رقيب. وقِيلَ إن الضحية استعملت من قبل جهات معنية بالتحقيقات الصحفية التي أنجزها المتهم، وهنا لابد من طرح التساؤل المشروع، أين نشرت المنجزات الصحفية؟ حتى يتسنى للعاقل تحليلها ومعرفة المقصود منها ورسم معالم حرية الرأي فيها، وبالتالي تحديد الجهات التي تضررت لدرجة الرغبة في الانتقام. ثم لفائدة من أنجزت هذه التحقيقات؟ هل لفائدة الشعب المغربي؟ في إطار نضال وفكر يقبل الجدل بعد النشر والمناقشة لمعرفة التموقع الحقيقي لهذا وذاك، وكيف كانت هذه التحقيقات مناطا لضمان وحدة واستقرار هذا البلد؟ أكيد أن المغرب بلدنا جميعا، وبعبارة الأب "المغرب ديالنا" ولكن ألا يعتبر العنف النفسي والجنسي ضد الضحية إقصاء وتمييز لهذه الأخيرة وكأنها ليست مواطنة، وإنما وسيلة لتصفية حسابات ضد من تسمونهم بالبنى السرية. ما تبث تأكيدا من خلال تصريح الوالدين أن الضحية باتت وسيلة بيدهم لا بيد غيرهم من أجل التأثير على القضاء، وهدر سبل الانتصاف واستجداء عاطفة المتضامنين، لقلب المراكز القانونية بين المتهم والضحية وجعل الأخيرة جانية وليس حتى متهمة متمتعة بقرينة البراءة كما يتمتع بها عمر. حتى باتت في مخيلة المتضامنين متحرشة ومغتصبة لم تحرر في شأنها شكاية ولا حتى وجه لها إنذار، وهي التي كانت حسب زعمهم تنذر المتهم بمحاولات مفعمة بفن الإغواء حسب ذكر "أمه"، مع العلم أن "الإغواء" الذي يتطلب الذكاء والفطنة والجدل العقلي بمهارة، عرف تاريخيا أنه فن يتقنه الذكور للإيقاع بضحاياهم من النساء. وإن صح قول، مواقع إلكترونية، أنهم قد نبهوا الرجل قبل واقعة الليلة المشؤومة، فلماذا فتق أصداف سرواله امتثالا لنفس أمارة بالسوء، ألم يكن حريا بالرجل النبيه والمنبه الابتعاد عن الإغواء أو الإغراء أو الاستدراج أو حتى التحرش والاغتصاب بمسافة آمنة تجعله بالفعل عاقلا وليس ذكرا متسلطا برغبته الجنسية الجامحة. فلو كان كل الأمر قضية محاكمة ضد حرية "الرأي والتعبير" لكانت الصحفية ذات الشواهد العلمية، والخارجة عن صوركم النمطية أول المتضامنين إلى جانب كل الصحفيين بمن فيهم الخبشي وغيره، إذ لا يعقل قبول منطق الكيل بمكيالين لتغيير الحقائق الصامدة بالمغالطات الواهية والاتهامات الكيدية ضد صحفي أو صحفية اختلفت مواقعهم في قضية جنائية ترتبط بالحق العام وليس بحرية الرأي والتعبير. فهل في قاموس حرية الرأي لدى المتهم وعائلته وصف زميلته بما توصف به العاهرة، ولو أن العاهرة تعتبر لدى الحقوقيين الحداثيين، إنسانة متاجر بها لأغراض جنسية وضحية مجتمع رفض الامتثال للمادة الخامسة من اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو) التي تلزم الدول باتخاذ تدابير مناسبة لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على المتحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين. لم نرى يوما "أما" تقبل اتهام ابنها، لكن للقضاء فيصل القول ببراءة أو إدانة متهم بعد افتحاص معطيات الملف ومناقشتها وتكوين القناعة الوجدانية المبنية على أجزم واليقين، وتعليل القرار الذي وحده سيكون عنوانا للحقيقة.